عیون الحکم و المواعظ نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
3237 ـ إِنَّ الدُّنْيا رُبَّما أَقْبلَتْ عَلى الْجاهِلِ بِالْإِنْفاقِ وَ أَدْبَرَتْ عَلى الْعاقِل مَعَ الْإِسْتِحقْاقِ، فَإِنْ أَتَتْكَ مِنْها سُهْمَةٌ مَعَ جَهْلٍ أَوْ فاتَتْكَ مِنْها بُغْيَةٌ مَعَ عَقْلٍ فَإِيّاكَ أَنْ تَحْمِلَ ذلِكَ عَلى الرَّغْبَةِ فِي الْجَهْلِ وَ الزُّهْدِ فِي الْعَقْلِ فَإِنَّ ذلِكَ يُزْري بِكَ وَ يُرْديكَ.
3238 ـ إِنَّ لِلدُّنْيا مَعَ كُلِّ شَرْبَةٍ شَرَقاً وَ مَعَ كُلِّ أُكْلةٍ غَصَصاً، لا يَنالُ الْمَرْءُ مِنْها نِعْمَةً إِلّا بِفِراقِ أُخْرى وَ لا يَسْتَقْبِلُ مِنْها يَوْماً مِنْ عُمْرهُ إِلّا بِفَراقٍ آخَرَ مِنْ أَجلِه وَ لا يَحْيى لَهُ فيها أَثَرٌ إِلّا ماتَ لَها أَثَرٌ.
3239 ـ إِنَّ الدُّنْيا عَيْشُها قَصيرٌ وَ خَيرُها يَسيرٌ وَ إِقْبالُها خَديعَةٌ وَ إِدْبارُها فَجيعَةٌ وَ لَذّاتُها فانِيَةٌ وَ تَبِعاتُها باقِيَةٌ.
3240 ـ إِنَّ الدُّنْيا دارٌ أَوَّلُها عَناءٌ وَ آخِرُها فَناءٌ، في حَلالِها حِسابٌ وَ في حرامِها عِقابٌ، مَنِ اسْتَغْنى فيها فُتِنَ وَ مَنِ افْتَقَرَ فيها حَزِنَ.
3241 ـ إِنَّ الدُّنْيا دارُ شُخُوصٍ وَ مَحَلَّةُ تَنْغيصٍ، ساكِنُها ظاعِنٌ وَ قاطِنُها بائِنٌ وَ بَرْقُها خالِبٌ وَ نُطْقُها كاذِبٌ وَ أَمْوالها مَحْرُوبَةٌ وَ أَعْلاقُها مَسْلُوبَةٌ وَ هِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ لِلْعُيُونِ وَ الْجامِحَةُ الْحَرُونُ وَ الْمانِيَةُ الْخَؤُونِ.
3242 ـ إِنَّ الدُّنْيا تُدْنِي الْاجالَ وَ تُباعِدُ الْامالَ وَ تُبيدُ الرِّجالَ وَ تُغَيِّرُ الْأَحْوالَ مَنْ غالَبَها غَلَبَتْهُ وَ مَنْ صارَعَها صَرَعَتْهُ وَ مَنْ عَصاها أَطاعَتْهُ وَ مَنْ تَرَكَها أتَتْهُ.
3243 ـ إِنَّ الدُّنْيا تُخْلِقُ الْأَبْدانَ وَ تُجَدِّدُ الْامالَ وَ تُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ وَ تُباعِدُ الْاُمْنيَّةَ كُلَّما اطْمَأَنَّ مِنْها صاحِبُها إِلى سُرُورٍ أَشْخَصَتْهُ مِنْهُ إِلى مَحْذُورٍ.
3244 ـ إِنَّ الدُّنْيا غَرّارَةٌ خَدُوعٌ مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ لا يَدومُ رَخاءُ ها وَ لا يَنْقَضي عَناءُ ها وَ لا يَرْكَدُ بَلاءُ ها.
