المعرفة لا تتوقف على علم الكلام - عقائد الإسلامیة جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عقائد الإسلامیة - جلد 1

علی الکورانی؛ مصحح: السید علی السیستانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





فلا تغتر حينئذ بمن قصر استعداده أو همته عن تحصيل مقدمات استنباط
المطالب الاِعتقادية الاَصولية والعلمية عن الاَدلة العقلية والنقلية، فيتركها مبغضاً لها
لاَن الناس أعداء ما جهلوا، ويشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذكره وأوصاف
حججه صلوات الله عليهم بنظر في الاَخبار لا يعرف به من ألفاظها الفاعل من
المفعول، فضلاً عن معرفة الخاص من العام. وبنظر في المطالب العقلية لا يعرف به
البديهيات منها، ويشتغل في خلال ذلك بالتشنيع على حملة الشريعة العملية
واستهزائهم بقصور الفهم وسوء النية، فيسأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون. هذا كله
حال وجوب المعرفة مستقلاً.


وأما اعتبار ذلك في الاِسلام أو الاِيمان فلا دليل عليه، بل يدل على خلافه
الاَخبار الكثيرة المفسرة لمعنى الاِسلام والاِيمان.


ففي رواية محمد بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام المروية في الكافي: إن الله عز وجل
بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشر سنين، ولم يمت بمكة في تلك العشر سنين
أحد يشهد أن لا إلَه إلا الله وأن محمداً رسول الله، إلا أدخله الله الجنة بإقراره وهو
إيمان التصديق.


فإن الظاهر أن حقيقة الاِيمان التي يخرج الاِنسان بها عن حد الكفر الموجب
للخلود في النار لم تتغير بعد انتشار الشريعة. نعم ظهر في الشريعة أمور صارت
ضرورية الثبوت من النبي صلى الله عليه وسلم، فيعتبر في الاِسلام عدم إنكارها.


لكن هذا لا يوجب التغيير، فإن المقصود أنه لم يعتبر في الاِيمان أزيد من
التوحيد والتصديق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبكونه رسولاً صادقاً فيما يبلغ. وليس المراد معرفة
تفاصيل ذلك، وإلا لم يكن من آمن بمكة من أهل الجنة أو كان حقيقة الاِيمان بعد
انتشار الشريعة غيرها في صدر الاِسلام.


وفي رواية سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن أدنى ما يكون به العبد مؤمناً

أن يعرفه الله تبارك وتعالى إياه فيقر له بالطاعة، ويعرفه نبيه فيقر له بالطاعة، ويعرفه
إمامه وحجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة.


فقلت له: يا أمير المؤمنين ! وإن جهل جميع الاَشياء إلا ما وصفت قال: نعم.
وهي صريحة في المدعى.


وفي رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جعلت فداك، أخبرني عن الدين
الذي افترضه الله تعالى على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره، ما هو ؟
فقال: أعده علي، فأعاد عليه، فقال: شهادة أن لا إلَه إلا الله وأن محمداً رسول الله،
وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان،
ثم سكت قليلاً، ثم قال: والولاية والولاية، مرتين ثم قال: هذا الذي فرض الله عز
وجل على العباد، لا يسأل الرب العباد يوم القيامة، فيقول: ألا زدتني على ما
افترضت عليك، ولكن من زاد زاده الله. إن رسول الله صلى الله عليه وآله سن سنة حسنة ينبغي
للناس الاَخذ بها.


ونحوها رواية عيسى بن السري، قلت لاَبي عبد الله عليه السلام: حدثني عما بنيت عليه
دعائم الاِسلام التي إذا أخذت بها زكى عملي....


وفي رواية أبي اليسع قال قلت لاَبي عبد الله عليه السلام أخبرني عن دعائم الاِسلام التي
لا يسع أحداً التقصير عن معرفة شيء منها.... (وقد أوردنا الروايتين في بحث معرفة
الاِمام)


وفي رواية إسماعيل: قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الدين الذي لا يسع العباد
جهله فقال: الدين واسع، وإن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهلهم.


فقلت: جعلت فداك أما أحدثك بديني الذي أنا عليه. فقال: بلى. قلت: أشهد
أن لا إلَه إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والاِقرار بما جاء به من عند الله، وأتولاكم
وأبرأ من عدوكم ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقكم. فقال: ما جهلت
شيئاً. فقال: هو والله الذي نحن عليه. فقلت: فهل يسلم أحد لا يعرف هذا الاَمر.

قال: لا إلا المستضعفين. قلت: من هم قال: نساؤكم وأولادكم. قال: أرأيت أم أيمن!
فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه.


فإن في قوله (ما جهلت شيئاً) دلالة واضحة على عدم اعتبار الزائد في أصل
الدين. والمستفاد من الاَخبار المصرحة بعدم اعتبار معرفة أزيد مما ذكر فيها في
الدين، وهو الظاهر أيضاً من جماعة من علمائنا الاَخيار كالشهيدين في الاَلفية
وشرحها، والمحقق الثاني في الجعفرية، وشارحها وغيرهم، وهو أنه يكفي في
معرفة الرب التصديق بكونه موجوداً وواجب الوجود لذاته والتصديق بصفاته
الثبوتية الراجعة إلى صفتي العلم والقدرة ونفي الصفات الراجعة إلى الحاجة
والحدوث، وأنه لا يصدر منه القبيح فعلاً أو تركاً.


والمراد بمعرفة هذه الاَمور ركوزها في اعتقاد المكلف، بحيث إذا سألته عن شيء
مما ذكر أجاب بما هو الحق فيه، وإن لم يعرف التعبير عنه بالعبارات المتعارفة على
ألسنة الخواص.


ويكفي في معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به،
والتصديق بنبوته وصدقه، فلا يعتبر في ذلك الاِعتقاد بعصمته، أعني كونه معصوماً
بالملكة من أول عمره إلى آخره. قال في المقاصد العلية: ويمكن اعتبار ذلك، لاَن
الغرض المقصود من الرسالة لا يتم إلا به، فينتفي بالفائدة التي باعتبارها وجب
إرسال الرسل. وهو ظاهر بعض كتب العقائد المصدرة بأن من جهل ما ذكروه فيها
فليس مؤمناً مع ذكرهم ذلك، والاَول غير بعيد عن الصواب. انتهى.


أقول: والظاهر أن مراده ببعض كتب العقائد هو الباب الحادي عشر للعلامة قدس سره
حيث ذكر تلك العبارة، بل ظاهره دعوى إجماع العلماء عليه.


نعم يمكن أن يقال: إن معرفة ما عدا النبوة واجبة بالاِستقلال على من هو متمكن
منه بحسب الاِستعداد وعدم الموانع، لما ذكرنا من عمومات وجوب التفقه وكون
المعرفة أفضل من الصلوات الواجبة، وأن الجهل بمراتب سفراء الله جل ذكره مع

تيسر العلم بها تقصير في حقهم وتفريط في حبهم ونقص يجب بحكم العقل رفعه،
بل من أعظم النقائص.


وقد أومأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك حيث قال مشيراً إلى بعض العلوم الخارجة من
العلوم الشرعية: إن ذلك علم لا يضر جهله. ثم قال: إنما العلوم ثلاثة، آية محكمة
وفريضة عادلة وسنة قائمة، وما سواهن فهو فضل.


