حكم الاِنسان في مرحلة التفكير والبحث - عقائد الإسلامیة جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عقائد الإسلامیة - جلد 1

علی الکورانی؛ مصحح: السید علی السیستانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





نفسه النظر في معرفته في ذلك الوقت ليمكنه شكره، فقد علم أنه يلزم من وجوب
المعرفة بالعقل معرفة وقتها أيضاً.


نعم ما ذكروه إنما يتم على مذهب الاَشاعرة، حيث أن وجوب المعرفة عندهم
سمعي.


فإن قلت: قوله صلى الله عليه وآله: رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، فيه دلالة على تحديد وقت
وجوب المعرفة بالبلوغ الشرعي، لاَن رفع القلم كناية عن رفع التكليف وعدم جريانه
عليه إلى الغاية المذكورة، فقبلها لا يكون مكلفاً بشيء، سواء كان قد عقل أم لا.


قلت: لا نسلم دلالته على ذلك، بل إن دل فإنما يدل على أن البلوغ الشرعي غاية
لرفع التكليف مطلقاً. وإن كان عقلياً، فيبقى الدليل الدال على كون التكليف بالمعرفة
عقلياً سالماً عن المعارض، فإنه يستلزم تحديد وقت وجوب المعرفة بكمال العقل،
كما تقدمت الاِشارة إليه.


والحاصل: أن عموم رفع القلم مخصص بالدليل العقلي، وقد عرف العقل الذي
هو مناط التكاليف الشرعية بأنه قوة للنفس بها تستعد للعلوم والاِدراكات، وهو
المعني بقولهم غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات، وهذا التفسير
اختاره المحقق الطوسي رحمه الله وجماعة.


ـ مجمع الفائدة والبرهان ج 10 ص 409


المراهق إذا أسلم حكم بإسلامه، فإن ارتد بعد ذلك يحكم بارتداده وإن لم يتب
قتل....


وقال أبو حنيفة: يصح إسلامه وهو مكلف بالاِسلام، وإليه ذهب بعض أصحابنا،
لاَنه يمكنه معرفة التوحيد بالنظر والاِستدلال، فصح منه كالبالغ، ونقل الشيخ عن
أصحابه أنهم حكموا بإسلام علي عليه السلام وهو غير بالغ وحكم بإسلامه بالاِجماع.
والاِستدلال بالرواية مشكل، لعدم ظهور الصحة والدلالة على هذا المطلب، وما
نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام مما لا يقاس عليه غيره، فإن النبي صلى الله عليه وآله والاَئمة عليهم السلام ليسوا

من قبيل سائر الناس، ولهذا حكموا بكون الحجة صلوات الله وسلامه عليه إماماً مع
كونه ابن خمس سنين.


نعم الحكم بإسلام المراهق غير بعيد لعموم من قال: لا إلَه إلا الله محمد رسول
الله صلى الله عليه وآله فهو مسلم، وقاتلوهم حتى يقولوا لا إلَه إلا الله، وأمثاله كثيرة. ولاَنهم إذا
قدروا على الاِستدلال وفهموا أدلة وجود الواجب والتوحيد وما يتوقف عليه،
ووجوب المعرفة والنظر في المعرفة، يمكن أن يجب عليهم ذلك، لاَن دليل وجوب
المعرفة عقلي، فكل من يعرف ذلك يدخل تحته، ولا خصوصية له بالبالغ، ولا
استثناء في الاَدلة العقلية، فلا يبعد تكليفهم، بل يمكن أن يجب ذلك، فإذا أوجب
عليهم يجب أن يصح منهم، بل يلزم من الحكم بالصحة وجوبه أيضاً، ويترتب عليه
الاَحكام.... وقد أجمعوا على عدم وجوب الفروع عليهم وعدم تكليفهم بها،
ولهذا صرح بعض العلماء بأن الواجبات الاَصولية العقلية تجب على الصغير قبل
بلوغه دون الفرعية. والظاهر أن ضابطة القدرة على الفهم والاَخذ والاِستدلال على
وجه مقنع، ففي كل من وجب فيه ذلك يصح ويمكن أن يجب عليه ذلك المقدار،
ومن لم يوجد فيه ذلك لم يجب. وقال في الدروس، وهو لما قاله الشيخ قريب ولا
شك أنه أحوط، وما استدل به الشيخ مؤيد فقوله قريب.


قال في التذكرة: غير المميز والمجنون لا يصح إسلامهما مباشرة إجماعاً ولا
يحكم بإسلامهما إلا بالتبعية لغيره. فيريد بهما من لا قدرة له على الاِستدلال، ولا
يفهم وجوب المعرفة ونحوه، وجنون المجنون أخرجه عن الفهم والقدرة على
الاِستفهام والاِستدلال مثل غير المميز، وأما إذا كان لهم فهم مستقل لا يبعد اعتباره
حينئذ وإجراء الاَحكام في حقه عليه، فتأمل.


حكم الاِنسان في مرحلة التفكير والبحث


ـ رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 133


المبحث الثالث في أن الاِنسان في زمان مهلة النظر.... هل هو كافر أو مؤمن ؟

جزم السيد الشريف المرتضى رضي الله عنه بكفره، واستشكل بعضهم. والظاهر أن محل
النزاع في من لم يسبق منه اعتقاد ما يوجب الكفر، فإنه في زمان طلب الحق بالنظر
فيه مع بقاء ذلك الاِعتقاد لا ريب في كفره. بل النزاع في من هو في أول مراتب
التكليف إذا وجه نفسه للنظر في تحقيق الحق ليعتقده ولم يكن معتقداً لما يوجب
الكفر بل هو متردد حتى يرجح عنده شيء فيعتقده. وكذا من سبق له اعتقاد ما
يوجب الكفر رجع عنه إلى الشك بسبب نظره في تحقيق الحق ولما يترجح عنده
الحق، فهذان هل هما كافران في مدة النظر أم لا ؟


أقول: ما تقدم من تعريف الكفر بأنه عدم الاِيمان مما من شأنه أن يكون مؤمناً
يقتضي الحكم بكفرهما حالة النظر، لصدق عدم الاِيمان عليهما في تلك الحالة،
وهذا مشكل جداً، لاَنه يقتضي الحكم بكفر كل أحد أول كمال عقله الذي هو أول
وقت التكليف بالمعرفة، لاَنه أول وقت إمكان النظر، إذ النظر قبله لا عبرة به،
ويقتضي أن يكون من أدركه الموت في تلك الحالة مخلداً في جهنم. ولا يخفى بعد
ذلك عن حكمة الله تعالى وعدله، ولزوم: إما تكليف ما لا يطاق إن عذبه على ترك
الاِيمان، حيث لم يمض له وقت يمكن تحصيله فيه قبل الموت كما هو المفروض،
أو الظلم الصرف إن لم يقدر على ذلك، تعالى الله عن ذلك، إذ لم يسبق له إعتقاد ما
يوجب الكفر كما هو المفروض أيضاً، ليكون التعذيب عليه.


