ص103 - إمام زین العابدین السجاد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام زین العابدین السجاد - نسخه متنی

محمدرضا الحسینی الجلالی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ما ندري ، كيفَ نصنعُ بالناس ? إنّ حدّثناهم بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحكوا ، وإنْ سكتنا ، لم يسعنا .

.

.

(64) .

وكان الإمام الباقر عليه السلام يقول :

بليّةُ الناس علينا عظيمة ، إنْ دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإنْ تركناهم لم يهتدوا بغيرنا (65) .

وبهذا المنطق ، الواقعيّ ، المتين ، الحنون ، الواضح ، دخل أهل البيت عليهم السلام في موضوع الخلافة والإمامة ، وحكموا عليها ولها .

وإذا كان هذا هو المنطلَق ، فلا بدّ أن يكون المسير على طريق مصلحة الناس ، وهم المسلمون في كلّ عصر ومصر ، ومن أجل الحفاظ على دينهم الحقّ وهو الإسلام المحمّدي الخالص .

وعلى هذا الأساس ، لم يسمح الأئمة عليهم السلام للغوغاء ، أن يتدخّلوا في هذه القضيّة - الخلافة - كي لا يغرقوا في غمارها ، ولا يُصبحوا اُلعوبةً في أيدي الدُهاة

(64) الكافي ( 3 :

234 ) وقد مرّ تخريجه .

(65) الإرشاد للمفيد ( ص 266 ) .

ص103


الماكرين من حكّام الجور والضلالة ، بإثارة الشَغَب والفتنة بين طوائف الشَعب ، على حساب قضيّة - الخلافة - .

فإن الغوغاء لا يدخلون في أيَة قضيةٍ على أساس المنطق السليم ، ولا من منطلق قويم ، ولا يمشون على الصراط المستقيم ، بل على طبيعتهم في الجدل العقيم ، وعلى طريقتهم في القذف واللعن والطرد ، وهي بالنسبة إليهم البداية المحسوبة ، والنهاية المطلوبة .

وليس الهدف عند الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام إلاّ - الحقّ - وأنْ يتبّينَ الرشدُ من الغيّ .

وقد كان الأمويّون يُثيرون القضيّة على مستوى العوام الطغام ، والغوغاء الهوجاء ، ويهدفون من ذلك القضاء على وحدة المسلمين ، باتَهام أهل البيت وأتباعهم ، وهم يمثّلون أقوى الخطوط المعارضة لحكمهم .

ولقد كان موقف الإمام السجّاد عليه السلام في إحباط هذه الخطط الأمويّة الجهنميّة ، شجاعاً ، وصريحاً ، ومدروساً :

فهو عليه السلام لمّا سُئِلَ عن منزلة الشيخين عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أشار بيده الى القبر قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ قال :

بمنزلتهما منه الساعة (66) وفي نصّ آخر :

كمنزلتهما منه اليوم ، وهما ضجيعاه (67) .

فمُثير السؤال ، إنّما أراد أن يُعلن الإمامُ عن رأيه في الشيخين من حيث الفضل والمقام والرتبة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ?
ولكنّ الإمام السجّاد عليه السلام لم يفسح له المجال في إثارته المُريبة ، فأجابه عن موضعهما من حيث المكان والمنزل والمدفن ، من دون أن يتعدّى في الإجابة الحقيقيةَ الظاهرةَ ، أو يتجاوز الحقّ المفروض ، فهما الشيخان كانا قريبين جسدّياً كما هما في قبريهما الاَن بالنسبة إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لكن هل هذا كرامة لهما ، وقد دُفنا في ما لم يملكا حقّ الدفن
فيه ?

(66) سير أعلام النبلاء ( 4 :

4 395 ) .

(67) تاريخ دمشق ( حديث 92 ) ومختصر ابن منظور له ( 17 :

240 ) .

