المسالة الثالثة: في بيان قطع السفر بالتردد شهرا في موضع
بمعنى انه لو تردد في الاقامة عشرة في موضع قصر ما بينه و بين شهر، فاذا تم الشهر
اتم الصلاة و لو صلاة واحدة، بلا خلاف فيه، بل عليه الاجماع في كلمات جملة من
الاصحاب (288) ، بل هو اجماعي محققا، فهو الدليل عليه. مضافا الى المستفيضة من الصحاح و غيرها، منها: صحاح زرارة و الخزاز و ابن
وهب و رواية ابي بصير المتقدمة (289) ، و صحيحة ابي ولاد الآتية في بيان حكم المواطن
الاربعة (290) . و هل المعتبر الشهر الهلالي الحاصل برؤية الهلال الى رؤيته، كما هو الوارد في
اكثر الروايات المتضمنة للفظ الشهر؟ او الثلاثون يوما كما في صحيحة الخزاز؟ اطلق الاكثر الاول تبعا لاكثر الروايات. و قال الفاضل و الشهيدان بالثاني (291) ، حملا للمجمل على المبين او المطلق على
المقيد. و الحق هو الثاني، لا لما ذكر، لمنع كون الشهر مجملا او مطلقا، بل الظاهر كونه
حقيقة شرعا في الهلالي. بل لان الحكم بالاتمام اذا تم الشهر في رواياته عام يشمل ما قبل تمام
الثلاثين و ما بعده، و صحيحة الخزاز خاصة بالنسبة الى الاول، فيجب التخصيص بها،
و يدل عليه استصحاب حكم القصر ايضا الى ان يعلم حصول سبب التمام.و منه يعلم
وجوب البناء على الثلاثين ايضا لو قلنا بتعارض الروايات. و حكم الخروج الى ما دون المسافة هنا و تلفيق اليومين كما مر في اقامة العشرة
بعينه.
الشرط الرابع: ان يكون السفر سائغا غير محرم
بلا خلاف بين الاصحاب كما في الذخيرة (292) ، بل بالاجماع كما صرح به جماعة منهم
المحقق في المعتبر و الفاضل في جملة من كتبه (293) ، بل هو اجماع محققا، له، و
للمستفيضة من الاخبار كصحيحة ابن مروان: «من سافر قصر و افطر، الا ان يكون
رجلا سفره الى صيد، او في معصية الله، او رسولا لمن يعصي الله، او في طلب شحناء او
سعاية او ضرر على قوم مسلمين » (294) . و رواية ابن بكير: عن الرجل يتصيد اليوم و اليومين و الثلاثة ايقصر الصلاة؟
قال: «لا: الا ان يشيع الرجل اخاه في الدين، و ان التصيد مسير باطل لا يقصر الصلاة
فيه » (295) . و موثقة عبيد: عن الرجل يخرج الى الصيد يقصر ام يتم؟ قال: «يتم لانه ليس بمسير
حق » (296) . و مرسلة الفقيه: «لا يقصر الرجل في شهر رمضان الا بسبيل حق » (297) . و صحيحة حماد و فيها في باغي الصيد و السارق: «و ليس لهما ان يقصرا في الصلاة » (298) .
و زرارة: عمن يخرج عن اهله بالصقور و البزاة و الكلاب مسيرة الليلة او الليلتين
و الثلاث هل يقصر من صلاته ام لا يقصر؟ قال: «انما خرج في لهو لا يقصر» (299) . و موثقة سماعة: «و من سافر قصر الصلاة و افطر الا ان يكون رجلا مشيعا لسلطان جائر
او خرج الى صيد» (300) . و رواية ابي سعيد الخراساني: في رجلين سالاه عن التقصير-الى ان قال-: و قال للآخر: «وجب عليك التمام لانك قصدت السلطان » (301) . و رواية اسماعيل بن ابي زياد: «سبعة لا يقصرون الصلاة » الى ان قال: «و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل » (302) . ثم ان صريح هذه الاخبار عدم التقصير في السفر الذي تكون غايته حراما اي يقصد
بسفره امرا محرما.و لا ريب فيه. و مقتضى فتاوى الاصحاب و الاجماعات المنقولة الاتمام فيه و فيما اذا
كان السفر نفسه معصية حراما ايضا و ان لم تكن غايته كذلك كالناشزة المسافرة
الى صلة الارحام، و قد صرح بذلك جماعة (303) . و استدلوا له بعموم صحيحة ابن مروان، و عموم التعليل في الروايتين
المتعقبتين لها، و بالاستثناء في المرسلة، و بان التقصير تخفيف من الله سبحانه
و رحمة منه و تعطف لموضع سفره و تعبه و نصبه و اشتغاله بظعنه و اقامته كما صرح به
في مرسلة الفقيه (304) ، و لا شك ان التخفيف و الرحمة و التعطف للعاصي لا يناسب الحكمة، و
بان المنع عن التقصير لمن غاية سفره معصية يقتضي منعه لمن نفس سفره معصية بالطريق
الاولى. اقول: تحقيق المقال ان السفر الذي يعصى فيه على اقسام اربعة: الاول: ان تكون غايته معصية اي يكون المقصود منه كلا او جزءا معصية، بمعنى ان يكون
سفره لاجل الوصول الى المعصية. و الثاني: ان لا تكون الغاية حراما و لكن يكون اصل السفر منهيا عنه شرعا ذاتا،
خصوصا كالفرار من الزحف، او عموما كالاباق من المولى، و النشوز عن الزوج، و
سفر الولد بدون اذن الوالد، و سلوك السبيل المخوف، او مع المرض المضر معه السفر و
نحو ذلك. و من هذا القسم ما كان السفر تصرفا في ملك الغير فانه يكون هذا السفر منهيا
عنه، لان النهي عن تصرف ملك الغير نهي عن جميع افراد التصرف منها الحاصل
بسبب السفر، كالسفر بركوب الدابة المغصوبة، فان الحركة السفرية عين التصرف
في الدابة، و كالسفر بالنعل الغصبي. و الثالث: ان لا يكون الغاية محرمة و لا السفر منهيا عنه ذاتا و اصالة، و لكن كان
مستلزما لمحرم و علة و سببا له حتى يكون السفر محرما بالتبع، و من هذا القسم
ما كان ضدا خاصا لواجب مضيق يستلزم السفر تركه. و الرابع: ان لا يكون الغاية محرمة و لا السفر علة لمحرم، و لكن تصاحبه المعصية و
لا ينفك فيه عن معصية، كان يكون مشغولا بغيبة شخص او بالملاهي التي كان مشغولا بها
في الحضر ايضا. و لا شك في عدم الترخص في كل ما كان من القسم الاول، و الاجماع عليه منعقد و
الاخبار به ناطقة. كما انه لا شك في الترخص في ما كان من القسم الرابع، لعمومات السفر، و كونه
جائزا قطعا، و اصالة عدم حرمته. و انما وقع الخلاف في الثانيين عن ثاني الشهيدين (305) ، فرخص فيهما ايضا،
لاختصاص الاخبار بالاول. و ممن لحقه من فرق بين القسمين فلم يرخص في الثاني و رخص في الثالث (306) ، نظرا
الى عدم جعله الحرام التبعي معصية، او عدم قوله بكون مسبب الحرام و ملزومه
حراما، او عدم جعله الامر بالشي ء نهيا عن ضده الخاص، كما قال بكل بعض من لا حظ له
من التحقيق. و ظاهر الاكثر بل صريحهم-كما عرفت-و مقتضى اطلاقات اجماعاتهم المنقولة عدم
الترخص فيهما ايضا، لما نقلنا عنهم من الوجوه. اقول: بعض ما ذكروه من الوجوه و ان كان محل نظر كعموم صحيحة ابن مروان، اذ
عمومها انما هو لو جعلت لفظة: «في » بمعنى المصاحبة او الباء، و اما لو جعلت للتعليل
او السببية او بمعنى: «الى » فلا يكون لها عموم.و كعدم ملاءمته لعلة شرعية التقصير،
فان مقتضاها وجود المعلول كلما وجدت العلة و اما انتفاؤه مع انتفائها فانما
هو يقتضيه الاصل الذي لا اثر له هنا مع وجود اطلاقات الترخص.و كالقياس بالطريق
الاولى، فانه موقوف على العلم بالعلة و هو هنا محل كلام. الا ان اثبات المطلوب بعموم التعليل الوارد في الرواية و الموثقة حسن سيما
الموثقة، اذ لا شك ان الحق هنا انما هو بمعنى الحقيق و اللائق او الواجب، و كل ما
كان فليس السفر المحرم بنفسه اصلا او تبعا منه، لان المنهي عنه كيف ما كان لا
يكون حقا، بل باي من المعاني الصالحة للمقام من معانيه اخذ لا يكون المحرم منه
قطعا. و منه يظهر دلالة مرسلة الفقيه ايضا. و يدل عليه ايضا الرضوي المنجبر بما مر: قال: «في اربعة مواضع لا يجب ان تقصر:
اذا قصدت مكة و مدينة و مسجد الكوفة و الحيرة، و سائر الاسفار التي ليست بطاعة مثل
طلب الصيد و النزهة و معاونة الظالم، و كذلك الملاح و الفلاح و المكاري » (307) . و لا شك ان كل سفر منهي عنه و لو تبعا ليس بطاعة، و التمثيل بما مثل لا يوجب
التخصيص، و اصرح منه ما قاله بعد كلام: «و لا يحل التمام في السفر الا لمن كان
سفره لله جل و عز معصية او سفرا الى صيد» . و تعضده اطلاقات الفتاوى و الاجماعات المنقولة بل المحقق على الظاهر ايضا، و
عدم مناسبة علة الترخص له، و مظنونية علة عدم اتمام من غاية سفره الحرام، فلا
ينبغي الريب في ثبوت الحكم للقسمين ايضا.