وقد أشار إلى ذلك رئيس المحدثين في ديباجة الكافي، حيث قسم الناس إلى
أهل الصحة والسلامة وأهل المرض والزمانة، وذكر وضع التكليف عن الفرقة
الاَخيرة.


ويكفي في معرفة الاَئمة صلوات الله عليهم، معرفتهم بنسبهم المعروف
والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق ويجب الاِنقياد إليهم والاَخذ منهم. وفي وجوب
الزائد على ما ذكر من عصمتهم الوجهان. وقد ورد في بعض الاَخبار تفسير معرفة
حق الاِمام بمعرفة كونه إماماً مفترض الطاعة.


ويكفي في التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم التصديق بما علم مجيؤه به متواتراً
من أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات والسؤال في القبر وعذابه والمعاد
الجسماني والحساب والصراط والميزان والجنة والنار إجمالاً، مع تأمل في اعتبار
معرفة ما عدا المعاد الجسماني من تلك الاَمور في الاِيمان المقابل للكفر الموجب
للخلود في النار، للاَخبار المتقدمة المستفيضة والسيرة المستمرة، فإنا نعلم
بالوجدان جهل كثير من الناس بها من أول البعثة إلى يومنا هذا. ويمكن أن يقال: إن
المعتبر هو عدم إنكار هذه الاَمور وغيرها من الضروريات، لا وجوب الاِعتقاد بها،
على ما يظهر من بعض الاَخبار، من أن الشاك إذا لم يكن جاحداً فليس بكافر. ففي
رواية زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام: لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا.
ونحوها غيرها. ويؤيدها ما عن كتاب الغيبة للشيخ قدس سره بإسناده عن الصادق عليه السلام: إن

جماعة يقال لهم الحقية، وهم الذين يقسمون بحق علي ولا يعرفون حقه وفضله،
وهم يدخلون الجنة.


وبالجملة، فالقول بأنه يكفي في الاِيمان الاِعتقاد بوجود الواجب الجامع
للكمالات المنزه عن النقائص وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبإمامة الاَئمة عليهم السلام والبراءة من
أعدائهم، والاِعتقاد بالمعاد الجسماني الذي لا ينفك غالباً عن الاِعتقادات السابقة
غير بعيد، بالنظر إلى الاَخبار والسيرة المستمرة.


وأما التدين بسائر الضروريات ففي اشتراطه، أو كفاية عدم إنكارها، أو عدم
اشتراطه أيضاً، فلا يضر إنكارها إلا مع العلم بكونها من الدين وجوه، أقواها الاَخير
ثم الاَوسط. وما استقربناه في ما يعتبر في الاِيمان وجدته بعد ذلك في كلام محكي
عن المحقق الورع الاَردبيلي في شرح الاِرشاد.


ـ كفاية الاَصول ص 329


نعم يجب تحصيل العلم في بعض الاِعتقادات لو أمكن، من باب وجوب
المعرفة لنفسها كمعرفة الواجب تعالى وصفاته، أداء لشكر بعض نعمائه، ومعرفة
أنبيائه فإنهم وسائط نعمه وآلائه، بل وكذا معرفة الاِمام عليه السلام على وجه صحيح،
فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك، ولاحتمال الضرر في تركه.


ولا يجب عقلاً معرفة غير ما ذكر، إلا ما وجب شرعاً معرفته كمعرفة الاِمام عليه السلام
على وجه آخر غير صحيح، أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته، وما لا
دلالة على وجوب معرفته بالخصوص، لا من العقل ولا من النقل، كان أصالة البراءة
من وجوب معرفته محكمة. ولا دلالة لمثل قوله تعالى: وما خلقت الجن والاِنس..
الآية، ولا لقوله صلى الله عليه وآله: وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس.
ولا لما دل على وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على وجوب
معرفته بالعموم، ضرورة أن المراد من (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله ومعرفته،
والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة، فلا إطلاق فيه

أصلاً. ومثل آية النفر، إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه الواجب، لا
بيان ما يجب فقهه ومعرفته، كما لا يخفى. وكذا ما دل على وجوب طلب العلم إنما
هو بصدد الحث على طلبه لا بصدد بيان ما يجب العلم به.


ثم إنه لا يجوز الاِكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً أو شرعاً حيث أنه ليس
بمعرفة قطعاً، فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن، ومع العجز عنه كان معذوراً إن كان
عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الاِستعداد، كما هو المشاهد في كثير من
النساء بل الرجال، بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاِجتهاد، ولو لاَجل حب طريقة
الآباء والاَجداد واتباع سيرة السلف، فإنه كالجبلي للخلف، وقلما عنه تخلف. ولا
يصغى إلى ما ربما قيل: بعدم وجود القاصر فيها، لكنه إنما يكون معذوراً غير معاقب
على عدم معرفة الحق، إذا لم يكن يعانده بل كان ينقاد له على إجماله لو احتمله.


ـ حاشية السيد البروجردي على كفاية الاَصول ج 2 ص 193


فصل. إنما الثابت بمقدمات دليل الاِنسداد في الاَحكام هو حجية الظن فيها، لا
حجيته في تطبيق المأتي به في الخارج معها، فيتبع مثلاً في وجوب صلاة الجمعة
يومها، لا في إتيانها، بل لا بد من علم أو علمي بإتيانها، كما لا يخفى. نعم ربما
يجري نظير مقدمة الاِنسداد في الاَحكام في بعض الموضوعات الخارجية، من
انسداد باب العلم به غالباً، واهتمام الشارع به بحيث علم بعدم الرضا بمخالفة الواقع
بإجراء الاَصول فيه مهما أمكن، وعدم وجوب الاِحتياط شرعاً أو عدم إمكانه عقلاً،
كما في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب والحرمة مثلاً، فلا محيص عن اتباع
الظن حينئذ أيضاً، فافهم.


خاتمة: يذكر فيها أمران استطراداً:


الاَول: هل الظن كما يتبع عند الاِنسداد عقلاً في الفروع العملية، المطلوب فيها
أولاً العمل بالجوارح، يتبع في الاَصول الاِعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من
الاِعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والاِنقياد له، أو لا. الظاهر لا، فإن الاَمر

الاِعتقادي وإن أنسد باب القطع به، إلا أن باب الاِعتقاد إجمالاً ــ بما هو واقعه
والاِنقياد له وتحمله ــ غير منسد، بخلاف العمل بالجوارح فإنه لا يكاد يعلم مطابقته
مع ما هو واقعه إلا بالاِحتياط، والمفروض عدم وجوبه شرعاً، أو عدم جوازه عقلاً،
ولا أقرب من العمل على وفق الظن. وبالجملة: لا موجب مع إنسداد باب العلم في
الاِعتقاديات لترتيب الاَعمال الجوانحية على الظن فيها، مع إمكان ترتيبها على ما
هو الواقع فيها، فلا يتحمل إلا لما هو الواقع، ولا ينقاد إلا له، لا لما هو مظنونه، وهذا
بخلاف العلميات، فإنه لا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الاِنسداد.


نعم يجب تحصيل العلم في بعض الاِعتقادات لو أمكن، من باب وجوب
المعرفة لنفسها، كمعرفة الواجب تعالى وصفاته أداء لشكر بعض نعمائه، ومعرفة
أنبيائه، فإنهم وسائط نعمه وآلائه، بل وكذا معرفة الاِمام عليه السلام على وجه صحيح،
فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك، ولاِحتمال الضرر في تركه، ولا
يجب عقلاً معرفة غير ما ذكر، إلا ما وجب شرعاً معرفته، كمعرفة الاِمام عليه السلام على
وجه آخر غير صحيح، أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته، وما لا دلالة
على وجوب معرفته بالخصوص، لا من العقل ولا من النقل، كان أصالة البراءة من
وجوب معرفته محكمة.


