ا لقلق ظاهرة نفسية مصاحبة لكل نفس بشرية تعيش على وجه الأرض وتتفاعل مع محيطها، لذلك نجد أن جلّ كتب اللغة تجمع على أن القلق لـه دلالة الاضطراب وانتفاء السكينة، فيأخذ دلالتين: أحدهما حسي يتجسد ف ي مادية الشيء فيأخذ حالة الاضطراب المادي حتى يصل به الأمر إلى فقد التوازن المادي الذي يؤدي إلى التقلقل والميلان. و آخر معنوي يصيب المشاعر فيجعل النفس تفتقر إلى السكينة فتصاب بالحيرة والانزعاج والحزن. وقد دلت المعاجم العربية القديمة على هذا المعنى، يقول ابن منظور في اللسان ((القلق: الانزعاج)) (59) . و نفس المعنى يذهب إليه الفيروز آبادي (60) ع ند تعريفه للقلق. أ ما إذا تأملنا البنية الصوتية لمادة " قلق" فإننا نلاحظ منذ اللحظة الأولى الدلالات الكامنة في كلِّ حرف فيها. فإيقاع " ق " يوحي بالشدة، ويشعر بالاستعلاء والق ل قة، وهو يُفضي إلى إيقاع " ل " المستغل المتوسط بين الشدة والرخاوة، ليرتد ثانية، وبسرعة، إلى شدة " ق " وقلقلتها. هذا يعني أن المناسبة بين مادة قلق ودلالتها اللغوية أمر لا يتطرق إليه شك. فالانتقال المضطرب من الشدة إلى الرخوة، والارتداد ثانية من الرخاوة إلى الشدة، يمثلان الحركة العنيفة الحادثة في الأجسام، ويوازنان اضطراب النفس المنكفئة من حال إلى حال. تلك التي تتقاذفها المشاعر المتناقضة، فلا اطمئنان فيها ولا استقرار. اهتمت الدراسات النفسية الحديثة بالقلق كظاهرة وسلوك نفسي، فركزت منذ البداية للتفريق بينه وبين الهمِّ والخوف، فلاحظت أن الهمَّ والخوف لهما مدلول واحد باعتبار أنهما حالتان نفسيتان تعبر عن حالة نفسية واحدة، وأنهما يتسمان بالوضوح في المنطلق. بينما القلق هو حالة من الخطر ولكنه يتسم بالغموض وعدم وضوح أسبابه وبواعثه، وذلك ما يسبب الحرمان من الاستقرار النفسي، والفشل في التكيف، وفقدان التوازن، ويضفي مسحته على شتى مناحي الحياة النفسية من نوم وعمل وتفكير وشعور(61). ثمة عوامل كثيرة تكون السبب الرئيس في وجود القلق، منها ما هو واقعي كالشعور بعدم التكيف مع المحيط، ومنها ما هو وجودي كالتفكير في مشكلة المصير، ومنها ما هو نفسي كالشعور بالإحباط والنقص والعجز، وبذلك نلاحظ أن القلق ظاهرة لها علاقة بالنفس الإنسانية في شتى حالاتها، ويأخذ التعبير عنها كثير من الأشكال، ومنها الفن عامة والشعر خاصة.