ص44
الإمام السجاد عليه السلام كان يوم كر بلاء ، مريضاً ، أو موعوكاً (77)
الا أنّها لم تحدّد نوعية المرض ولا سببه ، لكنّ ابن شهرآشوب روى عن أحمد بن حنبل قوله :كان سبب مرض زين العابدين عليه السلام أنّه كان اُلبس درعاً ، ففضُل عنه ، فأخذَ الفُضلة بيده ومزّقها(78.)
وهذا يُشير إلى أن الإمام إنّما عُرّض للمرض وهو على اُهْبة الاستعداد للحرب أو على أعتابها ، حيث لا يُلبَس الدرعُ إلا حينذاك ، عادة .ولا ينافي ذلك قول ابن شهرآشوب :ولم يقتل زين العابدين لأنّ أباه لم يأذن له في الحرب ، كان مريضاً (79)
لأنَ مفروض الأدلة السابقة أنّ الإمام زين العابدين قد أصيب بالمرض بعد اشتراكه أوّل مرّة في القتال وبعد أنْ ارتُثّ وجُرح ، فلعلّ عَدمَ الإذن له في أن يُقاتل كان في المرّة الثانية وهو في حال المرض والجراحة .ولو فرض كونه مريضاً منذ البداية فالأدلة التي سردْناها تدلّ بوضوح على مشاركته في بعض القتال .فمؤشرات الجهاد في سيرة الإمام السجاد عليه السلام هي :أوّلاً :حَمْلُه السلاحَ وهو مريض ودخولُه المعركة ، إلى أن يُجرح ، يحتوي على مدلول بُطوليّ كبير ، أكبر من مجرّد حمل السلاح
فلو كان حمل السلاح واجباً على الأصِحّاء ، فهو في الإسلام موضوع عن المرضى بنصّ القرآن ، لكن ليس حراماً عليهم ذلك ، إذا وجدوا هِمّة تمكّنهم من أداء دَورٍ فيه .ثانياً :إنّ وجود علي بن الحسين عليه السلام ، مع أبيه الإمام الحسين عليه السلام ، في أرض كر بلاء ، حيث ساحة النضال المستميت ، وميدان التضحية والفداء ، وحيث كان الإمام
(77) الإرشاد للمفيد ( ص 231 ) شرح الأخبار ( 3 :250 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 :486 ) .(78) نقله ابن شهرآشوب عن كتاب ( المقتل ) في مناقب آل أبي طالب ( 3 284 ) وفي طبعة ( 4 :155 ) ونقله في العوالم ( ص 32 ) .(79) مناقب ابن شهرآشوب (122 :4) .
ص45
الحسين عليه السلام يسمح لكلّ مَنْ حوله وحتّى أولاده وأهل بيته بالانصراف ، ويجعلهم في حلّ ، لهو الدليل على قصد الإمام للمشاركة في ما قام به أبوه .قال الإمام السجاد عليه السلام :لمّا جمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المسأ ، دنوتُ لأسمع ما يقول لهم ، وأنا إذْ ذاك مريض ، فسمعتُ أبي يقول :...أما بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرَ من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي خيراً
..ألا ، وإنّي قد أذنتُ لكم ، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذِمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتَخِذوه جَملاً (80).ففي ذلك الظرف ، لا دور إذن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بالمعنى الفقهي ، لأنَ الأخطار المحدقة كانت ملموسةً ، ومتيقّنةً ومتفاقمة للغاية ، تفوق حدّ التحمّل .وقد أدرك ذلك كلّ مَنْ اطّلع على أحداث ذلك العصر ، قبل اتّجاه الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق ، ممّن احتفظ لنا التاريخ بتصريحاتهم ، فكيف بمن رافق الإمام الحسين عليه السلام في مسيره الطويل من المدينة إلى مكّة والى كر بلاء ، ومن أولاده وأهل بيته خاصة ? الذين لا تخفى عليهم جزئيّات الحركة وأبعادها وأصداؤها وما قارنها من زعزعة الجيش الكوفيّ للإمام ، وسمعوا الإمام عليه السلام يصرّح بالنتائج المهولة والأخطار التي تنتظر حركته ومَن معه حتّى وقت تلك الخطبة مساء يوم التاسع ، أو ليلة عاشوراء ?