ولا دلالة لمثل قوله تعالى: وما خلقت الجن والاِنس.. الآية، ولا لقوله صلى الله عليه وآله: وما
أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، ولا لما دل على وجوب
التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على وجوب معرفته بالعموم، ضرورة أن
المراد من (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله ومعرفته، والنبوي إنما هو بصدد بيان
فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة، فلا إطلاق فيه أصلاً، ومثل آية النفر إنما هو
بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه الواجب، لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته
كما لا يخفى، وكذا ما دل على وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث على طلبه،
لا بصدد بيان ما يجب العلم به.



ثم إنه لا يجوز الاِكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً أو شرعاً، حيث أنه ليس
بمعرفة قطعاً، فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن، ومع العجز عنه كان معذوراً إن كان
عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الاِستعداد، كما هو المشاهد في كثير من
النساء بل الرجال، بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاِجتهاد، ولو لاَجل حب طريقة
الآباء والاَجداد واتباع سيرة السلف، فإنه كالجبلي، وقلما عنه تخلف.


والمراد من المجاهدة في قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، هو
المجاهدة مع النفس، بتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل، وهي التي كانت أكبر
من الجهاد، لا النظر والاِجتهاد، وإلا لاَدى إلى الهداية، مع أنه يؤدي إلى الجهالة
والضلالة، إلا إذا كانت هناك منه تعالى عناية، فإنه غالباً بصدد إثبات أن ما وجد
آباءه عليه هو الحق، لا بصدد الحق، فيكون مقصراً مع اجتهاده ومؤاخذ إذا أخطأ
على قطعه واعتقاده.


ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم، فيما
يجب تحصيله عقلا لو أمكن، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه، لما
أشرنا إليه من أن الاَمور الاِعتقادية مع عدم القطع بها أمكن الاِعتقاد بما هو واقعها
والاِنقياد لها، فلا إلجاء فيها أصلاً إلى التنزل إلى الظن فيما انسد فيه باب العلم،
بخلاف الفروع العملية كما لا يخفى.


وكذلك لا دلالة من النقل على وجوبه فيما يجب معرفته مع الاِمكان شرعاً، بل
الاَدلة الدالة على النهي عن اتباع الظن، دليل على عدم جوازه أيضاً.


وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا أن القاصر يكون في الاِعتقاديات للغفلة، أو عدم
الاِستعداد للاِجتهاد فيها، لعدم وضوح الاَمر فيها بمثابة لا يكون الجهل بها إلا عن
نقص ٍ كما لا يخفى، فيكون معذوراً عقلاً.


ولا يصغى إلى ما ربما قيل بعدم وجود القاصر فيها، لكنه إنما يكون معذوراً غير
معاقب على عدم معرفة الحق، إذا لم يكن يعانده، بل كان ينقاد له على إجماله لو
احتمله.



ـ حقائق الاَصول ج 2 ص 211


قوله: فإن الاَمر الاِعتقادي، يعني أن العمل على الظن في الاَصول الاِعتقادية
يتوقف على تتميم مقدمات الاِنسداد فيها وهو غير ممكن إذ منها عدم إمكان
الاِحتياط الموجب للدوران بين الاَخذ بالطرف المظنون والموهوم، وبقاعدة قبح
ترجيح المرجوح يتعين الاَول، وفي المقام لا مجال للدوران المذكور لاِمكان
الاِعتقاد بها إجمالاً على ما هي عليه واقعاً، إلا أن يدعى وجوب الاِعتقاد بها تفصيلاً
حتى في حال الجهل، فإنه حيث لا يمكن العلم بها لابد من سلوك الظن لاَنه أقرب
إلى الواقع، لكن لابد من الاِلتزام بالكشف إذ لو لم تكشف المقدمات عن كون الظن
حجة شرعاً كان الاِعتقاد المطابق له تشريعاً محرماً عقلاً، فتأمل جيداً.


إلا أن دعوى وجوب الاِعتقاد تفصيلاً مطلقاً لا دليل عليها من عقل أو
شرع فلاحظ.


قوله: كمعرفة الواجب تعالى، لا ريب ظاهراً في وجوب هذه المعارف وإنما
الخلاف في وجوبها عقلاً أو شرعاً، فالمحكي عن العدلية الاَول، وعن الاَشاعرة
الثاني، والخلاف في ذلك منهم مبني على الخلاف في ثبوت قاعدة التحسين
والتقبيح العقليين، فعلى القول بها ــ كما هو مذهب الاَولين ــ تكون واجبة عقلاً لاَن
شكر المنعم ودفع الخوف عن النفس واجبان وهما يتوقفان على المعرفة وما يتوقف
عليه الواجب واجب، وظاهر تقرير هذا الدليل كون وجوب المعرفة غيري،
والمصنف رحمه الله جعل وجوبها نفسياً بناء منه على كون المعرفة بنفسها شكراً، فإذا كان
الشكر واجباً عقلاً لكونه حسناً بنفسه كانت المعرفة بنفسها واجبة لا أنها مقدمة
لواجب، ولذا قال في تعليل وجوبها: أداء لشكر بعض.... الخ.


نعم لو كان الشكر واجباً من باب وجوب دفع الضرر كان وجوبه غيرياً فيكون
وجوب المعرفة حينئذ غيرياً، بل لو قلنا حينئذ بأن وجوب دفع الضرر ليس عقلياً بل
فطرياً كان وجوبها فطرياً غيرياً لا عقلياً لا نفسياً ولا غيرياً.



والاِنصاف يقتضي التأمل في وجوب الشكر لنفسه وإن كان حسناً لاَن حسنه
لا يلازم وجوبه، نعم هو واجب من باب وجوب دفع الضرر المحتمل، فيكون
وجوب المعرفة غيرياً لا نفسياً. وأما كونه عقلياً أو فطرياً فقد عرفت فيما سبق
تحقيقه. فلاحظ.


ثم إنه قد يتوهم كون وجوب المعرفة غيرياً من جهة توقف الاِعتقاد عليها، لكنه
إنما يتم لو كان الاِعتقاد واجباً تفصيلاً مطلقاً غير مشروط بالمعرفة مع توقفه على
المعرفة، وقد عرفت الاِشكال في الاَول، كما يمكن منع الثاني لاِمكان تحقق
الاِعتقاد بلا معرفة غاية الاَمر أنه تشريع محرم عقلاً لكن تحريمه كذلك لا يقتضي
وجوب المعرفة. نعم لو كان الواجب عقلاً هو الاِعتقاد عن معرفة كانت واجبة لغيرها
لكنه أول الكلام.