ص104


ويقول لمثير آخر :

إذهَبْ ، فأحِبَ أبا بكر وعُمر ، وتولَهما ، فما كان من إثم ففي عُنقي(68) .

وبمثل هذه القوّة ، يُبعدُ الإمامُ عوامَ الناس عن التوجّه إلى هذه القضيّة الحسّاسة ، في ميدان الصراع ذلك اليوم ، فقد كانت أصول الدين ، وقواعده ، وفروعه ، وأحكامه الأساسيّة ، مهدّدةً ، يتهدّدها الطغيانُ الأمويّ ، وكبار الصحابة ، وعلماء الأمة ، يُذَبَحون كلّ صباح ومساء ، فكان الإعراض عن القضايا الأساسيّة العاجلة ، والبحث عن قضية الشيخين البائدة ، تحريفاً لمسير النضال ، وتَشْتِيتاً لقوى المناضلين ، مع أنه خداع ومكر يطرحه الحكّام الظالمون للتفريق بين الأمّة ، لِصَرْفها عن القضايا المصيرية ، المعاصرة ، التي هي محلّ ابتلاء المسلمين فعلاً إلى قضايا تاريخيّة غير حيويّة
فإثارة مشكلة الخلافة آنذاك لم يزد أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم إلاّ انزواءً وانعزالاً عن المجتمع العام ، وذلك هو المطلوب لرجال الدولة ، لأنّهُ يُيَسر لهم اجتثات أصول المعارضة ، والقضاء على جذورها .

بينما التعبير عن تولّي الشيخين ، وعامة الناس هم على ذلك بمَنْ فيهم المثيرون ، لا يُغير الاَن شيئاً ، وليس له مفعول مثل ما لتولّي بني أمية اليوم ، وهم حكّام مستحوِذون مُستَخلَفون كما استُخْلِفَ أبو بكر وعمر ، لكنّ هؤلا مالكو الساحة اليوم ، مع مالَهُم من مخالفات حتّى لسنّة الشيخين ، تلك السنّة التي التزموا بها ودعوا إليها ، وباسمها استولوا على الأمور .

وليست ولاية الشيخين بمجرّدها هي المشكلة الفعليّة العائقة ، بل المشكلة الاَن
هي ولاية بني أمية الذين يستخدمون فكرة ولاية الشيخين ، ويُريدون بذلك فقط أن يستمرّوا على الحكم والخلافة ، ويضربوا مَن لا يوافقهم على ولايتهم التي هي استمرار لولاية الشيخين .

والمفروض أنّ ولاية الشيخين ، أصبحت وسيلة بأيدي الأمويين ليثبّتوا عرشهم من جهة ، ويضربوا أهل البيت عليهم السلام من جهة اُخرى .

فلذا أعلن الإمام زين العابدين عليه السلام للسائل ، بأنّ ولاية الشيخين ليست موضعاً

(68) تاريخ دمشق ( الحديث 97 ) ومختصر تاريخ دمشق ( 17 :

241 ) .

ص105


للنقاش ، في هذا الوقت ، إذ لا يترتّب عليها نفع للإسلام والمسلمين ، لمضيّ زمانها ، وإنّما المضرّ الاَن هو ولاية بني أمية ، التي لابدّ أن تميَز عن ولاية الشيخين مهما كانت استمراراً لها
ولقد كشف الإمام السجّاد عليه السلام عن أقنعة مثيري هذه الفتنة ، وفضحهم ، حيث قال لهم :

قوموا عنّي ، لا قرّب اللهُ دوركم ، فإنكم متستّرون بالإسلام ، ولستم من أهله(69) .

فقد أعلن أن مثيري القضيّة بشكلها الغوغائيّ ليسوا إلاّ من المبعوثين من قبل بني أمية وعيونهم ، ممن لا ينتمون الى الإسلام إلاّ ظاهريّاً ، وبالاسم فقط ، وإنّما يريدون بإثارة هذه القضيّة ، وحملها على أهل البيت ، هدم الاسلام ،
المتمثّل يو مذاك بشخص الإمام السجّاد عليه السلام وشيعته .

