ص187 - إمام زین العابدین السجاد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام زین العابدین السجاد - نسخه متنی

محمدرضا الحسینی الجلالی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

نعم .

فعزّوه ، وتعجّبوا من صبره .

فقال :

إنّا أهل بيت نطيع الله في ما نحب ، ونحمده في ما نكره (31) .

ونتمكّن من استخلاص الهدف الأساسي من كلّ هذه الإثارات لقضيّة كربلاء وشهدائها خصوصاً ذكر أبيه الإمام الشهيد عليه السلام من خلال الحديث التالي.

:

قال عليه السلام لشيعته :

عليكم بأداء الأمانة ، فو الذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً ، لو أن قاتل أبي الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ائتمنني على السيف الذي قتله به ، لأديته إليه (32) .

ففي الوقت الذي يُشير فيه إلى مأساة قتل الحسين عليه السلام ، ويذكّر بقتله ، ليُحيي معالمها في الأذهان ، فهو يؤكّد بأغلظ الأيمان على أنّ أمراً - مثل أداء الأمانة - يوجِبُه الإسلام ، هو فوق العواطف والأحاسيس الشخصيّة .

وهو يُوحي بأنّ الإمام الحسين عليه السلام إنما قتل من أجل تطبيق كلّ المبادىء التي

(29) قاله مسرف بن عقبة لما استباح المدينة ، انظر في ما مضي من كتابنا هذا ( ص 71 ) .

( 30) قاله الزهري لعبد الملك ، انظر ( ص 212 ) في ما يأتي .

( 31) تاريخ دمشق ومختصره لابن منظور ( 1 :

240 ) .

(32 ) أمالي الصدوق ( ص 128 ) المجلس ( 43 ) .

ص187


جاء بها الإسلام ، والتي بعث بها جدّه النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن الإمام زين العابدين يُريد الاستمرار على تلك المبادىء والخطط التي أنار الحسين الشهيد عليه السلام معالمها بوقود من دمه الطاهر .

وهو في الوقت ذاته ، يرفع من قيمة البكاء أن يكون من أجل أمور مادّية ولو كانت الدنيا كلها :

.

ففي الخبر أنّه عليه السلام نظر إلى سائل يبكي !.

فقال عليه السلام :

لو أنّ الدنيا كانت في كفّ هذا ثمّ سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي (33) .

(33 ) كشف الغمة ( 2 :

106 ) عن كتاب نثر الدرر للاَبي .

ص188


ثالثاً :

التزام الدعاء .

ومن أبرز المظاهر الفذّة في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام الأدعية المأثورة عنه ، فقد تميّز ما نقل عنه بالكثرة ، والنفس الطويل ، والشهرة التداول ، لما تحتويه من أساليب جذّابة ومستهوية للقلوب ، تتجاوب معها الأرواح والنفوس ، وما تضّمنته من معان راقية تتفاعل مع العقول والأفكار .

وقد كان للأدعية التي أصدرها أبعاد فكرية واسعة المدى ، بالنصوص الحاسمة القضايا عقائدية إسلامية ، كانت بحاجة إلى البتّ فيها بنصّ قاطع ، بعد أن عصفت بالعقيدة ، تيّارات الإلحاد ، كالتشبيه والجبر والإرجاء ، وغيرها مما كان الأمويون وراء بعثها وإثارتها وترويجها ، بهدف تحريف مسيرة التوحيد والعدل ، تمهيداً للردّة عن الإسلام ، والرجوع إلى الجاهلية الأولى .

وفي حالة القمع والإبادة ، ومطاردة كلّ المناضلين الأحرار ، وتتبع آثارهم وخنق أصواتهم ، كان قرار الإمام زين العابدين عليه السلام باتّباع سياسة الدعاء ، أنجح وسيلة لبثّ الحقائق وتخليدها ، وأمن طريقة ، وأبعدها من إثارة السلطة الغاشمة ، وأقوى أداة اتصال سريّة مكتومة ، هادئة ، موثوقة.