فروع:
ا: مقتضى اطلاق اكثر الروايات المتقدمة و ان كان عدم الترخص في الصلاة و لا
الصوم للصائد مطلقا، الا انه خص بما اذا كان الصيد للهو، دون ما اذا كان لقوته
و قوت عياله مع الحاجة اليه، بلا خلاف فيه على ما صرح به جماعة (308) ، بل بالاجماع
كما عن المنتهى و التذكرة (309) ، و دون ما اذا كان للتجارة اجماعا ايضا في
الافطار، و على الاشهر بين المتاخرين بل كما قيل: عليه كافتهم (310) ، وفاقا
للمحكي عن السيد و العماني و الديلمي (311) من المتقدمين، في قصر الصلاة ايضا. اما جمعا بين ما ذكر و بين صحيحة ابن سنان: عن الرجل يتصيد، قال: «ان كان يدور حوله فلا يقصر، و ان كان تجاوز الوقت فليقصر» (312) اي بلغ حد الرخصة. بشهادة صحيحة زرارة و رواية اسماعيل بن ابي زياد المتقدمتين، بل التعليل
المذكور في موثقة عبيد ايضا. او لرفع اليد عن المتعارضين للتعارض و بقاء ما مر مما اختص بالمنع عن التقصير
في صيد اللهو بلا معارض مقاوم. مضافا فيما اذا كان للقوت الى مرسلة محمد بن عمران: الرجل يخرج الى الصيد
مسيرة يوم او يومين يقصر او يتم؟ قال: «ان خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و يقصر،
و ان خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة » (313) . و الرضوي: «و اذا كان مما يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة و الصوم » (314) .
بل هما يدلان على التقصير في التجارة ايضا، اذ الصيد للقوت اعم من ان يتقوت
به نفسه او يتجر به للقوت.هذا مع ما ورد في الصحاح و غيرها: «اذا قصرت افطرت و
اذا افطرت قصرت » (315) . خلافا في الصلاة فيما اذا كان الصيد للتجارة فيتمها للمحكي عن المفيد و
نهاية الشيخ و المبسوط و علي بن بابويه و القاضي و ابن حمزة و الحلي (316) ، بل اكثر
القدماء كما قيل (317) ، بل ادعى الاخير الاجماع عليه، و ادعى بعض مشايخنا عليه الشهرة
القديمة المحققة القريبة من الاجماع، بل قال: لم ينقل مخالف فيه من القدماء عدا السيد
و من مر، و هم لم ينصوا على المسالة بل حكموا بالقصرين في السفر المباح و
بتلازم القصرين، فلعلهم ارادوا التخصيص (318) . و هو الاظهر، لمرسلة المبسوط حيث قال: و ان كان للتجارة دون الحاجة روى
اصحابنا انه يتم الصلاة و يفطر الصوم (319) . و مرسلة السرائر حيث قال: و روى اصحابنا باجمعهم انه يتم الصلاة و يفطر الصوم (320) .
و الرضوي: «و اذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و القصر في الصوم » (321) .
و ضعفها غير ضائر، لان ما مر من دعوى الاجماع و الشهرة بل تحققها (322) لها الجابر،
مع ان المبسوط و السرائر من الكتب المعتبرة و المروي فيهما لا يخلو عن
اعتبار و حجية سيما مع ظهور الاول و صراحة الثاني في كون الرواية مجمعا
عليها.و لا يوجب دعوى الشهرة المتاخرة بل و لا المطلقة-كما عن التذكرة (323) -و هنا
في حجية ما انجبر بالشهرة القديمة، لعدم التعارض.و لا يعارضها شي ء مما مر،
لاعميتها عنها مطلقا فيخص بها. و هل المراد بالتجارة التي قلنا فيها باتمام الصلاة مطلق التكسب و البيع و
لو كان لاجل القوت، او المراد بها ما لم يكن للقوت و لو بالمعاوضة و المبايعة بل
كان الغرض زيادة المال؟ الظاهر: الثاني: لمقابلة التجارة في مرسلة المبسوط بقوله: «دون الحاجة »و
احتمال ذلك في مرسلة السرائر ايضا، لعدم معلومية المرجع، بل لعدم ثبوت
الانجبار المتوقف حجية الاخبار عليه فيما اذا كان للحاجة و لو بالمعارضة. و هنا روايتان اخريان: احداهما: الرضوي المذكور في كتاب الصوم قال: «و صاحب الصيد اذا كان صيده
بطرا فعليه التمام في الصلاة و الصوم، و اذا كان للتجارة فعليه التمام
في الصلاة و الصوم » (324) . و ثانيتهما: المروي في كتاب النرسي، قال في حكم الصائد: «فان كان ممن يطلبه
للتجارة و ليست له حرفة الا من طلب الصيد فان سعيه حق و عليه التمام في
الصلاة و الصيام، لان ذلك تجارته فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور في
الاسواق في طلب التجارة و المكاري و الملاح » (325) . و مقتضى الاول عدم ترخص التاجر بالصيد في شي ء من الصلاة و الصوم، و مقتضى
الثاني التفصيل فيه بين ما اذا كان الصيد حرفته و عمله و عدمه. و لكنهما ضعيفان، و لقول الفرقة مخالفان، فلا يصلحان لاثبات حكم. ب: كما يعتبر هذا الشرط ابتداء يعتبر استدامة ايضا، فلو عرض قصد المعصية في
الاثناء انقطع الترخص حينئذ و بالعكس، بلا خلاف يعلم من الاصحاب في الموضعين كما
في الذخيرة (326) . و يشترط على الثاني كون الباقي مسافة، ذهابا على ما قيل (327) ، لانه ابتداء السفر
المسوغ للقصر، و لاستصحاب الاتمام.و لو كان مع العود مسافة جاز قصره في بقية
الذهاب، كما مر وجهه في المسائل المتقدمة. و على الاول لو عاد ثانيا الى قصد الطاعة فان كان الباقي مسافة-و لو كان مع ضم
العود-جاز القصر قطعا، بل وجب لو كان العود في اليوم، كما انه لو كان كذلك
بنفسه وجب ايضا كذلك. و لو لم يكن بنفسه مسافة فعن القواعد (328) عدم وجوب القصر و عدم ضم ما قبل المعصية
مع ما بعده، للاصل. و عن الذكرى و ظاهر المعتبر و المنتهى وجوبه (329) ، بل هو ظاهر الصدوق و الشيخ في
