كان جاك بوسّوييه خطيباً مسيحيّاً، اشتهر بكتابيه: المواعظ والمراثي. وكان أسلوبه في "المواعظ" يتصف بالخطابيّة والبساطة والمرونة مع الشدة وقوة التأثير، يستقي كثيراً من أفكاره وشواهده من الكتاب المقدّس، ويتبع أسلوب الأنبياء وآباء الكنيسة، ويُعدُّ علاوةً على نهجه الديني - أخلاقياً عميقاً ومستقيماً، أما مواعظه فكانت لوحاتٍ آخاذة، بارعة في تصوير مجتمع القرن السابع عشر. وإذا أضيف إلى ما تقدم عمقُ إيمانه وتضلّعه العلمي استطعنا أن نلمح من خلال نثره شاعراً غنائياً حقيقياً.أما المراثي فهي اثنتا عشرة مَرْثاةً نثريّة تتحدث عن فضائل بعض المتوفَّين العظماء وانجازاتهم. وقد جدّد هذا الفن وأدخل فيه الوعظ والتاريخ. ويبدو أسلوبه فيها أكثر رويَّةً وصنعةً منه في المواعظ، وهو هنا حادّ اللهجة، متسامي العبارة بصورة عامة، إلى جانب البساطة والعبارة العاديّة المألوفة في بعض الأحيان.
رثاء هَنْرييت أميرة بريطانيا
"ماتت هذه الأميرة عام 1676 مفاجأةً وهي في سن الشباب. وكانت تُعدُّ الملكة الحقيقية لما تتميز به من اللطف والذكاء والمكانة".... فكِّروا أيها السادة في ذوي السلطان هؤلاء، الذين ننظر إليهم من تحت بينما نرتعد في حضرتهم. إن اللّه ينزل بهم ضرباته ليعلّمنا. وإن ارتفاع شأنهم هو السبب في ذلك. وهو إنما يؤجلهم قليلاً ريثما يضحي بهم ليعلّم بقية أبناء البشر.أيها المسيحيون، لا يغمغمْ أحدكم متسائلاً: هل حقاً اختيرت هذه الأميرة لتقدّم لنا مثل هذا التعليم؟ ليس في هذا الأمر أيَّةُ صعوبة بالنسبة إليها. مادام الله - كما سترون أخيراً- ينقذها في الوقت الذي يُعلّمنا فيه. إننا يجب أن نكون على ثقةٍ من فنائنا، وإذا كان لا بد من نازلةٍ تفاجئ قلوبنا المولعة بحب الدنيا فإن فاجعتنا هذه عظيمة ورهيبة.