كما كانت لنصوص الأدعية أصداء قويّة في ميادين الأدب ، الذي له وقع كبير في نفوس الشعوب ، وخاصة الشعب العربي ، وله تركيز كثير في قرارات أذهان الناس وذاكرتهم .

ولقد ا ستخدم الأئمة عليهم السلام تأثير الأدب في الناس ، فكانوا يهتمّون بذلك ، سواء في تطعيم ما يصدرونه ، بألوان زاهية من الأدب العربي الراقي ، نثراً وشعراء ، كما كانوا يبعثون الشعراء على نظم القضايا الفكرية ، والحقّة ، في أشعارهم ، ويروّجونها بين الناس .

ولقد استثار الأئمة عليهم السلام على طول خط الإمامة شعراء فطاحل من المتشيّعين ، للنظم في قضايا عقيدية تؤدي إلى تثبيت الحق والدعوة إلى الإسلام من خلال مذهب أهل البيت عليهم السلام ، حتّى اشتهر عنهم الحديث - من قال فينا بيتاً من

ص189


الشعر ، بنى الله له بيتاً في الجنّة - .

ولقد كان لهذا التوجيه أثر آخر ، وهو انتشال الأدب وخاصة الشعر من مهاوي الرذيلة والمجون والاستهتار الذي سقط فيه والاُدباء وخاصة الشعراء في تلك العصور المظلمة ، التي كادت تؤدّي إلى ضياع جهود جبّارة من ذوق الشعراء وفنّهم في متاهات الأغراض الفاسدة ، وكذلك جهود الأمّة في سماع ذلك الأدب الماجن ، ونقله وضبطه وتداوله .

وقد أثّرت جهود الأئمة عليهم السلام بتعديل ذلك المجرى ، للسير في السُبل الاَمنة ، والأغراض الشرعيّة ، والتزام الأدب الهادف المؤدّي إلى رفع المستوى الخلقيّ والفكريّ والثقافيّ .

ولقد أثرى الإمام زين العابدين عليه السلام الأدب العربي :

بمادّة غزيرة من النصوص الموثوقة ، بشكل الأدعية التي تعدّ من أروع أمثلة الأدب العربي في النثر (34) .

وامتازت بين مجموع ما رُوي عن الإمام زين العابدين من الأدعية ، تلك التي ضمّنها - الصحيفة السجادية - التي تتلألأ بين أدعيته ، لأنّها من تأليف الإمام نفسه ، وإملائه ، فلذلك فتح العلمأ لها مجالاً خاصاً في التراث الإسلامي ، وأغدق عليها المبدعون بأجمل ما عندهم من مهارات في الخطّ والزخرفة ، وأولاها الداعون عناية فائقة في الالتزام والأداء ، والعلماء في الشرح والرواية ، فلنتحدث عنها في الصفحات الأخيرة من هذا الفصل .

(لاحظ مقال :

من أدب الدعاء في الإسلام ، مجلة تراثنا ، العدد ( 14 ) السنة الرابعة ( 1409 ) ( ص 30 ) .

ص190


وأخيراً :

مع الصحيفة السجّادية هدفاً ومضموناً .

أوّلاً :

مع الصحيفة هدفاً .

إنّ التشيّع ، وفي عصر الإمام زين العابدين عليه السلام خاصةً كان يواجه صعوبات بالغة الشدّة ، حيث كان الظلم مستولياً على كلّ المرافق والمقدّرات ، ولم يكن بالإمكان القيام بأيَة مقاومة إيجابية ، أو محاولة .

فآخر ثورة تلك التي أعلنها الإمام الحسين عليه السلام في صدّ التعدّي الغاشم ، كان قد قضي عليها ، وعلى جميع عناصرها بشكل دمويّ ، وبقي منهم - غلام - فقط ، وهو - الإمام زين العابدين عليه السلام - .

وكانت الأوضاع الاجتماعية تسير باتجاهٍ خطر ، خطورة الإجهاز على أساس النهضة ، وإخماد روح الوثبة الإسلامية ، بل القضاء على كلّ تفكير من هذا القبيل ، وتناسيه إلى الأبد .