ويلزم من ذلك القدح في صحة تعريف الكفر بذلك. اللهم إلا أن يقال: إن مثل
هذا النوع من الكفر لا يعذب صاحبه، لكن لا يلزم منه القدح في الاِجماع على أن كل
كافر مخلد في النار، وليس بعيداً التزام ذلك، وأن يكون المراد من الكافر المخلد من
كان كفره عن اعتقاد، فيكون الاِجماع مخصوصاً بمن عدا الاَول.


إن قلت: إن لم يكن هذا الشخص من أهل النار، يلزم أن يكون من أهل الجنة، إذ
لا واسطة بينهما في الآخرة على المذهب الحق، فيلزم أن يخلد في الجنة من لا
إيمان له أصلاً كما هو المفروض، وهو مخالف لما انعقد عليه الاِجماع من أن غير
المؤمن لا يدخل الجنة.



قلت: يجوز أن يكون إدخاله الجنة تفضلاً من الله تعالى كالاَطفال، ويكون
الاِجماع مخصوصاً بمن كلف الاِيمان ومضت عليه مدة كان يمكنه تحصيله فيها
فقصر.


وأقول أيضاً: الذي يقتضيه النظر إن هذا الشخص لا يحكم عليه بكفر ولا بإيمان
في زمان النظر حقيقة بل تبعاً كالاَطفال، فإنه لم يتحقق له التكليف التام ليخرج عن
حكم الاَطفال، فهو باق على ذلك إلى أن يمضي عليه زمان يمكن فيه النظر الموصل
إلى الاِيمان، لكن هذا لا يتم في من لم يسبق له كفر، كمن هو في أول بلوغه. أما من
سبق له اعتقاد الكفر ثم رجع عنه إلى الشك، فيتم فيه.


تجب المعرفة بالتفكير ولا يصح فيها التقليد


ـ الاِقتصاد للشيخ الطوسي ص 9


الطريق إلى معرفة الاَشياء أربعة لا خامس لها:


أولها، أن يعلم الشيء ضرورة لكونه مركوزاً في العقول، كالعلم بأن الاِثنين أكثر من
واحد، وأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين في حالة واحدة، وأن الجسمين لا
يكونان مكان واحد في حالة واحدة، والشيء لا يخلو من أن يكون ثابتاً أو منفياً،
وغير ذلك مما هو مركوز في العقول.


والثاني، أن يعلم من جهة الاِدراك إذا أدرك وارتفع اللبس، كالعلم بالمشاهدات
والمدركات بسائر الحواس.


والثالث، أن يعلم بالاَخبار كالعلم بالبلدان والوقائع وأخبار الملوك وغير ذلك.


والرابع، أن يعلم بالنظر والاِستدلال.


والعلم بالله تعالى ليس بحاصل من الوجه الاَول، لاَن ما يعلم ضرورة لا يختلف
العقلاء فيه بل يتفقون عليه، ولذلك لا يختلفون في أن الواحد لا يكون أكثر من
اثنين، وأن الشبر لا يطابق الذراع. والعلم بالله فيه خلاف بين العقلاء فكيف يجوز أن

يكون ضرورياً.


وليس الاِدراك أيضاً طريق العلم بمعرفة الله تعالى، لاَنه تعالى ليس بمدرك بشيء
من الحواس على ما سنبينه فيما بعد، ولو كان مدركاً محسوساً لاَدركناه مع صحة
حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة.


والخبر أيضاً لا يمكن أن يكون طريقاً إلى معرفته، لاَن الخبر الذي يوجب العلم
هو ما كان مستنداً إلى مشاهدة وإدراك، كالبلدان والوقائع وغير ذلك، وقد بينا أنه
ليس بمدرك، والخبر الذي لا يستند إلى الاِدراك لا يوجب العلم. ألا ترى أن جميع
المسلمين يخبرون من خالفهم بصدق محمد صلى الله عليه وآله فلا يحصل لمخالفيهم العلم به لاَن
ذلك طريقه الدليل، وكذلك جميع الموحدين يخبرون الملحدة بحدوث العالم فلا
يحصل لهم العلم به لاَن ذلك طريقه الدليل.


فإذا بطل أن يكون طريق معرفته الضرورة أو المشاهدة أو الخبر، لم يبق إلا أن
يكون طريقة النظر.


فإن قيل: أين أنتم عن تقليد المتقدمين ؟


قلنا: التقليد إن أريد به قبول قول الغير من غير حجة وهو حقيقة التقليد فذلك
قبيح في العقول، لاَن فيه إقداماً على ما لا يأمن كون ما يعتقده عند التقليد جهلاً
لتعريه من الدليل، والاِقدام على ذلك قبيح في العقول، ولاَنه ليس في العقول أن
تقليد الموحد أولى من تقليد الملحد إذا رفعنا النظر والبحث عن أوهامنا ولا يجوز
أن يتساوى الحق والباطل.


فإن قيل: نقلد المحق دون المبطل.


قلنا: العلم بكونه محقاً لا يمكن حصوله إلا بالنظر، لاَنا إن علمناه بتقليد آخر أدى
إلى التسلسل، وإن علمناه بدليل فالدليل الدال على وجوب القبول منه يخرجه عن
باب التقليد، ولذلك لم يكن أحدنا مقلداً للنبي أو المعصوم فيما نقبله منه لقيام
الدليل على صحة ما يقوله.



وليس يمكن أن يقال: نقلد الاَكثر ونرجع إليهم، وذلك لاَن الاكثر قد يكونون على
ضلال بل ذلك هو المعتاد المعروف، ألا ترى أن الفرق المبطلة بالاِضافة إلى الفرق
المحقة جزء من كل وقليل من كثير.


ولا يمكن أن يعتبر أيضاً بالزهد والورع، لاَن مثل ذلك يتفق في المبطلين، فلذلك
ترى رهبان النصارى على غاية العبادة ورفض الدنيا مع أنهم على باطل فعلم بذلك
أجمع فساد التقليد.


فإن قيل: هذا القول يؤدي إلى تضليل أكثر الخلق وتكفيرهم، لاَن أكثر من تعنون
من العقلاء لا يعرفون ما يقولونه، من الفقهاء والاَدباء والرؤساء والتجار وجمهور
العوام، ولا يهتدون إلى ما يقولونه، وإنما يختص بذلك طائفة يسيرة من المتكلمين،
وجميع من خالفهم يبدعهم في ذلك، ويؤدي إلى تكفير الصحابة والتابعين وأهل
الاَمصار، لاَنه معلوم أن أحداً من الصحابة والتابعين لم يتكلم فيما تكلم فيه
المتكلمون ولا سمع منه حرف واحد ولا نقل عنهم شيء منه، فكيف يقال بمذهب
يؤدي إلى تكفير أكثر الاَمة وتضليلها، وهذا باب ينبغي أن يزهد فيه ويرغب عنه.