فلقد عرف مَنْ بقي مع الإمام الحسين عليه السلام في كر بلاء ، بأنّ ما يقوم به الإمام ليس إلا فداءً وتضحية ، لحاجة الإسلام إلى إثارة ، والثورة إلى فتيل ووقود ، واليقظة إلى جرَس ورنين ، والنهضة إلى عماد و سناد ، والقيام إلى قائد ورائد ، والحياة الحرّة الكريمة إلى روح ودم .والإمام الحسين عليه السلام قد تهيّأ ليبذل مهجته في سبيل كلّ هذه الأسباب لتكوين
(80) الإرشاد للمفيد ( ص 231 ) .
ص46
.كلّ تلك المسبّبات
ولم يكن مثل هذه الحقيقة ليخفى على عليّ بن الحسين السجاد عليه السلام الذي كان يومذاك في عمر الرجال ، وقد بلغ ثلاثاً وعشرين سنة وكان ملازماً لأبيه الشهيد منذ البداية ، وحتّى النهاية .فكان حضوره مع أبيه عليه السلام وحده دليلاً كافياً على روح النضال مع بطولة فذّة ، تمتّع بها اُولئك الشجعان الذين لم ينصرفوا عن الحسين عليه السلام .ثم هو كما تقول تلك الرواية قد شهر السلاح ، وقاتل بالسيف ، حتّى اُثخِنَ بالجراح ، واُخرج من المعركة وقد ارْتُثّ .وإذا كانت هذه الرواية بالذات زيديّةً ، فمعنى ذلك تماميّة الحجّة على مَن ينسب الإمام زين العابدين عليه السلام إلى اعتزال القيام والسيف والنضال .ثالثاً :مضافاً إلى أنّ حامل هذه الروح ، قبل كر بلاء ، لا يمكن أن يركن إلى الهدوء بعد ما شاهده في كر بلاء من تضحيات أبيه وإخوته وأهله وشيعته ، وما جرى عليهم من مصائب والآم ، وما اُريق من تلك الدماء الطاهرة .أو يسكت ، ولا يتصدى للثأر لأبيه ، وهو ثار الله ، مع أنه لم يَنْسَهم لحظة من حياته .فكيف يستسلم مثله ، ويهدأ ، أو يسالم ويترك دم أبيه وأهله يذهب هَدراً ? إذ لم يبق مَن يطالب بثأر تلك الدماء شخص غيره .فإذا كان كما يقول البعض :مصرع الحسين عليه السلام في كر بلاء هو الحدث التاريخي الكبير الذي أدّى إلى بلورة جماعة الشيعة ، وظهورها كفرقة متميّزة ذات مبادىء سياسية وصبغة دينية ( أكثر وضوحاً وتميزاً مما كانت عليه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وقبله .وكان لمأساة أثرها في نموّ روح الشيعة وازدياد أنصارها ، وظهرت جماعة الشيعة ، بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، كجماعة منظّمة ، تربطها روابط
ص47
سياسية متينة (81).فكيف لا تؤثّر هذه المأساة في ابن الحسين ، وصاحب ثأره ، والوحيد الباقي من ذريته ، والوريث لزعامته بين الشيعة ، ولا تزيد نموّ الروح السياسية عنده ? وكيف تَجْمَعُ هذه المنظمة أفراد الشيعة بروابط سياسية ، ولكن تُبَعدُ علي بن الحسين عليه السلام عن السياسة ?
وكيف تستبعد هذه المنظمة عن التنظيم ، وارث صاحب الثورة وصاحب الحقّ المهدور ?
أليس في الحكم بذلك تعنت وجَوْر ?