قوله: فإنهم وسائط، يعني فتكون معرفتهم أداء للشكر الواجب وكذا معرفة
الاِمام عليه السلام على وجه صحيح (هامش: وهو كون الاِمامة كالنبوة منصباً إلَهياً يحتاج
إلى تعيينه تعالى ونصبه لا أنها من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين وهو الوجه الآخر
منه قدس سره) فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك ولاِحتمال الضرر في تركه
ولا يجب عقلاً معرفة غير ما ذكر إلا ما وجب شرعاً معرفته ــ كمعرفة الاِمام عليه السلام ــ
على وجه آخر غير صحيح أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته وما لا دلالة
على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة من
وجوب معرفته محكمة ولا دلالة لمثل قوله تعالى: وما خلقت الجن والاِنس، الآية
ولا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، ولا
لما دل على وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات على وجوب معرفته
بالعموم أن المراد من: ليعبدون، هو خصوص عبادة الله ومعرفته والنبوي إنما هو
بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة فتجب.


قوله: وكذا معرفة الاِمام عليه السلام، يعني واجبة لنفسها لاَن الاِمامة كالنبوة من المناصب

الاِلَهية فيكون الاِمام عليه السلام من وسائط النعم فتجب معرفته كمعرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو
الوجه الصحيح....


ـ نهاية الاَفكار ج 2 ص 188


أما المقام الاَول، فلا ينبغي الاِشكال في وجوب تحصيل معرفة الواجب تعالى
ومعرفة ما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال، ككونه واحداً قادراً عالماً مريداً
حياً غنياً لم يكن له نظير ولا شبيه، ولم يكن بجسم ولا مرئي ولا له حيز ونحو ذلك..
كما لا إشكال أيضاً في كون الوجوب المزبور نفسياً، لاَن المعرفة بالمبدأ سبحانه هي
الغاية القصوى والغرض الاَصلي من خلق العباد وبعث الرسل كما ينبيء عنه قوله
سبحانه: وما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون، حيث أن حقيقة العبودية هي
المعرفة ولا ينافي ذلك مقدميتها لواجب آخر عقلي أو شرعي كالتدين والاِنقياد
ونحوه. ثم إن عمدة الدليل على وجوب المعرفة إنما هو حكم العقل الفطري
واستقلاله بوجوب تحصيل المعرفة بالمبدأ تعالى على كل مكلف بمناط شكر
المنعم باعتبار كونها من مراتب أداء شكره فيجب بحكم العقل تحصيل المعرفة به
سبحانه، وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال، بل ويجب أيضاً معرفة أنبيائه
ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه.


وإلا فمع الاِغماض عن هذا الحكم العقلي الفطري لا تجدي الاَدلة السمعية كتاباً
وسنة من نحو قوله سبحانه: ما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون، لعدم تمامية مثل
هذه الاِستدلالات للجاهل بهما لا إلزاماً ولا إقناعاً، لاَن دليليتهما فرع الاِعتقاد بهما
وبكلامهما، وحينئذ فالعمدة في الدليل على الوجوب هو حكم العقل الفطري.


نعم بعد تحصيل المعرفة بالمبدأ ووسائط نعمه بحكم العقل، لا بأس بالاستدلال
بالكتاب والسنة لاِثبات وجوب المعرفة لما عداهما في فرض تمامية إطلاق تلك
الاَدلة من حيث متعلق المعرفة، وإلا فبناء على عدم إطلاقها من هذه الجهة فلا مجال
للتمسك بها أيضاً.



ثم إنه مما ذكرنا ظهر الحال في المقام الثاني حيث أنه بعد ما وجب تحصيل
المعرفة بالواجب تعالى وبوسائط نعمه يجب بحكم العقل الاِعتقاد وعقد القلب
والاِنقياد له سبحانه لكون مثله أيضاً من مراتب أداء شكره الواجب عليه. بل الظاهر
أن وجوب ذلك أيضاً كوجوب أصل المعرفة مطلق غير مشروط بحصول العلم من
الخارج، فيجب عليه حينئذ تحصيل العلم مقدمة للاِنقياد الواجب.


هذا كله بالنسبة إلى أصل وجوب المعرفة، وأما المقدار الواجب منها فإنما هو
المعرفة بالمبدأ جل شأنه وبوحدانيته وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال،
وكذا معرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه، وكذلك الحشر
والنشر ولو بنحو الاِجمال.


وأما ما عدا ذلك كتفاصيل التوحيد وكيفية علمه وإرادته سبحانه، وتفاصيل
المحشر وخصوصياته، وأن الميزان والصراط بأي كيفية، ونحو ذلك فلا يجب
تحصيل العلم ولا الاِعتقاد بها بتلك الخصوصيات.


نعم في فرض حصول العلم بها من الخارج يجب الاِعتقاد وعقد القلب بها.
فوجوب الاِعتقاد بخصوصيات الاَمور المزبورة إنما كان مشروطاً بحصول العلم بها
من باب الاِتفاق، لا أن وجوبها مطلق حتى يجب تحصيل العلم بها من باب المقدمة.
نعم الواجب على المكلف هو الاِعتقاد الاِجمالي بما هو الواقع ونفس الاَمر فيعتقد
وينقاد بتلك الاَمور على ما هي عليها في الواقع ونفس الاَمر.


ومن هذا البيان ظهر الحال في المقام الثالث أيضاً، فإن مقتضى الاَصل فيما عدا
المقدار المزبور هو عدم وجوب تحصيل المعرفة زائداً على المقدار الذي يستقل
العقل بوجوب تحصيله، إلا ما ثبت من الخارج وجوب الاِعتقاد به من ضرورة
ونحوه كالمعاد الجسماني.


وأما الاِستدلال على وجوب المعرفة بتفاصيل الاَمور المزبورة بما ورد من الاَدلة
النقلية كتاباً وسنة كقوله سبحانه: وما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون، وعموم آية

النفر وقوله عليه السلام: لا أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من الصلوات الخمس، وقوله:
طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، فيدفعه مضافاً إلى قضاء العادة بامتناع
حصول المعرفة بما ذكر إلا للاوحدي من الناس، أنه لا إطلاق لها من حيث متعلق
المعرفة لاَنها بين ما كان في مقام بيان فضيلة الصلاة والحث والترغيب إليها لا في
مقام بيان حكم المعرفة، وبين ما كان بصدد إثبات أصل وجوب المعرفة بالمبدأ
ورسله وحججه لا في مقام وجوبها على الاِطلاق، حتى بالنسبة إلى التفاصيل
المزبورة. وعليه فعند الشك لابد من الرجوع إلى الاَصل المقتضى لعدم وجوبها.


نعم حيث قلنا بعدم وجوب تحصيل المعرفة في الزائد عن المقدار المعلوم
فليس له إنكاره والجحد به، إذ لا يستلزم عدم وجوب المعرفة بشيء جواز إنكاره، بل
ربما يكون إنكاره حراماً عليه، بل موجباً لكفره إذا كان من الضروريات، لما يظهر
منهم من التسالم على كفر منكر ضروري الدين كالمعراج والمعاد الجسماني
ونحوهما. فلا بد لمثل هذا الشخص حينئذ من الاِعتقاد إجمالاً بما هو الواقع.


شرح المواقف للجرجاني ج 8 ص 105


... والجواب منع التكليف بكمال معرفته إذ هو أي التكليف بقدر وسعنا فنحن
مكلفون بأن نعرف من صفاته ما يتوقف تصديق النبي عليه السلام على العلم به لا بمعرفة
صفات أخرى. أو بأن نقول سلمنا تكليفنا بكمال معرفته لكن لا يلزم من التكليف به
حصوله من جميع المكلفين بل ربما يعرفه معرفة كاملة بعض منهم كالاَنبياء
والكاملين من أتباعهم....