قيل: هذا غلط فاحش وظن بعيد، وسوء ظن بمن أوجب النظر المؤدي إلى
معرفة الله، ولسنا نريد بالنظر المناظرة والمحاجة والمخاصمة والمحاورة التي
يتداولها المتكلمون ويجرى بينهم، فإن جميع ذلك صناعة فيها فضيلة وإن لم تكن
واجبة، وإنما أوجبنا النظر الذي هو الفكر في الاَدلة الموصلة إلى توحيد الله تعالى
وعدله ومعرفة نبيه وصحة ما جاء به، وكيف يكون ذلك منهياً عنه أو غير واجب
والنبي عليه السلام لم يوجب القبول منه على أحد إلا بعد إظهار الاَعلام والمعجزة من القرآن
وغيره، ولم يقل لاَحد إنه يجب عليك القبول من غير آية ولا دلالة. وكذلك تضمن
القرآن من أوله إلى آخره التنبيه على الاَدلة ووجوب النظر، قال الله تعالى: أو لم
ينظروا في ملكوت السماوات والاَرض وما خلق الله من شيء. وقال: أفلا ينظرون إلى
الاِبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى

الاَرض كيف سطحت. وقال: وفي أنفسكم أفلا تبصرون. وقال: قتل الاِنسان ما
أكفره. من أي شيء خلقه. من نطفة خلقه. الآية. وقال: إن في خلق السماوات
والاَرض واختلاف الليل والنهار لآيات لاَولي الاَلباب. إلى قوله: إنك لا تخلف
الميعاد. وقال: فلينظر الاِنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صباً، ثم شققنا الاَرض
شقاً، إلى قوله: متاعاً لكم ولاَنعامكم. وقال: ولقد خلقنا الاِنسان من سلالة من طين.
ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. إلى قوله فتبارك الله أحسن الخالقين. وقال: إن في
ذلك لآيات لقوم يتفكرون، ولقوم يعقلون، ولاَولي الاَلباب، ولمن كان له قلب،
يعني عقل. وغير ذلك من الآيات التي تعدادها يطول.


وكيف يحث تعالى على النظر وينبه على الاَدلة وينصبها ويدعو إلى النظر فيها،
ومع ذلك يحرمها. إن هذا لا يتصوره إلا غبيٌّ جاهل. فأما من أومي إليه من الصحابة
والتابعين وأهل الاَعصار من الفقهاء والفضلاء والتجار والعوام، فأول ما فيه أنه غير
مسلم، بل كلام الصحابة والتابعين مملو من ذلك.


... وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. وقال أمير
المؤمنين عليه السلام في خطبته المعروفة: أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفته توحيده،
ونظام توحيده نفي الصفات عنه، لشهادة العقول إن من حلته الصفات فهو مخلوق،
وشهادتها أنه خالق ليس بمخلوق ثم قال: بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول يعتقد
معرفته، وبالنظر يثبت حجته، معلوم بالدلالات، مشهور بالبينات، إلى آخر الخطبة.
وخطبه في هذا المعنى أكثر من أن تحصى.


وقال الحسن عليه السلام: والله ما يعبد الله إلا من عرفه، فأما من لم يعرفه فإنما يعبده
هكذا ضلالاً، وأشار بيده.


وقال الصادق عليه السلام: وجدت علم الناس في أربع: أولها أن تعرف ربك، والثاني أن
تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابع أن تعرف ما يخرجك من
دينك....



فإن قالوا: أكثر من أومأتم إليه إذا سألته عن ذلك لا يحسن الجواب عنه.


قلنا: وذلك أيضاً لا يلزم، لاَنه لا يمتنع أن يكون عارفاً على الجملة وإن
تعذرت عليه العبارة عما يعتقده، فتعذر العبارة عما في النفس لا يدل على بطلان
ذلك ولا ارتفاعه.


ـ الرسالة السعدية للعلامة الحلي ص 3 ـ 9


وقد حرم الله تعالى على جميع العبيد سلوك طريق التقليد، بل أوجب البحث
في أصول العقايد اليقينية وتحصيلها باستعمال البراهين القطعية.... المقدمة الثانية
في تحريم التقليد. طلب الله تعالى من المكلف اعتقاداً جازماً يقينياً مأخوذاً من
الحجج والاَدلة، وذلك في المسائل الاَصولية، واعتقاداً مستفاداً إما من الحجة، أو
من التقليد في المسائل الفروعية.


ـ رسائل المحقق الكركي ج 1 ص 59


يجب على كل مكلف حرّ وعبد ذكر وأنثى أن يعرف الاَصول الخمسة التي هي
أركان الاِيمان، وهي: التوحيد، والعدل، والنبوة، والاِمامة، والمعاد، بالدليل لا
بالتقليد. ومن جهل شيئاً من ذلك لم ينتظم في سلك المؤمنين، واستحق العقاب
الدائم مع الكافرين.


ـ رسائل المحقق الكركي ج 1 ص 80 وج 3 ص 173


ويجب أمام فعلها معرفة الله تعالى، وصفاته الثبوتية والسلبية، وعدله وحكمته،
ونبوة نبينا محمد صلوات الله عليه وآله، وإمامة الاَئمة عليهم السلام والاِقرار بكل ما جاء به
النبي صلوات الله عليه وآله من أحوال المعاد، بالدليل لا بالتقليد.


قوله: بالدليل لا بالتقليد، الدليل هو ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر إثباتاً أو
نفياً. والتقليد هو الاَخذ بقول الغير من غير حجة ملزمة، مأخوذ من تقليده بالقلادة

وجعلها عنقه كأن المقلد يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق أو باطل قلادة في
عنق من قلده.


ـ رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 56


إعلم أن العلماء أطبقوا على وجوب معرفة الله تعالى بالنظر وأنها لا تحصل
بالتقليد، إلا من شذ منهم كعبدالله بن الحسن العنبري والحشوية والتعليمية، حيث
ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الاَصولية، كوجود الصانع وما يجب له ويمتنع،
والنبوة، والعدل وغيرها، بل ذهب إلى وجوبه.


لكن اختلف القائلون بوجوب المعرفة في أنه عقلي أو سمعي، فالاِمامية
والمعتزلة على الاَول والاَشعرية على الثاني، ولا غرض لنا هنا ببيان ذلك، بل ببيان
أصل الوجوب المتفق عليه.


من ذلك: أن لله تعالى على عبده نعماً ظاهرة وباطنة لا تحصى، يعلم ذلك كل
عاقل، ويعلم أنها ليست منه ولا من مخلوق مثله. ويعلم أيضاً أنه إذا لم يعترف
بإنعام ذلك المنعم ولم يذعن بكونه هو المنعم لا غيره ولم يسع في تحصيل
مرضاته، ذمه العقلاء، ورأوا سلب تلك النعم عنه حسناً، وحينئذ فتحكم ضرورة
العقل بوجوب شكر ذلك المنعم. ومن المعلوم أن شكره على وجه يليق بكمال ذاته
يتوقف على معرفته، وهي لا تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره، لاحتمال كذب
المخبر وخطأ الاِمارة، فلابد من النظر المفيد للعلم.


وهذا الدليل إنما يستقيم على قاعدة الحسن والقبح، والاَشاعرة ينكرون ذلك،
لكنه كما يدل على وجوب المعرفة بالدليل، يدل أيضاً على كون الوجوب عقلياً.


واعترض أيضاً بأنه مبني على وجوب ما لا يتم الواجب المطلق إلاّ به، وفيه أيضاً
منع للاَشاعرة. ومن ذلك أن الاَمة اجتمعت على وجوب المعرفة، والتقليد وما في
حكمه لا يوجب العلم، إذ لو أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد من يعتقد
حدوث العالم ويعتقد قدمه.