وأبرز نموذج لهذه المشكلة ، أنّ الإمامة وهي الجهاز الوحيد الباقي من كل مرافق الحكومة الإسلامية العادلة أصبحت على شُرُف التناسي عن الأذهان ، لأنّ نظام الحكم الأموي استولى على كلّ أجهزة الإعلام من المنبر ، والمحراب ، والمسجد ، واشترى ذمم كلّ ذوي النفوذ في الرأي العام من قاض وحاكم ووالٍ ، وأصبحت كلّ الإمكانات في قبضة - الخلافة - وفي خدمة - الخليفة - !.

أما الإمام زين العابدين ، فقد بقي وحيداً في مواجهة المشكلات ، مع أنّ الإرهاب والذعر كان يتحكّم في الرقاب ، ويستولي على النفوس .

في مثل هذه الظروف أصبح - الدعاء - ملجأ للإمام وللإمامة ، لا ، بل موقعاً اتّخذه الإمام زين العابدين عليه السلام للصمود والهجوم :

.

- صمود ماذا ?
- صمود ذلك الفكر ، وذلك الهتاف ، وذلك الإيمان ، الذي جنّدت الدولة الأمويّة كلّ الإمكانات في العالم الإسلامي ضدّه .

- والهجوم على مَن ? -

ص191


- للهجوم على سلطة تمكنّت من كلّ قواعد القدرة ، وسلبت من الأمة كلّ إمكانات المقاومة.

فكان الدعاء هو سلاح النضال ومعنى ذلك :

أنّه إذا طوّقت مقاومة ، أو فكرة ، أو نضال ، وأدّت بها الظروف إلى مثل ما حصل في - كربلاء - إذ تعرّض كلّ رجالها للإبادة الدامية ، ولم يبق سوى رجل - واحد - ووقع كلّ النساء والصغار في الأسر ، وتحت القيود ، وإذا لم تبق أيّة إمكانيّة للعمل المسلّح ، والدفاع عن الحق بالقوّة ، فإنّ هذا الرجل الوحيد لا تسقط عنه المسؤوليّة .

إنّه مسؤول أن يدرّب الأمة على القناعة بأن على عاتقه إحياء الفكرة ، وتحريك الأحاسيس ، والدفاع عن ذلك الحق ، ولو بلسان الدعاء ، وجعل الرسالة مستمرّة ولو بالأمل والرجاء ، ونقلها كذلك إلى الأجيال .

إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام :

.

وإن كان قد فقد إمكانات التضحية والنضال المستميت إلى حدّ الشهادة ، كما فعل أبوه الإمام الحسين عليه السلام في كر بلاء .

وفقد إمكانات العمل الاجتماعي الحرّ ، كما قام به ابنه الإمام الباقر وحفيده الإمام الصادق عليهما السلام .

لكنّه لم يفقد فرصة المقاومة من طريق هذه الحربة النافذة في أعماق أشلا النظام الحاكم ، والقابلة للتغلغُل في أوساط المجتمع الفاسد ، والسارية مع كلّ نسيم ، والممكنة في كلّ الظروف ، والتي اسمها - الدعاء - .

وإن قيل :

إنّ هذا هو من أضعف فروض النضال والجهاد ?.

قلنا :

نعم ، لكنّ الدعاء أمر ضروري حتّى لو كان الإنسان في غير هذه الحال ، فلو كان بإمكانه النضال والمقاومة ، بأشكال أخر ، أقوى وأقدر ، فإنّ من المستحيل استغناؤه عن الدعاء ، وليس بالإمكان أن يمنع من هذا النضال ، ولو كان أضعف ، فلابّد له أن يكون قادراً على عملية الدعاء ، وأن يُضمر في نفسه الارتباط بربّه ، وأن يُعلن عن أفكاره وعقائده بأسلوب المناجاة والدعاء ، ويعبّر عن آماله وآلامه ، ومكنون نفسه ، وأن يُبرز هتافاته ، وأن يطالب برغباته المهضومة ، والمغصوبة

ص192

.

على أن من الضروريّ لكل مناضل أن يركّز معتقداته ، ويحدّد مواقعه الفكرية ويحصّن أصول دينه ، حتّى يكون على بصيرةٍ من أمره ، فيوحي إلى ذاته بالحقّ ، ويوصي نفسه بالصبر عليه ، بالدعاء .