المبسوط و النهاية و السرائر (330) ، لاطلاق مرسلة السياري: «ان صاحب الصيد يقصر
مادام على الجادة، فاذا عدل عن الجادة اتم، فاذا رجع اليها قصر» (331) . و عن التذكرة و النهاية و التحرير و المسالك و روض الجنان: التردد (332) . و الاظهر: الثاني، لانه قصد اولا الثمانية فكان عليه القصر في جميع هذه المسافة،
خرج عنه ما خرج لقصد المعصية، فيبقى الباقي. و منه يظهر القصر لو لم يكن الباقي مع ما قبل قصد المعصية مسافة ايضا اذا كان
المجموع مسافة.فتامل. ج: لو انتهى سفره عصيانا و اراد العود الى منزله فان كان سائغا قصر، لانه مسير
حق.و الا لم يقصر كما اذا قصد بالعود تصرفا في مال الغير او ظلما او حكومة باطلة. د: قد عرفت ان السفر الموجب للاتمام هو ما كان منهيا عنه، سواء كان لاجل ان
المقصود منه المعصية او نفس السفر معصية ذاتا او تبعا لسببيته لمعصية، و انه لا
يتم لو كانت المعصية مقارنة للسفر لا مسببة عنه. و سفر المعصية ذاتا ما تعلق به النهي خصوصا او عموما كما عرفت، و تبعا ما تعلق
به النهي بتبعية غيره، و هو يكون بكونه ضدا خاصا لواجب اي كان مانعا عن فعل واجب
مضيق، او ملزوما لحرام لزوما عقليا او عاديا، او سببا له سببية عقلية او عادية
بمعنى انه يوجب من وجوده الوجود. و لا يحرم غير ذلك و ان قارن السفر او كان مشروطا بالسفر، اذ شرط الحرام ليس
بحرام، فلا يحرم السفر المستصحب فيه دابة الغير من غير ركوبها و لو حملت
عليه الآلات، او الخمية المغصوبة، او الذي ينزل فيه منزلا مغصوبا، او يتضرر به
الغير اذا لم يكن التضرر لازما عقليا او عاديا للسفر بل كان بارادة المكلف، و
نحو ذلك. و بالجملة: المناط في الاتمام العصيان بالسفر دون العصيان في السفر. و معنى العصيان بالسفر كون السفر معصية، و المناط في كونه معصية كونه بخصوصه
منهيا عنه او من افراد المنهي عنه، او ملزوما و سببا لحرام لزوما و سببية عقلية
او عرفية بحيث لا يمكن تخلفه عنه عقلا او عادة، لا ان يكون لاجل اختيار المكلف و ان
كان ذلك الحرام ترك واجب. ه: لو كان المسافر سفر المعصية مكرها على السفر اكراها يزيل الحظر كما فيه خوف
على النفس او المال المحترم او العرض و نحو ذلك يجب عليه التقصير، اذ مع ذلك
لا يكون السفر منهيا عنه و لو كان ارتكاب المعصية في السفر اختياريا غير مكره
عليها. و لو كان مكرها على المعصية دون السفر بمعنى ان علم انه لو سافر يكره على المعصية
كالركوب على الدابة المغصوبة اتم، لكون السفر معصية لوجوب ترك هذه المعصية
الموقوف على ترك السفر، فيكون تركه واجبا فيكون فعله حراما.و ما يقول من ان
الامتناع بالاختيار ينافي الاختيار يريد منه انه ينافي الاختيار حال الامتناع
لا مطلقا. و: لو كان سفر المعصية مكرهة و لكن كان الاكراه على نفس السفر دون وقته، كان يتمكن
من التاخير يوما او بعض يوم و لو بتمارض و نحوه وجب التاخير. و لو سافر قبل ما لا يتمكن من التاخير اليه يجب عليه الاتمام الى وصول
زمان لا يتمكن من التاخير عنه، اذ ليس مكرها حال السفر لو قدم. ز: الشاك في صدور المعصية في السفر و عليته لها يقصر، لعدم عصيانه بالسفر.بل و كذا
الظان. ح: التابع للغير كالخادم و العسكر ان علم بصدور معصية موجبة لعدم الترخص عنه اي
معصية تجعل السفر معصية و لو تبعا لمتبوعه، يتم اذا لم يكن مكرها على السفر.
الشرط الخامس: ان لا يكون السفر عمله و صناعته
فان كان كذلك لم يقصر صلاة و لا صياما، بلا خلاف الا عن العماني (333) ، بل بالاجماع
كما عن الانتصار و الخلاف و السرائر و التذكرة و نهاية الاحكام (334) ، له، و
للمستفيضة كصحيحة زرارة: «اربعة قد يجب عليهم التمام في السفر كانوا او في
الحضر: المكاري، و الكري، و الراعي، و الاشتقان، لانه عملهم » (335) . و مرفوعة ابن ابي عمير المروية في الخصال: «خمسة يتمون، في السفر كانوا او
الحضر: المكاري، و الكري، و الراعي، و الاشتقان و هو البريد، و الملاح، لانه عملهم » (336) .
و الرضوي: «و الذي يلزمه التمام للصلاة و الصوم في السفر: المكاري، و البريد، و
الراعي، و الملاح، و الرابح، لانه عملهم » (337) . و صحيحة هشام: «المكاري و الجمال يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم شهر
رمضان » (338) . و محمد بن جزك: ان لي جمالا و لي قواما عليها و لست اخرج فيها الا الى طريق مكة
لرغبتي في الحج او في الندرة الى بعض المواضع، فما يجب علي اذا انا خرجت معهم
ان اعمل، ايجب علي التقصير في الصلاة و الصيام في السفر او التمام؟ فوقع
عليه السلام: «اذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كل سفر الا الى مكة فعليك تقصير
و فطور» (339) . و محمد: «ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكاري و الجمال » (340) . و رواية اسحاق: عن الملاحين و الاعراب هل عليهم تقصير؟ قال: «لا، بيوتهم معهم » (341) .
و قريبة منها مرسلة الجعفري (342) . و رواية اسماعيل بن ابي زياد: «سبعة لا يقصرون الصلاة: الجابي الذي يدور في
جبايته، و الامير الذي يدور في امارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق
الى سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر» (343) الى غير ذلك.