وقد اعترض على هذا بمنع الاِجماع، كيف والمخالف معروف، بل عورض
بوقوع الاِجماع على خلافه، وذلك لتقرير النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه العوام على إيمانهم
وهم الاَكثرون في كل عصر، مع عدم الاِستفسار عن الدلائل الدالة على الصانع
وصفاته، مع أنهم كانوا لا يعلمونها، وإنما كانوا مقرين باللسان ومقلدين في
المعارف، ولو كانت المعرفة واجبة لما جاز تقريرهم على ذلك مع الحكم بإيمانهم.


وأجيب عن هذا: بأنهم كانوا يعلمون الاَدلة إجمالاً، كدليل الاِعرابي حيث قال:
البعرة تدل على البعير، وأثر الاَقدام على المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات
فجاج لا تدلان على اللطيف الخبير ؟ ! فلذا أقروا ولم يسألوا عن اعتقاداتهم، أو أنهم
كان يقبل منهم ذلك للتمرين، ثم يبين لهم ما يجب عليهم من المعارف بعد حين.


ومن ذلك: الاِجماع أنه لا يجوز تقليد غير المحق، وإنما يعلم المحق من غيره
بالنظر في أن ما يقوله حق أم لا، وحينئذ فلا يجوز له التقليد إلا بعد النظر
والاِستدلال، وإذا صار مستدلاً امتنع كونه مقلداً، فامتنع التقليد في المعارف الاِلَهية.


ونقض ذلك بلزوم مثله في الشرعيات، فإنه لا يجوز تقليد المفتي إلا إذا كانت
فتياه عن دليل شرعي، فإن اكتفى في الاِطلاع على ذلك بالظن وإن كان مخطئاً في
نفس الاَمر لحط ذلك عنه، فليجز مثله في مسائل الاَصول.


وأجيب بالفرق بأن الخطأ في مسائل الاَصول يقتضي الكفر بخلافه في الفروع،
فساغ في الثانية مالم يسغ في الاَولى.


إحتج من أوجب التقليد في مسائل الاَصول بأن العلم بأمر الله غير ممكن، لاَن
المكلف به إن لم يكن عالماً به تعالى إمتنع أن يكون عالماً بأمره، وحال امتناع كونه
عالماً بأمره يمتنع كونه مأموراً من قبله، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق، وإن كان عالماً به
استحال أيضاً أمره بالعلم به لاستحالة تحصيل الحاصل.


والجواب عن ذلك على قواعد الاِمامية والمعتزلة ظاهر، فإن وجوب النظر
والمعرفة عندهم عقلي لا سمعي. نعم يلزم ذلك على قواعد الاَشاعرة، إذ الوجوب
عندهم سمعي.



أقول: ويجاب أيضاً معارضةً، بأن هذا الدليل كما يدل على امتناع العلم
بالمعارف الاَصولية، يدل على امتناع التقليد فيها أيضاً، فينسد باب المعرفة بالله
تعالى، وكل من يرجع إليه في التقليد لابد وأن يكون عالماً بالمسائل الاَصولية ليصح
تقليده، ثم يجرى الدليل فيه فيقال: علم هذا الشخص بالله تعالى غير ممكن، لاَنه
حين كلف به إن لم يكن عالماً به تعالى استحال أن يكون عالماً بأمره بالمقدمات،
وكل ما أجابوا به فهو جوابنا، ولا مخلص لهم إلا أن يعترفوا بأن وجوب المعرفة
عقلي، فيبطل ما ادعوه من أن العلم بالله تعالى غير ممكن، أو سمعي فكذلك.


فإن قيل: ربما حصل العلم لبعض الناس بتصفية النفس أو إلهام إلى غير ذلك
فيقلده الباقون.


قلنا: هذا أيضاً يبطل قولكم أن العلم بالله تعالى غير ممكن، نعم ما ذكروه يصلح
أن يكون دليلاً على امتناع المعرفة بالسمع، فيكون حجة على الاَشاعرة، لا دليلاً
على وجوب التقليد.


واحتجوا أيضاً بأن النهي عن النظر قد ورد في قوله تعالى: ما يجادل في آيات الله إلا
الذين كفروا. والنظر يفتح باب الجدال فيحرم. ولاَنه صلى الله عليه وآله رأى الصحابة يتكلمون في
مسألة القدر، فنهى عن الكلام فيها وقال: إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم هذا،
ولقوله عليه السلام: عليكم بدين العجائز، والمراد ترك النظر، فلو كان واجباً لم يكن منهياً عنه.


وأجيب عن الاَول: إن المراد الجدال بالباطل، كما في قوله تعالى: وجادلوا
بالباطل ليدحضوا به الحق، لا الجدال بالحق لقوله تعالى: وجادلهم بالتي هي
أحسن، والاَمر بذلك يدل على أن الجدال مطلقاً ليس منهياً عنه.


وعن الثاني: بأن نهيهم عن الكلام في مسألة القدر على تقدير تسليمه لا يدل على
النهي عن مطلق النظر، بل عنه في مسألة القدر، كيف وقد ورد الاِنكار على تارك
النظر في قوله تعالى: أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله، وقد أثنى على فاعله في
قوله تعالى: ويتفكرون في خلق السماوات والاَرض.



على أن نهيهم عن الخوض في القدر لعله لكونه أمراً غيبياً وبحراً عميقاً، كما
أشار إليه علي عليه السلام بقوله: بحر عميق فلا تلجه. بل كان مراد النبي تفويض مثل ذلك
إلى الله تعالى، لاَن ذلك ليس من الاَصول التي يجب اعتقادها، والبحث عنها مفصلة.


وهاهنا جواب آخر عنهما معاً، وهو أن النهي في الآية والحديث مع قطع النظر
عما ذكرناه إنما يدل على النهي عن الجدال الذي لا يكون إلا عن متعدد، بخلاف
النظر فإنه يكون من واحد، فهو نصب الدليل على غير المدعى.


وعن الثالث: بالمنع من صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله فإن بعضهم ذكر أنه من
مصنوعات سفيان الثوري، فإنه روى أن عمر بن عبدالله المعتزلي قال: إن بين الكفر
والاِيمان منزلة بين منزلتين، فقالت عجوز، قال الله تعالى: هو الذي خلقكم فمنكم
كافر ومنكم مؤمن، فلم يجعل من عباده إلا الكافر والمؤمن، فسمع سفيان كلامها،
فقال: عليكم بدين العجائز.


على أنه لو سلم فالمراد به التفويض إلى الله تعالى في قضائه وحكمه والاِنقياد له
في أمره ونهيه.


واحتج من جوز التقليد: بأنه لو وجب النظر في المعارف الاِلَهية لوجد من
الصحابة، إذ هم أولى به من غيرهم، ولم يوجد وإلا لنقل كما نقل عنهم النظر
والمناظرة في المسائل الفقهية، فحيث لم ينقل لم يقع، فلم يجب.


