وقال سعيد بن المسيب :إن قرّأ القرآن لم يذهبوا إلى الحج إذا ذهب علي بن
الهامش:(28) تفسير البرهان ( 3 :156 ) .(29) اصول الكافي ( 2 :609 ) المحجة البيضاء ( 2 :215 ) .(30) المحجة البيضاء ( 2 :215 ) .(31) الكافي الاصول ( 2 :602 ) وانظر المحجة البيضاء ( 2 :215 ) وبحار الأنوار ( 46 :107 ) .(32) الكافي ( 2 :616 ) بحار الأنوار ( 46 :70 ) ب 5 ح 45 .ولاحظ عوالم العلوم ( ص 135 ) .
ص86
الحسين عليه السلام ، ولم يخرج الناس من مكّة حتّى يخرج علي بن الحسين عليه السلام (33) .وفي بعض الأسفار بلغ عدد القرأ حسب بعض المصادر :ألف راكبٍ (34) .وقد كان الإمام السجّاد عليه السلام مرجعاً في علوم القرآن ومعارفه ، يسأله كبار العلمأ عن القرآن :قال الزهري :سألت علي بن الحسين :عن القرآن ?
فقال :كتاب الله ، وكلامه (35) .وقد كان الإمام زين العابدين عليه السلام يستفيد من تفسير القرآن في إرشاد الاُمة إلى ما يُحييهم ، ويطبّق مفاهيمه على حياتهم ، ويحاول تنبيههم الى ما يدور حولهم من قضايا ، وإليك بعض النصوص :روي أنه عليه السلام قال في تفسير قوله تعالى :( ولكم في القصاص حياة ) سورة البقرة - 2] [- الاَية - 179 - :( ولكم ) يا أمة محمّد ( في القصاص حياة ) لأن مَنْ هَمَ بالقتل ، فعرف أنه يقتصّ منه ، فكفّ لذلك من القتل ، كان حياة للذي همّ بقتله ، وحياة لهذا الجافي الذي أراد أن يقتل ، وحياة لغيرهما من الناس :إذا علموا أن القصاص واجب ، ولا يجسرون على القتل مخافة القصاص ( يا أولي الألباب ) اولي العقول ( لعلكم تتقون ) .ثم قال عليه السلام :عباد الله ، هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا ، وتفنون روحه! أفلا اُنبئكم بأعظم من هذا القتل ? وما يوجبه الله على قاتله ممّا هو أعظم من هذا القصاص ?
قالوا :بلى ، يابن رسول الله .قال :أعظم من هذا القتل أن يقتله قتلاً لا يُجبر ، ولا يحيى بعده أبداً
قالوا :ماهو ?
قال :أن يضلّه عن نبوّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعن ولاية علي بن أبيطالب عليه السلام ، ويسلك به غير سبيل الله ، ويغيّر به باتباع طريق أعدأ عليّ والقول بإمامتهم ، ودفع عليّ عن حقّه ، وجحد
الهامش:(33) رجال الكشي ( ص 117 ) رقم 187 .(34) عوالم العلوم ( ص 303 ) .(35) تاريخ دمشق ، ومختصره لابن منظور ( 17 :240 ) وسير أعلام النبلاء ( 4 :396 ) .
ص87
فضله :، وأن لا يبالي بإعطائه واجب تعظيمه ، فهذا هو القتل الذي هو تخليد المقتول في نار جهنم ، مخلداً أبداً ، فجزأ هذا القتل مثل ذلك :الخلود في نار جهنم (36) .وكان الإمام زين العابدين عليه السلام كثيراً ما يستشهد بآيات من القرآن ويستدلّ بها ، وعندما يجد مناسبة يعرّج على تطبيق ذلك على الحالة الاجتماعية المتردّية التي كان يعيشها المسلمون .ففي الخبر :إنه عليه السلام كان يذكر حال مَنْ مسخهم الله قردة من بني إسرائيل ، ويحكي قصتهم ( المذكورة في القرآن ) فلما بلغ آخرها ، قال :إن الله تعالى مسخ اُولئك القوم ، لاصطيادهم السمك.فكيف ترى عند الله عزوجل يكون حال من قتل أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهتك حريمه ?
