البحث الثاني: في سائر شرائط الجماعة و لوازمها
و هي ايضا اما واجبة او مستحبة، فهاهنا ايضا مقامان:
المقام الاول:
في سائر الشرائط الواجبة للجماعة و لوازمها، و هي امور: منها: عدم وجود حائل او جدار بين الامام و الماموم، فلا تصح صلاة الماموم
مع وجود الحائل، بالاجماع المصرح به في كلمات جمع من الاواخر و الاوائل. لصحيحة زرارة المروية في الكافي و الفقيه: «ان صلى قوم و بينهم و بين الامام
ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم امام، و اي صف كان اهله يصلون بصلاة امام
و بينهم و بين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس ذلك لهم بصلاة، فان كان
بينهم ستر او جدار فليس تلك لهم بصلاة الا من كان بحيال الباب » قال: «و هذه
المقاصير لم تكن في زمن احد من الناس، و انما احدثها الجبارون، و ليست لمن
صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة » قال ابو جعفر عليه السلام: «ينبغي ان تكون
الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى، و يكون قدر
ذلك مسقط جسد الانسان » (1) . و زاد في الفقيه: «...اذا سجد.قال، و قال: ايما امراة صلت خلف امام و بينها و بينه
ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة » . ثم المتبادر من الستر و الجدار ما كان جسما-كما صرح به جماعة (2) -فلا ضير في
حيلولة الظلمة و امتناع المشاهدة بالعمى، اذ لم يتعلق الحكم بعدم المشاهدة. و اللازم في المانع صدق الساتر او الجدار، فلا باس بغيره، و منه: الثوب الرقيق
الحاكي للون بل الشبح، لعدم صدق الستر. و ايضا منه: الشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة. خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض كتبه (3) ، فقال بعدم جواز الصلاة وراءها، مستدلا عليه
بالاجماع و الصحيحة المذكورة. و الاجماع ممنوع سيما مع ان الاكثر على خلافه. و الصحيح غير دال;لان موضع دلالتها اما النهي عن الصلاة خلف المقاصير، او نفي
الصلاة مع توسط ما لا يتخطى. و يضعف الاول: بمنع كون المقاصير مشبكة، كما يستفاد من ذكر حكم المقاصير بعد
اشتراط عدم حيلولة الستر و الجدار. و الثاني: بان المراد بما لا يتخطى في الصحيحة ما كان كذلك بحسب البعد لا
باعتبار الحائل، و لا اقل من الاحتمال المانع من الاستدلال.و ليس من باب
الاطلاق او العموم حتى يكتفي به، كما يجي ء بيانه. و يمكن ان يكون مراده من الشبابيك ما يمنع من المشاهدة، حيث انها في اللغة بمعنى
ما يعمل من القصب و نحوه على نحو عمل الحصر و البواري، من تشبيك القصبان و
نحوها بعضها في بعض، سواء منعت المشاهدة ام لا، فيحمل كلامه على الاول كما هو
صريح المبسوط (4) . ثم المصرح به في كلام جماعة (5) انتفاء الباس عن الحائل القصير الذي لا يمنع
المشاهدة في جميع الاحوال و ان كان مانعا في بعضها، كالمانع حال الجلوس دون
القيام او بالعكس. و لا يخفى ان مقتضى اطلاق قوله: «فان كان بينهم ستر» الى آخره مانعية الستر بينهم
مطلقا سواء كان في تمام الصلاة او في بعضها، و التخصيص بالمستمر في تمام
الصلاة لا وجه له.و مقتضاه بطلان الصلاة بوجود الساتر في بعض الاحوال، فهو
الاجود. نعم، يشترط في مانعيته ستره لجميع اجزاء الامام، فلو لم يستر بعضه بحيث يصدق
عرفا عدم ستره لم يضر و ان كان في جميع الاحوال.و تلزمه كفاية امكان مشاهدة جزء
معتد به من الامام دائما، كما صرح بكفايته بعض الاجلة. و يستفاد من بعض الكلمات عدم الباس بوجود الحائل التام في بعض الاحوال
دون بعض (6) . و من بعض آخر عدم الباس بما يمكن معه شهود جزء من الامام مطلقا، لعدم معلومية
صدق الساتر مع مشاهدة جزء. و الاول غير سديد;لانه تقييد للاطلاق المذكور بلا مقيد.نعم، يصح ذلك اذا كان بحيث
لم يكن له استمرار اصلا كشخص عبر ما بينهما.و منع صدق الساتر على الساتر في بعض
