أمریکا والعالم الإسلامی نسخه متنی

This is a Digital Library

With over 100,000 free electronic resource in Persian, Arabic and English

أمریکا والعالم الإسلامی - نسخه متنی

الدکتور منوچهر محمدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




أرضيّات السياسة العسكرية الأميركية


1 ـ الأرضيّة التاريخية


يعكس التاريخ القصير لأميركا حقيقة مهمّة على خلاف ما هو متصوّر في أذهان عامّة
الناس أو ما أُشيع بينهم من أنّ الأميركين شعب مسالم، وهي أنّ حياة المهاجرين
الأُوروبيين إلى هذه القارّة وماضيهم وتأسيس الولايات الأميركية قد تشكّل بأجمعه من
الحروب،وإراقة الدماء،وتوسيع دائرة السلطة على حساب إبادة السكّان الأصليين،وفرض
سياسة توسّعية من البداية حتى الآن.


حدث ذلك مع أنّ الهنود الحمر ـ المواطنين الأصليين للقارّة الجديدة الذين
يمتلكون حضارة عريقة متطوّرة ـ استقبلوا الأوروبيين المهاجرين في أوّل
لقائهم،وكانوا على استعداد لأن يعيشوا معهم بسلم ومودّة، غير أنّ الأُوروبيين
النفعيين الجشعين عاملوهم بوحشية ولا إنسانية عندما شنّوا عليهم سلسلة حروب طويلة
استغرقت أربعة قرون تقريباً وأسفرت عن إبادة أجيالهم.


بعد ذلك اتّجه تفكير الأميركيين ـ بل المهاجرين الأُوروبيين ـ إلى استيراد طبقة
عظيمة من زنوج القارّة الأفريقية لسدّ النقص في القوى العاملة، فازدهرت تجارة
الرقيق بكلّ ما فيها من بشاعة، وأخذوا بانتزاع الشباب والأطفال الأفريقيين من
منازلهم وأوطانهم بقوة السلاح و منتهى الوحشية وراحوايجلبونهم إلى القارّة الجديدة
كمجرّد سلع تجارية .


2 ـ الأرضيّة السياسية


الثمانينيات كانت عهد احتدام الصراع الدولي في موازنة تركت آثارها على وتيرة
حركة الولايات المتّحدة الأميركية باعتبارها قوّة عالمية. ويمكن دراسة التطوّرات
الناجمة من خلال حدثين تكمن فيهما جذور كثير من أحداث السنين الأخيرة.


الحدث الأوّل: هجوم الجيش الأحمر للاتّحاد السوفيتي السابق على أفغانستان سنة
1979م، وفسّر على أنّه فرصة للتقدّم الروسي نحو المياه الحرّة، ولتحقّق آمال بطرس
الكبير، وبذلك شعرت أميركا بأنّها أُبعدت خطوة إلى الوراء في المواجهة مع أهمّ
منافس عالمي لها.


الحدث الثاني: انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ممّا أدّى إلى انهيار تماسك
الاستراتجية الأميركية في الخليج، وتدمير أقوى أساس رادع وأقوى سدّ للغرب في مقابل
الشيوعية. كما أنّ الوجه الديني الناصع للثورة الإسلامية وعداءها الذاتي لقوى
التسلّط الاستعمارية الأميركية عزّزا لدى واشنطن حقيقة أنّ الثورة الإسلامية
الإيرانية لم تهدّم السدّ الدفاعي للغرب في مقابل الاتّحاد السوفيتي فحسب، بل جعلت
الاستراتيجية الدائمة لحفظ المصالح الحيوية الأميركية في الشرق الأوسط معرّضة إلى
غموض شديد.


وبناءً على هذين الحدثين تعتبر الستراتيجية الكبيرة لأميركا في الثمانينيات هي
التخطيط للراديكالية أو التطرّف الإسلامي التقليدي الذي يُعدّ نموذجاًمتكاملاً
لتشكيل الفرق في الدول الإسلامية على أنّه وسيلة لنفوذ الاستعمار وسيطرته، إضافة
إلى مجاراته القديمة للمستعمرين الإنكليز في الشرق الأوسط. فالراديكالية التقليدية
سياسة قُدِّمت للاستفادة منها في مجالين:


إنزال أفدح الأضرار والخسائر بالجيش الأحمر في أفغانستان، إنشاء سدّ أمام نموّ
و ازدهار الثورة الإسلامية الإيرانية في الشرق الأوسط، ولكنّ بروز ثلاث حوادث
استراتيجية مصيرية هي:


1 ـ انسحاب روسيا من أفغانستان سنة 1989م.