والإمام السجّاد عليه السلام إنّما يهدف إلى تجديد بناء الإسلام الذي هَزْهَز بنو اُمية قواعده وأركانه .

وتربية الكوادر الذين أشرفوا على الانقراض على يد جلاوزة بني أمية حكّام الشام .

وإرساء قواعد التشيّع التي أشرفت على الانهيار ، بعد فجيعة كربلاء .

وإحياء الأمل في النفوس التي صدمتها الحوادث المتعاقبة وزرعت فيها اليأس والخوف .

فما كان من المصلحة أصلاً الإجابة على مثل تلك الأسئلة المثارة وقد كان مُثيروها لا يمتّون الى الإسلام بصلة ، وإنما هم متقنّعون باسمه لتمرير أهدافهم بتقديم هذه الأسئلة ، وإثارة قضايا الخلاف في الخلافة ، التي يريد العدوّ أن يستغلّها بأيَة صورة .

فالإجابة الصحيحة ، إذا كانت مخالفةً لرأي العامة الغوغاء ، فإنّها تُثيرهم ، فينثالون على البقيّة الباقية من المؤمنين بخطّ أهل البيت عليهم السلام فيبيدونهم عن بَكْرة أبيهم ، فلا يبقى منهم نافخ نار ، ولا طالب ثار .

وكلّ ذلك من أجل قضيّة لا أثر لإثارتها هذا اليوم ، ولا دخل لها في القضايا

(69) تاريخ دمشق ( الحديث 98 ) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 17 :

241 ) .

ص106


المصيريّة الراهنة ، في عهد الإمام عليه السلام ، فلا تُسمن ، ولا تُغني الأمة من جوع ، ولا تكسوهم من عُرْيٍ ، أو تُنجدهم من ظلم أو جَور .

والمستفيد من تلك الإثارة ، هم الحكّام المسيطرون ، وهم ذلك اليوم بنو اُمية ، الذين يحاولون وبشتّى الأساليب إبادة الحضارة الإسلاميّة ، في فكرها ، وتُراثها ، ورجالها ، ومقدّساتها .

وهم الذين يسعون في إحياء الجاهليَة ، في وثنّيتها وصنميّتها ، وعنصريتها ، وعصبيّتها ، وجهلها ، وفسقها ، وفجورها ، وظلمها ، وبذخها ، وكفرها ، وعتوّها .

فأيّة القضيّتين أولى بالبحث عنها عند الإمام السجّاد عليه السلام ، وأحقّ أن يُركّز عليها ويعارضها ?
هل هي ولاية بني أمية ?
أو ولاية الشيخين ?
لقد كان حقّاً موقف الإمام السجّاد عليه السلام :

شجاعاً ، وصريحاً ، ومدروساً :

كان عليه السلام شجاعاً :

.

أنْ يواجه ، ويجابه الذين كان يعلم نيّاتهم الخبيثة ، وأهدافهم الدنيئة ، من جواسيس بني أمية ، وعيونهم ، البرآء من الإسلام ، وكذلك في الإعلان عن خططهم وتدابيرهم الإجراميَة .

فالذين لم يؤمنوا بأصل الإسلام ، كيف يهتمّون بقضيّة الخلافة والخلفاء السابقين ?
وما هو هدفهم من هذه الإثارة ?
ولو صدقوا في أسئلتهم :

فلماذا لا يهتمّون بما يجري على المسلمين في ولاية بني أمية ?
وما لهم لا يتساءلون عن حقّ بني اُمية في الحكم الظالم ?
وهذا مثل ما تُثيره الأجهزة الاستعمارية ، وأذنابهم العلمانيّون والرجعيّون في عصرنا الحاضر من النزاعات المذهبيّة بين الطوائف الإسلاميّة الواعية ، فإنّ كل مسلم عاقل يفطنُ إلى أنّ إثارتهم هذه ليست لمصلحة الأمة الإسلامية ، وإنّما هم يهدفون من ورائها إلى ضرب القدرة الإسلامية العظيمة والصحوة الإسلامية

ص107


المتنامية ، وتحطيم كيان الدين الإسلامي ، المُرَكَز في قلوب الأمة .