وأجيب: بالتزام كونهم أولى به لكنهم نظروا، وإلا لزم نسبتهم إلى الجهل بمعرفة الله
تعالى، وكون الواحد منا أفضل منهم، وهو باطل إجماعاً، وإذا كانوا عالمين وليس
بالضرورة فهو بالنظر والاِستدلال. وأما إنه لم ينقل النظر والمناظرة، فلاِتفاقهم على
العقائد الحقة، لوضوح الاَمر عندهم، حيث كانوا ينقلون عقائدهم عمن لا ينطق عن
الهوى، فلم يحتاجوا إلى كثرة البحث والنظر، بخلاف الاَخلاف بعدهم فإنهم لما كثرت
شبه الضالين، واختلفت أنظار طالبي اليقين لتفاوت أذهانهم في إصابة الحق، احتاجوا
إلى النظر والمناظرة، ليدفعوا بذلك شبه المضلين ويقفوا على اليقين.



أما المسائل الفروع، فإنها لما كانت أموراً ظنية اجتهادية خفية، لكثرة تعارض
الاِمارات فيها، وقع بينهم الخلاف فيها والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض، فلذا
نقل.


واحتجوا أيضاً: بأن النظر مظنة الوقوع في الشبهات والتورط في الضلالات
بخلاف التقليد فإنه أبعد عن ذلك وأقرب إلى السلامة فيكون أولى، ولاَن الاَصول
أغمض أدلة من الفروع وأخفى، فإذا جاز التقليد في الاَسهل جاز في الاَصعب
بطريق أولى، ولاَنهما سواء في التكليف بهما، فإذا جاز في الفروع فليجز في الاَصول.


وأجيب عن الاَول: بأن اعتقاد المعتقد إن كان عن تقليد، لزم إما التسلسل، أو
الاِنتهاء إلى من يعتقد عن نظر لانتفاء الضرورة، فيلزم ما ذكرتم من المحذور مع زيادة
وهي احتمال كذب المخبر، بخلاف الناظر مع نفسه، فإنه لا يكابر نفسه فيما أدى
إليه نظره.


على أنه لو اتفق الاِنتهاء إلى من اتفق له العلم بغير النظر كتصفية الباطن كما ذهب
إليه بعضهم، أو بالاِلهام، أو بخلق العلم فيه ضرورة، فهو إنما يكون لاَفراد نادرة،
لاَنه على خلاف العادة، فلا يتيسر لكل أحد الوصول إليه مشافهة بل بالوسائط،
فيكثر احتمال الكذب، بخلاف الناظر فإنه لايكابر نفسه، ولاَنه أقرب إلى الوقوع
في الصواب.


إن قلت: ما ذكرت من الجواب إنما يدل على كون النظر أولى من التقليد، ولا يدل
على عدم جوازه، فجواز التقليد باق لم يندفع، على أن ما ذكرته من احتمال الكذب
جار في الفروع، فلو منع من التقليد فيها لمنع في الاَصول.


قلت: متى سلمت الاَولوية وجب العمل بها، وإلا لزم العمل بالمرجوح مع تيسر
العمل بالراجح، وهو باطل بالاِجماع، لا سيما في الاِعتقاديات.


وأما الجواب عن العلاوة، فلاَنه لما كان الطريق إلى العمل بالفروع إنما هو النقل
ساغ لنا التقليد فيها، ولم يقدح احتمال كذب المخبر، وإلا لانسد باب العمل فيها،

بخلاف الاِعتقادات فإن الطريق إليها بالنظر ميسر، فاعتبر قدح الاِحتمال في
التقليد فيها.


وأما احتمال الخطأ في النظر، فإنه وإن أمكن إلا أنه نادر جداً بالقياس إلى الخطأ
في النقل، فكان النظر أرجح، وقد بينا أن العمل بالاَرجح واجب.


وأجيب عن الثاني: أولاً بالمنع من كونها أغمض أدلة، بل الاَمر بالعكس لتوقف
الشرعيات على العقليات عملاً وعلماً.


وثانياً بالمنع من الملازمة، فإن كونها أغمض أدلة لا يستلزم جواز التقليد فيها
فضلاً عن كونه أولى، لاَن المطلوب فيها اليقين، بخلاف الشرعيات فإن المطلوب
فيها الظن اتفاقاً. ومن هذا ظهر الجواب عن الثالث.


واحتجوا أيضاً: بأن هذه العلوم إنما تحصل بعد الممارسة الكثيرة والبحث
الطويل، وأكثر الصحابة لم يمارسوا شيئاً منها، فكان اعتقادهم عن تقليد.


وأجيب: بأنهم لمشاهدتهم المعجزات وقوة معارفهم بكثرة البينات من صاحب
الوحي عليه السلام لم يحتاجوا في تيقن تلك المعارف إلى بحث كثير في طلب الاَدلة عليها.


أقول: ومما يبطل به مذهب القائلين بالتقليد أنه إما أن يفيد العلم أولاً، فإن أفاده
لزم اجتماع الضدين فيما لو قلد واحداً في قدم العالم وآخر في حدوثه، وهو ظاهر.
وإن لم يفده وجب ترجيح النظر عليه، إذ من المعلوم ضرورة أن النظر الصحيح يفيد
العلم، فإذا ترجح النظر عليه وجب اعتباره وترك المرجوح اجماعاً.


وأقول: مما يدل على اعتبار اليقين في الاِيمان أن الاَمة فيه على قولين: قول
باعتبار اليقين فيما يتحقق به الاِيمان. وقول بالاِكتفاء بالتقليد أو ما في حكمه فإذا
انتفى الثاني بما ذكرناه من الاَدلة ثبت الاَول.


وأقول أيضاً مما يصلح شاهداً على ذلك قوله تعالى: قالت الاَعراب آمنا قل لم
تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الاِيمان في قلوبكم، فنفى ما زعموه إيماناً،
وهو التصديق القولي، بل ماسوى التصديق الجازم، حيث لم يثبت لهم من الاِيمان

إلا ما دخل القلب. ولا ريب أن ما دخل القلب يحصل به الاِطمئنان، ولا اطمئنان في
الظن وشبهه لتجويز النقيض معه، فيكون الثبات والجزم معتبراً في الاِيمان.


فإن قلت: قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: أو لم تؤمن ؟ قال بلى، ولكن ليطمئن
قلبي، يدل على أن الجزم والثبات غير معتبر في الاِيمان، وإلا لما أخبر عليه السلام عن نفسه
بالاِيمان، بقوله بلى مع أن قوله (ولكن ليطمئن قلبي) يدل على أنه لم يكن مطمئناً
فلم يكن جازماً.


قلت: يمكن الجواب بأنه عليه السلام طلب العلم بطريق المشاهدة، ليكون العلم بإحياء
الموتى حاصلاً له من طريق الاَبصار والمشاهدة، ويكون المراد من اطمئنان قلبه عليه السلام
استقراره وعدم طلبه لشيء آخر بعد المشاهدة، مع كونه موقناً بإحياء الموتى قبل
المشاهدة. أيضاً وليس المراد أنه لم يكن متيقناً قبل الاِرائة، فلم يكن مطمئناً ليلزم
تحقق الاِيمان مع الظن فقط.