2 ـ حرب الخليج سنة 1990 ـ 1991م.


3 ـ تفكّك الاتّحاد السوفيتي سنة 1991م...


نقول: بروز تلك الحوادث الثلاث أوجد تغييرات في مسيرة الأحداث استقطبت الأنظار،
وشكّلت علامات لأبرز خصائص العلاقات الدولية في هذا المقطع الزمني، نذكرها كما يلي:


التحقّق الفعلي لانتهاء الحرب الباردة بتفكّك الاتّحاد السوفيتي وما نشأ عنه
بدون شكّ من انعطاف وتحوّل عظيم في مجال العلاقات الدولية، تنقّل القوى وانتشارها،
اضطراب موازين القوى، تعقّد الأوضاع الدولية، تقدّم التكنولوجيا والاتّصالات، زيادة
انتاج أسلحة الإبادة الجماعية، انخفاض مستويات مصادر الطاقة وذخائرها، نموّ جديد في
القومية المتطرّفة لدى بعض البلدان، عدم جدوى الهيئات الدولية وخاصّة منظمة الأُمم
المتّحدة في إحقاق حقوق الشعوب والدول، النهضة الإسلامية المستوحاة من الثورة
الإسلامية، التدخّل الأميركي العسكري في مختلف البلدان، إرباك نظام الثنائية
القطبيّة.


أوّل نظرية طُرحت بين المفكّرين الأميركيين في هذه الحقبة هي نظرية القطب
الواحد، ولاقت إقبالاً من قبل رونالد ريغان و جورج بوش الأب (1).


أساس تلك النظرية هو: أنّه مع تفكّك نظام الثنائية القطبية وتحلّل وضعف اتّحاد
الجمهوريات الروسية


كقوّة كبيرة في الشرق، فإنّ الولايات المتّحدة الأميركية لا تعتبر مجرّد قوّة
عظمى متبقّية من نظام الثنائية القطبية فحسب، بل ستواصل رسالتها بصفتها قائداً
للعالم في نظام أُحادي القطب، وسيكون النظام الحاكم للعالم هو نظام سلسلة المراتب.


جُرّبت هذه النظرية في عهد قصير جداً وهو مدّة حرب الخليج واحتلال الكويت من
قبل العراق، حيث استغلّت أميركا هذا الخطأ الاستراتيجي لتطبيق نظام القطب الواحد،
واستطاعت أن تجرّ خلفها أغلب دول العالم، ولكن لم يدم ذلك طويلا لعدم خضوع قوى
العالم الكبرى لهذا النظام، وأُحرز عدم تقبّله وعدم جدواه باتساع نطاق مخالفته، حتى
اعترف المفكّرون الأميركيون أنفسهم بمرحليّته وقصر عمره.


النظرية الثانية التي طرحت في بداية السبعينيات وخاصّة بعد الازدياد السريع
للاتّصالات كشبكة الانترنيت والأقمار الصناعية، هي نظرية العولمة.


تستند هذه النظرية إلى أنّ الثورة التكنولوجية في حقل الاتّصالات قد قلّلت إلى
حدّ كبير من الحدود السياسية والجغرافية، وسوف تُمحى بالتدريج، وستقترب المجتمعات
الدولية من بعضها بنحو تغدو فيه وكأنّها قرية عالمية، وستسود في هذه القرية ثقافة
الغرب وسياسته واقتصاده، ومن الطبيعي أن يكون الحاكم لها هو البلد الذي يمتلك
الوسائل الأقوى.


تمّ الإعلان عن هذه النظرية بنحو مكثّف من أبعاد مختلفة حتى حادثة الحادي عشر
من سبتمبر، ووصلت إلى مرحلة التنفيذ في المجال الاقتصادي وعلى مستوى منظمة التجارة
العالمية. ومن الطبيعي أن تبدأ وتتّسع المعارضة الجماهيرية لها بموازاة تقدّمها،
وبخاصّة في الدول الغربية وحتى في الولايات المتّحدة الأميركية.


