هو من أبرز ممثلي المذهب الطبيعي في الأدب. نشأ في باريس وكان منذ يفاعه صديقاً للفنان سيزان ومعجباً متحمساً بأعمال هوغو وموسيّه عاش حياة فاقة اضطرته إلى العمل في سن مبكرة موظفاً في الجمارك ثم عاملاً في الطباعة والنشر مما أتاح له معرفة كثير من الأدباء وخبرة عملية في أمور الطباعة والنشر. ثم عمل في الصحافة، ودافع في مقالاته عن الفنانين رينوار ومونيه وبيسّارو، كما دافع عن بلزاك وأثنى على الأخوين غونكور. ثم كون حوله جماعة من الأدباء مثل تورغينيف وفلوبير وغونكور ودوديه وهو يسمّان وموباسّان وكلهم من الواقعيين والطبيعيين.درس نظريات الفيلسوف تين في العلم الوصفي ونظرية الوراثة الطبيعية فأدخلها في الرواية وتعقب دورها في أفراد عائلة روغون ماكار وغيرها عبر الأجيال. وكتب روايات كثيرة مثل: معدة باريس (سوق الهال) وغلطة الأب موريه وأوجين روغون والحانة (وهي حول حياة العمال وإدمانهم الخمرة) وصفحة حب، ونانا، وأمسيات ميدان Médan وسعادة السيدات، وفرح الحياة، وجيرمنال (وهي حول عمال المناجم) والأرض (حول حياة الفلاحين) والحلم، والوحش البشري، والمال، والانهيار، ودكتور باسكال، والمدن الثلاث (روما- لندن- باريس).. الخ وفي عام 1898 دافع عن الضابط اليهودي دريفوس الذي اتهم بالخيانة دفاعاً قوياً في الصحافة. وبعد أن أدين وسجن وغُرِّمَ عادت المحكمة فبرّأته فكان ذلك انتصاراً لزولا شبيهاً بانتصار فولتير الذي دافع عن كالاسوهوغو الذي دافع عن البؤساء ومن الطريف أن جثمانه نقل إلى البانتيون عام 1908 ليدفن إلى جانب هذين الأديبين العظيمين. كان زولا أميناً في تصوير الحياة الواقعية وصعود البورجوازية الفرنسية في أثناء الامبراطورية الثانية وكتب عن الحياة التجارية والمنافسة والمال والأعمال الحرة وهاجم الكاثوليكية ووضع العلم بديلاً عنها، وكان يقحم قناعاته في رواياته، بخلاف بلزاك وفلوبير الحياديين. وكان أقرب منهما إلى الرومانسية. وهو يعرّف الفنّ بأنه "الطبيعة من خلال مزاج". وهو ذو منهج علميّ طبيعيّ تنعشه موهبة فذة وروح شاعريّة. وقد أخذ عليه الكلام الهابط المكشوف والأوصاف الجنسيّة.
الوحش الحديديّ والوحش البَشَري
... "أثارت أفكارها صورة هذه الحشود من الناس التي تقلُّها عربات القطار يومياً مارةً من أمامها وسط السكون الكبير المخيّم على عزلتها، فحدَّقت إلى الخطّ الحديديّ الذي بدأ الليل يهبط عليه... إنها لم تكن لتفكر في هذه الأمور عندما كانت تملك كامل قوَّتها فيما مضى من الزمن غاديةً رائحة أمام الحاجز، حاملة رايتها بقبضة يدها؛ ولكن رأسها بدأ يزدحم بالأحلام المشوَّشة منذ أن أصبحت مجبرةً على المكوث أياماً بطولها فوق مقعدها، ولم يبق لديها شيء تفكر فيه سوى صراعها الأخرس مع زوجها؛ وكان يتراءى لها أنه من دواعي السخرية أن تعيش حياتها ضائعة في هذه الصحراء دون أن يكون إلى جانبها مخلوقٌ حيٌّ تبثة شجونها في حين كانت تمرّ أمامها ليل نهار مواكب من الرجال والنساء دون انقطاع في غمرة دويّ القطر التي تهزّ أركان البيت ثم تولي مطلقةً عنان بخارها. ومن المؤكد أن سكان الأرض قاطبةً يمرون أمامها لا الفرنسيون وحدهم بل الأجانب أيضاً، ولا شكّ أنّ هناك أيضاً أناساً قادمين من أقصى البلدان؛ لأن الناس -لاشكَّ- لم يعودوا يرضون بالبقاء في أمكنتهم ما دامت الشعوب -كما يقال- سوف تصبح جميعاً أمةً واحدة. وعندما يمرّ جميع الناس وقد تآخوا وتواكبوا، متجهين نحو بلدٍ ممتلئٍ بالخيرات فإن هذا هو التقدم بعينه...آه، ياله من اختراع! إن الناس يتحركون بسرعة وقد أصبحوا أكثر علماً من ذي قبل، ولكن الحيوانات المتوحّشة ستظلّ متوحشة ولو توصلت إلى مخترعاتٍ أكثر دقّةٍ. ولسوف تبقى هنالك بعض الحيوانات المتوحّشة.