الاحوال فاسد جدا. و الثاني صحيح لو شوهد جزء معتد به، فلا تكفي مشاهدة احدى يديه او جزء يسير من راسه،
لصدق الساتر عرفا معه. مع ان الوارد في الصحيحة هو الساتر او الجدار.و على هذا، فلو نسلم عدم معلومية
صدق الساتر على الساتر في بعض الاحيان او[لبعض] (7) الاجزاء، و لكنه قد يصدق عليه
الجدار، كما اذا كان بقدر لا يرى وراءه الا راس الامام او مع شي ء من جسده حال
القيام، فانه يصدق عليه الجدار الممنوع عنه في الصحيحة قطعا، و الاجماع على
تجويز مثل ذلك[غير] (8) معلوم. نعم لو كان يسيرا بحيث يشك في صدق الجدار عليه كذراع بل ازيد منه بقليل، انتفى
الباس من جهته و ان ثبت من جهة الستر حال الجلوس.و كانهم بنوا الحكم على
الساتر و الحائل و ظنوا انتفاءه مع المشاهدة في الجملة، و غفلوا عن لفظ الجدار. و اشكل منه ما لو كانت الواسطة جدارا رفيعا فيه ثقبة او ثقبتان يرى منها بعض
الامام دائما او في بعض الاحيان، لصدق الجدار.و لا يفيد امكان المشاهدة، لعدم
تعليق حكم عليها. و اما على ما ذكرنا من مانعية الستر في بعض الاحيان ايضا و اشتراط شهود جزء
معتد به في انتفاء الستر فلا يختلف حكم الساتر و الجدار، اذ ما يمنع من
المشاهدة في جميع الاحيان مانع جدارا كان او غيره، و ما لا يمنع عن مشاهدة الجزء
المعتد به حتى في حال الجلوس لا يصدق عليه الجدار.و كذا لو كانت فيه ثقبة يشاهد
فيها المعتد به من الامام في جميع الاحيان لم يكن جدار بينهما ايضا، اذ موضع
الثقبة ليس جدار.و لو كانت فيه ثقبات صغيرة كثيرة تجعله شباكا.
فروع مهمة:
ا: المانع عن الصحة هو الحائل بين الماموم و بين الامام و المامومين
جميعا، فلو لم يشاهد الماموم الامام لحيلولة المامومين و لكن لم يكن حائل
بينه و بين بعض المامومين صحت صلاته اجماعا بل ضرورة، و الا لم تحصل جماعة
للصفوف المتعددة. و تدل عليه ايضا العمومات و الاطلاقات الخالية عن المعارض، حيث ان الصحيحة لم
تدل الا على وجوب انتفاء الستر بين الماموم و الصف الذي يتقدمه، حيث ان مرجع
ضمير الجمع هو قوله: «اهله » فيكون الطرف الآخر الصف الذي يتقدمهم كما في سابقه و
لا اقل من احتماله الكافي لنا في المقام. ب: مقتضى الصحيحة هو تحقق الصحة بانتفاء الحائل بين الماموم و بين من يتقدمه
من الامام او الصف الذي يتقدمه، بل بعض المامومين من اهل الصف المتقدم;لصدق
الصف، و عدم الفصل.سواء كان حائل بينه و بين بعض آخر من اهل هذا الصف او لا، و
سواء امكن له مشاهدة من لا حائل بينه و بينه من اهل الصف بدون الالتفات بالراس او
معه او لم يمكن له للبعد و نحوه.و هذا هو الضابط الصحيح الثابت من الصحيحة في
المسالة. و على هذا فلو كان هناك جدار قدامه امام و وراءه صف، فان لم يتجاوز احد طرفي
الصف عن محاذاة الجدار الى حيث يتمكن من في هذا الطرف من مشاهدة الامام
بطلت صلاتهم جميعا، و ان تجاوز احد الطرفين او كلاهما الى حد لم يمنع الجدار
من مشاهدة الامام، صحت صلاة كل من يمكنه المشاهدة من هذه الجهة و ان بطلت من
حيث التباعد في بعض الصور، و بطلت صلاة من يحاذي الجدار او يمنعه عن مشاهدة
الامام و ان لم يكن محاذيا له، لصدق توسط الجدار بينهما. و لو كان قدام الجدار صف يتجاوز عن طرفيه او عن احدهما و وراءه ايضا كذلك
صحت صلاة الجميع، لان من يحاذي الجدار من اهل صف الوراء يشاهد اهل طرف الصف
القدام، الا مع حيلولة الجدار عن مشاهدته اياهم. و يلزمه لو كان هناك باب يحاذي المسجد و صف جماعة خارجه فان لم يحاذ الباب
احد و صفوا عن يمينه و شماله بطلت صلاة الجميع الا اذا تباعد الصف عن جدار
المسجد بحيث يرى من في طرفيه بعض اهل المسجد. و لو صفوا في محاذاة الباب و طرفيه صحت صلاة المحاذي و من يليه ممن يتمكن
من المشاهدة و تبطل صلاة الباقين.و لو صف بعد هؤلاء جماعة اخرى صحت صلاة الجميع.