فإن قلت: مرادهم أنا مكلفون بكمال معرفة ممكنة، وقد لا يسلمون كون معرفته
تعالى بالكنه ممكنة.


قلت: لو سلم فلعل له تعالى صفة لا يمكن لنا معرفتها أيضاً فلا يتجه لهم بما
ذكروه نفي صفة غير السمع بالكلية فتأمل.


قوله فنحن مكلفون إلى آخره.. هذا مترتب على منة التكليف بكمال المعرفة ثم

الترتب باعتبار الاَخبار نظيره الفاء في قوله تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله، أي إذا
كان التكليف بكمال المعرفة ممنوعاً فأخبركم أنا مكلفون بكذا لا بكذا، وحينئذ لا
يرد أن مثل السمع والبصر والكلام داخل تحت الوسع، فيقتضي قوله إذ هو بقدر
وسعنا أن نكون مكلفين بمعرفته أيضاً مع أن التفريع يقتضي عدم التكليف بها، إذ لا
يتوقف تصديق النبي عليه السلام على شيء منها، فتدبر.


المعرفة لا تتوقف على علم الكلام


ـ مستدرك الوسائل ج 1 ص 161


فقه الرضا عليه السلام: إياك والخصومة فإنها تورث الشك وتحبط العمل، وتردي
صاحبها، وعسى أن يتكلم بشيء لا يغفر له.


ونروي: إنه كان فيما مضى قوم انتهى بهم الكلام إلى الله عز وجل فتحيروا، فإن
كان الرجل ليدعى من بين يديه فيجيب من خلفه.


وأروي: تكلموا فيما دون العرش، فإن قوماً تكلموا في الله عز وجل فتاهوا.


وأروي عن العالم: وسألته عن شيء من الصفات فقال: لا تتجاوز ما في القرآن.


وأروي: إنه قريَ بين يدي العالم عليه السلام قوله: لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار،
فقال: إنما عنى أبصار القلوب وهي الاَوهام، فقال: لا تدرك الاَوهام كيفيته، وهو
يدرك كل وهم، وأما عيون البشر فلا تلحقه، لاَنه لا يحل فلا يوصف. هذا ما نحن
عليه كلنا.


ـ رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 174


التوحيد على ثلاثة أقسام: الاَول: توحيد الذات ونفي الشريك في واجب
الوجود.


الثاني: بحسب الصفات هو نفي الصفة الموجودة القائمة بذاته تعالى.


الثالث: توحيده تعالى بحسب العبودية وتخصيص العبادة له جل جلاله.



والعمدة في الاِستدلال على الاَول قوله تعالى: قل لو كان فيهما آلهة إلا الله
لفسدتا. والدليل على الثاني والثالث قوله تعالى: ولا يشرك بعبادة ربه أحداً، وقول
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إن أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال
التصديق به توحيده، وكمال توحيده الاِخلاص له، وكمال الاِخلاص له نفي
الصفات عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير
الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه،
ومن جزأه فقد جهله. صدق ولي الله عليه السلام. وروى محمد بن أبي عمير عن الكاظم عليه السلام
حين سأله عن التوحيد ؟ فقال: يا أبا أحمد لا تجاوز في التوحيد عما ذكره الله تعالى
في كتابه فتهلك.


وسائر صفاته الثبوتية مذكورة في القرآن، مصرحة بواجب الوجود، وهو دليل
على نفي الصفات السلبية، لاستلزامها الاِمكان المضاد للوجوب. وباقي الاَصول من
النبوة والاِمامة والمعاد الجسماني مستفاد من الكتاب العزيز والسنة النبوية
والاِمامية، بحيث لا مزيد عليها.


فظهر أن تحصيل الاِيمان لا يتوقف على تعلم علم الكلام ولا المنطق،
ولا غيرها من العلوم المدونة، بل يكفي مجرد الفطرة الاِنسانية على اختلاف
مراتبها، والتنبيهات الشرعية من الكتاب والسنة المتواترة أو الشائعة المشهورة،
بحيث يحصل من العلم بها العلم بالمسائل المذكورة. وكل ممكن برهان، وكل آية
حجة، وكل حديث دليل، وفهم المقصود استدلال، وكل عاقل مستدل، وإن لم
يعلم الصغرى ولا الكبرى ولا التالي ولا المقدم، بهذه العبارات والقوانين
والاِصطلاحات.


ـ رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 176


الباب السادس، في الكلام على تعلم علم الكلام، واعلم أنه علم إسلامي وضعه
المتكلمون لمعرفة الصانع وصفاته العليا، وزعموا أن الطريق منحصر فيه وهو أقرب
الطرق. والحق أنه أبعدها وأصعبها وأكثرها خوفاً وخطراً، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله عن

الغور فيه، حيث روي أنه مر على شخصين متباحثين على مسألة، كالقضاء والقدر،
فغضب صلى الله عليه وآله حتى احمرت وجنتاه.


وروى هارون بن موسى التلعكبري أستاد شيخنا المفيد قدس سرهما عن عبدالله
ابن سنان قال: أردت الدخول على أبي عبدالله عليه السلام فقال لي مؤمن الطاق استأذن لي
على أبي عبدالله عليه السلام فقلت: نعم، فدخلت عليه فاعلمته مكانه، فقال عليه السلام: يابن
سنان لا تأذن له عليَّ، فإن الكلام والخصومات يفسدان النية وتمحق الدين.


وعن عاصم بن حميد الحناط عن أبي عبيدة الحذاء قال قال لي أبوجعفر عليه السلام وأنا
عنده: إياك وأصحاب الكلام والخصومات ومجالستهم، فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه
وتكلفوا ما لم يؤمروا بعلمه حين تكلفوا أهل أبناء السماء. يا أبا عبيدة خالط الناس
بأخلاقهم وزائلهم في أعمالهم، يا أبا عبيدة إنا لا نعد الرجل فقيهاً عالماً حتى يعرف
لحن القول، وهو قوله تعالى: ولتعرفنهم في لحن القول.


وعن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: متكلموا هذه الاَمة من
شرار أمتي ومن هم منهم.


وعنه عليه السلام: يهلك أهل الكلام وينجو المسلمون.


وورد في موضع آخر: إن شر هذه الاَمة المتكلمون.


وروي أن يونس قال للصادق عليه السلام: جعلت فداك إني سمعت أنك تنهى عن الكلام
تقول: ويل لاَصحاب الكلام. فقال عليه السلام: إنما قلت ويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا
إلى ما يقولون.


أقول: يمكن أن يكون هذا إشارة إلى أنهم تركوا التشبيهات كما عرفت الواردة في
القرآن والآثار النبوية والاِمامية صلوات الله عليهم، وعدلوا عنها إلى خيالاتهم
الفاسدة وحكاياتهم الباردة، المذكورة في الكتب الكلامية.


قال سيد المحققين رضي الدين علي بن طاووس قدس سره: مثل مشائخ المعتزلة في
تعليمهم معرفة الصانع، كمثل شخص أراد أن يعرف غيره النار، فقال: يا هذا

معرفتها تحتاج إلى أسباب: أحدها الحجر ولا يوجد إلا طريق مكة. والثاني الحديد
وصفته كذا وكذا. والثالث حراق على هذه الصفة. والرابع مكان خال عن شدة الهواء
فأخذ المسكين في تحصيل هذه الاَسباب.