وأيضاً إنما طلب عليه السلام كيفية الاِحياء، فخوطب بالاِستفهام التقريري على الاِيمان
بالكيف الذي هو نفس الاِحياء، لاَن التصديق به مقدم على التصديق بالكيفية
فأجاب عليه السلام بلى آمنت بقدرة الله تعالى على الاِحياء، لكني أريد الاِطلاع على كيفية
الاِحياء، ليطمئن قلبي بمعرفة تلك الكيفية الغريبة، البديعة، ولا ريب أن الجهل
بمعرفة تلك الكيفية لا يضر بالاِيمان، ولا يتوقف على معرفتها. وأما سؤال الله
سبحانه عن ذلك مع كونه عالماً بالسرائر، فهو من قبيل خطاب المحب لحبيبه.


إن قلت: فما الجواب أيضاً عن قوله تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم
مشركون، فإنه يفهم من الآية الكريمة وصف الكافر المشرك بالاِيمان حال شركه، إذ
الجملة الاِسمية حالية، فضلاً عن الاِكتفاء بالظن وما في حكمه في الاِيمان، وهو
ينافي اعتبار اليقين.


قلت: لا، فإن الآية الكريمة إنما دلت على إخباره تعالى عنهم بالاِيمان بالصانع
والتصديق بوجوده، لكنهم لم يوحدوه في حالة تصديقهم به، بل اعتقدوا له شريكاً

تعالى الله عما يشركون. وحينئذ فيجوز كونهم جازمين بوجود الصانع تعالى مع
كونهم غير موحدين، فإن التوحيد مطلب آخر، فكفرهم كان كذلك، فلم يتحقق لهم
الاِيمان الشرعي بل الاِيمان جزء منه، وهو غير كاف.


على أنه يجوز أن يكون المراد من الاِيمان المنسوب إليهم في الآية الكريمة
التصديق اللغوي، وقد بينا سابقاً أنه أعم من الشرعي، وليس النزاع فيه بل في
الشرعي. ويكون المعنى والله أعلم: وما يؤمن أكثرهم بلسانه إلا وهو مشرك بقلبه،
أي حال إشراكه بقلبه، نعوذ بالله من الضلالة. ونسأله حسن الهداية. هذا ما تيسر لنا
من المقال في هذا المقام.


ـ شرح المقاصد للتفتازاني ج 1 ص 266


.... الثالث: أنا لا نسلم أن المعرفة الكاملة لا تحصل إلا بالنظر، بل قد تحصل
بالتعليم على ما يراه الملاحدة.. أو بقول المعصوم على ما يراه الشيعة....


المعرفة والعمل


اشتراط كل منهما بالآخر


ـ نهج البلاغة ج 4 ص 50


وسئل عليه السلام عن الاِيمان فقال:الاِيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالاَركان.


ـ نهج البلاغة ج 2 ص 32


... وأنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم، فإن رفعة الذين يعلمون ما
عظمته أن يتواضعوا له، وسلامة الذين يعلمون ما قدرته أن يستسلموا له.


ـ الكافي ج 1 ص 44


محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن ابن

مسكان، عن حسين الصيقل قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: لا يقبل الله عملاً إلا
بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل، فمن عرف دلته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا
معرفة له. ألا إن الاِيمان بعضه من بعض.


ـ الكافي ج 2 ص 33 ـ 37


علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدثنا
أبوعمرو الزبيري، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: أيها العالم أخبرني أي الاَعمال
أفضل عند الله ؟ قال: ما لا يقبل الله شيئاً إلا به، قلت: وما هو ؟ قال: الاِيمان بالله
الذي لا إلا هو، أعلى الاَعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظاً، قال: قلت ألا
تخبرني عن الاِيمان أقَوْلٌ هو وعمل أم قولٌ بلا عمل ؟ فقال: الاِيمان عمل كله
والقول بعض ذلك العمل، بفرض من الله، بين في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته،
يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه.


قال: قلت: صفه لي جعلت فداك حتى أفهمه.


قال: الاِيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهى تمامه ومنه
الناقص البين نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحانه.


قلت: إن الاِيمان ليتم وينقص ويزيد ؟


قال: نعم.


قلت: كيف ذلك ؟


قال: لاَن الله تبارك وتعالى فرض الاِيمان على جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه
فيها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الاِيمان بغير ما وكلت به أختها،
فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر
إلا عن رأيه وأمره، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما، وأذناه اللتان يسمع بهما، ويداه
اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، وفرجه الذي الباه من قبله، ولسانه
الذي ينطق به، ورأسه الذي فيه وجهه. فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من

الاِيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تبارك اسمه، ينطق به الكتاب لها
ويشهد به عليها.


ففرض على القلب غير ما فرض على السمع، وفرض على السمع غير ما فرض
على العينين، وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان، وفرض على اللسان
غير ما فرض على اليدين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، وفرض
على الرجلين غير ما فرض على الفرج، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.


فأما ما فرض على القلب من الاِيمان فالاِقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم
بأن لا إلَه إلا الله وحده لا شريك له، إلَهاً واحداً، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، وأن
محمداً عبده ورسوله صلوات الله عليه وآله، والاِقرار بما جاء من عند الله من نبي أو
كتاب، فذلك ما فرض الله على القلب من الاِقرار والمعرفة وهو عمله، وهو قول الله
عز وجل: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالاِيمان، ولكن من شرح بالكفر صدراً.


وقال: ألا بذكر الله تطمئن القلوب.


وقال: الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم.


وقال: إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب
من يشاء.. فذلك ما فرض الله عز وجل على القلب من الاِقرار والمعرفة وهو عمله
وهو رأس الاِيمان.


وفرض الله على اللسان القول التعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به، قال الله تبارك
وتعالى: وقولوا للناس حسناً، وقال: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلَهنا
وإلَهكم واحد ونحن له مسلمون. فهذا ما فرض الله على اللسان، وهو عمله.


وفرض على السمع أن يتنزه عن الاِستماع إلى ما حرم الله وأن يعرض عما لا يحل
له مما نهى الله عز وجل عنه والاِصغاء إلى ما أسخط الله عز وجل، فقال في ذلك:
وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا
معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، ثم استثنى الله عز وجل موضع النسيان فقال:

وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين. وقال: فبشر عباد
الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا
الاَلباب.


وقال عز وجل: قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن
اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون.


وقال: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم.


وقال: وإذا مروا باللغو مروا كراماً. فهذا ما فرض الله على السمع من الاِيمان أن لا
يصغي إلى ما لا يحل له، وهو عمله وهو من الاِيمان.


وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرم الله عليه، وأن يعرض عما نهى الله عنه
مما لا يحل له، وهو عمله وهو من الاِيمان، فقال تبارك وتعالى: قل للمؤمنين يغضوا
من أبصارهم ويحفظوا فروجهم، فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم وأن ينظر المرء
إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه أن ينظر إليه. وقال: وقل للمؤمنات يغضضن من
أبصارهن ويحفظن فروجهن، من أن تنظر إحداهن إلى فرج أختها وتحفظ فرجها من
أن ينظر إليها.


وقال: كل شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا هذه الآية فإنها من النظر.