النظرية الثالثة هي أنّ أميركا بصفتها قوّة عظمى لا تستطيع المحافظة على
منزلتها إلاّ عندما تتّخذ لنفسها مهمّة ورسالة، وتضع في أوّل قائمة برامجها هدفاً
معيّناً يرتضيه المجتمع العالمي. وبعبارة أُخرى:


لا يوجد دافع لأعضاء المجتمع الدولي لقبول منزلة أميركا بكونها قوّة عظمى
والمصادقة عليها والاعتراف بها رسمياً أو الخضوع لقراراتها مع وجود صلح عالمي وعدم
الإحساس بالخطر المشترك.


إنّ حادثة الحادي عشر من سبتمبر وعدم الجدوى من نظرية العولمة أوجبا قبول
النظرية الثالثة. وممّا يكشف عن أنّ المخطّطين للسياسة الأميركية في صدد تنفيذ هذه
النظرية هو أوّل ردّة فعل لجورج بوش الابن في مقابل حادثة الحادي عشر من سبتمبر
عبّر عنها بقوله: لقد دخلنا حرباً صليبية أُخرى; وكذلك بثّ تلفزيون CNN لشعار
أميركا: أميركا في حرب، وحرب ضدّ الإرهاب.


ومع إمكان حلّ المسألة بهدوء إلا أنّهم عقدوا العزم على الاستفادة القصوى من
اتّخاذ سياسة تستند الى أساس الحرب والعمليات العسكرية، هذا الأمر يبعث على الشكّ
كثيراً في أنّ الأجهزة المخابراتية الأميركية نفسها كانت الموظّفة لهذه الحادثة
والمتحجّجة بها، ولعلّ هذا هو السبب من تلقّي رجال الدولة الأميركيين للكارثة
وكأنّهم يعلمون بكيفية وقوعها من قبل.


فأعلن رئيس الولايات المتحدة الأميركية الحرب منذ البداية، ووجّه تهديداته إلى
العالم الإسلامي، وأشار في معرض حديثه عن أُسامة بن لادن وتنظيم القاعدة إلى أنّ
لمساندي الإرهاب علاقة بالحادثة.


واللافت للنظر أنّ أميركا نشرت قائمة بأسماء الدول والمنظّمات بصفتها إرهابية
ومساندة للإرهاب، بنحو وكأنّ بينها وبين تلك الدول والمنظمات بعض المتاعب، وسعت إلى
إيجاد حلف واسع للدفاع عن سياستها في الحرب والعدوان تحت شعار مكافحة الإرهاب، وذلك
بطرحها لنظرية: أنّ الدول إمّا معنا أو مع الإرهابيين، وأُعلن في المرحلة التالية
أنّ إيران والعراق وكوريا الشمالية هي محور الشرّ في العالم، ولم يكتفوا بذلك
فذكروا احتمال شنهم لهجوم نووي على سبعة بلدان(1).


وعلى هذا النحو فإذا كانت ضحايا فاجعة الحادي عشر من سبتمبر هم بالدرجة الأُولى
من المواطنين الأميركيين العاديين وسائر رعايا الدول، فالرابحون الحقيقيّون منها
بالدرجة الأُولى هم أعضاء الجناح السياسي الأميركي المتطرّف، أي القسم العسكري من
الهيئة الأميركية الحاكمة، القسم الذي تخضع قوى الدولة الثلاث لسيطرته في هذا
الوقت.


لقد حضّر الحزب الجمهوري ـ الذي يُعدّ رمز اليمينيين ودعاة الحرب في هذا البلد
ـ إلى سلسلة من البرامج الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكان في صدد تنفيذها،
ولكنّه كان يواجَه في كلّ مرّة بمقاومة المجتمع الدولي والشعب الأميركي، وقدّمت له
حادثة الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001م أفضل فرصة لاقناع الشعب وتقبّل هذه البرامج
بأقلّ مؤونة، ومن ثّم لتطبيقها إذا تمكّن من ذلك.