إن الله تعالى ، وإن لم يمسخهم في الدنيا ، فإن المعدّ لهم من عذاب الاَخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ (37) .إن تصدّي الإمام زين العابدين عليه السلام لهذه القضايا ، لاشك أنه أكثر من مجرد تعليم وتفسير للقرآن ، بل هو تطبيق له على الحياة المعاصرة ، وتحريك للأفكار ضدّ الوضع الفاسد الذي تعيشه الأمة ، ولا ريب أن ذلك يعتبره الحكام تحدياً سياسياً يحاسبون عليه .ومن فلتات التاريخ أنه خلّد لنا من التراث صفحة من القرآن الكريم ، منسوبة كتابتها إلى خط الإمام زين العابدين عليه السلام .والعجيب أنّ هذه الصفحة تبدأ بقوله تعالى :( القربى ، واليتامى ، والمساكين وابن السبيل ) ، وتنتهي بآيات الجهاد :قوله تعالى ( يايها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا .[ سورة الأنفال ( 8 ) الاَيات 41 -45 ])(38)
الهامش:(36) الاحتجاج ( ص 319 ) .(37) الاحتجاج ( ص 312 ) .(38) دائرة المعارف الشيعية ( ج 2 ص 66 ) .
ص88
ثانياً :في مجال الفكر والعقيدة
جاء الإسلام ليرسّخ الحقّ بين الناس ، ومن أهمّ ما هدف إلى تثبيت قواعده وتشييد أركانه هو - التوحيد الإلهي - فإلى جانب الاستدلال على ذلك بما يوافق الفطرة والعقل السليمين ، سعى لمحو آثار الوثنية ، وكسر أصنام الجاهلية
لما استتبعت من تحميق الناس ، وتعميق الجهل والذلّ في نفوسهم على حساب تضخم الثروة عند الطغاة ، وتوغّل الفساد في المجتمع الإنساني .ولمّا كانت الوثنية والصنمية فكرة ناشئة من عقيدة تجسيم الإله وتشبيهه بالخلق ،سعى الإسلام لنفي التجسيم والتشبيه ، ودعا إلى التوحيد في الذات والصفات ، والتنزيه عن كل ما يمتّ إلى المخلوقات ، كل ذلك بالدلائل والبراهين والاَيات البينات .لكن الاتجاه الرجعي تسلّط على المسلمين في فترة مظلمة من تاريخ الإسلام ، بدأت بتسنّم الحزب الأموي أريكة الخلافة ، وسيطرته من خلالها على ربوع البلاد ورقاب العباد ، أولئك الذين كانوا آخر الناس إسلاماً ، وهم مسلمة الفتح ، ولم تنمح من أذهانهم صور الأصنام ، ولم يَزُل من قلوبهم حبّ الجاهلية وعباداتها ، فكما كانوا في الجاهلية من أشدّ الناس تمسّكاً بالصنمية ورسوم الجاهلية الجهلا ودعاة الشرك والفجور ، ورعاة الدعارة والعهارة والخمور ، فكذلك وبتلك الشدّة أمسوا في الإسلام أعدأ التوحيد والتنزيه ومحاربي العفاف والإنصاف .وعندما بُليَ المسلمون بولاة من هؤلا ، بدأوا تشويه الصِبْغة الإسلامية بانتهاك الأعراض والحرمات ، وامتهان الشخصيات والكرامات ، وتشويش الأفكار والمعتقدات ، وتزييف الوجدان وإثارة الأضغان ، وتعميق العدأ والبغضأ ، وتعميم الجور والعدوان .عقيدة الجبر :.وكان من أخطر ما روّجوه بين الاُمة وأكّدوا على إشاعته هو فكرة -الجبر الإلهي - بهدف التمكّن من السلطة التامة على مصير الناس ،والهيمنة على الأفكار بعد الأجسام .