وليس في المقدور لأيّة سلطة حاكمة أن تسلبه هذه القدرة ، أو أن تحاسبه على هذه الإرادة .

وفي مثل هذا التركيز والتحديد يكمن سرّ خلود الإنسان عندما يكون مهدّداً بالإبادة .

.

والنطق بالدعاء وسيلة للإعلان عن المعتقدات وتبليغ الرسالات وتنمية الشعور بالمسؤوليات ، في أحلك الظروف وأحرجها ، وبثّ روح النضال والمقاومة ، وتوثيق الرابطة الفكرية ، وتأكيد التعهّدات الاجتماعية ، وتثبيت العواطف الصالحة ، حبّاً بالتولي والإعلان عنه ، وبغضاً بالتبري وإبدائه ، وتعميق الوعي العقائدي بين الأمّة ، وتهيئة الأجواء روحياً وفكرياً وجسميّاً للإعداد للمسؤوليّات الكبرى ، كلّ ذلك في ظروف جُندت فيه القوى المضادّةُ ، للقضاء على الأهداف كلّها .

إنّ الإمام في مثل ذلك عليه أن يخطّط للعمل ، عندما لا يستطيع المؤمن من القيام بأي عمل ، حتّى الموت الشريف ، بعزّة وكرامة ، حيث لا طريق إلى اختيار الشهادة كسلاح أخير ، لأنّ الشهادة أيضاً تحتاج إلى أرضيّة وظروف مؤاتية ، ومعركة ، كي يتسنّى للشهيد أن يفجّر بدمه الوضع ، ويكسر الصمت ، وإلاّ فهو الموت الصامت غير المؤثّر ، المهمل الذي لا يستفيد منه إلاّ العدوّ .

والإمام زين العابدين عليه السلام أصبح قدوة للنضال في مثل هذه الظروف بكل سيرته ، ووجوده ، ومصيره ، وسكوته ، ونطقه ، وخلقه ، ورسم بذلك منهاجاً للعمل في مثل هذه الأزمات .

إنّه رسم الإجابة عن كلّ الأسئلة التي تطرح :

عن العمل ضدّ إمبراطورية ضارية ، مستحوذة على كل المرافق والقدرات ?
وعن الصمت الثقيل القاتل ، المطبق ، الذي يستحيل فيه التفوّهُ بكلمة الحقّ ، كيف يمكنُ أنْ يُكْسَر? .

وعن اُسلوب شخصي لعرض جميع الطلبات والقيم والعواطف ? .

ص193


إن الصحيفة السجادية هي :

.

كتاب الجهاد عند الوحدة .

وكتاب التعبير عند الصمت.

وكتاب التعبئة عند النكسة .

وكتاب الهتاف عند الوجوم .

وكتاب التعليم بالشفاه المختومة .

وكتاب التسلّح عند نزع كلّ سلاح .

وهو قبل هذا وبعده ، كتاب - الدعاء - .

.

إنّ الدعاء كما يقول الدكتور الفرنسي الكسيس كارل :

- تجل للعشق والفاقة - وقد أضاف الإسلام إلى هذين :

- التوعية - .

.

وفي مدرسة الإمام زين العابدين عليه السلام يأخذ الدعاء بُعداً رائعاً هو تأثيره الاجتماعي الخاص .

وبكلمة جامعة :

إن الدعاء في مدرسة الإمام زين العابدين في الوقت الذي يعدّ كنزاً لأعمق التوجهات ، وأحرّ الأشواق ، وأرفع الطلبات منهاج يتعلّم فيه المؤمن تخطيطاً متكاملاً للوجود والتفكير والعمل ، على منهج الإمامة وبقيادة حكيمة تستلهم التعاليم من مصادر الوحي .

ثانياً :

مع الصحيفة السجّادية مضموناً :

.

