أي: انّ البشرية تحتاج إلى بعض الأفراد،او إلى فئة معيّنة، تقوم بمهمة تعبئةالقوى الإنسانية ودفعها للعمل والحركةوتنظيمها؛ النبوة كشف الطريق وهو منصبخاص، بينما الإمامة منصب آخر، و الانبياءالكبار امثال ابراهيم وموسى وعيس ونبينا(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قد جمعواكلتا الميزتين، وكانوا انبياء وائمة؛واما الانبياء الصغار، فكانوا انبياءفحسب، ولم يكونوا ائمة والقرآن الكريميؤكّد على هذه الفكّرة كثيراً وكذلكالاحاديث الشيعية.
ولابدّ أن نلاحظ بانّ القيادة التي يبحثعنها القرآن الكريم اسمى من القيادةوالزعامة التي يفهمها البشر؛ انّ القيادةيفهمها البشر لا تتجاوز الزعامةالمعنوية، المتّجهة نحو الله، بالاضافةإلى القيادة الاجتماعية، والقيادةالمعنوية، وهذه اعمق بكثير من القياداتالاجتماعية كلها، وليس هنا موضع بحثها.
إبراهيم القائد والإمام
للقرآن الكريم حول ابراهيم كلمات تثيرالدهشة: (وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَرَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأتَمَّهُنَّقَالَ إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِإمَاماً...)(1).
فانّ الله امتحن ابراهيم بالكثير منالتجارب والابتلاءات، ولكن ابراهيم خرجمنها ظافراً.
إن ابراهيم (عليه السلام) من الانبياءالذين مرّوا بتجارب ومحن عديدة، وعاش حياةصعبة، ولكنه رغم كل هذه المشاقّ والمتاعبكان ناجحاً في رسالته.
لقد بعث في بابل؛ وواجه وحده، ذالك الحشدالهائل من العقائد، والخرافات الغبيّةالجاهلية، والشرك السائد؛ وحاربه، وقدحطم كل الاصنام الا الكبير منها، ثم علّقالمعول برقبة الصنم الكبير، لأجل أنيتخيّل الناس انه قد نشب عراك وصدامبينها، وانتصر الكبير عليها.
وقد استهدف إبراهيم من هذا العمل، أن يوقظالقوى العقلية الفطرية، التي يحاول الناسخنقها والضغط عليها.
فانّ الإنسان يدرك بفطرته، انّ الجماداتلا يمكن ان تتنازع وتتصادم فيما بينها،ومن هنا يرجعون إلى انفسهم، ولماذا يخضعالإنسان العاقل المدرك لمثل هذهالموجودات التي لا تشعر ولا تدرك؟.
وقد اشعل ابراهيم بعمله هذا حقد نمرودوغضبه عليه؛ ووصل الامر إلى أن يأمرالقائد بالقائه في تلك الهوة؛ بل ذلكالبحر الكبير الواسع من النار؛ ولكن، لميهدأ ابراهيم، ولم يسكت عن دعوة الناس إلىرسالته.
لقد كان ابراهيم يعيش حياة قاسية، فهو منجانب في صراع حاد مع العقائد الخرافيةالمنحطة؛ ومن جانب آخر في صراع مرير معنمرود، حيث وصل الامر إلى القائد بالقائهفي النار.
وفي غمرة هذا الصراع وشدّته، واجهتهتجربة الهية مريرة؛ فقد جاءه النداء منالله، أن يذبح ولده العزيز بيده، هذاالأمر الالهي الذي لا يمكن الاّ الاستسلاموالخضوع له، وقد خضع بالفعل لهذا الامر،وصمّم على تنفيذه، ولكن في اللحظةالاخيرة، صدر إليه الأمر أن لا يذبحه، بعدأن قدّم الدليل الحي على مدى استسلامهوخضوعه للاّمر الالهي.
(1). البقرة: 124.