ص89
فإن الأمة إذا اعتقدت بالجبر ، فذلك يعني :أن كل ما يجري عليها فهو من الله وبإذنه ، فما يقوم به الخليفة من فساد وظلم وجور وقتل ونهب وغصب ، فهو من الله تعالى عن ذلك استكانت الأمة للظالم ولتعدياته ، ولم تحاول أن تتخلص من سيطرته ، ولا دفع عدوانه ، بل لم تفكّر في الخلاص منه ، لأن ذلك يكون مخالفة لإرادة الله ومشيئته ، فالخليفة والأمير والحاكم والوالي إنّما ينفذون إرادة الله ، وهم يد الله على عباده .فكيف يرجى من أمة كهذه أن تقوم بوجه سلطة الظالم واعتدأاته وتجاوزاته(39) .لقد أظهر الأمويون عنادهم للإسلام حتّى في مسائل الدين ، ومن عندهم ظهرت الفتاوي في الشام بخلاف ما في العراق ، كما ظهر القول بالجبر في أصول الدين .وأول ما انتحله معاوية من التفرقة بين المسلمين هو القول بالجبر ، فقد كان هو أوّل مَنْ أظهره .قال القاضي عبد الجبار في ( المغني في أبواب العدل والتوحيد ) :أظهر معاوية أن ما يأتيه بقضأ الله ومن خلقه ، ليجعله عذراً في ما يأتيه ويوهم أنه مصيب فيه ، وأن الله جعله إماماً وولاّه الأمر ، وفشا ذلك في ملوك (40) .وكان الاُمويّون يقولون بالجبر (41) .ولقد قاوم أئمة أهل البيت عليهم السلام فكرة الجبر بكل قوّة ووضوح منذ زمان أمير المؤمنين عليه السلام (42) .ولكن لمّا استفحل أمر بني أمية ، وملكوا أنفاس الناس ، وتمكّنوا من عقولهم وأفكارهم ، انفرد معاوية في الساحة ، وغسل الأدمغة بفعل علمأ الزور ووعّاظ السلاطين .فكان معاوية يقول في خطبه :- لو لم يرني الله أهلاً لهذا الأمر ما تركني وإيّاه ولو
الهامش:(39) لاحظ رسائل العدل والتوحيد ( ص 85 -86 ) .(40) لاحظ رسائل العدل والتوحيد ( 2 :46 ) .(41) تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام ، لابي ريّان ( ص 148 -150 ) .(42) لاحظ الاحتجاج ( ص 208 ) في احتجاج امير المؤمنين عليه السلام .
ص90
كره الله تعالى ما نحن فيه لغيّره - .وقال معاوية في بعض خطبه :- أنا عامل من عمّال الله اُعطي مَنْ أعطاه الله وأمنع مَنْ منعه الله ولو كره الله أمراً لغيّره - .فأنكر عليه عُبادة بن الصامت وغيره من الصحابة .نقله ابن المرتضى وقال :هذا صريح الجبر (43) .وهذا هو الذي شدّد قبضة الامويين على البلاد والعباد ، ومكّنهم من قتل أبي عبد الله الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكل جرأة ، ومن دون نكير.وقد أظهر يزيد ، أن الحسين عليه السلام إنما قتله الله فأعلن ذلك في مجلسه وأمام الناس .لكن الإمام السجاد عليه السلام لم يترك ذلك يمرّ بلا ردّ ، فانبرى له وقال ليزيد :قتل أبي الناسُ (44) .وقبل ذلك في الكوفة قال عبيد الله :أليس قد قتل الله علي بن الحسين ?