وكان الإمام السجّاد عليه السلام صريحاً :

.

في إعراضه عن تفصيل القضيّة ، حيث يجرّ إلى ما يريده الأعداء ، بل صَرَف الأنظار إلى ما هم مبتلون به من مشاكل ومآس ، بالولاية الباطلة التي تخيّم عليهم بظلمها وجرائمها وحكّامها الجائرين
وكان موقفه مدروساً :

.

إذ لم يُدلِ بتصريح يخالف الحقَ أو ينافي الحقيقةَ ، بل حافظ عليهما بقدرِ ما يخلّص الموقف من الحرج ، ويخرج الإنسان المسؤول من المأزق .

وموقف مماثل مع أحد العلماء :

.

لكن الحديثَ يأخذ شكلاً آخر إذا كانت المواجهة مع أحد الذين ينتمون إلى العلم ، لأنّ التنبيه على الحقائق حينئذٍ يكون أوضح وأصرح وألزم لكن مع الأخذ بنظر الاعتبار كلّ الملاحظات الحسّاسة التي يتحرّج الموقف بها ، فاقرأ معي هذا الحديث :

عن حكيم بن جبير ، قال :

قلت لعليّ بن الحسين :

أنتم تذكرون أو تقولون :

إنّ علياً قال :

- خير هذه الأمّة بعد نبيّها :

أبو بكر ، والثاني عمر ، وإن شئت أنْ اُسمّي الثالث سمّيتُه -
فقال عليّ بن الحسين :

فكيف أصنعُ بحديثٍ حدّثنيه سعيد بن المسيّب عن سعد بن مالك [ ابن أبي وقّاص ] أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في غزوة تبوك فخلّف عليّاً ، فقال له :

أتخلّفني ?
فقال :

- أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ? إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي -
قال :

ثم ضرب علي بن الحسين على فخذي ضربةً أوجعنيها ، ثم قال :

فمَنْ هذا هو من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون من موسى ?(70) .

(70) مناقب أمير المؤمنين عليه السلام للكوفي ج 1 ص 521 ح 451 و ح 461 ص 528 .

108


وفي نصّ آخر :

فهل كان في بني إسرائيل بعد موسى مثل هارون ? فأين يُذْهَبُ بك يا حُكيم ?(71)
ففي الوقت الذي لا يواجه الإمام حكيم بن جبير بتكذيب ما نسب إلى الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام من إعلانه أمام الأمّة من أنّ خيرهم أبو بكر ثم عمر ثم الثالث ? .

فإن هذا المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام وإنْ لم يصّح فهو مشهور بين الناس ، بقطع النظر عن أن الإمام إنمّا أعلن عمّا عند الناس من التفضيل للشيوخ ، بعد أن صار أمراً مفروضاً لا يمكن مخالفته ، فما فائدة إنكاره .

؟.

فإن أعاد أهل البيت عليهم السلام نفس الصيغة وتناقلوها فلا يدل على التزامٍ ، لأنه تعبير عن مظلومية علي عليه السلام حيث لم يستطع أن يصرّحَ بخلاف ما عند العامّة الغوغأ .

بل كان من أهدافه في الحفاظ على وحدة كلمة المجتمع الإسلامي وسلامته في حدوده الداخلية ، بينما معاوية يهدّد أمن الدولة ويُثير الخلاف والشقاق .