و تحقيق الكلام في ذلك المقام برسم مسائل: الاولى: اعلم ان الحكم في تلك الاخبار و غيرها معلق على اشخاص معينين، و هم بعد رد
المترادفة منها بعضها الى بعض عشرة: المكاري، و الكري، و الراعي، و الاستشقان، و
الملاح، و البريد، و الاعراب، و الجابي، و الامير، و التاجر. و قد يستفاد العلة من بعض هذه الاخبار ايضا كاستفادة كون السفر عملا لهم من
التعليل في الثلاثة الاولى، و استفادة الاختلاف و عدم المقام من الوصف المشعر
بالعلية في صحيحة هشام، و الالزام و الخروج في كل سفر من الشرط المشعر بالعلية في
صحيحة ابن جزك، و كون بيوتهم و منازلهم معهم من التعليل في رواية اسحاق، و كثرة
الدوران و السفر اي التكرر المستفاد من صيغة المضارع الدالة على التجدد
الاستمراري في رواية اسماعيل من اشتراك الجميع في هذا الوصف، و غير ذلك مما قد
يستنبط من تلك الاخبار. و لذا ترى الاصحاب مختلفين في التعبير عن المسالة و عنوانها: فمنهم من يعنونها بالاشخاص على اختلاف منهم في تعدادهم.فعلق الصدوق الحكم في
المقنع و الامالي على خمسة: المكاري، و الكري، و الاشتقان، و الراعي، و الملاح (344) .و
الفاضلان على الخمسة المذكورين في رواية اسماعيل (345) . و ابن حمزة على ثمانية هم بزيادة المكاري، و الملاح، و البريد (346) .و البيان على
تسعة هؤلاء بزيادة الجمال (347) .و هكذا. و منهم من عنونها بالعلة المنصوصة، فعلقه على من كان السفر عملا و حرفة له (348) . و منهم من عنونها بكثير السفر كجماعة (349) . و منهم من عنونها بمن يكون سفره اكثر من حضره، كالشيخين و السيد و الديلمي و الحلي
و الشرائع و القواعد و التحرير و الارشاد و التبصرة (350) ، بل ادعى على ذلك
العنوان الاجماع.الى غير ذلك. و لعل نظر الاولين الى عدم دليل تام على غير خصوص هؤلاء المعدودين في النصوص:
اما كون السفر عملا لهم فلانه انما يتم لو ارجع الضمير المنصوب الى السفر، و
هو غير متعين، لامكان ارجاعه الى مبادئ الاوصاف المذكورة في الروايات.و
اما العنوانان الاخيران فلعدم ذكر منهما في شي ء من الاخبار. و نظر الثاني الى العلة المنصوصة. و نظر الاخيرين الى استفادة هذين العنوانين من تعليق الحكم على هؤلاء الاشخاص
لانهما الوصف المشترك بينهم. اقول: لا يخفى ان التعبير عن المسالة بالعنوانين الاخيرين و ان لم يكن جيدا
لعدم دليل عليهما سوى العلة المستنبطة التي هي عندنا ليست بحجة، و اما العنوان
المتقدم عليهما و هو كون السفر عملا و شغلا و حرفة له فهو مما نصت عليه
الروايات، و ارجاع الضمير الى السفر هو الظاهر المتبادر منها بل لا مرجع له
غيره في الكلام مذكورا، و الارجاع الى غير المذكور خلاف الاصل و الظاهر، فلا
مفر من اعتباره و صحة عنوان المسالة به.و كذا يلزم عنوان آخر ايضا، و هو عدم
كونهم ممن منازلهم معهم كما علل به في الرواية و المرسلة، و هما ليسا بمتحدين،
اذ الظاهر عدم عد السفر شغلا و لا حرفة للذين منازلهم معهم. و اما العنوان بالاشخاص و ان كان صحيحا الا ان بعد ملاحظة التعليلين يكون اخص من
مناط الحكم و متعلقه، اذ لا ينحصر من يكون السفر عمله لهؤلاء الاشخاص، الا ان الغالب
في هذه الحرفة انه لا يخرج عن واحد من هؤلاء و ان امكن فرض غيرهم ايضا نادرا الا
انه غير شائع.و يمكن ان يكون نظر المكتفين بالاشخاص الى ذلك ايضا، و لكن الاولى
العنوان بمقتضى العلتين. فان قلت: لا شك ان من يكون السفر عمله اعم من هؤلاء الاشخاص من وجه، و كذلك هؤلاء
اعم منه من وجه، اذ من له دواب اشتراها للبيع او شغل آخر اذا كاراها مكررا
يصدق عليه المكاري و ان لم يقصد التحرف به، و كذا يطلق البريد على من سافر مرات
في الرسالة و ان لم يتخذ ذلك شغلا له، و على هذا فالاولى العنوان بهما معا كما
فعله جماعة. قلنا: لو سلمنا ان ذلك الاستعمال على عنوان الحقيقة نقول: ان تعليل اتمامهم بان
سفرهم لاجل انه عملهم يخصصهم بذلك. نعم، يشكل الامر فيما لم يذكر فيه تلك العلة، و هو الجابي و الامير و التاجر،
الا انه يمكن ان يقال: ان قوله: «يدور» في هؤلاء الثلاثة ليس باقيا على معناه
الاستقبالي فالمراد اما ان يكون من شانه ذلك او قصده ذلك او من عمله ذلك، و
على التقادير يتوقف على التحرف به.و لو سلم فيكون محتملا للمجموع مجملا فلا
يثبت الحكم في غير من كان ذلك عمله.و منه يظهر ان جعل احد هؤلاء قسيما و مقابلا لمن
يكون السفر عمله غير جيد.
فروع:
ا: يشترط في صدق المناط المذكور و هو كون السفر شغلا و عملا له امران: احدهما: اتخاذ السفر لاجل بعض تلك الحرف شغلا لنفسه، اي قصد التصنع و الاستحراف
و الاشتغال به و البناء على ذلك، فلو لم يقرره و لم يتخذه حرفة له لا يتم و لو
سافر ازيد من عشرين سفرا. و ثانيهما: التكسب به اي الشروع في العمل و تحقق السفر و صدوره عنه، فان قاصد
الكراء و غيره و الموطن نفسه عليه ما لم يشتغل بالسفر لا يقال: انه حرفته، بل يقال:
انه مريد له، و ان استعمل اللفظ في حقه يكون من باب مجاز المشارفة. ب: لا يشترط في صدق المناط المذكور كون العمل مما لا يتاتى الا بالسفر كالمكاري
و الملاح و البريد، بل يكفي في الصدق قصده على ان يسافر بالعمل. بيان ذلك: ان الاعمال على قسمين. احدهما: ما يكون السفر جزءا لمفهومه و داخلا في حقيقته كالثلاثة المذكورة. و ثانيهما: ما ليس كذلك بل يمكن في السفر و الحضر، كالطبيب و الجراح و
التاجر و البيطار و الراثي و الواعظ و نحوها. فما كان من الاول يكفي فيه قصد الشغل و الشروع، و ما كان من الثاني يشترط فيه مع
ذلك قصد اتخاذ ذلك شغلا له في السفر اي يوطن نفسه على المسافرة الى البلاد
المختلفة لذلك و قرر شغله في المسافرة. لا يقال: الظاهر من كون السفر عمله هو ما كان من الاول، اذ الشغل و العمل في
الثاني ليس الا التجارة و الطبابة و نحوهما غاية الامر انهما تقارنان السفر
فليس السفر شغلا و عملا. لانا نقول: الشغل و العمل ليس شيئا معينا لا يختلف، فكما ان التجارة شغل و
الطبابة شغل، كذلك التجارة السفرية و الطبابة السفرية ايضا شغل، و لا شك ان
السفر جزء حقيقة ذلك الشغل. ج: اذ قد عرفت انه يحصل صدق المناط المذكور بالاتخاذ و القصد و الشروع يعلم انه لا
يتوقف اتمام من هذا شانه على تكرر سفر، بل يتم في السفر الاول، كما هو ظاهر
جماعة من المعنونين لهؤلاء الاشخاص، و صريح بعض من عنون بالعنوان المذكور (351) . الا انه لما يشترط في اتمام بعض هؤلاء عدم اقامة العشرة-كما ياتي-فيجب مع
الصدق تحقيق هذا الشرط ايضا لا لاجل اشتراط التكرار.فلو دخل احد منزله او بلدا
آخر من سفر ثم قرر نفسه على الكراء و اشترى دوابا و خرج قبل العشرة ايضا يتم و لو
خرج بعدها يقصر. نعم، لو عنونت المسالة باحد العنوانين الاخيرين فالظاهر توقف الاتمام على
التكرر، لعدم صدق كثير السفر و لا ان سفره اكثر من حضره بدون التكرر.و لكن يرد
حينئذ ان صدق العنوانين بالثلاثة ممنوع، و اشتراط الزائد عليها بالاجماع مدفوع،
فيبقى اشتراط الثلاثة او الاثنين بلا دليل، و ليس من قبيل اللفظ العام حتى يبقى
غير ما خرج بالدليل. و لو كان العنوان احد هؤلاء فان كان المراد بهذه الالفاظ اهل حرفتها كما
يستعمل كثيرا في الحرفة فلا يحتاج الى التكرر، و ان كان ذوي ملكاتها كما هو
ايضا من الاستعمالات الشائعة فالظاهر التوقف على التكرر بل ازيد مما ذكروه من
ثلاثة اسفار، و ان لم يعلم المراد فالواجب في غير المتكرر الرجوع الى عمومات
القصر في السفر الا انها حينئذ تكون عمومات مخصصة بمجملات فلا تكون حجة في موضع
الاجمال و يرجع الى اصل التمام. و هنا احتمال ثالث و هو ارادة المتلبس بالمبدا ايضا، و عليه ايضا يكفي المرة
في مثل المكاري و البريد الخاليين عن المبالغة. قيل: لو جعل العنوان و المناط كون السفر عملا او احد هؤلاء و لو بمعنى المتحرف بهذه
الحرفة يلزم التكرر ايضا و لو لم نقل باشتراط في الصدق، للزوم حمل المطلقات على
الغالب الشائع المتبادر منها و ليس هو الا من تكرر منه السفر ثلاثا فصاعدا لا
من يحصل منه في المرة الاولى (352) . و فيه: منع التبادر اولا، و لو سلم فلا تفاوت بين المرة الاولى و الثالثة في
عدم التبادر و الغلبة و هم لا يشترطون ازيد من الثلاثة، فاذا لم يحمل على
الغالب فيحمل على الحقيقة.