3 ـ الأرضيّة الاقتصادية


تقهقرت مسيرة الانتاج الصناعي ـ الذي يُعدّ البنية التحتية للاقتصاد الأميركي ـ
بنحو مستمرّ طوال أحد عشر شهراً قبل سبتمبر سنة 2001م، وهكذا خلال عام واحد قبل سنة
2001م اتّجهت إلى الإنهيار بدون توقّف آمالُ المستهلكين بمستقبل الاقتصاد التي تعدّ
من المؤشّرات الاقتصادية الأساسية،ومن علامات رغبة الناس في شراء البضائع
الاستهلاكية.


فأُعلن عن أنّ نموّ إجمالي الانتاج الداخلي(GDP) في الثلاثة الأشهر الثانية من
سنة 2001م هو 2% فقط من أصل 5,2% حسب تقديراتهم المسبقة، وارتفع معدّل البطالة خلال
عدّة أشهر قبل سبتمبر من 9,3% إلى مايقرب من 5%، وهكذا توقّع المنظّرون الاقتصاديون
مروراً أكيداً بمرحلة كساد اقتصادي (Recession).


العامل الأساسي الآخر الذي تسبّب في إرعاب مديري نظام الاقتصاد الأميركي قبل
حادثة 11 سبتمبر هو خضوع كلّ مناطق العالم ـ عدا الصين ـ إلى هبوط وركود اقتصادي أو
أزمة شديدة لأوّل مرّة خلال الستين عاماً الأخيرة، أي لم يتعرّض إلى أزمة اقتصادية
شديدة أكثر بلدان آسيا وإفريقية وأميركا اللاتينية فحسب بل حتى اليابان ـ الذي
يمتلك ثاني اقتصاد عالمي خلال الأحد عشر عاماً الأخيرة ـ خضع إلى هبوط وركود
اقتصادي يتعذّر علاجه.


لقد تسبّبت الأوضاع الجديدة للركود الاقتصادي إلى أن تُذاع كثير من حقائق نظام
الاقتصاد الأميركي وهي التي حُرص على إخفائها، فعُلم أنّ ديون أميركا في تزايد
يوماً بعد يوم حتى بلغت الخط الأحمر لحدود 30000 مليارد دولار، وهي اليوم أكبر مدين
دولي في تاريخ العالم، ووضعها يسوء يوماً بعد آخر بوتيرة متسارعة حتى يصل تصاعد
مبلغ ديونها إلى 25,1 مليارد دولار يومياً.


إضافة إلى الركود الاقتصادي الشديد تواجه أميركا أزمة في الطاقة، فسعى رئيس
جمهوريتها إلى مقابلة مشاكل الطاقة وتزايد سعر البنزين الذي لم يكن له مثيل منذ
بداية السبعينيات حتى الآن، وقدّم خطّة أوجب فيها زيادة توليد الطاقة والحفاظ على
البيئة معاً،وكذلك وزيادة انتاج النفط والفحم والطاقة الذريّة، وإحداث 1300 محطة
لتوليد الكهرباء خلال العشرين عاماً القادمة. قال جورج بوش في حديثه عن خطّته في
مواجهة أزمة الطاقة: إذا لم نبادر فستواجه أميركا عتمة أكثر، وإذا لم نبادر أيضاً
فستخضع أميركا أكثر إلى استيراد النفط الخام.


إنّ جورج بوش ودك چيني من الدعاة إلى قطع خطوات كبيرة وخطيرة لتوفير طاقة أكثر
لأميركا منذ ابتداء الحملة الانتخابية، وتسبّب هذا الأمر في مخالفة الدميقراطيين
وحماة البيئة لسياسة دولة الجمهوريين في أميركا.


في الوقت نفسه دعا النوّاب الديمقراطيون في مجلس النوّاب الأميركي الدولة إلى
تخفيض سعر البنزين الاستهلاكي بالضغط على منظمة البلدان المصدّرة النفط ـ أوپك ـ
لزيادة انتاجها اليومي، أو الاستفادة من الذخائر الاضطرارية لأميركا إن استلزم
الأمر ذلك.