لكن الإمام السجّاد عليه السلام في حديثه مع حكيم بن جبير اتّخذ اُسلوباً علميّاً فذكّره بمناقضة هذا المنقول رغم شهرته مع الحديث المتواتر المعلوم المتيقّن بصدوره ، ومعناه ، وأهدافه ومرماه ، وهو حديث المنزلة أي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام :

- أنت منّي بمنزلة
هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي - (72).

الذي لايمكن إنكار صدوره ، ولا الاختلاف في معناه .

فإذا كان عليّ بهذه المنزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عصره وبحضور كبار الصحابة ، فهل يبقى للحديث المنقول عن علي في تفضيل الشيوخ معنىً ، غير الذي نقلناه ? .

وإذا كان الفضل بعد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بالترتيب المذكور عند الناس ، فهل يكون لحديث المنزلة معنىً ? .

مع أن التاريخ والقرآن لم يذكر في بني إسرائيل شخصاً أفضل من هارون بعد موسى ? !.

(71) مناقب الكوفي ( ج 1 ص 522 ) ح ( 453 ) .

(72) نقلنا أقوال العلماء بتواتر هذا الحديث الشريف ، وذكرنا بعض مصادره في البحث الأوّل من التمهيد ، فراجع (ص 18 ) .

ص109


ثم ينبّه الإمام السجّاد عليه السلام حكيماً بِضربةٍ على فخذه ، وينبّهه بالعتاب فيقول :

فأين يُذهَب بك يا حكيم ?
وهكذا كان السجّاد رغم حصافة المواقف التي يتّخذها ، والالتزام بالأهداف السامية في حفظ وحدة الكلمة لا يترك الحقيقة مهملةً عندما كان يخاطب مَنْ يَفْهمُ ، ويُدركُ ، وينتبهُ
وإنْ كان له مع الغوغاء غير المتفَهّمين ، لأهداف الأئمة والإمامة ، تعاملاً آخر يناسب حالهم ، ويخاطبهم على قدر عقولهم .

والصلاة مع المخالفين :

.

وللإمام السجّاد عليه السلام موقف حازم مماثل من الدعايات المغرضة ، التي كان يبثّها دعاة الضلال ضدّ شيعة أهل البيت عليهم السلام ، وهو ما جاء في الحديث التالي :

قال محمّد بن الفُرات :

صلّيتُ إلى جنب عليّ بن الحسين يوم الجمعة ، فسمعتُ ناساً يتكلّمون في الصلاة
فقال عليه السلام :

ما هذا ?
فقلتُ :

شيعتكم لا يرون الصلاة خَلفَ بني أمية .

قال عليه السلام :

هذا - والذي لا إله إلاَ هو - بِدع ، فمن قرأ القرآن ، واستقبل القبلة فصلّوا خلفه ، فإن يكن محسناً فله حسنته ، وإن يكن مُسيئاً فعليه (73) .

فالمسلم الشيعيّ يقتدي بإمامه ، فإذا كان أولئك شيعةً لأهل البيت عليهم السلام حقيقةً ، وكانوا يرون الإمام السجّاد عليه السلام وهو زعيم أهل البيت عليهم السلام في عصره ، ها هو واقف في الصفّ يؤدّي الصلاة مع جماعة الناس ، فما بالُهم يَلغَطون ، ليعرّفوا أنفسهم أنّهم لا يصلّون مع الجماعة ?
ولماذا يعرّفون أنفسهم بأنّهم شيعة لأهل البيت ، وهم يقومون بمثل هذا التحدّي السافر ?
وإلا ، كيف عرفهم الناسُ بأنّهم شيعة ?

(73) تاريخ دمشق ( الحديث 110 ) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( 17 :

243 ) .

ص110


إنّ القرائن الواضحة ، تعطي أنّ أولئك لم يكونوا من الشيعة ، بل من المندسّين لتشويه سمعة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، لاتّهام أئمة أهل البيت والشيعة المؤمنين ، بمخالفة الجماعة .

ولذلك ، تدارك الإمام عليه السلام الموقف ، وأفتاهم أوّلاً بما يلتزم به العامّة من الصلاة خَلف كلّ بَرّ وفاجر .