المسالة الثانية: يشترط في وجوب التمام على من ذكر عدم اقامته عشرة ايام
في بلده و لا بلد آخر، فلو اقام كذلك قصر، على المعروف من مذهب الاصحاب، بل هو
مقطوع به عندهم، و عن المعتبر نفي الخلاف فيه (353) . لا للتقييد بالذي يختلف و ليس له مقام، في صحيحة هشام المتقدمة (354) -كما قيل-حيث ان
المراد بالاقامة فيها الاقامة عشرة بشهادة التتبع، مع ان الاقامة دونها حاصلة
لكل كثير السفر لصدقها على نحو يوم بل ساعة و لا يخلو منها احد، فيوجب التقييد عدم
وجود كثير السفر الذي يلزمه التمام (355) . اذ لو تم ذلك لكان بمفهوم الوصف و هو غير معتبر، سيما مع جواز كون الشرط
واردا مورد الغالب كما هو الاكثر في المكاري، على انه يمكن ان يكون المراد
بالمقام محل الاقامة العرفية التي صدقها على اقامة العشرة غير معلوم. بل لمرسلة يونس: عن حد المكاري الذي يصوم و يتم، قال: «ايما مكار اقام في منزله او
في البلد الذي يدخله اقل من عشرة ايام وجب عليه الصيام و التمام ابدا، و ان
كان مقامه في منزله او في البلد الذي يدخله اكثر من عشرة ايام فعليه التقصير و
الافطار» (356) . و رواية ابن سنان: «المكاري ان لم يستقر في منزله الا خمسة ايام او اقل قصر في سفره
بالنهار و اتم بالليل و عليه صوم شهر رمضان، و ان كان له مقام في البلد الذي
يذهب اليه عشرة ايام او اكثر قصر في سفره و افطر» (357) . و نحوها صحيحته الا انه زاد فيها بعد قوله: «او اكثر» : «و ينصرف الى منزله و يكون
له مقام عشرة ايام او اكثر» (358) . و لا يضر ضعف الاوليين سندا لو سلم. لكونه مجبورا بالشهرة العظيمة و موافقة عمل الاصحاب و نفي الخلاف فيه في كثير
من العبارات. و لا تعارض مفهوم الشرطية الاولى في حكم العشرة التامة مع مفهوم الثانية فيه،
حيث يدل الاول على التقصير و الثاني على التمام. لعدم اعتبار المفهومين من وجهين: احدهما: ان مع ذكر المقدمتين كل في مقابل
الآخر يكون مفهوم كل هو الآخر عرفا دون غيره.و ثانيهما: ان اقامة العشرة التامة
بحيث لا يزيد عليها و لا ينقص نادرة جدا فلا يلاحظ في المفاهيم.و على هذا فيكون حكم
التامة غير معلوم من هذه الرواية فيستنبط من الاجماع المركب او من
الروايتين الاخيرتين. و لا ما قيل من ان المراد بالاقامة عشرة فيها ان كان المنوية يكون الحكم في بلده
مخالفا لفتوى الاصحاب لعدم اشتراط النية فيه، و ان كان الاعم يكون الحكم في
غير البلد كذلك لاشتراط النية فيه (359) . اذ نختار الاول اولا غير كون حكم الاقامة المنوية في البلد ذلك ليس مخالفا
لفتواهم، بل عدم كون حكم غير المنوية كذلك مخالف لها و الرواية غير دالة عليه، فلا
تكون الرواية مخالفة و يستفاد حكم غير المنوية في بلده من الخارج، و الثاني ثانيا
و يكون حكم العشرة الغير المنوية في غير البلد مغايرا-لو سلم-من باب تخصيص العام،
و العام المخصص حجة في الباقي. و لا اشتمال الثانيتين على ما لم يفت به اصحابنا كما قال في الوافي (360) . اذ خروج جزء من الخبر عن الحجية بدليل لا يقدح في حجية باقيه، مع ان عدم فتواهم
به ممنوع كما ياتي. و لا اشتمال الثالثة على تعليق القصر على اقامتين: اقامة في البلد الذي يذهب
اليه، و اقامة في منزله الذي ينصرف اليه، و هو مما لم يقل به احد. لان لفظة الواو في قوله: «و ينصرف » اما بمعنى او، او للجمع في الحكم بقرينة الاجماع
و الروايتين المتقدمتين.مع ان عدم قول احد به ممنوع، كيف؟ ! و نفى عنه البعد في الذخيرة و قال: استوجهه بعض افاضل المتاخرين (361) .و لكنه لا يقدح
في انعقاد الاجماع و لاجله يجب حمل الرواية على ما ذكرنا، و لا يتطرق الخدش في
الاستدلال بالصحيحة، كما انه لا يتطرق باحتمال ان يراد منها القصر في السفر
المتقدم على الاقامة ايضا، فانه يتوقف على حمل قوله: «كان له مقام » على ارادة
المقام و هو تجوز، و مع ذلك مخالف لفهم الاصحاب و اجماعهم.
