الوقوف في عرفات
بناءً على ما يذكره التاريخ، وعلى
مرّ العصور، كان اتباع الأديان السماوية، من الذين شُرِّع لهم الحجّ كفريضة،
يقفون في عرفات أثناء الحج، وفي العصر الجاهلي أيضاً، كانت جماعة من جرهم
وتأسّياً منها بإبراهيم الخليل وإسماعيل(عليهما السلام)يعظّمون الكعبة،
ويطوفون ويؤدون الحج والعمرة، ويقفون على عرفات والمشعر26. إلا أن البعض من قبائل قريش والساكنين في مكة،
واستناداً إلى بعض الأفكار
الخاطئة، ابتدعوا أموراً وتركوا الوقوف على عرفة، وهم يعرفون ويقرون أنها من
المشاعر، ويقرون ـ أيضاً ـ أن الوقوف عليها من الأعمال التي يجب أن تؤدى في
الحج بناءً على ما جاءَ في دين إبراهيم الخليل(عليه السلام)27.
ويقول الأزرقي:
... عن محمد بن جبير
بن مطعم عن أبيه انه قال: أضللتُ بعيراً لي يوم عرفة، فخرجت أطلبه حتى جيت
عرفة، فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) واقف بعرفة مع الناس، فقلت: هذا
رجلٌ من الحمس، فما له خرج من الحرم؟ يعني قريشاً كانت تسمي الحمس والأحمسي
المشدد في دينه، فكانت قريش لا تجاوز الحرم، تقول: نحن أهل الله لا نخرج من
الحرم، وكان سائر الناس يقف بعرفة وذلك قول الله عزّ وجل: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}28.
ويضيف الأزرقي قائلا: وجعل
الحمسيون موقفهم في طرف الحرم من غرة بمفضى المأزمين بدل الوقوف بعرفة، يقفون
به عشية عرفة، ويظلون به يوم عرفة في الأراك، ويفيضون منه إلى المزدلفة29.
يقول سفيان: جاءهم ابليس، فقال:
إنكم إن خرجتم من الحرم الى الحل زهدت العرب في حرمكم فخذلهم عن ذلك، وبه قال
سفيان: عن حميد بن قيس عن مجاهد قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقف
بعرفة سنيه كلّها لا يقف مع قريش في الحرم ـ يعنى اذا كان رسول الله (صلى
الله عليه وآله) بمكة قبل الهجرة ـ30.
قال سعيد بن عبد الله الراوندي
(المتوفى سنة 573 هـ . ق):
كانت قريش في الجاهلية
لا تخرج الى عرفات ويقولون لا نخرج من الحرم، وكانوا يقفون يوم عرفة بالمشعر
الحرام وليلة العيد أيضاً بها، وكان الناس الذين يحجّون غيرهم يقفون بعرفات
يوم عرفة، كما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق يفعلون، فأمر الله أن يقف
المسلمون كلّهم يوم عرفة بعرفات ويفيضوا منها عند الغروب الى المشعر بقوله
تعالى: {ثمَّ أفيضوا من حيث أفاضَ الناس}، والإفاضة منها لا يمكن
إلاّ بعد الوقوف أو الكون بها31.