3245 ـ إِنَّ الدُّنْيا سَريعَةُ التَّحَوُّلِ كَثيرَةُ التَّنَقُّلِ شَديدَةُ الْغَدْرِ دائِمَهُ الْمَكْرِ، أَحْوالُها تَتَزَلْزَلُ وَ نَعيمُها يَتَبَدَّلُ وَ رَخاءُ ها يَتَنَقَّصُ وَ لَذّاتُها تَتَنَغَّصُ وَ طالبُها يَذِلُّ وَ راكِبُها يَزِلُّ.
3246 ـ إِنَّ الدُّنْيا مُنْتَهى بَصَرِ الْأَعْمى لا يَبْصُرُ مِمّا وَرائَها شَيْئاً وَ الْبَصيرُ يُنْفِذُها بَصَرُهُ وَ يَعْلَمُ أَنَّ الدّارَ وَرائَها فَالْبَصيرُ مِنْها شاخِصٌ وَ الْأَعْمى إِلَيْها شاخِصٌ وَ الْبَصيرُ مِنْها مُتَزَوَّدٌ وَ الْأَعْمى لَها مُتَزَوِّدٌ.
3247 ـ إِنَّ |للدنيا| رِجالاً لَدَيْهِمْ كُنُوزٌ مَذْخُورَةٌ مَذْمُومَةٌ عِنْدَكُمْ مَدْحُورَةٌ يُكْشَفُ بِهِمُ الدِّينُ كَما يَكْشِفُ أَحَدُكُمْ رَأْسَ قِدْرِهِ يَلُوذُونَ كَالْجَرادِ فَيُهْلِكُونَ جَبابِرَةَ الْبِلادِ.
3248 ـ إِنَّ الدُّنْيا دارُ فَناءٍ وَ عَناءٍ وَ عِبَرٍ وَ غِيَرٍ.
فَمِنَ الْفَناءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ مُفَوِّقٌ نَبْلَهُ لا يَطيشُ سِهامُهُ وَ لا تُؤْسى جِراحُهُ يَرْمِي الشَّبابَ بِالْهَرَمِ وَ الصَّحيحَ بِالسَّقَمِ وَ الْحَياةَ بِالْمَوْتِ، شارِبٌ لا يَرْوى وَ آكِلٌ لا يَشْبَعُ.
وَ مِنَ الْعَناءِ: أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لا يَأْكُلُ وَ يَبْني ما لا يَسْكُنُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلى اللهِ بِلا بَناءٍ نَقَلَ وَ لا مالٍ حَمَلَ.
وَ مِنْ عِبَرِها: أَنَّها تُريكَ الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً وَ الْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً لَيْسَ بَيْنَ ذلِكَ إِلّا نَعيمٌ زلَّ وَ بُؤْسٌ نَزَلَ.
وَ مِنْ غَيرِها: أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلى أَمَلِه فَيَقْتَطِعُهُ دُونَهُ أَجَلُهُ فَلا أَمَلَ مُدْرَكٌ وَ لا مُؤَمّلَ يُتْركٌ.
فَسُبْحانَ اللهِ ما أَعَزَّ سُرُورَها وَ أَظْمَأَ رِيّها وَ أَضْحَى فَيْئَها، كَأَنَّ الَّذي كانَ مِنَ الدُّنْيا لَمْ يَكُنْ وَ كَأَنَّ الَّذي هُوَ كائِنٌ مِنْها قَدْ كانَ، لا جاءٍ يُرَدُّ وَ لا ماضٍ يَرْتَجِعَ.
3249 ـ إِنَّ الْاخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ وَ دارُ الْمُقامِ وَ جَنَّةٌ وَ نارٌ صارَ أَوْلِياءُ اللهِ إِلى الْاخِرَةَ بِالصَّبْرِ وَ إِلى الْأَمَلِ بِالْعَمَلِ جاوَرُوا اللهَ في دارِه مُلُوكاً خالِدينَ.