(81) جهاد الشيعة ، للّيثي ( ص 27 ) 0
ص48
ثانياً :في الأسْر
إنَ البطولة التي أبداها الإمام السجاد عليه السلام بعد كر بلاء ، وهو في أسر الأعدأ ، وفي الكوفة في مجلس أميرها ، وفي الشام في مجلس ملكها ، لا تقل هذه البطولة أهميّةً من الناحية السياسية عن بطولة الميدان ، وعلى الأقلّ :لا يقف تلك المواقف البطولية مَن هالَتْهُ المصارع الدامية في كر بلاء ، أو فجعَتْه التضحيات الجسيمة التي قُدّمَت أمامه ، ولا يصدر مثل تلك البطولات ممَن فضَلَ السلامة .نعم ، لا يمكن أن يصدر مثل ذلك إلا من صاحب قَلْبٍ جسور ، صلب يتحمّل كلّ الآلام ، ويتصدى لتحقيق كلّ الآمال ، التي من أجلها حضر في ميدان كر بلاء مَنْ حضر ، وناضل مَنْ ناضل ، واستشهد مَنْ استشهد ، والآن يقف ليؤدّي دوراً آخر مَنْ بقي حيّاً من أصحاب كر بلاء ، ولو في الأسر .إنّ الدور الذي أدّاه الإمام السجاد عليه السلام ، بلسانه الذي أفصح عن الحقّ ببلاغة معجزة ، فأتمَ الحجة على الجميع ، بكل وضوحٍ ، وكشف عن تزوير الحكّام الظالمين ، بكل جلاء ، وأزاح الستار عن فسادهم وجورهم وانحرافهم عن الإسلام .إن هذا الدور كان أنفذ على نظام الحكم الفاسد ، من أثر سيف واحد ، يجرّده الإمام في وجه الظلمة ، إذ لم يجد مُعيناً في تلك الظروف الصعبة .لكنّه كان الشاهد الوحيد ، الذي حضر معركة كر بلاء بجميع مشاهدها ، من
بدايتها ، بمقدّماتها وأحداثها وملابساتها وما تعقّبها ، وهو المصدَق الأمين في كل ما يرويه ويحكيه عنها .فكان وجوده استمراراً عينيّاً لها ، وناطقاً رسميّاً عنها .مع أن وجوده ، وهو أفضل مستودع جامع للعلوم الإلهية بكلّ فروع :العقيدة ، والشريعة ، والأخلاق ، والعرفان ، بل المثال الكامل للإسلام في تصرفاته وسيرته وسنته ، والناطق عن القرآن المفسّر الحيّ لاَياته ، إن وجوده حيّاً كان أنفع للإسلام وأنجع للمسلمين في ذلك الفراغ الهائل ، والجفاف القاتل ، في المجتمع الإسلامي .كان وجودُه أقضَ لمضاجع أعداء الإسلام من ألف سيفٍ وسيف ، لأن الإسلام إنّما
ص49
يحافَظُ عليه ببقاء أفكاره وقيمه ، والأعداء إنّما يستهدفون تلك الأفكار والقيم في محاولاتهم ضدّه ، وإذا كان شخص مثل الإمام موجوداً في الساحة ، فإنه لا ريب أعظم سد أمام محاولات الأعداء.وكذلك الأعداء إنما يُبادون بضرب أهدافهم ، واجتثاب بدعهم وفضح أحابيلهم ، والكشف عن دجلهم ، ورفع الأغطية عن نِيّاتهم الشرّيرة تجاه هذا الدين وأهله ، والإفصاح عن مخالفة سيرتهم للحق والعدل .وعلى يد الإمام السجاد عليه السلام يمكن أن يتمّ ذلك بأوثق شكل وأتمّ صورة ، وأعمق تأثير .ثمَ ، أليس الجهاد بالكلمة واحداً من أشكال الجهاد ، وإن كان أضعفها ? بل ، إذا انحصر الأمر به ، فهو الجهاد كلّه بل أفضله ، في مثل مواقف الإمام السجاد عليه السلام ، كما ورد في الحديث الشريف ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر (82)
ولنصغ إلى الإمام السجاد عليه السلام في بعض تلك المواقف :فمن كلام له عليه السلام كان يُعلنه وهو في أسر بني أمية :أيّها الناس
إنّ كلّ صمتٍ ليس فيه فكر فهو عيّ ، وكل كلامٍ ليس فيه ذكر فهو هباء.ألا ، وإنَ الله تعالى أكرم أقواماً باَبائهم ، فحفظ الأبناء بالآباء ، لقوله تعالى :(وكان أبوهما صالحاً )[ سورة الكهف الآية 82 [ فأكرمهما .ونحن والله عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأكرمونا لأجل رسول الله ، لأن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في منبره :احفظوني في عترتي وأهل بيتي ، فمن حفظني حفظه الله ، ومن آذاني فعليه لعنة الله ، ألا ، فلعنة الله على من آذاني فيهم حتّى قالها ثلاث مرات .ونحن والله أهل بيت أذهب الله عنّا الرجس والفواحش ما ظهر منها وما بطن ...(83).