واحتلّت مسألة الطاقة صدر قائمة الأعمال للأحزاب السياسية الأميركية بسبب
ارتفاع قيمة حصّة البنزين أكثر من دخل الأُسر الأميركية، وحلول فصل الصيف متزامناً
مع انقطاع التيار الكهربائي في كاليفورنيا استناداً إلى تقربر وكالة رويتر للأنباء
من واشنطن.


ويُحتمل أن يزداد اهتمام بوش ـ الذي يتمتع بالمساندة السياسية والمالية لصنعة
الطاقة ـ بتعزيز انتاج النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري، في حين يرجّح ديمقراطيو
مجلس النوّاب الأميركي ومجاميع المستهلكين ودعاة حماية البيئة المساندون
للديمقراطيين أن تُتّخذ إجراءات أكثر في سبيل الحفاظ على مصادر الطاقة.


وبناءً عليه تُعدّ أزمة الطاقة عاملا آخر من التحدّيات الأساسية لأميركا يُفضي
إلى اتّخاذ سياسة التفوّق في العالم.


امّا استخراج النفط واستهلاكه في أميركا والعالم فسوق النفط العالمية تنتج 76
مليون برميل يومياً، وتستهلك الولايات المتّحدة 20 مليون برميل يومياً، أي 26% من
كلّ الانتاج العالمي مع أنّ عدد نفوسها يشكّل نسبة 5% من سكّان العالم، فهي تستهلك
ثلاثة أضعاف أكثر من انتاجها.


وفي المقابل انخفض انتاج النفط للولايات المتحدة خلال 50 عاماً الماضية، ولا
تلبّي الكمية التي تنتجها إلاّ 30% من استهلاكها. إضافة إلى أنّ مخزونها من الغاز
الطبيعي في طريق التناقص والواردات في طريق التزايد.


إنّ هذا البلد يواجه أكبر نقص في الطاقة منذ السبعينيات حتى الوقت الحاضر،
وسيُهدّد الأمن الوطني لأميركا ورخاؤها وستتغيّر حياة الأميركيين إن لم يجدوا حلاّ
لأزمة الطاقة.


وفي ضوء هذا التمهيد للأرضيّة الاقتصادية ينبغي النظر إلى رد الفعل الخاطف
والمجنون للهيئة الأميركية الحاكمة في مقابل حادثة الحادي عشر من سبتمبر.


وإطلالة على التاريخ الاقتصادي للدول الرأسمالية الأصلية وخاصّة أميركا طوال
القرن العشرين ترينا أنّ للحرب دوراً أساسياً بصفتها الدواء الناجح لعلاج الركود
والأزمات الاقتصادية.


4 ـ الأرضيّة العسكرية


أعلنت أميركا بيان حريتها واستقلالها عن الأمبراطورية البريطانية سنة 1776م
وخرجت عن كونها مستعمرة لها، في ذلك الوقت كتب المؤرّخ الإنكليزي ادوارد غيبون في
الجزء الأول من كتابه أُفول


الإمبراطورية الرومانية وسقوطها مبيّناً العلاقة بين القوّة العسكرية
للإمبراطورية الرومانية والمواقف السياسية للإمبراطور: حفظ الإمبراطور الروماني
السلام باستعداده الدائم للحرب، وفي حين ادّعائه للعدالة أبقى على مجاوريه والبلدان
الخاضعة لسيطرته في رعب دائم; لكي لا يتمكّن أحد من إلحاق خدشة في الكيان
الامبراطوري.


هذه المقولة للمؤرّخ الإنكليزي أثّرت كثيراً في الجنرال جورج واشنطن أوّل رئيس
للجمهورية الأميركية حتى إنّه استفاد مصطلح غيبون في مراسم أدائه للقسم فقال:
الاستعداد للحرب واحد من أفضل السبل وأكثرها تأثيراً في حفظ السلام.


