تعني كلمة السّريالية في اللغة الفرنسية مذهبَ ماوراء الواقع. والواقعُ ماهو موجود؛ سواءٌ في عالم المادّة أم الحسِّ أو الوعي؛ أي مايدركه الإنسان مباشرة في العالم الخارجي أو مايشعُر به ويعيه في عالمه النفسي. والسّرياليّة لاتهمل هذا الواقع، ولا تنكره ولكنها لاتثق به ولا تعوّل عليه. فهو في رأي بروتون زعيم السريالية "معادٍ لكلّ ارتقاء فكريّ وخُلُقي" ولذلك فهم يبحثون عن واقع خفيّ يقبع في أعماق النفس دون أن يشعر الإنسان بوجوده وقد تكوّن درسا في الأعماق منذ زمن الطفولة، أو ربما في الأجيال السابقة. إنه واقعٌ موجود، ولكنْ في عالم اللاَّشعور أو اللاوعي، وهو يؤثر في شخصيتنا وسلوكنا وتصرفنا ودوافعنا دون أنْ نعي آلية هذا التأثير، ويظهر بين الحين والآخر حين تنعدم رقابة الشعور في أشكال مختلفة كالأحلام النوميّة وأحلام اليقظة وهذيانات السَّكْر أو التخدير أو الحمّى وزلاّت اللسان والأخطاء غير المقصودة، والميل أو عدم الميل نحو شخص من الأشخاص أو شيءٍ من الأشياء، وفي التنويم المغناطيسي والأمراض النفسية والمخاوف التي لانجد لها مبرّراً معقولاً والنزوات والجرائم الغامضة التفسير....هذا هو عالم ما وراء الواقع. إنّه جزءٌ من الذات. وهو موجود ولكنه غير مرئيّ ولا ملاحظ، كالوجه الآخر للقمر.. ويرى العالم السويسري تيودور فلورنوا "أن الذات الواعية لاتؤلف إلاّ جزءاً يسيراً من الكيان الفرديّ؛ بل هي تغوص في لجج الذات اللاواعية التي تلوح في بعض الأحيان بشكل وَمَضاتٍ وتجليات روحية"".وقد كان العالمُ الباطنيّ معروفاً منذ العصور السابقة، ولكنّ الذي انكب على دراسته تجريبياً، وأوضحَ معالمه، ووضع نظرياته هو الطبيب النمساوي فرويد Freud (1873-1930) الذي توصّل من خلال تجاربه وملاحظاته ومعالجاته النفسية إلى وضع منهجٍ في "التحليل النفسيّ" يرمي إلى تفسير كثير من الأمراض النفسية والانحرافات السلوكيّة، ويبحث عن العقد النفسيّة القديمة المترسّبة في أعماق اللاشعور، التي تعمل في ظلام اللاّوعي بمنزلة المنبع والدافع لكثير من الرّغبات والميول وضروب السلوك...