(82) الروض النضير ( 5 13 ) وانظر الكنى للدولابي ( 1 78 ) .(83) بلاغة علي بن الحسين عليه السلام ( ص 95 ) عن المنتخب للطريحي .
ص50
وبهذه الصراحة ، والقوة ، والبلاغة ، عرّف الإمام السجاد عليه السلام للمتفرّجين ولمن وراءهم هذا الركب المأسور ، الذي نبزوه بأنَه ركب الخوارج .ففضح الدعايات ، وأعلن بذلك أنه رَكْب يتألّف من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .وأفصح بتلاوة الآيات والأحاديث ، أنه ركب يحمل القرآن والسنّة ، ليعرف المخدوعون أن هذا الركب له ارتباط وثيق بالإسلام من خلال مصدريه الكتاب و السنّة .وهو من لسان هذين المصدرين يصبّ اللعنة والنقمة على مَنْ آذى هذا الركب ، من دون أن يُمَكن الأعدأ من التعرّض له ، لأنه عليه السلام إنّما يروي اللعنة الصادرة من الرسول وعلى لسانه.كان هذا الموقف ، حين أخذ الناسَ الوجومُ ، من عظم ما جرى في وقعة كر بلاء ، وما حلّ بأهل البيت عليه السلام من التقتيل والأسر ، وذُهلوا حينما رأوا الحسينَ سبط الرسول وأهله وأصحابه مجزّرين ويرون اليوم ابنَه ، وعيالاته أسرى ، يُساقون في العواصم الإسلامية .والأسر في قاموس البشر يُوحي معاني الذلّ والهوان ، والضعف والانكسار هذا ، والناس يفتخرون بالانتماء إلى دين الرسول وسنّته .والأنكى من ذلك أنّ الجرائم وقعتْ ولمّا يمضِ على وفاة الرسول جدّ هؤلاء الأسرى نصف قرنٍ من الزمن
وموقفه الآخر في مجلس يزيد ، فقد أوضح فيه عن هويّته الشخصية ، فلم يَدَعْ لجاهل عُذراً في الجلوس المريب ، وذلك في المجلس الذي أقامه يزيد ، للاحتفال بنشوة الانتصار ولابدّ أنه جمع فيه الرؤوس والأعيان ، انبرى الإمام السجاد عليه السلام ، في خطبته البليغة الرائعة ، التي لم يزل يقول فيها :أنا ...أنا ...عرّفاً بنفسه ، وذاكراً أمجاد أسلافه حتّى ضَجَ المجلسُ بالبكاء والنحيب حَسَبَ تعبير النص(84) الذي سنُثبته كاملاً :
(84) مقتل الحسين عليه السلام ، للخوارزمي ( 2 71 ) .
ص50
خطبة الإمام في مجلس يزيد :قال الخوارزمي :( وروي ) أنّ يزيد أمر بمنبر خطيب ، ليذكر للناس مساوي الحسين وأبيه علي عليهما السلام .فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد .فصاحَ به عليّ بن الحسين :ويلكَ أيّها الخاطِبُ اشتريتَ رضا المخلوق بسخط الخالق ? فتبوَأْ مقعدَك من النار .ثم قال :يا يزيد ، إئذنْ لي حتّى أصعد هذه الأعواد ، فأتكلّم بكلماتٍ فيهنّ لله رضا ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب .فأبى يزيد ، فقال الناس :يا أمير المؤمنين ، ائذنْ له ليصعد ، فعلّنا نسمعُ منه شيئاً .فقال لهم :إنْ صعدَ المنبر هذا لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا :وما قدر ما يُحسن هذا ?