فروع:
ا: ليس اشتراط هذا الشرط لايجاب اقامة العشرة سلب العنوان، لعدم ايجابه له
اصلا حتى لو جعل العنوان كثير السفر، اذ لا يتفاوت ذلك في اقامة تسعة ايام او
عشرة، بل هو تعبد محض يتعبد به لاجل الروايات، الا ان يجعل كثير السفر اصطلاحا
فيمن يجب عليه الاتمام في سفره فعلا. ب: قالوا: ان كانت اقامة العشرة في بلده لم يحتج الى نيتها، و ان كان في بلد آخر
يشترط فيها النية. و لم اقف في هذه الاخبار على ما يدل على الفرق بين بلده و غير بلده في كون العشرة
منوية و غير منوية، فانا لو حملنا مقام عشرة و اقامة عشرة الواردين في الروايات
على المنوية فالكلام فيهما سواء و اخراج بلده يحتاج الى دليل، و ان ابقيناهما
على الاطلاق فيحتاج اقحام النية في غير البلد الى دليل. و قد يستند في ذلك الى دعوى روض الجنان الاجماع على عدم اعتبار العشرة
المترددة في غير البلد (362) ، و كذا ادعاه العلامة المجلسي كما حكي عنه (363) . و الى ان اعتبار هذه الاقامة للاخراج عن كثير السفر و هو يحصل بقطع السفر، و
العشرة الغير المنوية في بلده سفر ايضا. و يضعف الاول: بعدم حجية الاجماع المنقول. و الثاني: بمنع كون الاعتبار لما ذكر بل هو تعبدي. نعم لو ثبت الاجماع على ذلك لكان متبعا، و في ثبوته كلام، كيف؟ ! و ظاهر
اطلاق كلام النافع (364) تساوي البلدين و عدم اشتراط النية في شي ء من الاقامتين، و
نسب بعضهم (365) الحاق العشرة المنوية بالعشرة البلدية الى الفاضلين و من تاخر
عنهما المشعر بعدم ذكر لها فيما تقدم عليهم فكيف يثبت الاجماع؟ ! فالقول بكفاية اقامة العشرة مطلقا و لو في غير بلده قوي غايته. و منه يظهر الحاق الثلاثين المترددة و العشرة بعدها بطريق اولى، كما اختاره
ابن فهد في المهذب و جعله المشهور (366) ، و قواه المحقق الشيخ علي (367) .بل و كذلك لو قلنا
باشتراط النية في العشرة، اذ لو قلنا به لكان للاجماع المنتفي في الثلاثين و
العشرة الملحقة بها، سيما مع ما ورد في بعض الروايات من تنزيل الثلاثين
المترددة منزلة الاقامة في الوطن (368) . ج: يشترط في العشرة التوالي بمعنى عدم الخروج في اثنائها الى المسافة، اجماعا.
و لا يشترط التوالي بمعنى عدم الخروج الى حدود البلد بحيث يعد جزءا منه عرفا و هو
ما دون حد الترخص، بل ما لا يخرج عن حدود مجتمع حيطان البلد كذلك. و في اشتراطه بمعنى عدم الخروج الى ما يخرج عن حوالي البلد و يقصر عن المسافة
خلاف. فمنهم من اشتراطه مطلقا (369) . و منهم من لم يشترطه كذلك (370) . و منهم من فصل، فقال بالاول في غير بلده و بالثاني في بلده (371) . و منهم من فرق بين الخروج في جزء يسير من اليوم بحيث لم يكن منافيا لصدق
الاقامة عرفا و في الاكثر المنافي له. ثم من يقول بعدم اشتراطه اما يقول بكون المدة التي يكون خارجا محسوبا من
العشرة، او يلفق فيجمع ما قبلها مع ما بعدها و يسقط الزائد. و الحق الاشتراط مطلقا، لتعليق الحكم في الاخبار و الفتاوي على اقامة العشرة، و
المتبادر منها المتتالية، و لا اقل من احتمالها الموجب لبقاء الحكم
لثابت بالعمومات الى ان يعلم المخصص.و لا اعرف وجها لكون الخروج الى ثمانية
فراسخ منافيا للتتالي العرفي دون سبعة و نصف.و صدق اسم العشرة على غير المتتالية
غير كاف، لان المناط صدق اقامة العشرة و هو في غير المتتالية غير معلوم. و منه يظهر دفع النقض بنذر صوم عشرة حيث لا يشترط فيه التتابع. و اما الاحتجاج باصالة البراءة عن التتالي فضعيف غايته و معارض
بالاستصحاب. د: اعلم ان الروايات المتضمنة للتقصير بعد اقامة العشرة مختصة بالمكاري، و نقل في
الشرائع و النافع قولا بالاختصاص به ايضا (372) ، و قواه بعض الاجلة (373) اقتصارا في
تخصيص العمومات بمورد النص. و المشهور التعدي الى كل من العنوانات السابقة، و استدل له بانه قد عرفت ان
المناط في الاتمام اتخاذ السفر عملا من غير خصوصية للمكاري، و سبب التقصير هنا
انقطاع المناط باقامة العشرة، و هو متحقق في الجميع. و فيه: منع كون ما ذكر سببا كما مر. و قد يستند فيه الى الاتفاق.و هو ممنوع جدا. فالاقوى الاختصاص به.بل لا يتعدى الى الملاح و الاجير ايضا، لعدم اطلاق
المكاري عليهما. ه: اذا وجب التقصير و الافطار على المكاري باقامة العشرة فلا شك في وجوبه في
السفر الاول لانه اقل ما يحصل به الامتثال، و لا في العود الى التمام في
الثالث للاجماع، و انما وقع الخلاف في الثاني. فذهب الحلي و جماعة (374) الى الاتمام فيه، و لعله الاشهر، و هو الاظهر، اقتصارا
فيما خالف العمومات الدالة على وجوب التمام-المقيد بالتابيد و العموم
بمثل قوله: سواء كانوا في الحضر او السفر، و بالتعليل بانه عملهم، و بالنكرة
المنفية مثل: ليس عليهم تقصير، و نحو ذلك-على هؤلاء على المتيقن، و ليس الا السفر
الاول. لا يقال: اطلاق النص بالتقصير يقتضيه مطلقا، خرج الثابت بالاجماع فيبقى الباقي.
لانا نقول: لا اطلاق هنا مفيد للعموم، بل حكم بوجوب التقصير المتحقق امتثاله
بالتقصير مرة واحدة كما في قولك: تجب الصلاة، فان ايجاب الماهية يقتضي
ايجاب فرد منها لا جميع الافراد.مع انه لو كان كذلك لم يجز التقييد بهذا
القدر حتى لا يبقى الا اثنان للاجماع على التمام في الثالث. خلافا للمحكي عن الشهيد فحكم[بالقصر] (375) الى الثالث، لزوال الاسم بالاقامة فيكون
كالمبتدئ. (376) . و يضعف بمنع الزوال. ثم المراد بالسفر الثاني الذي يتم فيه هل هو ما ينشئه بعد ذهابه الى مقصوده في
الاول سواء كان عودا الى مبدئه للسفر الاول او انشاء لسفر آخر، او الثاني خاصة،
او ما اينشئه بعد العود الى المبدا؟ الظاهر: الاول، لما مر من الاقتصار على المتيقن.
المسالة الثالثة: لو اقام من السفر عمله في احد البلدان اقل من عشرة كان باقيا على حكم الصيام و التمام في الليل و النهار
على المشهور سيما بين المتاخرين، و عن السرائر دعوى الاجماع عليه (377) ،
للعمومات المتقدمة المتضمنة لان كثير السفر يجب عليه الاتمام، خرج من اقام
العشرة بالاجماع و النص فبقي غيره. خلافا للمحكي عن الاسكافي (378) ، فجعل الخمسة كالعشرة مطلقا.و لا دليل عليه ظاهرا. و للمحكي عن المبسوط و النهاية و القاضي و ابن حمزة (379) ، فجعلوها كالعشرة في تقصير
صلاة النهار خاصة دون الليلية و الصيام، لصحيحة ابن سنان و روايته المتقدمتين (380) .
و رد بكون الروايتين متروكتين، لتضمنهما ثبوت الحكم في الاقل من الخمسة
ايضا الصادق على ثلاثة و اربعة بل يوم او بعض يوم، و لم يقل به هؤلاء الجماعة. و معارضتين مع النصوص المتقدمة و مع ما ورد في بعض الصحاح من انه «اذا قصرت
افطرت و اذا افطرت قصرت » (381) . و يجاب عن الاول: بان ذلك غير ضائر في الحجية، لانه يكون كالعام المخصص، مع
انه نفى في الذخيرة البعد عن القول بمضمونها و قال: ان ظاهر الاقامة يقتضي قدرا
معتدا به، فلا يصدق على يوم واحد او بعض يوم و المتيقن منه المساواة بين
الخمسة و ما قاربها، و العمل به غير بعيد-الى ان قال طاب ثراه-: و بالجملة فالمتجه عندي العمل بمضمون الخبر كما قاله بعض افاضل المتاخرين. ثم ذكر-في بيان انتفاء الشهرة القديمة على خلافه-ان مخالفة من تقدم على الشيخ
بمضمون الرواية غير واضح، بل ايراد الصدوق لها يقتضي عمله بها (382) . و عن الثاني: بان التعارض بالعموم و الخصوص المطلقين، و حمل العام على الخاص
لازم. و من ذلك تظهر قوة قول الشيخ و تابعيه، بل ما نفى عنه البعد في الذخيرة. الا ان دليلهم عن افادة وجوب التقصير بالنهار قاصر لمكان الجملة الخبرية، و
اثبات الوجوب بالاجماع المركب مشكل، و على هذا فلو اتم في النهارية ايضا ما
لم يقم العشرة كان احوط.
