تاريخ عرفات
طبقاً لما دوِّن، فإن تأريخ هذا
الاسم وهذا الموضع، يعود إلى زمن النبيّ آدم(عليه السلام)، وذلك عندما أُخرج
هو وزوجه حوّاء من الجنّة، وبعد مدة من الزمن تلاقيا في هذا الموضع، ومن هنا
فقد رأى البعض أن هذا اللقاء هو السبب في تسمية هذه النقطة من الأرض باسم
«عرفات»13.
وبعد هذا التأريخ وعلى إثر تشريع
الحجّ، أصبح الوقوف في عرفات أمراً واجباً14.
إلا أنّ شهرة هذه الأرض ذاعت من عصر النبيّ إبراهيم (عليه السلام)فصاعداً.
وقبل العثور على بئر زمزم، وبسبب
وجود آبار المياه في أطراف عرفات، فإن بعض القبائل كالجرهميين اختاروا هذه
المنطقة كمحل مناسب لسكناهم.
كتب المرحوم المجلسي
قائلا:
«... وكانت جرهم نازلة بذي المجاز
وعرفات إلى ما قبل ظهور الماء في زمزم، فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير
والوحش على الماء، فنظرت جرهم إلى تعكف الطير على ذلك المكان واتبعوها،
واختاروا السكن إلى جوار زمزم15.
وبامتلاء بئر زمزم بالماء ووجود
المصادر المائية حول منطقة عرفات، واستواء الأرض في هذه المنطقة، نزلت مجموعة
أخرى من الناس في هذه الأرض، وقاموا بزراعة النخيل والحقول، وقد سكن قسمٌ
فيها بشكل دائم، وقسم آخر كانوا ينزلون في هذه المنطقة في بعض فصول السنة.
وبعد مدة من الزمن، نقلوا المياه من آبار عرفات الى مكة وليستخدمها الناس
الساكنون فيها.
يقول الأزرقي نقلا عن ابن
عباس:
لما انتشرت قريش بمكة وكثر
ساكنها، قلّت عليهم المياه واشتدّت المؤنة في الماء، حَفرت بمكة آباراً، فحفر
مرّة بن كعب بن لؤي بيراً يقال لها: رُمْ،
وبلغني أن موضعها عند طرف الموقف بعرفة قريباً من عرفة16.
وبئر «الروا» كانت تقع خارج مكة
وفي بواديها مما يلي عرفة17.
ويقول البشاري في أخباره عن
عرفات:
«عرفة قرية فيها مزارع وخضرٌ
ومباطخ، وبها دورٌ حسنة لأهل مكة ينزلونها يوم عرفة»18.
ويقول ياقوت الحموي: إن موضع هذه
القرية يقع على بعد ميلين عن الموضع الحالي19.
والمسلَّم به أن أشخاصاً كانوا
يسكنون هذه المنطقة ولهذا كانوا يسمَّون بلقب العَرَفي. ومن هؤلاء زنفل بن
شداد العَرَفي، وكان للعاص بن وائل دارٌ في هذه المنطقة، وروي أن سعيد بن
المسيب أثناء مروره من جوار تلك الدار سمع مغنياً يغني فيها بهذه
الأشعار:
تضوع مسكاً بطنُ نعمانَ! إذ مَشت
به زينبٌ في نسوة عَطِرات
به زينبٌ في نسوة عَطِرات
به زينبٌ في نسوة عَطِرات
فضرب برجله الأرض وقال: هذا والله
مما يلذّ استماعه:
وليست كأخرى أوسعت جيب درعها
وحلت بنانُ المسك وخفاً مرجَّلاً
وقامت تراءى يومَ جمع فأفتنتْ
برؤيتها مَن راحَ من عرفاتِ20
وأبدَت بنانَ الكفّ للجمراتِ
على مثل بدر لاح في الظّلمات
برؤيتها مَن راحَ من عرفاتِ20
برؤيتها مَن راحَ من عرفاتِ20
ولم يبق الآن أيّ أثر لتلك
المنازل والمزارع في عرفات، إلا أنه في السنوات الأخيرة زُرعت أشجارٌ كثيرة
في عرفات، تضفي المزيد من الجمال على هذه المنطقة، كما يقصد أهل مكة هذه
المنطقة على مدار أيام السنة بهدف الراحة والاستحمام، وينعمون بفيء تلك
الأشجار وظلالها ومناظرها الجميلة.