قال الكوفيون: أصل بلى بل زيدت عليها الألف، دلالة على أن السكوت عليها ممكن، وأنها لا تعطف ما بعدها على ما قبلها، كما تعطف بل، فبل دالة على الجحد، والألف المزيدة التي تكتب ياء دالة على الإيجاب لما بعدها، وهي ألف التأنيث، ولذلك أمالتها العرب والقراء كما أمالوا سكرى وذكرى.اعلم أن جواب لكلام فيه جحد، ويكون قبلها استفهام، وقد لا يكون قبلها استفهام، فإذا جاوبت ببلى بعد الجحد نفيت الجحد ولا يصلح أن تأتي بنعم في مكانها، ولو فعلت ذلك كنت محققاً الجحد، وذلك نحو قوله ألست بربكم قالوا بلى ، ونحوه فألست وألم من حروف الجحد فلو جئت بنعم كنت محققاً للجحد، وبلى نافيه له.ونعم تكون تصديقا لما قبلها في الكلام وإيجابا له، تقول: هل زيد في الدار؟ فيقول الراد: نعم، إن كان في الدار، ولا إن لم يكن فيها. ولا تدخل هنا بلى، لأنه لا نفي فيها، فنعم مخالفة لبلى، إن كانت رداً لما قبلها، ( كانت نعم إذا وقعت موقعها تصديقا لما قبلها )، تقول: ما أكلت شيئاً. فيقول الراد بلى، فيزيل نفيه والمعنى بلى، أكلت، فإن قال الراد نعم فقد صدقه في نفيه عن نفسه الأكل، ويصير المعنى نعم لم تأكل شيئاً.
فصل في القول في بلي
وقد اختلف النحويون والقراء في الوقف عليها في مواضع، وأنا أذكر ما يختار من ذاك، مع ذكري جملة ما ورد منها في القرآن الكريم موضعاً موضعاً.اعلم أن جملة ما في القرآن من لفظ بلى اثنان وعشرون موضعا، ( في ست عشرة سورة ). فمن القراء من يمنع الابتداء بها مطلقا، لأنها جواب لما قبلها، وهذا مذهب نافع بن أبي نعيم وغيره. ومنهم من يختار الابتداء بها مطلقا، وهذا غريب لا نعرفه، وهو ضعيف، لأن الاستفهام متعلق بما هو جواب له كجواب الشرط ونحوه.ومنهم من لا يقف عليها ولا يبتدئ بها، بل يصل.فأول ذلك في سورة البقرة ثلاثة مواضع أم تقولون على الله ما لا تعلمون * بلى ، إن كنتم صادقين * بلى جوز الوقف عليهما الداني في كتابه المسمى بالاكتفاء، وقال: لأنها رد لقول اليهود والنصارى. ووافقه على ذلك مكي .ومنع الوقف عليهما العماني، وغلط من قال به. الثالث قال أولم تؤمن قال بلى قال الداني : الوقف عليها هنا كاف، وقيل تام لأنها رد للجحد، انتهى. قلت: والوقف مذهب أحمد بن جعفر الدينوري و ابن الأنباري وغيرهما، ومنعه العماني وخطأ من أجازه، وليس كما زعم، لكن الاختيار الوقف على قوله: قلبي .وفي آل عمران موضعان وهم يعلمون * بلى وقف تام عند إبراهيم بن السري، لأنها رد للمعنى الذي تقدمها، وما بعدها مستأنف. وأجاز الوقف عليها مكي و الداني . منزلين * بلى وقف تام عند نافع، كذا قال الداني ، لأنها رد للجحد وهي عند الداني و مكي وقف حسن.وفي الأنعام موضع قالوا بلى وربنا الوقف على و (ربنا) ولا يوقف على بلى هنا، ولا يبتدأ بها، لأنها والقسم بعدها جواب الاستفهام الداخل على النفي في أليس هذا بالحق ؟