فقال الإمام عليه السلام ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) [ سورة الزمر ( 39 ) الاَية ( 42 ) ].فغضب عبيد الله وقال :وبك جرأة لجوابي ، وفيك بقية للردّ علي ، اذهبوا به فاضربوا عنقه .ثم صعد المنبر ، وقال :الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أميرالمؤمنين وحِزبه (45) .إن الموقف كان خطراً جداً ، فالطاغية في عتوّه ، ونشوة الانتصار تغمره ، فالردّ عليه في مثل هذه الحالة يعني منازعته سلطانه .ولكن الإمام السجاد عليه السلام وهو أسير ، يُعاني آلام الجرح والمرض ، لم يتركه يُلحد في دين الله ، ويمرّر فكرة الجبر أمامه ، على الناس البسطاء ، الفارغين من المعارف ، التي نصّ عليها القرآن بوضوح .وليس غرضنا من سرد هذه الأخبار إلاّ نقل ردّ الإمام عليه السلام على مزاعم الحكّام
الهامش:(43) المنية والأمل ( ص 86 ) .(44) الاحتجاج ( 311 ) .(45) الارشاد للمفيد ( ص 244 ) ولاحظ صدره في تاريخ دمشق ( الحديث 25 ) .
ص91
بنسبة القتل الى الله ، بينما هو من فعل الناس ، والتذكير بالفرق بين الوفاة للأنفس واسترجاعها الذي نسب في القرآن الى الله حين حلول الأجل والموت حتف الأنف ، وبين القتل الذي هو إزهاق الروح من قِبَل القاتل قبل حلول الموت المذكور .إن تحدّي الحكام وفي مجالسهم ، وبهذه الصراحة ينبى عن شجاعة وبطولة ، وهو تحد للسلطة أكثر من أن يكون رداً على انحراف في العقيدة فقط .في حديث رواه الزهري من كبار علماء البلاط الاموي أجاب الإمام زين العابدين عليه السلام عن هذا السؤال :أ بِقَدَرٍ يصيب الناس ما أصابهم ، أم بعمل ?
أجاب عليه السلام بقوله :إنّ القَدَرَ والعمل بمنزلة الروح والجسد ...ولله فيه العون لعباده الصالحين .ثم قال عليه السلام :ألا ، من أجور الناس مَنْ رأى جوره عدلا ، وعدل المهتدي جوراً (46) .وعقيدة التشبيه والتجسيم :وقد تجرأ أعداء الإسلام بعد سيطرتهم على الحكم على المساس بأساس العقيدة الإسلامية ، وهو التوحيد الإلهي ، وذلك بإدخال شُبه التجسيم والتشبيه في أذهان العامة ، لإبعادهم عن الحق ، وجرّهم إلى صنمية الجاهلية .ولقد استغلّ الأعدأ جهل الناس ، وبعدهم عن المعارف ، حتّى اللغة العربية فموّهوا عليهم النصوص المحتوية على ألفاظ الأعضاء ، كاليد والعين ، مضافة في ظاهرها الى الله تعالى ، وتفسيرها بمعانيها المعروفة عند البشر ، بينما هي مجازات مألوفة عند فصحاء العرب في شعرهم ونثرهم ، يعبّرون باليد عن القوة والقدرة ، وبالعين عن البصيرة والتدبير ، وهكذا ...وقد قاوم الإسلام منذ البداية هذه الأفكار المنافية للتوحيد والتنزيه ، وقام الرسول صلى الله عليه و آ له وسلم والأئمة الأطهار بمقاومتها وإبطال شُبهها ، وفضح أغراض ناشريها ودعاتها .وفي عهد الإمام السجاد عليه السلام ، وبعد أن استشرى الوباء الاموي بالسيطرة التامة. الهامش:(46) التوحيد للصدوق ( ص 366 ) .