إن الحديث عن هذا الكتاب العظيم وأثره العلميّ والدينيّ عقيدياً وحضارياً وأثره الاجتماعي يحتاج إلى تفرّغ وتخصّص ، وإلى وقت ومجال أوسع من هذا الفصل ، ولا ريب أن النظر فيه سيوقف القارئ على مقاطع رائعة تدلّ على مفردات ما نقول بوضوح وصراحة .

وإذا أخذ الإنسان بنظر الاعتبار ظروف الإمام زين العابدين عليه السلام وموقعه الاجتماعي وقرأ عن طغيان الحكام وعبثهم ، وقارن بين مدلول الصحيفة ومؤشّرات التصرّفات التي قام بها أولئك الحكام ، اتضح له أنّ الإمام قد قام من خلالها بتحدّ صارخ للدولة ومخططاتها التي استهدفَتْ كيان المجتمع الإسلامي لتزعزعه .

ص194


وإذ لا يسعنا الدخول في غمار هذا البحر الزخّار لاقتناص درره فإنّا نقتصر على إيراد مقطعين من أدعية الصحيفة ، يمثّلان صورة عمّا جاء فيها ، ممّا تبرز فيه معالم التصدّي السياسيّ الذي التزمه الإمام عليه السلام بمنطق الدعاء
المقطع الأول :

دعاؤه لأهل الثغور :

.

إنّ الإمام ، لكونه الراعي الإلهي ، المسئول عن رعيتّه وهي الأمّة ، يكون الحفاظ على وجود الإسلام ، من أهمّ واجباته التي يلتزمها ، فلا بدّ من رعاية شعائره ،واستمرار مظاهره ، ومتابعة مصالحه العامة ، وتقديمها على غيرها من المصالح الخاصّة بالأفراد ، أو الأعمال الجزئيّة الفرعيّة ، فالحفاظ على سمعة الإسلام وحدوده ، أهمّ من الالتزام بفروع الدين وواجباته ومحرّماته ، إذا دار الأمر بينه وبينها .

ففي سبيل ذلك الهدف العام السامي ، لابدّ من تجاوز الاهتمامات الصغيرة ، والمحدودة ، بالرغم من كونها في أنفسها ضرورات ، لابدّ من القيام بها في الظروف العاديّة ، لكنها لا تعرقل طريق الأهداف العامة الكبرى .

فالإسلام :

كدين ، ليس قائماً بالأشخاص ، ولا يتأثّر بتصرفاتهم الخاصّة ، في مقابل ما يهدّده من الأخطار الكبيرة ، فكريّة أو اجتماعية أو عسكرية ، فإذا واجه الإسلام خطر يهدّد التوحيد الممثل بكلمة - لا إله إلا الله - أو الرسالة المتجليّة في - محمّد رسول الله - فإن الإمام يتجاوز كل الاعتبارات ويهبّ للدفاع عن هذين الركنين الأهمّ ، وحتّى لو كان على حساب وجود الإمام نفسه ، أو عنوان إمامته ، فضلاً عن مصالحه الخاصة ، وشؤونه وصلاحياته .

ومن هذا المنطلق ، يمكن تحديد المواقف الهامّة للأئمة من أهل البيت عليهم السلام :

.

فسكوت الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام عن مطالبته بحقّه ، ولجو الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إلى توقيع كتاب الصلح مع معاوية ، وتضحية الإمام الحسين الشهيد عليه السلام بنفسه في كر بلاء.

كلّ ذلك نحدّده على أساس متّحد ، وهو رعاية المصلحة الإسلامية العامة ، والحفاظ على كيان الإسلام لئلاّ يمسّه سوء .

وبهذا أيضاً نميّز وقوف الإمام زين العابدين عليه السلام للدعاء لأهل الثغور .

ومَنْ هم أهل الثغور في عصره ? .

ص195


ليس للدعاء تاريخ محدّد ، حتّى نعرف الفترة التي اُنشىء فيها الدعاء بعينها ، إلاّ أنها لا تخرج من مجمل الفترة التي عايشها الإمام زين العابدين عليه السلام من سنة ( 61 ) إلى سنة ( 94 ) ولم تخرج عن حكم واحد من الخلفاء الأمويين .

