نشأت الحركة السريالية في حجر الدادائية وتفرّعتْ عنها وخَلَفتْها؛ ففي أثناء الحرب العالمية الأولى وفي أعقابها، صحا الأدباء والمفكرون على واقع مرير خلّفتْهُ الحرب، واقع الموت والدّمار والتمزّق، واقعٍ أكّد إفلاسَ المدنيّة الغربية وانسحاق الإنسان وفشل كل مؤسساته ونظمه في جلب السّعادة والخير له؛ فكان لابدّ من إعادة النظر في القيم السائدة والبنى المسيطرة التي تكبح إرادة الإنسان، وتكبت أحلامه وتقوّض آماله. وكان أن وُلدت الحركة الدادائية، إلا أنها كانت حركة هدمٍ فقط، ولذلك انفصل عنها أدباء شعروا بفراغها وعبثيتها ويأسها وعدم جدواها، وفي الوقت نفسه آمنوا بمسؤولية الإنسان وقدرته على التغيير؛ فوُلدت الحركة السرياليّة من هذا المنطلق، وكان شعارها تحريرَ الإنسان من ضغوط الحياة الاجتماعية المغرقة في النفعيّة... وهكذا كان عليها إيجاد مفاهيم بديلة لعالم جديد يعقب ذلك العالم المتفسّخ؛ أيْ تهيئةُ الإنسان لإنسانيّةٍ متجدّدة ومتحرّرة وفعّالة انطلاقاً من حقيقته الإنسانية العميقة النظيفة التي طالما شوّهتها القوى المسيطرة والنظم والأفكار السائدة.. فالسريالية من هذه الوجهة حركةْ مخلِّصيّة. وليست الوحيدة في طرح هذه الأفكار، بل لم تكن هذه الأفكار وليدتها فحسب؛ فكثيراً ماسبقَ الإعلانُ عنها بأشكالٍ مختلفة تتراوح بين السّخط والثورة، منها الرومانسية في نظرتها إلى دَوْر الأدباء والفنّانين في تغيير طريقة الحياة، ولاننسى أن رامبو في تحرّره وانطلاقاته العفويّة المجدِّدة كان أحد الجسور المؤديّة إلى السرياليّة. وقبَيْل الحرب الأولى ظهرت أعراض تعبّر عن بؤس الحضارة تجلّت في الفلسفة والحركات المستقبلية والتكعيبيّة، أدانت القواعد الكلاسيكية وتمرّدتْ عليها. وفي أثناء الحرب صدرت مجلة SiC بمبادرة من الشاعر غيّوم أبولينير(-1918) فوحّدت على صفحاتها كلّ الساخطين على الأشكال الفنية والواقع بشكل عام. وفي بيته تعارف أرغوان وفيليب سوبو وبروتون وأصدروا مجلة (أدب) في الوقت الذي مازال فيه بروتون على اتصالٍ بتزارا في زيوريخ متعاوناً معه في إصدار مجلة (دادا) التي كانت تتضمّن أحياناً نصوصاً سرياليّة مبكرة. ثم انفصل بروتون عن الدادائية وأصبح رائد الزمّرة السريالية التي أنشأها حوله في عام 1924 وأصدر بيانها الأولَ مازجاً بين الدادائية والفرويديّة، وداعياً، بعد عملية الهدم، إلى عملية بناءٍ متفاعل مع المذاهب الفكرية الثورية والسياسية الجديدة، بغية معالجة هذا الإنسان المريض الذي خلّفته الحرب بعد أن فشلتْ في تخليصه وإسعاده كل الأديان والنظم والثقافات. وهكذا تفوقت موجة السرياليّة على الدادائية وانضمَّ إليها إيلوار وأراغون وسوبو وروبير ديسْنوس وبنجامان بيريه الذين ارتضوا النهج السّريالي والتزموه، إضافة إلى فنانين تشكيليين كان أبرزهم جان كوكتو وسلفادور دالي، وأصبح أندريه بروتون منظّرها الأول وراعيها النشيط الدائب