ولم يُدلِ بتفصيل حكم المسألة الفقهيّة في مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وهو أنّ المؤمن إذا حضر صلاة الجماعة ، ولابدّ أن يحضر ، لأنّه لا يمكنه الانعزال بل هو أولى بالمسجد من غيره (74) ، فعليه أن يقتدي بإمام الصلاة ، ويصلّي بصلاته ، وفي بعض النصوص :

إنها أفضل الركعات (75) بل في بعضها :

- أن الصلاة معهم كالصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -(76)
حيثُ تعطي روعة الوحدة التي كان عليها المسلمون في عهده الأزهر .

وإذا لم يحضر المؤمنُ صلاة الجماعة ، فليصلّ منفرداً في بيته (77) .

وأمّا أن يحضر الصلاة ، ولا يصلّي مع الجماعة ، أو يلغَط ويتكلّم فيشوّش على الاَخرين أيضاً ، فهذا حرام قطعاً ، فكيفَ يقوم بذلك مَن يدَعي الانتماء الى التشيّع ، ويلتزم بإمامة الإمام زين العابدين عليه السلام ? وهو يقوم بهذا العمل المخالف لفقه الأئمة .

فهذا في نفس الوقت تشهير بهم ، وتحريض للعامة ضدّهم ، بجرحِ عواطفهم
إنّ مثل هذا العمل الاستفزازيّ لا يصدر من عاقل يُريد مصلحة نفسه ، أو مصلحة إمامه ، أو مصلحة مذهبه .

مع مخالفته للإمام عليه السلام الذي هو واقف في صفّ الجماعة ، ويصرّح بذلك التصريح ، ومخالفته لفقه أهل البيت وتعليماتهم ومواقفهم العملية في الحضور في الجماعات وأداء الصلوات معها

(74) كما في نصّ الحديث لاحظ وسائل الشيعة ( 8 :

300 ) الباب ( 5 ) من أبواب صلاة الجماعة كتاب الصلاة تسلسل.

(10722)
(75) وسائل الشيعة ، كتاب الصلاة ، أبواب الجماعة ، الباب ( 34 ) تسلسل(10925)
(76) المصدر السابق(299:

8) تسلسل(10717) و(10720) و(10723).

(77) المصدر نفسه ، تسلسل (10733 ) .

ص111


ثالثاً :

في الشريعة والأحكام .

يتميَز الإمام في نظر الشيعة ، بأنَه ليس وليّاً للأمر ، وحاكماً على البلاد والعباد فحسب ، بل هو مَصدر لتشريع الأحكام أيضاً ، باعتبار معرفته التامَة بالشريعة
وارتباطه الوثيق بمصادرها .

والانحراف الذي حصل عن أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يكن في جانب حكمهم وولايتهم فقط ، بل الأضرّ من ذلك هو الانحراف عن أحكام الشريعة التي كانوا يحملونها
والحكّام الذين استولوا على أريكة الخلافة بأشكال من التدابير السياسيّة حتّى بلغ أمرها أن صارت - ملكاً عضوضاً - كانوا يُدركون أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام هم أولى منهم في كلا جانبي الحكم والولاية ، وكذلك في جانب الفقه والعلم بالشريعة .

وكما أزْوَوا أئمّة أهل البيت عن الحكم والولاية على الناس ، حاولوا أيضاً إزواءهم عن الفقه وإبعاد الناس عنهم ، وذلك باختلاق مذاهب فقهيّة روّجوها بين الناس ، وعارضوا الأحكام التي صدرت من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وحاربوا فقهاءهم بشتّى الأساليب ، فكان من أعظم اهتمامات الأئمّة وأتباعهم هو إرشاد الناس إلى هذا المعين الصافي للشريعة الإسلاميّة كي ينتهلوا منه .