المسالة الرابعة: استفاضت الروايات على وجوب التقصير على المكاري و الجمال
اذا جد بهما السير. ففي صحيحة محمد: «المكاري و الجمال اذا جد بهما فليقصرا» (383) . و في صحيحة البقباق: عن المكارين الذين يختلفون، فقال: «اذا جدوا السير
فليقصروا» (384) . و في مرسلة الكافي: «المكاري اذا جد به السير فليقصر» ثم قال: و معنى جد به السير
يجعل منزلين منزلا (385) . و في مرسلة عمران: «الجمال و المكاري اذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين
المنزلين و يتما في المنزل » (386) . و في المروي في كتاب علي بن جعفر: عن المكارين الذين يختلفون الى النيل هل عليهم
اتمام الصلاة؟ قال: «اذا كان مختلفهم فليصوموا و ليتموا الصلاة، الا ان يجد
بهم السير فليقصروا و ليفطروا» (387) . و معنى الجد بالسير الاسراع فيه و الاهتمام بشانه، يقال: جد بسيره اذا
اجتهد فيه، كذا في مجمع البحرين (388) ، و هو المعنى المتفاهم عرفا، و اليه ينظر
تفسير الكليني له بان معناه ان يجعل منزلين منزلا، و هو الموافق لما ذكره بعض آخر
من ان اظهر معانيه ارادة المشقة الشديدة الخارجة عن معتادهم. و اما تفسيره بان يستمر بهم السير مثل سفر الحج و الزيارة، او حصل لهم السفر
بعد الاقامة ماخوذا من التجديد فهما مخالفان للظاهر جدا كسائر ما قيل في تفسيره،
و الظاهر ما ذكرنا في معناه. و عمل بها الكليني و الشيخ في التهذيب على الظاهر (389) ، و جماعة من المتاخرين منهم
المدارك و المنتقى و المحدث الكاشاني و الفاضل الهندي و صاحبا الذخيرة و الحدائق (390) ،
و افتى بها بعض افاضل معاصرينا. و هو الصحيح، اذا لا مجال في ترك روايات معتبرة ظاهرة المعنى بلا معارض مساو
او اخص، فبها العمومات تخصص.و جعلها مجملة لاختلاف الاصحاب في تنزيلها بعد
تفسير اللغوي و المحدث و الفقيه و الفهم العرفي باطل جدا. و هل التقصير عليهم في الطريق و المنزل معا كما هو مقتضى اطلاق اكثر الروايات
المذكورة، او في الطريق خاصة كما تدل عليه المرسلة؟ الاظهر الثاني، لكون المرسلة مقيدة، و يجب حمل المطلق على المقيد. و قيل بالاول، لضعف المرسلة، و اجمالها لاحتمال ان يكون المراد من: «ما بين
المنزلين » المنزل الذي يخرج منه و المنزل الذي يذهب اليه يعني مبدا سفره و منتهاه (391) . و كلاهما ممنوعان، بل الرواية معتبرة و مفادها واضح و ما ذكره تقييد بلا مقيد.
فرعان:
ا: هذا الحكم ايضا كالحكم بالتقصير بعد اقامة العشرة مختص بالمكاري و الجمال،
لاختصاص الاخبار. ب: تقصيرهما انما هو في منزل جد به السير، فاذا انتفى و عادا الى السير
المعتاد في منزل آخر يتمان.
المسالة الخامسة: لو انشا من عمله السفر سفرا آخر
غير ما هو صنعته كسفر الحج او الزيارة او صلة الرحم قبل اقامة العشرة في منزل، فهل
يقصر او يتم؟ قيل بالاول (392) ، لان الظاهر ان المراد بالسفر الذي يتم هؤلاء هو السفر الذي كان
عملهم، و يشعر به التعليل بذلك. و لروايتي اسحاق بن عمار، احداهما: عن الذين يكرون الدواب يختلفون كل الايام،
اعليهم التقصير اذا كانوا في سفر؟ قال: «نعم » (393) . و الاخرى: عن المكارين الذين يكرون الدواب و قلت: يختلفون كل ايام، كلما جاءهم شي ء
اختلفوا، فقال: «عليهم التقصير اذا سافروا» (394) . وجه الاستدلال: اما ان الظاهر من السفر في الروايتين غير السفر الذي يعملون
فيه، او انهما دلتا على وجوب التقصير في كل سفر، خرج ما كان صنعتهم بما مر
فيبقى الباقي. و قيل بالثاني، لعدم دليل صالح للخروج عن مقتضى الادلة العامة (395) . و هو الاقوى، لذلك. و يضعف الظهور الذي ادعاه الاولون بالمنع.و لا اشعار للتعليل به ايضا، لان علية
كون السفر عملا للاتمام في السفر لا تدل على انه فيما كان يعمل به اصلا، لجواز
ان تكون عمليته علة للاتمام في كل سفر. و الروايتان اما على التقريب الاول فبان ظهورهما في السفر الذي ادعوه لا
وجه له اصلا. و اما على التقريب الثاني فبانه انما يتم لو كانت اخبار اتمامهم في
السفر مخصوصة بالسفر الذي يعملون فيه، و لكنها عامة كهاتين الروايتين،
فتتعارضان بالتساوي، و لا شاهد على ذلك الجمع، فترجح عليهما، لكونها اشهر
رواية و اعتضادها بالاجماع، و شذوذ الروايتين جدا.
الشرط السادس: الخروج الى حد الترخص
و فيه مسالتان.
