طرحت القراءة التاريخية الحديثة إشكالية الشعر الجاهلي طرحاً فيلولوجياً بكل ما تحمله من مزالق على بساط البحث والمناقشة، فأثارت بطرحها الشك في الشعر الجاهلي معركة نقدية أسهمت إلى حد كبير في إثراء الثقافة العربية الحديثة، ورفعت اللبس عن كثير من المسائل التي ظلت أمدا طويلا من المسائل المستعصية في تاريخ الثقافة العربية، فأجهدت القراءة التاريخية نفسها في تحقيق رواياته ونصوصه، وتمحيص مسائله حتى ترقى به إلى مصاف التراث العالمي، ذي الجذور العميقة التي لا تتزعزع، بالآليات العلمية المؤسسة على رؤية واضحة المعالم، ولا تنتصر إلى مسألة من مسائله حتى تُفَصِّل فيها وتقلبها من جميع أوجهها، منتهية في كثير من نتائجها، إلا أن التحقيق الجاد للشعر الجاهلي يؤكد أن الشعر حقيقة لا يمكن إنكارها، وإن دارت حوله الشكوك التي أسسها أصحابها في كثير من المواطن على جزئيات من أجل الشك في كله، مؤكدة أن الشك في الفرع لا يرقى إلى الشك في الكل. سعت القراءة التاريخية إلى توثيق الظاهرة في الشعر الجاهلي معتمدة على أسس راسخـة ومتينة، فحرصت على توثيق الروايات والأخبار بصورتها الأصلية، كما صدرت عن المبدع، دون تحريف أو تدليس، لذلك اهتمت أيما اهتمام بمصادر الروايات والأخبار، وعملت من أجل تحقيقها ، والتشكيك في كل ما ترى فيها من أوجه الريبة والظن. فتنفي عن نفسها الاحتمال وتضع نصب عينها إما الصدق في الخبر وإما الشك فيه ثمّ نفيه. المقدمة الطللية ، الزمان والمكان، القلق - شكلت جملة الظواهر التي حاولت القراءة النفسية مقاربتها في دراستها للشعر الجاهلي، فحاولت أنْ تستخلص من خلال تطبيق أسس المنهج النفسي والتي مؤداها أنَّ الشعر الجاهلي ، ما هو إلاَّ إفراز طبيعي لتعارض "مبدأ اللذة" مع "مبدأ الواقع" في نفسية الشاعر الجاهلي، وبخاصة في مقاربتها للمقدمة الطللية. الشعر الجاهلي - في رأي التحليل النفسي - ليس وحيد الجانب. بل يتفاعل فيه اتجاهان متضادان، وأنَّ الحياة النفسية والعقلية تتركب من تضاد وتفاعل وتكيف متبادل بين البواعث الغريزية ومطالب الواقع على نحو ما تعبر عنها التقاليد الاجتماعية والأنظمة الأخلاقية؛ لهذا كلِّهُ اصطبغ الشعر الجاهلي بصبغة الدراما والصراع ، وأصبح الجانب الحزين والتراجيدي يؤلف جزءاً أساسيا من حساسية الشاعر الجاهلي ، لذلك فالشاعر الجاهلي ضرب من الخلاف ، ومعنى من العزاء ، وحاجة إلى الإعلاء ، وقدر من الرفض.