ولو قال له في أول الحال: إن هذا الجسم المضيَ الذي تشاهده هو النار التي
تطلبها لاَراح واستراح.


فمثل هذا العالم حقيق أن يقال إنه قد أضل، ولا يقال إنه قد هدى، أو عدل
بالخلائق (في معرفة الخالق) إلى تلك الطرائق الضيقة البعيدة، وضيق عليهم سبيل
الحقيقة، كما عدل من أراد تعريف النار المعلومة بالاِضطرار إلى استخراجها من
الاَخبار.


أقول: هذا حال الكلام الذي كان في أول الاِسلام، ولا شك أنه ما كان بهذه
المثابة من البحث والخصومة، فما ظنك بهذه المباحثات والخصومات الشائعة في
زماننا. وليت شعري أن هؤلاء الجماعة هل لهم دليل عقلي ونقلي على وجوبه
واستحبابه ؟ أو مجرد تقليد آبائهم وأسلافهم، وأنهم على آثارهم لمقتدون. وأنهم
هل يقرون بإيمان السابقين أو ينكرونه ؟ وهل يعترفون بإيمان العوام الغافلين عنه أو
لا يعترفون ؟ فإن أقروا واعترفوا فما فائدته ؟ وإلا فكيف يعاشرونهم بالرطوبات ؟ مع
اعتقادهم بأن عدم المعرفة بالاَصول كفر والكافر نجس. وكيف يجوز الاِشتغال
بالواجب مع استلزامه ترك ما هو أوجب ؟ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا
يومهم الذي كانوا يوعدون.


ويكفي الدليل الاِجمالي في المعرفة


ـ الاِقتصاد للشيخ الطوسي ص 11


فإن قيل: قد ذكرتم أنه يخرج الاِنسان عن حد التقليد بعلم الجملة، ما حد ذلك
بينوه لنقف عليه ؟


قلنا: أحوال الناس تختلف في ذلك: فمنهم من يكفيه الشيء اليسير، ومنهم من

يحتاج إلى أكثر منه بحسب ذكائه وفطنته وخاطره، حتى يزيد بعضهم على بعض
إلى أن يبلغ إلى حد لا يجوز له الاِقتصار على علم الجملة بل يلزمه على التفصيل
لكثرة خواطره وتواتر شبهاته. وليس يمكن حصر ذلك لشيء لا يمكن الزيادة عليه ولا
النقصان عنه.


فإن قيل: فعلى كل حال بينوا لذلك مثالاً على وجه التقريب.


قلنا: أما على وجه التقريب فإنا نقول: من فكر في نفسه فعلم أنه لم يكن موجوداً
ثم وجد نطفة ثم صار علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم جنيناً في بطن أمه ميتاً ثم صار حياً
فبقي مدة ثم ولد صغيراً، فتتقلب به الاَحوال من صغر إلى كبر ومن طفولة إلى رجولة
ومن عدم عقل إلى عقل كامل ثم إلى الشيخوخة وإلى الهرم ثم الموت، وغير ذلك
من أحواله، عَلِمَ أن هنا من يصرفه هذا التصريف ويفعل به هذا الفعل، لاَنه يعجز
عن فعل ذلك بنفسه، وحال غيره من أمثاله حاله من العجز عن مثل ذلك. فعلم
بذلك أنه لابد من أن يكون هناك من هو قادر على ذلك مخالف له، لاَنه لو كان مثله
لكان حكمه حكمه. ويعلم أنه لا بد أن يكون عالماً من حيث أن ذلك في غاية
الحكمة والاِتساق، مع علمه الحاصل بأن بعض ذلك لا يصدر ممن ليس بعالم،
وبهذا القدر يكون عالماً بالله تعالى على الجملة.


وهكذا إذا نظر في بذر يبذر فينبت منه أنواع الزرع والغرس ويصعد إلى منتهاه،
فمنه ما يصير شجراً عظيماً يخرج منه أنواع الفواكه والملاذ، ومنه ما يصير زرعاً
يخرج منه أنواع الاَقوات، ومنه ما يخرج منه أنواع المشمومات الطيبة الروائح، ومنه
ما يكون خشبه في غاية الطيب كالعود الرطب وغير ذلك، وكالمسك الذي يخرج
من بعض الظباء والعنبر الذي يخرج من البحر، فيعلم بذلك أن مصرف ذلك وصانعه
قادر عالم لتأتي ذلك وإتساقه، ولعجزه وعجز أمثاله عن ذلك، فيعلم بذلك أنه
مخالف لجميع أمثاله، فيكون عارفاً بالله على الجملة.


وكذلك إذا نظر إلى السماء صاحية فتهب الرياح وينشأ السحاب ويصعد ولا يزال
يتكاثف ويظهر فيه الرعد والبرق والصواعق، ثم ينزل منه من المياه والبحار العظيمة

التي تجري منها الاَنهار العظيمة والاَودية الوسيعة، وربما كان فيه من البرد مثل
الجبال، كل ذلك في ساعة واحدة ثم تنقشع السماء وتبدو الكواكب وتطلع الشمس
أو القمر كأن ما كان لم يكن من غير تراخ ولا زمان بعيد، فيعلم ببديهة أنه لابد أن
يكون من صح ذلك منه قادراً عليه ممكن منه، وأنه مخالف له ولاَمثاله، فيكون عند
ذلك عارفاً بالله. وأمثال ذلك كثيرة لا نطول بذكره.


فمتى عرف الاِنسان هذه الجملة وفكر فيها هذا الفكر واعتقد هذا الاِعتقاد، فإن
مضى على ذلك ولم يشعثه خاطر ولا طرقته شبهة فهو ناج متخلص.


وأكثر من أشرتم إليه يجوز أن يكون هذه صفته، وإن بحث عن ذلك وعن علل
ذلك فطرقته شبهات وخطرت له خطرات وأدخل عليه قوم ملحدون ما حيره وبلبله
فحينئذ يلزمه التفتيش ولا تكفيه هذه الجملة، ويجب عليه أن يتكلف البحث والنظر
على ما سنبينه ليسلم من ذلك ويحصل له العلم على التفصيل.


ونحن نبين ذلك في الفصل الذي يلي هذا الفصل على ما وعدنا به إنشاء الله.


فإن قيل: أصحاب الجُمَل (بضم الجيم أي أصحاب المعرفة الاِجمالية) على ما
ذكرتم لا يمكنهم أن يعرفوا صفات الله تعالى وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه منها
على طريق الجملة، وإذا لم يمكنهم ذلك لم يمكنهم أن يعلموا أن أفعاله كلها حكمة
ولا حسن التكليف ولا النبوات ولا الشرعيات، لاَن معرفة هذه الاَشياء لا يمكن إلا
بعد معرفة الله تعالى على طريق التفصيل.


قلنا: يمكن معرفة جميع ذلك على وجه الجملة، لاَنه إذا علم بما قدمناه من
الاَفعال ووجوب كونه قادراً عالماً، وعلم أنه لا يجوز أن يكون قادراً بقدرة محدثة
لاَنها كانت تجب أن تكون من فعله، وقد تقرر أن المحدث لابد له من محدث،
وفاعلها يجب أن يكون قادراً أولاً، فلولا تقدم كونه قادراً قبل ذلك لما صح منه
تعالى فعل القدرة، فيعلم أنه لم يكن قادراً بقدرة محدثة، ولاَجله علم أنه كذلك لاَمر
لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، فيعلم أنه يجب أن يكون قادراً على جميع
الاَجناس ومن كل جنس على ما لا يتناهى لفقد التخصيص.



