سئل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن هذه الآية ، فقال : الترتيل هو تجويد الحروف ، ومعرفة الوقوف .وروى ابن جريج ، عن مجاهد ، أنه قال : أي ترسل فيه ترسلاً . وروى جبير عن الضحاك : أي أنبذه حرفاً حرفاً . وروى مقسم عن ابن عباس : أي بينه تبيينا . وقال علماؤنا : أي تلبث في قراءته ، وأفصل الحرف من الحرف الذي بعده ، ولا تستعجل فتدخل بعض الحروف في بعض . ولم يقتصر - سبحانه وتعالى - على الأمر بالفعل حتى أكده بمصدره ، تعظيما لشأنه ، وترغيبا في ثوابه . وقال تعالى ورتلناه ترتيلاً أي أنزلناه على الترسل ، وهو المكث ، وهو ضد العجلة ، وقال تعالى : وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث أي على ترسل
فصل في الفرق بين التحقيق و الترتيل
الترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط . والتحقيق يكون لرياضة الألسن ، وترقيق الألفاظ الغليظة ، وإقامة القراءة ، وإعطاء كل حرف حقه ، من المد والهمز والإشباع والتفكيك ، ويؤمن معه تحريك ساكن واختلاس حركه . وتفكيك الحروف وفكها بيانها وإخراج بعضها من بعض بيسر وترسل ، ومن ذلك فك الرقبة ، وفك الأسير ، لأنه إخراجهما من الرق والأسر ، وكذا فك الرهن هو إخراجه من الارتهان ، وفك الكتاب هو استخراج ما فيه ، وفك الأعضاء هو إخراجها من مواضعها . قال الداني : الفرق بين الترتيل والتحقيق أن الترتيل يكون بالهمز وتركه والقصر لحرف المد والتخفيف والاختلاس ، وليس ذلك في التحقيق . وكذا قال أبو بكر الشذائي
فصل في كيفية التلاوة
كتاب الله تعالى يقرأ بالترتيل و التحقيق ، وبالحدر و التخفيف وبالهمز وتركه ، وبالمد وقصره ، وبالبيان والإدغام ، وبالإمالة و التفخيم . وإنما يستعمل الحدر و الهدرمة وهما سرعة ( القراءة ) . مع تقويم الألفاظ ، وتمكين الحروف ، لتكثر حسناته ، إذ كان له بكل حرف عشر حسنات . وأن ينطق القارئ بالهمز من غير لكز ، و المد من غير تمطيط ، و التشديد من غير تمضيغ و الإشباع من غير تكلف . هذه القراءة التي يقرأ بها كتاب الله تعالى
فصل في ذكر قراءة الأئمة
عن أبي جعفر أحمد بن هلال، قال: حدثني محمد بن سلمة العثماني، قال: إني قلت لورش: كيف كان يقرأ نافع؟ فقال: كان لا مشدداً ولا مرسلاً، بينا حسناً.وقال ابن مجاهد: كان أبو عمرو سهل القراءة، غير متكلف، يؤثر التخفيف ما وجد إليه السبيل.ووصف الشذائي قراءة أئمة القراءة السبعة، فقال: أما صفة قراءة ابن كثير فحسنة مجهورة، بتمكين بين.وأما صفة قراءة نافع فسلسلة، لها أدنى تمديد. وأما صفة قراءة عاصم فمترسلة جريشة ذات ترتيل، وكان عاصم نفسه موصوفاً بحسن الصوت وتجويد القراءة.وأما صفة قراءة حمزة فأكثر من رأينا منهم لا ينبغي أن تحكى قراءته لفسادها، ولأنها مصنوعة من تلقاء أنفسهم، وأما من كان منهم يعدل في قراءته حدراً وتحقيقاً فصفتها المد العدل والقصر والهمز المقوم والتشديد المجود، بلا تمطيط ولا تشديق، ولا تعلية صوت، ولا ترعيد، فهذه صفة التحقيق. وأما الحدر فسهل كاف، في أدنى ترتيل وأيسر تقطيع.وأما وصف قراءة الكسائي فبين الوصفين في اعتدال.وأما قراءة أصحاب ابن عامر فيضطربون في التقويم، ويخرجون عن الاعتدال.وأما صفة قراءة أبي عمرو بن العلاء فالتوسط والتدوير، همزها سليم من اللكز، وتشديدها خارج عن التمضيغ، بترسل جزل بين سهل، يتلو بعضها بعضاً. قال: وإلى هذا كان يذهب أبو بكر بن مجاهد في هذه القراءة وغيرها، وبه قرأنا عليه، وله كان يختار، وبمثله كان يأخذ ابن المنادى، رحمة الله