ثم نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية أخرى فقال: وما
كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم، يعني بالجلود:
الفروج والاَفخاذ.


وقال: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه
مسؤولاً. فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر عما حرم الله عز وجل، وهو
عملهما وهو من الاِيمان.


وفرض الله على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرم الله، وأن يبطش بهما إلى ما
أمر الله عز وجل، وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله

والطهور للصلاة، فقال: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين. وقال: فإذا لقيتم
الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء
حتى تضع الحرب أوزارها. فهذا ما فرض الله على اليدين لاَن الضرب من علاجهما.


وفرض على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شيء من معاصي الله، وفرض عليهما
المشي إلى ما يرضي الله عز وجل فقال: ولا تمش في الاَرض مرحاً إنك لن تخرق
الاَرض ولن تبلغ الجبال طولاً، وقال: واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن
أنكر الاَصوات لصوت الحمير، وقال فيما شهدت الاَيدي والاَرجل على أنفسهما
وعلى أربابهما من تضييعهما لما أمر الله عز وجل به وفرضه عليهما: اليوم نختم على
أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون.


فهذا أيضاً ممافرض الله على اليدين وعلى الرجلين وهو عملهما وهو من الاِيمان.


وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال: يا أيها
الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. فهذه
فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين، وقال في موضع آخر: وأن المساجد
لله فلا تدعوا مع الله أحدا.


وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصلاة بها وذلك أن الله عز وجل لما
صرف نبيه صلى الله عليه وآله إلى الكعبة عن البيت المقدس فأنزل الله عز وجل: وما كان الله ليضيع
إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم، فسمى الصلاة إيماناً فمن لقي الله عز وجل
حافظاً لجوارحه موفياً كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عز وجل عليها لقي الله
عز وجل مستكملاً لاِيمانه، وهو من أهل الجنة. ومن خان في شيء منها أو تعدى ما
أمر الله عز وجل فيها لقي الله عز وجل ناقص الاِيمان.


قلت: قد فهمت نقصان الاِيمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته.


فقال: قول الله عز وجل: وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه

إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرض
فزادتهم رجساً إلى رجسهم. وقال: نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا
بربهم وزدناهم هدى، ولو كان كله واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاَحد منهم
فضل على الآخر، ولاستوت النعم فيه ولاستوى الناس وبطل التفضيل. ولكن بتمام
الاِيمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الاِيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند
الله، وبالنقصان دخل المفرطون النار.


ـ الكافي ج 2 ص 553


عنه، عن أبي إبراهيم عليه السلام دعاء في الرزق: يا الله يا الله يا الله، أسألك بحق من
حقه عليك عظيم أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترزقني العمل بما علمتني
من معرفة حقك، وأن تبسط على ما حظرت من رزقك.


ـ دعائم الاِسلام ج 1 ص 52


... ثم قال أبو عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه:.... وإنما يقبل الله عز
وجل العمل من العباد بالفرائض التي افترضها عليهم بعد معرفة من جاء بها من عنده
ودعاهم إليه، فأول ذلك معرفة من دعا إليه، وهو الله الذي لا إله إلا هو وحده،
والاِقرار بربوبيته، ومعرفة الرسول الذي بلغ عنه، وقبول ما جاء به، ثم معرفة الوصي
ثم معرفة الاَئمة بعد الرسل الذين افترض الله طاعتهم في كل عصر وزمان على أهله،
والاِيمان والتصديق بأول الرسل والاَئمة وآخرهم. ثم العمل بما افترض الله عز وجل
على العباد من الطاعات ظاهراً وباطناً، واجتناب ما حرم الله عز وجل عليهم ظاهره
وباطنه، وإنما حرم الظاهر بالباطن، والباطن بالظاهر معاً جميعاً، والاَصل والفرع،
فباطن الحرام حرام كظاهره، ولا يسع تحليل أحدهما، ولا يجوز ولا يحل إباحة
شيء منه، وكذلك الطاعات مفروض على العباد إقامتها، ظاهرها وباطنها، لا يجزي
إقامة ظاهر منها دون باطن ولا باطن دون ظاهر، ولا تجوز صلاة الظاهر مع ترك صلاة

الباطن، ولا صلاة الباطن مع ترك صلاة الظاهر. وكذلك الزكاة، والصوم والحج
والعمرة، وجميع فرائض الله افترضها على عباده، وحرماته وشعائره.


ـ وسائل الشيعة ج 11 ص 260


وفي عيون الاَخبار بأسانيده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى
المأمون قال: الاِيمان هو أداء الاَمانة، واجتناب جميع الكبائر، وهو معرفة بالقلب،
وإقرار باللسان، وعمل بالاَركان. إلى أن قال: واجتناب الكبائر وهي: قتل النفس التي
حرم الله تعالى، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من
الزحف، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به
من غير ضرورة، وأكل الربا بعد البينة، والسحت، والميسر وهو القمار، والبخس في
المكيال والميزان، وقذف المحصنات، والزنا، واللواط، واليأس من روح الله،
والاَمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، ومعونة الظالمين، والركون اليهم،
واليمين الغموس، وحبس الحقوق من غير عسر، والكذب والكبر، والاِسراف
والتبذير، والخيانة، والاِستخفاف بالحج، والمحاربة لاَولياء الله، والاِشتغال
بالملاهي، والاِصرار على الذنوب. ورواه ابن شعبة في (تحف العقول) مرسلاً نحوه.


ـ وروت مصادر إخواننا السنة اقتران المعرفة والعمل عن علي عليه السلام، ففي كنز
العمال ج 1 ص 273 عن علي قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن الاِيمان ما هو ؟ قال: معرفة
بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالاَركان ــ أبو عمرو بن حمدان في فوائده.


ـ وفي سنن ابن ماجة ج 1 ص 25


حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن إسماعيل قالا ثنا عبدالسلام بن صالح أبو
الصلت الهروي، ثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه،
عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: الاِيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالاَركان. قال أبو الصلت:



لو قريَ هذا الاِسناد على مجنون لبرأ. انتهى ورواه البيهقى في شعب الاِيمان ج1 ص 47
ورواه في كنز العمال ج 1 ص 273، بعدة روايات عن علي عليه السلام. ونحوه الجزري في أسنى
المطالب ج 1 ص 125


ـ وفي مروج الذهب للمسعودي ج 4 ص 171


قال علي بن محمد بن علي بن موسى عن أبيه عن أجداده عن علي رضي الله عنه قال
رسول الله (ص): أكتب يا علي، قلت وما أكتب ؟


قال لي: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. الاِيمان ما وقرته القلوب، وصدقته
الاَعمال، والاِسلام ما جرى به اللسان، به المناكحة.


ـ وفي إرشاد الساري ج 1 ص 86 ـ 87


الاِيمان قول وفعل.. وهو موافق لقول السلف اعتقاد بالقلب ونطق اللسان. وقال
المتأخرون منهم الاَشعرية، ووافقهم ابن الراوندي من المعتزلة: هو تصديق الرسول
(ص) بما علم مجيئه به....