وأميركا في حرب منذ استقلالها حتى اليوم، فقد خاضت حروباً طوال 226 عاماً أكثر
من أي بلد آخر في التاريخ، حرباً مع اسپانيا والمكسيك وكوبا ودول البحر الكاريبي
وأميركا الجنوبية وجزر المحيط الهادي والحربين العالميتين الأُولى والثانية، وحرب
كوريا وفيتنام واحتلال بنما وهايتي، والتدخّل العسكري في لبنان والصومال والبلقان،
وحرب الخليج والحرب في أفغانستان والهجوم على العراق، إضافة إلى حروبها الداخلية
خلال 1863 حتى 1865م حيث خلّفت أكثر من 600 ألف قتيل، وتُعدّ واحدة من أكبر الحروب
وأكثرها خسائر في التاريخ الحديث. فلا عجب أن تعتبر الحرب والاستعداد لها واحدة من
خصائص أميركا، ومن مرادفات الدفاع عن الشعب والديمقراطية لديها


ولطالما شُغل المعلّقون الأجانب بهذا السؤال: كيف استطاعت أميركا أن تسجّل
حضورها في الحروب إلى هذه الدرجة مع وجود آلاف الكيلومترات الفاصلة بينها وبين
مناطق العالم؟


ممّا لا ينكر في التاريخ المعاصر للولايات المتّحدة الأميركية هو دور الصناعات
العسكرية المعقّدة في إشعال الحرب وخلق الأزمات وإدامتها، الصناعات التي يجب أن
تُنتج في جميع الأوضاع والتقديرات لحفظ مصالحهم الغزيرة ودوام التصنيع ، ويجب عليهم
إيجاد أسواق لتصريف إنتاجهم لها، وعليه فأوضاع السلم والهدوء تتنافى مع ما يرغبون
فيه.


لقد استفاد أرباب الصناعات العسكرية من الجنرالات المتقاعدين في الجيش الأميركي
الذي يُعدّ أكبر مستهلك لصناعتهم، وسعوا بذلك إلى حفظ نفوذهم الاستثنائي في هيكلية
اتّخاذ القرار المتعلّق بالجيش ووزارة الدفاع، وتأليف استراتيجية مناسبة لإيجاد سوق
لهم. ومطالعة في تاريخ الحروب الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية مثل حرب كوريا
وفيتنام، وحرب الخليج والأرباح الخيالية التي جنتها هذه الصناعات يؤيّد دورهم في
إشعال هذه الحروب وإدامتها. واللافت للنظر أنّه في أي وقت لا يدخل الجيش الأميركي


حرباً ما فهو يسعى لإثارة أزمة وتأجيج حرب إقليمية لإيجاد سوق جديدة لبيع
منتوجاته.


فجزء من أعمال هذه الصناعة هو خلق الأزمات وتهويل الأخطار والتهديدات المتوجّهة
إلى أميركا. ومرورٌ على تبريراتهم السابقة لاستلام توصيات الانتاج في زمن الحرب
الباردة تكشف عن شدّة تهويلهم لقوى العدو الاحتمالي في جميع الإحصائيات المقدّمة،
كما سيلاحظ أنّه لا ينبغي الاستهانة بدور هذه الصناعات في قرع أميركا لطبول الحرب
خلال أزمة الحادي عشر من سبتمبر، خاصّة وأن أشخاصاً مثل دك چيني ـ معاون رئيس
الجمهورية ـ ودونالد رامسفلد وكالين پاول هم عسكريون ولهم علاقة بتلك الصناعات.


وعلى الرغم من تفكّك اتّحاد الجمهوريات الروسية وانسحاب هذه الدولة من السباق
التسليحي مع الولايات المتّحدة، فإنّ أميركا لم تكتف بتخصيص ميزانية طائلة بحجّة
تقوية بنيتها الدفاعية بالأُسلوب القديم، بل بخروجها عن الاتفاقيات المنعقدة،
وتوسيع وتعزيز انتاج أسلحة الدمار الشامل على مرأى ومسمع من الجميع، وضعت تحت
قدميها تلك المعاهدات السلمية الموقّع عليها سابقاً للحدّ من انتاج هذا النوع من
الأسلحة، وما زلت توسّع وتعزّز انتاج الأسلحة التقليدية والمعقّدة خلافاً للرأي
العامّ العالمي.


والحرب التي أعلنتها أميركا لا تساهم في ازدهار الصناعات العسكرية فحسب بل
سيزداد بواسطتها بيع الأبواب والشبابيك المضادّة للمتفجّرات ممّا يحتاجه البتاغون
وسائر الأبنية العسكرية. ثمّ إنّ إرسال المعدّات الحربية إلى مختلف نقاط العالم
والاستهلاك السريع لها سيؤدي إلى ازدياد بيع قطعاتها ووسائلها الاحتياطية، وإيجاد
فرص عمل للمقاولين في سبيل إصلاحها وصيانتها.