وحتّى لو فرضنا إنشاءه في فترة حكم - معاوية بن يزيد بن معاوية - الذي عرف بولائه لأهل البيت عليهم السلام ، على قصرها ، فلا ريب أنّ نظام الحكم وأجهزة الدولة كافَة ، وعناصر الإدارة ورموز السلطة لم تتغير ، وخاصة أهل الثغور الذين هم حرس الحدود ، لم يطرأ عليهم التغيير المبدئي ، في تلك الفترة القصيرة بتبدّل الخليفة .

ومن المعلوم :

أن الذين يتجهون إلى حدود الدولة الإسلامية ، وهي أبعد النقاط عن أماكن لرفاه والراحة ، ليسوا إلا من سواد الناس ، ويمكن أن يكون اختيارهم لتلك الجهات البعيدة دليلاً على ابتعادهم عن التورّطات التي انغمس فيها أهل المدن في داخل البلاد .

ومع ذلك ، يبقى التساؤل :

عن دعاء الإمام عليه السلام بتلك القوّة ، وذلك الشمول ، وبهذه اللهجة ، وهذا الحنان ، لحرس الحدود ، وهم جز من جيش الحكومة الفاسدة ، ووحدة من وحدات كيان الدولة الظالمة ?.

إنّ الحقيقة التي عرضناها سابقاً ، هي الجواب عن هذا التساؤل ، لأنّ مصلحة الإسلام ، ككلّ ، مقدّمة على كلّ ما سواه من أمور الإسلام سواء فروع الدين ، أو عناوين الأشخاص ، أو مصالح الاَخرين حتّى الجماعات المعيّنة .

ثمّ إنّ هذا الدعاء بنفسه دليل مُقنع على انّ الإمام زين العابدين عليه السلام لم يكن كما شاء أن يصورّه الكتّاب الجدد متخلّياً عن مركزه القيادي والسياسي ، كإمام يرعى مصلحة الإسلام ، والأمة الإسلامية .

فمن خلال أوسع جبهاتها ، وهي الحدود الإسلامية ، المهدّدة دائماً ، بلا شكّ ، من قبل الدول المجاورة الحاقدة على الإسلام الذي قهرها ، واستولى على مساحات من أراضيها ، فرض الإمام عليه السلام رعايته واهتمامه ، وبشكل الدعاء الذي لا يثير الحكّام .

وحرس الحدود أنفسهم ، مهما كانت هواياتهم ، لايُعَدّون أنصاراً للحكومة ، بقدرما هم محافظون على الأرض الإسلامية ، وكرامة الإسلام ، فإنّهم مدافعون عن ثغوره ، ومراقبون لحماية خطوط المواجهة الإمامية :

وهو أمر واجب على كل مسلم أن يبذل

ص196


جهداً في إسناده ودعمه وتسديد القائمين به ، بكل شكل ممكن .

وهذا هو الذي استهدفه الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه لأهل الثغور ، فهو ينبّه الناس إلى خطورة هذا الواجب ويهيّج الأحاسيس تجاه الثغور وحمايتها .

ومهما كان الحكّام في الداخل ، يعيثون فساداً ، فإنّهم لا محالة زائلون ، ومهما جدّوا في التقتيل والظلم والإجرام ، والتخريب فإنّهم لن يتمكّنوا من القضاء على كل معالم هذا الدين ، الذي يعدّ المسلمون الحفاظ عليه من واجباتهم .

والإمام عليه السلام وإن كان معارضاً للنظام الأموي ، ويجدّ في فضحه وتزييف عمله والكشف عن سوء إدارته ، ويحكم على القائمين به بالخروج عن الحق والعدل ، وهو لا يزال ينظر إلى مصارع شهداء كر بلاء بعيون تملؤها العَبْرة ، لكنه يدعو بصوت تخنقه العَبْرة كذلك لأهل الثغور الإسلامية ، وباللهجة القوية القاطعة لكلّ عذر .

وبالنبرة الحادة ذاتها التي يدعو بها لزوال حكم الظالمين ، يدعو لاستتباب الأمن والعدل والصلاح على أرض الإسلام .

فلنقرأ معاً هذا الدعاء العظيم :

.