إذا تقرر هذا فاعلم أن الايمان (يزيد) بالطاعة (وينقص) بالمعصيه كما عند
المؤلف وغيره وأخرجه أبو نعيم.... بل قال به من الصحابه عمر بن الخطاب وعلي
بن أبي طالب.... ومن التابعين كعب الاَحبار.... وعمر بن عبدالعزيز.... أما توقف
مالك رحمه الله عن القول بنقصانه فخشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج.


أفضل الاَعمال بعد معرفة العقائد


ـ الكافي ج 2 ص 130 و 317


محمد بن مسلم بن عبيد الله قال سئل علي بن الحسين عليهما السلام أي الاَعمال أفضل
عند الله ؟ قال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله صلى الله عليه وآله أفضل من
بغض الدنيا فإن لذلك لشعباً كثيرة، وللمعاصي شعب فأول ما عصي الله به الكبر،
معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين، ثم الحرص وهي معصية آدم

وحواء عليهما السلام حين قال الله عز وجل لهما: كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة
فتكونا من الظالمين. فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم
القيامة، وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه، ثم الحسد وهي معصية
ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب
الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال
فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الاَنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا
رأس كل خطيئة، والدنيا دنياآن: دنيا بلاغ، ودنيا ملعونة. انتهى. ورواه في وسائل
الشيعة ج 11 ص 308


ـ الكافي ج 3 ص 264


ــ حدثني محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن
محبوب، عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أفضل ما يتقرب به
العباد إلى ربهم وأحب ذلك إلى الله عز وجل ما هو ؟ فقال: ما أعلم شيئاً بعد المعرفة
أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى أن العبد الصالح عيسى ابن مريم عليه السلام قال: وأوصاني
بالصلاة والزكوة ما دمت حياً.انتهى.ورواه في وسائل الشيعة ج 1 ص 17 وج 11 ص 308


أقل ما يجب، وأقصى ما يمكن، من المعرفة


ـ الكافي ج 1 ص 91


محمد بن أبي عبدالله رفعه، عن عبدالعزيز بن المهتدي قال: سألت الرضا عليه السلام
عن التوحيد فقال: كل من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التوحيد، قلت:
كيف يقرؤها ؟ قال: كما يقرؤها الناس وزاد فيه كذلك الله ربي، كذلك الله ربي.


ـ الكافي ج 1 ص 91


أحمد بن ادريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي
أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله

فقالوا: أنسب لنا ربك، فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثم نزل: قل هو الله أحد، إلى آخرها.


ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسين، عن ابن
محبوب، عن حماد بن عمرو النصيبي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألت أبا عبدالله
عن قل هو الله أحد فقال: نسبة الله إلى خلقه أحداً صمداً أزلياً صمدياً لا ظل له
يمسكه وهو يمسك الاَشياء بأظلتها، عارف بالمجهول، معروف عند كل جاهل،
فردانياً، لا خلقه فيه ولا هو خلقه، غير محسوس ولا محسوس، لا تدركه الاَبصار،
علا فقرب ودنا فبعد، وعصي فغفر وأطيع فشكر، لا تحويه أرضه ولا تقله سماواته،
حامل الاَشياء بقدرته ديمومي أزلي لا ينسى ولا يلهو ولا يغلط ولا يلعب،
ولا لاِرادته فصل وفصله جزاء وأمره واقع، لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك، ولم
يكن له كفواً أحد.


ـ دعائم الاِسلام ج 1 ص 13


وعنه صلوات الله عليه أنه قيل له: يا أمير المؤمنين ما أدنى ما يكون به العبد
مؤمناً، وما أدنى ما يكون به كافراً، وما أدنى ما يكون به ضالاً ؟


قال: أدنى ما يكون به مؤمناً أن يعرفه الله نفسه فيقر له بالطاعة، وأن يعرفه الله
نبيه صلى الله عليه وآله فيقر له بالطاعة، وأن يعرفه الله حجته في أرضه وشاهده على خلقه فيعتقد
إمامته فيقر له بالطاعة.


قيل: وإن جهل غير ذلك ؟ قال: نعم ولكن إذا أمر أطاع وإذا نهي انتهى.


وأدنى ما يصير به مشركاً أن يتدين بشيء مما نهى الله عنه فيزعم أن الله أمر به، ثم
ينصبه ديناً ويزعم أنه يعبد الذي أمر به وهو غير الله عزوجل. وأدنى ما يكون به
ضالاً أن لا يعرف حجة الله في أرضه وشاهده على خلقه فيأتم به.


ـ الرسائل للشيخ الاَنصاري ج 1 ص 275


وقد ذكر العلامة في الباب الحادي عشر فيما يجب معرفته على كل مكلف، من
تفاصيل التوحيد والنبوة والاِمامة والمعاد، أموراً لا دليل على وجوبها كذلك، مدعياً

أن الجاهل بها عن نظر واستدلال خارج عن ربقة الاِيمان مستحق للعذاب الدائم.
وهو في غاية الاِشكال.


نعم يمكن أن يقال: إن مقتضى عموم وجوب المعرفة، مثل قوله تعالى: وما
خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون، أي ليعرفون. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: وما أعلم بعد المعرفة
أفضل من هذه الصلوات الخمس، بناء على أن الاَفضلية من الواجب، خصوصاً مثل
الصلاة، تستلزم الوجوب.


وكذا عمومات وجوب التفقه في الدين الشامل للمعارف بقرينة استشهاد
الاِمام عليه السلام بها، لوجوب النفر لمعرفة الاِمام بعد موت الاِمام السابق عليه السلام وعمومات
طلب العلم هو وجوب معرفة الله جل ذكره ومعرفة النبي صلى الله عليه وآله والاِمام عليه السلام ومعرفة ما
جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كل قادر يتمكن من تحصيل العلم، فيجب الفحص حتى
يحصل اليأس، فإن حصل العلم بشيء من هذه التفاصيل اعتقد وتدين به، وإلا توقف
ولم يتدين بالظن لو حصل له.


ومن هنا قد يقال: إن الاِشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة الله ومعرفة أوليائه صلوات
الله عليهم أهم من الاِشتغال بعلم المسائل العلمية بل هو المتعين، لاَن العمل يصح
عن تقليد، فلا يكون الاِشتغال بعلمه إلا كفائياً بخلاف المعرفة.


هذا، ولكن الاِنصاف ممن جانب الاِعتساف يقتضي الاِذعان بعدم التمكن من
ذلك إلا للاَوحدي من الناس، لاَن المعرفة المذكورة لا تحصل إلا بعد تحصيل قوة
استنباط المطالب من الاَخبار وقوة نظرية أخرى لئلا يأخذ بالاَخبار المخالفة للبراهين
العقلية، ومثل هذا الشخص مجتهد في الفروع قطعاً، فيحرم عليه التقليد. ودعوى
جوازه له للضرورة ليس بأولى من دعوى جواز ترك الاِشتغال بالمعرفة التي لا تحصل
غالباً بالاَعمال المبتنية على التقليد.


هذا إذا لم يتعين عليه الاِفتاء والمرافعة لاَجل قلة المجتهدين. وأما في مثل زماننا
فالاَمر واضح.


/ 18