6 ـ العقيدة العسكرية الأميركية


نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقاطع من وثيقة في غاية الأهميّة قبل10 أعوام
تقريباً، وكالمعتاد لم تجد لها انعكاساً في التلفزيونات التي يشاهدها الكثير،
والإذاعات التي يسمعها الكثير، والصحف التي يقرؤها الكثير.


أُعدّت هذه الوثيقة بإشراف مباشر لپال ولفوويتز المخطّط لاستراتيجيات البنتاغون
في دولة ريغان وبوش الأوّل ومعاون وزير الحرب الأميركي في الوقت الحاضر، وعندما
تسرّبت إلى صحيفة نيويورك تايمز كان قد مضى عام واحد على حرب الخليج، وزمن ليس
ببعيد على تفكّك الاتّحاد السوفيتي، وهي بيان مشروع ـ على حدّ قول محرّر صحيفة
نيويورك تايمز ـ لتبرير برنامج عسكري تسليحي أميركي للسنوات الخمس المقبلة بميزانية
2,1تريليون دولار، ممّا يعكس بنحو غير مباشر أنّ أميركا بصدد اتّخاذ إجراءات


أمنية لتقف حائلا في سبيل القدرة العسكرية لليابان وألمانيا، وبخاصّة في سبيل
تحوّلهما إلى بلدين يعتمدان الطاقة الذريّة.


ضمّت الوثيقة فقرات أساسية يكتسب الالتفات إليها أهمّية استثنائية، وتلك
الفقرات هي:


1 ـ الهدف من شحناء أميركا وتحريضها على الحرب ليس البلدان الصغيرة ـ خلافاً
للتصوّر الشائع ـ كالعراق وإيران وسورية وليبيا وكوريا الشمالية والسودان فحسب.


2 ـ على الرغم من أنّ التهديدات المباشرة والصريحة للدول الضعيفة أو الهجوم على
العراق وأفغانستان لها أهداف اقتصادية وجغرافية وسياسية معيّنة كمصادر النفط،
وتأمين خطوط أنابيب النفط والغاز، أو إنشاء قواعد عسكرية للسيطرة على دول أُخرى،
إلاّ أنّها تمثّل ميدان اختبار لسياسة أميركا الجديدة.


3 ـ الرسالة غير المباشرة لهذه الوثيقة موجّهة ـ دون شكّ ـ إلى المنافسين
المحتملين كالصين وروسيا وألمانيا واليابان وأُوروبا المتّحدة، وهذا يعني أنّ
أميركا لا ترفض فقط أن يكون لها منافس عسكري آخر بل يجب أن لا تخطر مثل تلك
المنافسة في الذهن.


4 ـ لا تتحمّل أميركا أن تصل القوّة العسكرية لأيّ منافس إلى مصافّها، ليس هذا
فحسب بل يجب أن يكون تفوّقها جبّاراً بنحو تستطيع بمفردها أن تسقط أي دولة تريد في
حالة عدم ائتلافها مع الآخرين.


5 ـ الفقرة الأساسية الأُخرى هي: على الرغم من أنّ أميركا نفسها واحدة من
مؤسّسي منظمة الأُمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وقد استخدمتها كأداة
مفيدة لتطبيق مخطّطاتها ضدّ الخطر الشيوعي نتيجة ليسطرتها الكاملة عليها خلال بعض
العقود الأُولى، أمّا الآن فبسبب أنّ إجراءاتها على الصعيد العالمي تغاير أبسط
معايير القوانين الدولية و الحقوق البشرية،فانزوت مع الأقلّية الساحقة خلال كثير من
مراسم التصويت في الاجتماعات العامّة لهذه المنظمة، بل في مراسم التصويت لمجلس
الأمن التابع لمنظمة الأُمم المتّحدة أيضاً، بسبب ذلك فإنّها لاترى نفسها ملزمة
بالخضوع إلى هذه المنظمة العالمية ومواثيقها، فتُقدِم بمفردها على الحرب وعلى
ممارسات أُخرى.


/ 17