اللهمّ :

صلّ على محمّد وآله ، وحصّن ثغور المسلمين بعزّتك ، وأيّد حماتها بقوّتك ، وأسبغ عطاياهم من جِدَتك .

اللهمّ :

صلّ على محمّد وآله ، وكثّر عدّتهم ، واشحذ أسلحتهم ، واحرس حوزتهم ، وامنع حومتهم ، وألّف جمعهم ، ودبّر أمرهم ، و واتر بين مِيَرهم ، وتوحّد بكفاية مؤنهم ، و اعضدهم بالنصر ، و أعنهم بالصبر ، والطف لهم في المكر .

اللهمّ :

صلّ على محمّد وآله ، وعرّفهم ما يجهلون ، وعلّمهم ما لايعلمون ، وبصّرهم ما لا يبصرون .

اللهمّ :

صلّ على محمّد وآله ، وأنسهم عند لقائهم العدوّ ذكر دنياهم الخدّاعة الغرور ، وامحُ عن قلوبهم خطرات المال الفتون ، واجعل الجنّة نصب أعينهم ، ولوّح منها لأبصارهم ما أعددتَ

ص197


فيها من مساكن الخلد ، ومنازل الكرامة ، والحور الحسان ، والأنهار المطّردة بأنواع الأشربة ، والأشجار المتدلية بصنوف الثمر ، حتّى لا يهمّ أحد منهم بالإدبار ، ولا يحدّث نفسه عن قرنه بفرار .

اللهمّ :

افلل بذلك عدوّهم ، واقلم عنهم أظفارهم ، وفرّق بينهم وبين أسلحتهم ، واخلع وثائق أفئدتهم ، وباعد بينهم وبين أزودتهم ، وحيّرهم في سبلهم ، وضلّلهم عن وجههم ، واقطع عنهم المدد ، وانقص منهم العدد ، واملأ أفئدتهم الرعب ، واقبض أيديهم عن البسط ، واخزم ألسنتهم عن النطق ، وشرّد بهم مَن خلفهم ، ونكّل بهم مَن ورائهم ، واقطع بخزيهم أطماع من بعدهم .

اللهمّ :

عقّم أرحام نسائهم ، ويبّس أصلاب رجالهم ، واقطع نسل دوابّهم وأنعامهم ، لا تأذن لسمائهم في قطر ، ولا لأرضهم في نبات .

اللهمّ :

وفّق بذلك محالّ أهل الإسلام ، وحصّن به ديارهم ، وثمّر به أموالهم ، وفرغّهم عن محاربتهم لعبادتك ، وعن منابذتهم للخلوة بك ، حتّى لايُعبد في بقاع الأرض غيرك ، ولا تعفّر لأحد منهم جبهة دونك .

اللهمّ :

اغز بكل ناحية من المسلمين على مَن بإزائهم من المشركين ، وأمددهم بملائكة من عندك مردفين ، حتّى يكشفوهم إلى منقطع التراب قتلاً في أرضك وأسراً ، أو يقرّوا بأنك أنت الله الذي لا إله إلاّ أنت ، وحدك لا شريك لك .

اللهمّ :

واعمُم بذلك أعداءك في أقطار البلاد ، من الهند ، والروم ، والترك ، والخزر ، والحبش ، والنوبة ، والزنج ، والسقالبة ، والديالمة ، وسائر أمم الشرك الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم ، وقد أحصيتهم ، بمعرفتك ، وأشرفت عليهم بقدرتك .

اللهمّ :

أشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين ، وخُذهم بالنقص عن

ص198


تنقيصهم ، وثبّطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم
اللهمّ :

أخْلِ قلوبهم من الأمنة ، وأبدانهم من القوّة ، وأذهل قلوبهم عن الاحتيال ، وأوهن أركانهم عن منازلة الرجال ، وجنّبهم عن مقارعة الأبطال ، وابعث عليهم جنداً من ملائكتك ببأس من بأسك ، كفعلك يوم بدر ، تقطع به دابرهم ، وتحصد به شوكتهم ، وتفرّق به عددهم .

اللّهمّ :

/ 38