وقد كان اهتمام الإمام السجّاد عليه السلام بليغاً بهذا الأمر ، حيث كان يعيش بدايات الانحراف
ولقد دعا الإمام عليه السلام إلى فقه أهل البيت عليهم السلام لكونه أصفى المناهل وأعذبها ، وأقربها من معين القرآن الكريم ، وسنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - فأهل البيت أدرى بما في البيت - .

ففي كلام له يشرح اختلاف الاُمَة ، يقول :

.

وكيف بهم ?
وقد خالفوا الاَمرين ، وسبقهم زمان الهادين ، ووُكلوا إلى أنفسهم ، يتنسّكون في الضلالات في دياجير الظلمات .

ص112


وقد انتحلت طوائف من هذه الأمة مفارقة أئمّة الدين والشجرة النبويّة أخلاص الديانة ، وأخذوا أنفسهم في مخاتل الرهبانيّة ، وتغالوا في العلوم ، ووصفوا الإسلام بأحسن صفاته ، وتحلّوا بأحسن السنّة ، حتّى إذا طال عليهم الأمد ، وبَعُدَتْ عليهم الشُقّةُ ، وامتُحِنوا بمحن الصادقين :

رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهُدى ، وعلم النجاة .

وذهب آخرون إلى التقصير في أمرنا ، واحتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوه بآرائهم ، واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ، يقتحمون أغمار الشبهات ، ودياجير الظلمات ، بغير قَبَسٍ نور من الكتاب ، ولا أثرةِ علم من مظانّ العلم ، زعموا أنهم على الرشد من غيّهم .

وإلى مَن يفزعُ خَلَفُ هذه الأمة ? .

وقد درست أعلام الملّة والدين بالفُرقة والاختلاف ، يكفّر بعضهم بعضاً ، والله تعالى يقول :

( ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جأتهم البيّنات ) .

[ ( سورة البقرة ( 2 ) الاَية ( 213 ) ]
فَمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة ? وتأويل الحكمة ? إلاّ إلى أهل الكتاب ، وأبناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتجَ الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلقَ سُدى من غير حجّة .

هل تعرفونهم ?
أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا صفوة الذين أذهب الله عنهم الرجَس ، وطهّرهم تطهيراً ، وبرّأهم من الاَفات ، وافترض مودّتهم في الكتاب (78) .

وقال عليه السلام لرجل شاجره في مسألة شرعيّة فقهيّة :

يا هذا لو صرت إلى منازلنا ، لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا ، أيكونُ أحد أعلم بالسنّة منّا ? (79) .

وقال لرجل من أهل العراق :

(78) كشف الغمة للاربلي ( 2 :

98 99 ) وانظر جامع أحاديث الشيعة للبروجردي ( 1 :

40 ) الإمام زين العابدين للمقرّم ( ص 242 ) .

(79) نزهة الناظر ، للحلواني ( ص 45 ) .

ص113


أما لو كنت عندنا بالمدينة لأريناك مواطن جبرئيل من دورنا ، استقانا الناسُ العلمَ ، فتراهم علموا وجهلنا ?(80) .

ولنفس الهدف السامي ، قاوم الإمام السجّاد عليه السلام الانحراف الفقهي الذي مُنِيَتْ به الاُمَة ، بالتزام الشريعة وأخذها من أناس تعلّموا الفقه من طرق لا تتصل بمنابع الوحي الثرّة الصافية المأمونة .

فيقول عليه السلام :

إنَ دين الله لايُصاب بالعقول الناقصة ، والاَراء الباطلة ، والمقاييس الفاسدة ، لا يُصابُ إلاّ بالتسليم .

فمن سلَمَ لنا سَلِمَ ، ومَن اقتدى بنا هُدِيَ ، ومَن كان يعملُ بالقياس والرأي هَلَك ، ومَن وَجَدَ في نفسه مما نقوله ، أو نقضي به حرجاً ، كَفَرَ بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهو لا يعلم (81) .

/ 38