اعلم أن اللحن على ضربين: لحن جلي، ولحن خفي، ولكل واحد منهما حد يخصه، وحقيقة بها يمتاز عن صاحبه.فأما اللحن الجلي فهو خلل يطرأ على الألفاظ، فيخل المعنى والعرف، وخلل يطرأ على الألفاظ فيخل بالعرف دون المعنى. وأما اللحن الخفي فهو خلل يطرأ على الألفاظ فيخل بالعرف دون المعنى.وبيان ذلك أن الجلي المخل بالمعنى والعرف هو تغيير بعض الحركات عما ينبغي، نحو أن تضم التاء في قوله تعالى: أنعمت عليهم أو تكسرها، أو تفتح التاء في قوله: ما قلت لهم . والقسم الثاني من الجلي المخل بالعرف دون المعنى نحو رفع الهاء ونصبها من قوله تعالى: الحمد لله .واللحن الخفي هو مثل تكرير الراءات، وتطنين النونات، وتغليظ اللامات وإسمانها وتشريبها الغنة، وإظهار المخفى وتشديد الملين، وتليين المشدد، والوقف بالحركات كوامل، مما سنذكره بعد. وذلك غير مخل بالمعنى، ولا مقصر باللفظ، وإنما الخلل الداخل على اللفظ فساد رونقه وحسنه وطلاوته، من حيث إنه جار مجرى الرتة واللثغة، ( كالقسم الثاني من اللحن الجلي، لعدم إخلالهما بالمعنى ).وهذا الضرب من اللحن، وهو الخفي لا يعرفه إلا القارئ المتقن، والضابط المجود، الذي أخذ عن أفواه الأئمة، ولقن من ألفاظ أفواه العلماء الذين ترتضى تلاوتهم ويوثق بعربيتهم فأعطى كل حرف حقه، ونزله منزلته.
الباب الخامس : في ذكر ألفات الوصل و القطع
فصل في ذكر الألفات التي تكون في أوائل الأفعال
وإنما بدأنا بها قبل الأسماء لأن الأصول في الأسماء مشكلة، وفي الأفعال أبين وأوضح وأقرب على المتعلم.
مقدمة
إن سأل سائل: لم سميت الهمزة همزة وصل؟ فقل: لأنك إذا وصلت الكلام اتصل ما بعدها بما قبلها، وسقطت هي في اللفظ. فإن قلت: لم ثبتت خطاً وسقطت لفظاً؟ قلت: وجه إثباتها في الخط لأن الكتاب وضع على السكوت على كل حرف والابتداء بما بعده، فثبتت في الخط كما ثبتت إذا ابتدئ بها.
فصل
اعلم أن ألفات الأفعال تنقسم على ستة أقسام:
القسم الأول: ألف الأصل، ويبتدأ بها بالفتح في الماضي، وتعرفها بأن تجدها فاءً من الفعل ثابتة في المستقبل، وذلك نحو أتى أمر الله .القسم الثاني: ألف الوصل، وتعرفها بسقوطها في الدرج، وبحذفها في أول المستقبل، وهي مبنية على ما قبل آخر المستقبل. إن كان مكسوراً أو مفتوحاً كسرت، وإن كان مضموماً ضمت. مثال المكسورة إذا كان الثالث مكسوراً اهدنا ، الدليل على أنها ألف وصل لأنها تحذف في الدرج، وتسقط في المستقبل في قولك: (هدى يهدي)، فهذا ما يدل على أنها ألف وصل.فإن قلت: لم دخلت في الابتداء وسقطت في الوصل؟ قلت: لأنا وجدنا الحرف الذي بعدها ساكناً، وهو الهاء في اهدنا والعرب لا تبتدئ بساكن، فأدخلت همزة يقع بها الابتداء. وأما حذفها في الوصل فإن الذي بعدها اتصل بالذي قبلها، فلم يكن لنا حاجة إليها. فإن قلت: أي شيء تسميها ألفاً أم