هذا مقتضى الصحيحة، و يؤكده قوله في ذيلها: «الا من كان بحيال الباب » بل هو صريح
في ذلك. و من الاصحاب جماعة (9) صرحوا بصحة صلاة كل من في الصف الخارج الواقف حذاء
الباب و طرفيه، و احتجوا له بان من تجاوز الباب و ان لم يشاهد من الصف
المتقدم احدا و لكنه يشاهد من بحذاء الباب عن يمينه او عن يساره و المشاهدة
المطلقة كافية. و فيه: انه انما يصح لو ثبت تعليق الحكم على المشاهدة، و ليس كذلك، بل هو معلق بعدم
الحائل بينه و بين الصف المتقدم، فلا وجه للاحتجاج بكفاية المشاهدة المطلقة
سيما مع تصريح الصحيحة بعدم صحة صلاة غير من بحيال الباب. و العجب من شيخنا صاحب الحدائق، حيث انه بعد ما نقل الاستشكال في صحة صلاة من على
يمين الباب و يساره عن الذخيرة استنادا الى ظاهر الصحيحة، قال ما خلاصته: ان
منشا الشبهة تخصيص المشاهدة التي هي شرط صحة القدوة بمشاهدة من يكون قدامه دون من على
يمينه و يساره، و لازمه انه لو استطال الصف الاول على وجه لا يرى من في طرفيه
الامام تبطل صلاتهم حيث انهم لا يشاهدون الامام و لا تكفي مشاهدة من على
اليمين و اليسار.و كذلك لو استطال الصف الثاني او الثالث زيادة على ما
تقدمه و كان في مقابل الزيادة جدار دون الماموم يلزم بطلان صلاة الزيادة لعدم
وجود الماموم قدامهم و لعله لا يقول به.و الظاهر من قوله: «الا من كان بحيال
الباب » يعني من الصفوف لا من المامومين بقرينة قوله: «و اي صف كان اهله » الى آخره.
و مثل الصورتين وقوف بعض المامومين خلف الاساطين بحيث كانت الاسطوانة في
قبلته فهو لا يرى من قدامة من المامومين و انما يرى من على يمينه و يساره، مع ان
صحيحة الحلبي (10) دلت على انه لا باس بالصلاة بين الاساطين (11) .انتهى. و فيه: انه لم يثبت اشتراط صحه القدوة بالمشاهدة من دليل، بل الثابت اشتراط
انتفاء الحائل بين اهل صف و اهل الصف المتقدم، فليس المنشا تخصيصا في المشاهدة
بل صدق الحائل. و منه يظهر عدم لزوم بطلان الصلاة في الصف المستطيل الاول;لعدم الحائل.و عدم
المشاهدة باعتبار طول المسافة غير ضائر كالظلمة. و لا في زيادة الصف المستطيل الثاني اذا لم يكن الجدار الذي فرضه حائلا بينه و
بين جميع اهل الصف المتقدم، و ان كان حائلا يعترف ببطلان صلاتهم البتة. و لا في الواقف بين الاساطين اذا يرى بعض من تقدمه، و لو لم ير احدا منهم نقول
بالبطلان، و لا تنافيه صحيحة الحلبي كما لا يخفى. و اما ارادة الصف من قوله: «من كان بحيال الباب » فبعيد غايته، و لا دلالة لقوله:
«و اي صف » عليه اصلا، لتقييده بقوله: «اهله » فمعناه: اذا كان بين اهل صف و اهل صف
تقدمه ستر تبطل صلاتهم الا من كان بحيال الباب من اهل الصف، مع انه لا يصدق على
جميع هذا الصف انه بحيال الباب، مع انه لو كان كما توهم لم يحسن الاستثناء. ثم بما ذكرناه هنا يظهر الحكم في اكثر الفروع المتعلقة بالمقام. ج: المستفاد من اطلاق الصحيحة منع الحائل عن صحة الجماعة مطلقا، سواء كان في