ص92
كان أمر هؤلا الملحدين قد استفحل ، وتجاسروا على الإعلان عن هذه الأفكار بكلّ وقاحةٍ ، في المجالس العامّة ، حتّى في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آ له وسلم ، فكانت مهمة الإمام السجاد عليه السلام حسّاسة جداً ، لكونه ممثّلاً لأهل البيت عليهم السلام ، بل الرجل الوحيد ذا الارتباط الوثيق بمصادر المعرفة الإسلامية بأقرب الطرق وأوثقها ، وبأصحّ الأسانيد ، مصحوباً بالإخلاص لهذا الدين وأهله ، وعمق التفكير وقوته ، وبالشكل الذي ليس لأحد
إنكار ذلك أو معارضته .ومع ما كان عليه الإمام السجاد عليه السلام من قلة الناصر ، فقد وقف أمام هذا التيار الإلحادي الهدّام ، وأقام بأدلته وبياناته سداً منيعاً في وجه إحياء الوثنية من جديد فقام الإمام بعرض النصوص الواضحة التعبير عنّ الحق ، والناصعة الدلالة على التوحيد والتنزيه ، مدعومة بقوة الاستدلال العقلي ، وكشف عن التصوّر الإسلامي الصحيح ، وشهر سيف الحق والعلم والعقل على تلك الشبه الباطلة :ولنقرأ أمثلة من تلك النصوص :جاء في الحديث أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ذات يوم ، إذ سمع قوماً يشبّهون الله بخلقه ، ففزع لذلك ، وارتاع له ، ونهض حتّى أتى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فوقف عنده ، ورفع صوته يدعو ربّه ، فقال في دعائه :- إلهي بدت قدرتك ، ولم تبد هيبة جلالك ، فجهلوك ، وقدّروك بالتقدير على غير ما أنت به مشبّهوك .وأنا بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شي يا إلهي ولن يدركوك .فظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك ، لو عرفوك .وفي خلقك يا إلهي مندوحة عن أن يتأوّلوك .بل ساووك بخلقك ، فمن ثَمَ لم يعرفوك .واتخذوا بعض آياتك ربّاً ، فبذلك وصفوك .فتعاليت يا إلهي عمّا به المشبّهون نعتوك - (47) . الهامش:(47) كشف الغمة ( 2 :89 ) وانظر بلاغة الإمام علي بن الحسين عليه السلام ( ص 17 ) وقد رواه الصدوق في أماليه ( ص 487 ) المجلس ( 89 ) موقوفاً على الرضا عليه السلام ، فلاحظ .
ص93
فوجود الإمام عليه السلام في المسجد النبوي ، وإظهاره الفزع من ذلك التشبيه ، وارتياعه لذلك الكفر المعلن ، ونهوضه ، والتجاؤه الى القبر الشريف ، ورفعه صوته بالدعاء ...كل ذلك ، الذي جلب انتباه الراوي - ولابدّ أنه كان واضحاً للجميع - إعلان منه عليه السلام للاستنكار على ذلك القول ، وأولئك القوم الذين تعمّدوا الحضور في المسجد والتجرؤ على إعلان ذلك الإلحاد والكفر .وهو تحدّ صارخ من الإمام عليه السلام للسياسة التي انتهجتها الدولة وكانت وراءها بلا ريب ، وإلاّ ، فمن يجرؤ على إعلان هذه الفكرة المنافية للتوحيد لولا دعم الحكومة ، ولو بالسكوت .إن قيام الإمام السجاد عليه السلام بهذه المعارضة الصريحة وبهذا الوضوح يعطي للمواجهة بعداً آخر ، أكثر من مجرد البحث العلمي ، والنقاش العقيدي والفكري .إنّه بُعد التحدّي للدولة التي كانت تروّج لفكرة التجسيم والتشبيه ، وتفسح المجال للإعلان بها في مكان مقدّس مثل الحرم النبوي الشريف ، في قاعدة الإسلام ، وعاصمته العلمية ، المدينة المنورة !!
ومهزلة الإرجاء :الإرجاء ، بمعنى عدم الحكم باسم - الكفر - على مَنْ آمن بالله ، في ما لو أذنب ما يوجب ذلك ، وأن حكماً مثل هذا موكول الى الله تعالى ، ومُرْجَأ إلى يوم القيامة ، وأن الذنوب مهما كانت والمبادي السياسية مهما كانت ، لا تُخرِج المسلم عن اسم الإيمان ، ولا تمنع من دخوله الجنة .وكان الملتزمون بالإرجاء ، يتغاضون عمّا يقوم به الحكّام والسلاطين مهما كانت أفعالهم مخالفة لأحكام الإسلام في آيات قرآنه ونصوص كتابه وسنّة رسوله .بل كان منهم من يقول :