فقال :إنّه من أهل بيتٍ قد زُقّوا العلم زقّاً .ولم يزالوا به حتّى أذِنَ له بالصعود .فصعد المنبر :فحَمِد الله وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، فقال فيها
:أيّها الناس ، اُعطِينا سِتّاً ، وفُضلنا بِسبعٍ :اُعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبةَ في قلوب المؤمنين .وفُضلنا بأنّ منّا النبيَ المختار محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنّا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نسأ العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمة ، وسيّدا شباب أهل الجنّة .فمن عرفني فقد عرفني ، ومَنْ لم يعرفني أنبأتُه بحسَبي ونَسَبي :أنا ابن مكّة ومنى .أنا ابن زَمْزَمَ والصفا
ص52
أنا ابن مَنْ حَمَل الزكاة (85) بأطراف الردا .أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى .أنا ابن خير مَن انتعلَ واحتفى ..أنا ابن خير مَنْ طافَ وسعى .أنا ابن خير مَنْ حجَ ولبَى .أنا ابن مَنْ حُمِلَ على البُراق في الهوا .أنا ابن من اُسْرِيَ به مِن المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسُبحان مَنْ أسرى .أَنا ابن مَنْ بَلَغَ به جِبرائيل إلى سِدْرة المنتهى .أنا ابن مَنْ دَنى فَتَدَلّى فكانَ من ربّه قاب قوسين أو أدنى .أنا ابن مَنْ صلّى بملائكة السما .أنا ابن مَنْ أوْحى إليه الجليل ما أوحى .أنا ابن محمّدٍ المصطفى .أنا ابن عليّ المرتضى .أنا ابن مَنْ ضَرَبَ خراطيم الخلق حتّى قالوا :لا إله إلا الله .أنا ابن مَنْ ضَرَبَ بين يَدَيْ رسول الله بسيفَيْن ، وطَعَنَ رُمحيْنِ ، وهاجَرَ الهِجْرَتَيْنِ ، وبايَعَ البيعَتيْنِ ، وصلّى القبلتَيْنِ ، وقاتلَ ببَدْرٍ وحُنَيْن ، ولم يكفُرْ بالله طَرْفَةَ عَيْن .أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيّين ، وقامع الملحدين ، ويَعْسُوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ، ورسول ربّ العالمين .أنا ابن المؤيّد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل .أنا ابن المحامي عن حَرَم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين
(85) في نقل ( كامل البهائي ) :من حمل الرُكنْ وفسّر بالحَجَرَ الأسود الذي محلّه الركن ، ولذلك ذكر في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة .
ص53
والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر مَنْ مشى من قُريش أجمعين ، وأوّل مَنْ أجاب استجاب لله ، من المؤمنين ، وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومُبِيْر المشركين ، وسهم مِنْ مَرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، ناصر دين الله ، ووليّ أمر الله ، وبُستان حكمة الله ، وعَيْبة علم الله ، سَمح سخيّ ، بُهلول زكيّ أبطحي رضي مرضي ، مِقْدام هُمام ، صابر صوّام ، مُهَذّب قوّام شجاع قمقام ، قاطع الأصلاب ، ومفرّق الأحزاب ، أربطهم جِناناً ، وأطلقهم عناناً ، وأجرأهم لساناً ، أمضاهم عزيمةً ، وأشدّهم شكيمةً ، أسَد باسل ، وغَيث هاطل ، يطحَنُهم في الحروب إذا ازدَلفت الأسنّة ، وقربت الأعِنّة طَحْنَ الرحى ، و يذرُوهم ذَروَ الريح الهشيم ، لَيْث الحجاز ، صاحب لإعجاز ، وكَبْش العراق ، الإمام بالنصّ والاستحقاق مكّيّ مَدَنيّ ، أبطحي تِهاميّ ، خيفي عَقَبيّ ، بَدْريّ أحُديّ ، شَجَريّ مُهاجريّ ، من العرب سيّدها ، ومن الوغى ليثُها ، وارثُ المَشْعَريْنِ ، وأبو السبطين ، الحسن والحسين ، مَظْهر العجائب ، ومفرّق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسَد الله الغالب ، مطلُوب كلّ طالب غالب كلّ غالب ، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب .أنا ابن فاطمة الزهرا .أنا ابن سيّدة النسا .أنا ابن الطهر البتول .أنا ابن بَضْعة الرسول .( أنا ابن الحسين القتيل بكربلاء .أنا ابن المُرَمّل بالدما .أنا ابن مَنْ بكى عليه الجنّ في الظلما .أنا ابن مَنْ ناحتْ عليه الطيور في الهوا .)(86)
قال :ولم يزل يقول :أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشيَ يزيد أنْ
(86) ما بين القوسين عن الكامل للبهائي .
ص54
تكون فتنة ، فأمر المؤذّن أنْ يؤذّنَ ، فقطع عليه الكلام وسكت .فلمّا قال المؤذّن الله اكبر قال عليّ بن الحسين :كبّرتَ كبيراً لا يُقاس ، ولا يُدْرك بالحَواسّ ، لا شي أكبر من الله .فلمّا قال :