وكذلك إذا علم بالمحكم من أفعاله كونه عالماً علم أن ما لاَجله علم ما علمه لا
اختصاص له بمعلوم دون معلوم، إذ المخصص هو العلم المحدث والعلم لا يقع إلا
من عالم، فلابد أن يتقدم كونه عالماً لا بعلم محدث، وما لاَجله علم لا اختصاص له
بمعلوم دون معلوم، فيعلم أنه عالم بما لا يتناهى وبكل ما يصح أن يكون معلوماً
لفقد الاِختصاص. فيعلم أنه لا يشبه الاَشياء، لاَنه لو أشبهها لكان مثلها في كونها
محدثة، لاَن المثلين لا يكون أحدهما قديماً والآخر محدثاً. ويعلم أنه غير محتاج،
لاَن الحاجة من صفات الاَجسام، لاَنها تكون إلى جلب المنافع ودفع المضار وهما
من صفات الاَجسام، فيعلم عند ذلك أنه غني. ويعلم أنه لا تجوز عليه الرؤية
والاِدراكات، لاَنه لا يصح أن يدرك إلا ما يكون هو أو محله في جهة، وذلك يقتضي
كونه جسماً أو حالاً في جسم، وهكذا يقتضي حدوثه وقد علم أنه قديم. وإذا علم
أنه عالم بجميع المعلومات، وعلم كونه غنياً، علم أن جميع أفعاله حكمة وصواب
ولها وجه حسن وأن لم يعلمه مفصلاً، لاَن القبيح لا يفعله إلا من هو جاهل بقبحه أو
محتاج إليه وكلاهما منتفيان عنه، فيقطع عند ذلك على حسن جميع أفعاله من خلق
الخلق والتكليف وفعل الآلام وخلق المؤذيات من الهوام والسباع وغير ذلك.


ويعلم أيضاً عند ذلك صحة النبوات، لاَن النبي إذا ادعى النبوة وظهر على يده
علم معجز يعجز عن فعله جميع المحدثين علم أنه من فعل الله، ولولا صدقه لما
فعله، لاَن تصديق الكذاب لا يحسن، وقد أمن ذلك بكونه عالماً غنياً. فإذا علم
صدق الاَنبياء بذلك علم صحة ما أتوا به من الشرعيات والعبادات، لكونهم صادقين
على الله، وأنه لا يتعبد الخلق إلا بما فيه مصلحتهم.


وإذا ثبت له هذه العلوم فتشاغل بالعبادة أو بالمعيشة ولم تخطر له شبهة ولا أورد
عليه ما يقدح فيما علمه، ولا فكر هو في فروع ذلك، لم يلزمه أكثر من ذلك. ومتى
أورد عليه شبهة فإن تصورها قادحة فيما علمه يلزمه حينئذ النظر فيها حتى يحلها
ليسلم له ما علمه، وإن لم يتصورها قادحة ولا اعتقد أنها تؤثر فيما علمه لم يلزمه
النظر فيها ولا التشاغل بها.



وهذه أحوال أكثر العوام وأصحاب المعايش والمترفين، فإنهم ليس يكادون
يلتفتون إلى شبهة تورد عليهم ولا يقبلونها ولا يتصورونها قادحة فيما اعتقدوه، بل
ربما أعرضوا عنها واستغنوا عن سماعها وإيرادها وقالوا: لا تفسدوا علينا ما علمناه.
وقد شاهدت جماعة هذه صورتهم. فبان بهذه الجملة ما أشرنا إليه من أحوال
أصحاب الجُمَل.


ـ رسائل الشهيد الثاني ج 2 ص 142


الثاني في بيان معنى الدليل الذي يكفي في حصول المعرفة المحققة للاِيمان
عند من لا يكتفي بالتقليد في المعرفة.


إعلم أن الدليل بمعنى الدال، وهو لغة المرشد، وهو الناصب للدليل كالصانع،
فإنه نصب العالم، دليلاً عليه، والذاكر له كالعالم، فإنه دال بمعنى أنه يذكرون العالم
دليلاً على الصانع، ويقال لما به الاِرشاد كالعالم، لاَنه بالنظر فيه يحصل الاِرشاد، أي
الاِطلاع على الصانع تعالى.


واصطلاحاً: هو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري وهذا
يشمل الاِمارة، لاَنها توصل بالنظر فيها إلى الظن بمطلوب خبري، كالنظر إلى الغيم
الرطب في فصل الشتاء، فإن التأمل فيه يوجب الظن بنزول المطر فيه. وقيل: إنه ما
يمكن التوصل به إلى العلم بمطلوب خبري، فلا يشمل الاِمارة. وهذان التعريفان
للاَصوليين. وقوله: ما يمكن، يشمل ما نظر فيه بالفعل وأوجب المطلوب وما لم
ينظر فيه بعد، فالعالم قبل النظر فيه دليل على وجود الصانع عند الاَصوليين دون
المنطقيين حيث عرفوه بأنه قولان فصاعداً يكون عنهما قول آخر، وهذا يشمل
الاِمارة، وقيل: قولان فصاعداً يلزم عنه لذاته قول آخر، وهذا لا يشمل الاِمارة.
فالدليل عندهم إنما يصدق على القضايا المصدق بها حالة النظر فيها أي ترتيبها،
لاَنها الحالة التي تكون فيه أو يلزم منها قول آخر. ويمكن أن يقال: على اعتبار اللزوم

لا يصدق الدليل على المقدمات حال ترتيبها، لاَن اللزوم لا يحصل عنده بل بعده.
اللهم إلا أن يراد باللزوم اللغوى، أي الاِستتباع.


ثم إن الذي يكفي إعتباره في تحقق الاِيمان من هذه التعاريف هو التعريف الثاني
للاَصوليين لكن بعد النظر فيما يمكن التوصل به، لا الاَول، لاَن ما يفيد الظن
بالمعارف الاَصولية غير كاف في تحقق الاِيمان على المذهب الحق.


ولا يعتبر في تحققه شيء من تعريف المنطقيين، لاَن العلم بترتيب المقدمات
وتفصيلها على الوجه المعتبر عندهم غير لازم في حصول الاِيمان، بل اللازم من
الدليل فيه ما تطمئن به النفس بحسب استعدادها ويسكن إليه القلب، بحيث يكون
ذلك ثابتاً مانعاً من تطرق الشك والشبهة إلى عقيدة المكلف، وهذا يتفق كثيراً
بملاحظة الدليل إجمالاً، كما هو الواقع لاَكثر الناس.


أقول: يمكن أن يقال أن حصول العلم عن الدليل لا يكون إلا بعد ترتيب
المقدمات على الوجه التفصيلي المعتبر في شرائط الاِستدلال، وحصوله في النفس
وإن لم يحصل الشعور بذلك الترتيب، إذ ليس كل ما اتصفت به النفس تشعر به، إذ
العلم بالعلم غير لازم.