المسالة الاولى:
يشترط في التقصير البلوغ الى حد الترخص، وفاقا للاكثر، بل بلا خلاف الا عن شاذ،
بل بالاجماع المحكي (396) بل المحقق، له، و للمعتبرة المستفيضة الآتية. خلافا للمحكي عن والد الصدوق (397) ، فلم يعتبر هذا الشرط بالكلية بل اكتفى بنفس الخروج
من البلد، لمرسلة الفقيه: «اذا خرجت من منزلك فقصر الى ان تعود اليه » (398) . و نحوه الرضوي (399) . و الموثق: «افطر اذا خرج من منزله » (400) . و يرد-مع شذوذ الجميع و ضعف سند الثاني-بكونه اعم مطلقا مما ياتي، فيجب تخصيصه
به، بل الظاهر ان المخصص هو المراد، و ان اطلاق الرضوي مسبوق بما ياتي من
التخصيص. ثم انهم اختلفوا في حد الترخص، فالمشهور بين القدماء-و قيل: مطلقا (401) -انه احد الامرين من خفاء جدران البلد او اذانه، بمعنى كفاية احد
الامرين في لزوم القصر، و لزومه بتحقق احدهما كما هو المحتمل.او بمعنى التخيير
بينهما اي جواز القصر بتحقق كل واحد منهما كما صرح به بعضهم بقوله بعد ذكر
الامرين: مخيرا بينهما (402) و عليه يدل كلام صاحب الذخيرة حيث عبر عن هذا القول
بالقول بالتخيير (403) . و اكثر المتاخرين تبعا للسيد و الشيخ في الخلاف (404) على انه الامران معا، فلا
يجوز القصر الا بتحققهما معا. و عن المقنع انه الاول (405) . و عن المفيد و الديلمي و الحلي انه الثاني (406) . و منشا الاختلاف اختلاف الاخبار الواردة في المورد، و هي صحيحة محمد: الرجل يريد السفر متى يقصر؟ قال: «اذا توارى من البيوت » (407) . و ابن سنان: «اذا كنت في الموضع الذي تسمع الاذان فاتم، و اذا كنت في الموضع
الذي لا تسمع الاذان فقصر، و اذا قدمت من سفر فمثل ذلك » (408) . و موثقة اسحاق بن عمار المروية في العلل، و فيها: «اليس قد بلغوا الموضع الذي لا
يسمعون فيه اذان مصرهم؟ » (409) . و الرضوي: «و ان كان اكثر من بريد فالتقصير واجب اذا غاب عنك اذان مصرك، و ان
كنت في شهر رمضان فخرجت من منزلك قبل طلوع الفجر الى السفر افطرت اذا غاب عنك
اذان مصرك » (410) . و المروي في المحاسن: «اذا سمع الاذان اتم المسافر» (411) . فتعارض منطوق الصحيحة الاولى مع منطوق الشرطية الاولى في الثانية و منطوق
الرواية الاخيرة و مفهوم الرضوي بالعموم من وجه، و مفهومها مع منطوق الشرطية
الثانية في الثانية و منطوق الرضوي و مفهوم الرواية الاخيرة كذلك. فبناء القول الاول بالمعنى الاول على العمل بالاتمام فيما اجمعت عليه
الروايات و هو ما لم يختف الجدران و لا الاذان، و بالتقصير فيما اجمعت عليه
ايضا و هو ما اختفى الجدران و الاذان معا، و رفع اليد عن الروايات في موضع
التعارض و هو ما اختفى فيه احدهما و الرجوع الى العمومات الدالة على التقصير
الغير المعلوم خروج المورد عنه كالعمومات المتقدمة في دليل والد الصدوق و غيرها
مما يدل على وجوب التقصير على المسافر بقول مطلق. و بناء هذا القول بالمعنى الثاني الرجوع في مورد التعارض و عدم المرجح الى
التخيير كما هو القاعدة في المتعارضين. و بناء القول الثاني على الجمع بين المتعارضين بتخصيص كل منهما بالآخر، او على
رفع اليد عنهما في موضع التعارض و الرجوع فيه الى مقتضى الاصل و استصحاب بقاء
وجوب التمام الى ثبوت الترخيص، و ليس بثابت باحدهما. و بناء القولين الآخرين-كما قيل (412) -على ترجيح احد المتعارضين و طرح الآخر من
البين. اقول: لا يخفى ان تخصيص كل منهما بالآخر كما هو مبنى القول الثاني لا وجه له اصلا، و
لذا لا يعملون بذلك في مواقع التعارض مع انه ممكن في جميع ما اذا كان بالعموم
من وجه، و ليس هو من مقتضى متفاهم العرف، و لا شاهد آخر عليه ايضا، و كذا[المبنى] (413)
الآخر من الرجوع الى الاستصحاب فانه انما هو لولا اندفاعه بالعمومات و
الاطلاقات المذكورة و الا فاللازم الرجوع اليها. و منه يظهر سقوط ذلك القول البتة. و كذا القولان الآخران، اذا لا وجه لرد احد المتعارضين مع تساويهما في
استجماع شرائط الحجية. فلم يبق الا القول الاول و هو الصحيح المعقول، لانه ان قلنا بان مراد القائلين به
هو المعنى الاول و ليس في المسالة قول بالتخيير بالمعنى الذي ذكرناه -اي كون
المسافر مخيرا في جعل حد الترخص كلا منهما شاء-فيتجه هذا القول البتة، اذ بعد
الاتفاق على انتفاء التخيير في موضع التعارض يرفع اليد عن المتعارضين و يرجع
الى العمومات. و ان كان مرادهم المعنى الثاني و لم يكن التخيير منافيا للاجماع اتجه ذلك
القول جدا ايضا، لانه المناص عند التعارض. فان قيل: هذا انما يتم على ما ادعيت من تساوي المتعارضين في شرائط الحجية، و
ليس كذلك، لان من جملة الشرائط عدم الاجمال، و الصحيحة الاولى مجملة من وجهين: احدهما: ان المذكور فيها: «توارى عن البيوت » و لا معنى للتواري عن البيت الا
بتقدير الاهل حتى يكون من باب مجاز الحذف، او المراد تواريه عن البيوت
كما فهمه الاصحاب و هذا ايضا مجاز، و ليس احد المجازين اولى من الآخر و
بين مقتضاهما بون بعيد، فان الانسان يتوارى عن اهل البيت ببعد ميل و لا
يتوارى البيت عنه بفرسخ. و ثانيهما: انه على التقديرين يمكن ان يراد تواري الشبح كما قيل (414) ، او الهيئة
بان يتميز هذا البيت انه بيت فلان و جداره من الطين او اللبنة او الحجر او
الجص، و هذا الشخص انه راكب او راجل قصير او طويل زيد او عمرو، و لا دليل على تعيين
احدهما، و بينهما ايضا تفاوت فاحش، و ليس كذلك روايات الاذان، اذ ليس
المراد به مجرد الصوت لانه ليس اذانا بل تمييز الكلمات بحيث يفهم انه يؤذن و
هو امر لا يتفاوت. و على هذا فتخرج الاولى عن الحجية و تبقى اخبار الاذان كما هو القول
الاخير. قلنا: اما الوجه الاول ففيه: منع التفاحش بين المقتضيين، لان المراد بتواري
البيوت كما صرحوا به تواريها من حيث انها بيوت و لا اعتبار بظهور
المنارات و القباب و السور و امثالها، و تواري البيت لا يتفاوت كثيرا مع
تواري الشخص سواء اريد فيهما الشبح او الهيئة، لان شبح الشخص يرى من فرسخ بل فرسخين
كشبح البيت، و كذا الهيئة فان كل موضع يمتاز البيت انه من لبنة او حجر او بيت
زيد او عمرو يمتاز الشخص ايضا، فلا اجمال من هذه الجهة، و لو كان تفاوت فليس
باكثر من التفاوت الحاصل بتفاوت سماع الاذان. و اما الوجه الثاني ففيه: انه و ان احتمل التواري كلا من الامرين الا انه مع
احتمالهما و عدم المعين يجب الاخذ بالقدر المشترك و هو تواري الصورة و الهيئة
عملا بعمومات القصر في السفر، و لان الشبح مما لا يتوارى في بعض المواضع الخالية
عن الموانع في ازيد من فرسخين او ثلاثة فراسخ، و الاتمام في مثله خلاف
الاجماع و تنافيه اخبار الاذان ايضا بل يعلم منها عدم ارادته قطعا فلا
اجمال من هذه الجهة ايضا. بل منه يعلم وجه آخر لرفع الاجمال الاول، اذ بعد الحمل على الهيئة يتقارب
المعنيان كما اشرنا اليه. و من ذلك يعلم ضعف ما قيل في وجه ترجيح مجاز الحذف من انه اقرب الى اخبار
الاذان، بل يظهر عدم الاختلاف بين اخبار البيوت و الاذان ايضا، و لا يضر
التفاوت اليسير فانه حاصل على كل من الامرين بخصوصه ايضا، و مع ذلك مدار
امثال هذه الامور في الشرع على التقريب كما هو كذلك عرفا ايضا، و على هذا قلنا
الاكتفاء باحد الامرين من هذه الجهة ايضا. و قد تلخص مما ذكرنا جواز الاكتفاء بكل من الامرين كما هو مقتضى القول الاول
بالمعنى الثاني اما لاجل ان التخيير هو المرجع عند التعارض او التقارب
الامرين.و الاحوط القصر مع تحقق احدهما حذرا عن مخالفة المعنى الاول للقول
الاول.