ميثيودينية الشعر الجاهلي من الغايات الكبرى التي حاولت القراءة الأسطورية العربية أن تثبتها، معتبرة أن هذا الشعر مبني في جوهره على لغة منسية، تسربت إليه من اللاوعي الجمعي، فكانت الأساس في صنع فضاء النص وفضاء الصورة الشعرية فيه، ومن ثم دأبت القراءة الأسطورية العربية على محاولة تلمس العناصر الميثودينية في الشعر الجاهلي، باعتباره الرحم الأول للثقافة العربية، والنص المتكامل الذي وصل إلينا، وأن القراءات العربية سواء ما كان منها تاريخية أم نفسية لن تهتدي إلى محاولة تتبع ما هو ميثيولوجي في الشعر الجاهلي، على الرغم من المؤشرات الكثيرة التي تؤكد أن العنصر الميثيوديني كان حاضراً وبقوة في تشكيل الفضاء النصي في الشعر الجاهلي. من بواكير المقاربات التي حاولت أن تؤسس للقراءة الأسطورية، بفضل تنبيهها إلى أهمية الدرس الأنثـروبولوجي في التأسيـس للدراسات النقدية الحديثة ذات الاتجاه الأسطوري، دعوة طه حسين في كتابة "قادة الفكر"؛ يرى أنه ليس بدعا أن تبحث عن فلسفة العرب ودينهم ونظمهم المختلفة وحياة عقولهم وعواطفهم فلا تجدها إلا في الشعر، فالشعر ديوان العرب - كما قيل - ومن ثم فالحياة الدينية هي الجوهر الذي يستمد منه روحه وديمومته. هيأ طه حسين الفكر العربي لتقبل فكرة الاهتمام بالأساطير، ومن ثم ظهرت عدة محاولات لدراسة الفكر العربي عامة والشعر الجاهلي خاصة من منطلق أنثروبولوجي، فكانت دراسة محمد عبد المعيد خان "الأساطير والخرافات عند العرب"، التي حاول فيها التعريف بالأنثروبولوجيا العربية ومدى تثاقفها مع الأنثروبولوجيا عند الأمم الأخرى،. كما حاول عبد الله الطيب في مؤلفه "المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها"، بطريقة استمدت آليتها ورؤيتها من الطرح الميثيوديني أن يبحث عن العلاقة الجوهرية بين النسيب في المقدمات العربية وعقائد العرب الأوليين وبخاصة في تقديس المرأة وتأليه الخصوبة. كما فصل القول في كثير من الرموز الشعرية التي وردت في الشعر الجاهلي وضمنها كثيراً من الأبعاد الميثيوديني. كما اهتم مصطفى ناصف في مؤلفه "قراءة ثانية لشعرنا القديم" بالكثير من الجوانب الميثيودينية في الشعر الجاهلي، وكان دافعه في ذلك اقتناعه أن القراءات السابقة للشعر الجاهلي - وبخاصة القراءات ذات التوجه التاريخي أو النفسي -كرست نمطية من الأحكام حتى أصبحت أحكاماً جاهزة تفرض على هذا الشعر، فأساءت إليه أكثر مما خدمته.