والحاصل أن الترتيب المذكور طبيعي لكل نفس ناطقة مركوز فيها. وهذا معنى ما
قالوه من أن الشكل الاَول بديهي الاِنتاج لقربه من الطبع، فدل على أن في الطبيعة
ترتيباً مطبوعاً متى أشرفت عليه النفس حصل به العلم، وحينئذ فالمعتبر في حصول
العلم بالدليل ليس إلا ما ذكره المنطقيون. والخلاف بينهم وبين الاَصوليين ليس إلا
في التسمية، لاَنهم يطلقون الدليل على نفس المحسوس كالعالم، وأهل المعقول لا
يطلقونه إلا على نفس المعقول كالقضايا المرتبة، مع أن حصول العلم بالفعل على
الاِصطلاحين يتوقف على ترتيب القضايا المعقولة، وما نحن فيه من هذا القبيل،
فإن حصول الاِيمان بالفعل أعني التصديق بالمعارف الاِلَهية إنمايكون بعد
الترتيب المذكور.



فقولهم إن الدليل الاِجمالي كاف في الاِيمان لا يخلو عن مسامحة، لما بينا من أن
الترتيب لابد منه في النظريات، وكأنهم أرادوا بالاِجمال عدم الشعور بذلك الترتيب
وعدم العلم بشرائط الاِستدلال، لا عدم حصول ذلك في النفس، والثاني هو المعتبر
في حصول العلم دون الاَول. نعم الاَول إنما يعتبر في المناظرات ودفع المغالطات
ورد الشبهة وإلزام الخصوم.


ويؤيد ما ذكرناه أنك لا تجد في مباحث الدليل وتعريفه إشارة إلى أنه قد يكون
تفصيلياً وقد يكون إجمالياً، وما يوجد في مباحث الاِيمان من أنه يكفي فيه الدليل
الجملي، فقد بينا المراد منه.


العجز عن معرفة ذات الله تعالى


ـ الكافي ج 1 ص 92


باب النهي عن الكلام في الكيفية:


ـ محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن
رئاب، عن أبي بصير قال: قال أبوجعفر عليه السلام: تكلموا في خلق الله ولا تتكلموا في الله
فإن الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيراً. وفي رواية أخرى عن حريز: تكلموا في
كل شيء ولا تتكلموا في ذات الله.


ـ محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن عبدالرحمن بن
الحجاج، عن سليمان بن خالد قال قال أبو عبدالله عليه السلام: إن الله عز وجل يقول: وأن
إلى ربك المنتهى، فإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا.


ـ علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب، عن محمد بن
مسلم قال قال أبو عبدالله عليه السلام: يا محمد إن الناس لا يزال بهم المنطق حتى يتكلموا
في الله، فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا إلَه إلا الله الواحد الذي ليس كمثله شيء.


ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن

الحسين ابن المياح، عن أبيه قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: من نظر في الله كيف
هو ؟ هلك.


ـ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عبدالحميد،
عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إياكم والتفكر في
الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه.


ـ محمد بن أبي عبدالله رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: يا ابن آدم لو أكل قلبك طائر
لم يشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطاه، تريد أن تعرف بهما ملكوت
السماوات والاَرض، إن كنت صادقاً فهذه الشمس خلق من خلق الله، فإن قدرت
تملأ عينيك منها فهو كما تقول.


ـ نهج البلاغة ج 2 ص 67


... فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك، وعرفك عند الحاجة مواضع طلبك
وإرادتك. هيهات، إن من يعجز عن صفات ذي الهيئة والاَدوات فهو عن صفات
خالقه أعجز. وَمِن تناولِه بحدود المخلوقين أبعد.


ـ نهج البلاغة ج 2 ص 119


ومن خطبة له عليه السلام في التوحيد وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه
خطبة:


ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مَثَّله، ولا إياه عني من شَبَّهه، ولا
صمده من أشار إليه وتوهمه.


كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول.


فاعلٌ لا باضطراب آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لا باستفادة، لا تصحبه
الاَوقات، ولا ترفده الاَدوات، سبق الاَوقات كونه، والعدم وجوده، والاِبتداء أزله.


بتشعيره المشاعر عُرِفَ أن لا مُشْعِرَ له، وبمضادته بين الاَمور عرف أن لا ضد له،
وبمقارنته بين الاَشياء عُرِفَ أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة
والجمود بالبلل....



ـ نهج البلاغة ج 1 ص 158


ومن خطبة له عليه السلام: الحمد لله المعروف من غير رؤية، والخالق من غير رَوِيَّة،
الذي لم يزل قائماً دائماً إذ لا سماء ذات أبراج، ولا حجب ذات أرتاج، ولا ليل
داج، ولا بحر ساج، ولا جبل ذو فجاج....


ـ نهج البلاغة ج 1 ص 164


... وأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم
المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك، ولم يباشر قلبه
اليقين بأنه لا ند لك وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون: تالله إن كنا
لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين. كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم،
ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزؤوك تجزئة المجسمات بخواطرهم،
وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم....


ـ الكافي ج 1 ص 137


علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن
علي ابن أبي حمزة، عن إبراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله تبارك اسمه،
وتعالى ذكره، وجل ثناؤه، سبحانه وتقدس، وتفرد وتوحد، ولم يزل ولا يزال، وهو
الاَول والآخر والظاهر والباطن فلا أول لاَوليته، رفيعٌ في أعلى علوه، شامخ الاَركان،
رفيع البنيان عظيم السلطان، منيف الآلاء، سني العلياء، الذي عجز الواصفون عن
كنه صفته، ولا يطيقون حمل معرفة إلَهيته، ولا يحدون حدوده، لاَنه بالكيفية
لايتناهى إليه.


ـ علي بن إبراهيم، عن المختار بن محمد بن المختار ومحمد بن الحسن، عن
عبدالله ابن الحسن العلوي جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال: ضمني وأبا
الحسن عليه السلام الطريق في منصرفي من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق، فسمعته
يقول: من اتقى الله يتقى، ومن أطاع الله يطاع، فتلطفت الوصول إليه، فوصلت

فسلمت عليه، فرد عليَّ السلام ثم قال: يا فتح من أرضى الخالق لم يبال بسخط
المخلوق، ومن أسخط الخالق فقمن أن يسلط الله عليه سخط المخلوق، وإن الخالق
لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه،
والاَوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والاَبصار عن الاِحاطة به، جل عما وصفه
الواصفون، وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه، فهو في نأيه
قريب، وفي قربه بعيد، كيَّف الكيف فلا يقال: كيف ؟ وأيَّن الاَين فلا يقال: أين ؟ إذ
هو منقطع الكيفوفية والاَينونية.


النهي عن الفضولية في معرفة الله تعالى


ـ مستدرك الوسائل ج 12 ص 47


محمد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه عليهما السلام: إن رجلاً قال لاَمير المؤمنين عليه السلام: هل تصف ربنا نزداد له حباً
وبه معرفة ؟ فغضب وخطب الناس، فقال فيما قال:


عليك يا عبدالله بما دلك عليه القرآن من صفته، وتقدمك فيه الرسول من
معرفته، فائتم به، واستضيَ بنور هدايته، فإنما هي نعمة وحكمة أوتيتها، فخذ ما
أوتيت وكن من الشاكرين، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس عليك في الكتاب
فرضه، ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى الله، ولا تقدر عظمة
الله عليه قدر عقلك، فتكون من الهالكين، وأعلم يا عبدالله أن الراسخين في العلم،
هم الذين أغناهم الله عن الاِقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب، إقراراً بجهل
ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فقالوا: آمنا به كل من عند ربنا، وقد مدح
الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمى تركهم التعمق فيما لم
يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً.


/ 18