تمام الصلاة او بعضها، و سواء كان الساتر مستقرا كجدار، او لا كثوب ترفعه
الريح تارة و تضعه اخرى، او مصل يقوم تارة و يجلس اخرى. و منه يظهر انه كما انه يشترط انتفاء الحائل ابتداء يشترط استدامة ايضا، و انه
لو عرض في اثناء الصلاة تبطل الجماعة و ان لم يكن اختياريا، لانه حكم وضعي لا
يتوقف على الاختيار.و يلزمه بطلان جماعة صف تقدمه صف آخر غير مامومين و لو علم
بذلك في الاثناء او تمت صلاتهم كالمسافرين اذا اشتغلوا بعد الركعتين
بنافلة حتى يحصل الستر. نعم، يشترط شي ء من الاستمرار له حتى يصدق ان بينهم سترا، فلا باس بعبور شخص بينهم و
ان ستر في الجملة حال العبور. و كذا يشترط كونه بحيث يصدق الساتر به عرفا، فلا يضر شي ء قصير يحول حال السجود
خاصة مثلا، لعدم صدق الستر بينهما عرفا.فتامل. د: لا يتوهمن ان مقتضى اشتراط انتفاء الساتر ان يتوقف في صحة صلاة الصف
المتاخر و دخوله في الصلاة[قبل] (12) دخول من تقدم عليه كلا او المحاذي له في
الصلاة، حيث انه قبله ساتر و ليس بماموم. لان الشرط انتفاء الساتر بينه و بين الصف المتقدم عليه كما هو صريح النص، و لا
يشترط في صدق الصف دخول اهله في الصلاة بل اللازم صفهم للصلاة جماعة و كونهم
معدودين من المامومين قاصدين للايتمام، اذ بذلك يصدق الصف المتقدم عرفا و
لم يثبت توقف صدقه على شي ء آخر. ه: هذا الشرط مخصوص بما اذا كان الماموم رجلا او امراة اقتدت بامراة، و اما
اذا اقتدت برجل فلا يضر الحائل اذا عرفت انتقالات الامام، على الاظهر
الاشهر، بل نسبه في التذكرة الى علمائنا (13) مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، و قيل: بلا
خلاف الا ممن ياتي (14) . للاصل، و العمومات، و مؤثقة عمار: عن الرجل يصلي بالقوم و خلفه دار فيها نساء، هل
يجوز لهن ان يصلين خلفه؟ قال: «نعم ان كان الامام اسفل منهن » ، قلت: فان بينهن و
بينه حائطا او طريقا، قال: «لا باس » (15) . و يؤيده انهن عورة لا ينبغي لهن مخالطة الرجال، مع ان فضيلة الجماعة عامة. و قد يستدل ايضا بعدم شمول الصحيحة (16) لهن، و لعله لتذكير الضمير. و فيه ما فيه، مع ان هذا المستدل يمنع عن الحائل اذا كان امامها امراة
للصحيحة. خلافا للمحكي عن الحلي (17) ;لضعف الرواية تارة.و هو ممنوع.و لو سلم فمجبور.و
باحتمالها للحائط القصير اخرى.و هو بالاطلاق مدفوع. نعم يصح ذلك فيما اذا كان امامها امراة فيما يجوز;لاختصاص الموثقة، و
عموم الصحيحة. و منها: عدم كون موقف الامام اعلى من موقف الماموم، فلو كان اعلى لم تصح
صلاة الماموم، على الحق المشهور كما صرح به جماعة (18) ، بل عن التذكرة نسبته
الى علمائنا (19) مؤذنا بالاجماع. لعموم مفهوم موثقة عمار المتقدمة آنفا، خرجت منه صورة التساوي فيبقى العلو
مبطلا. و موثقته الاخرى: عن الرجل يصلي بقوم و هم في موضع اسفل من موضعه الذي يصلي فيه،
فقال: «ان كان الامام على شبه الدكان او على موضع ارفع من موضعهم لم تجز
صلاتهم » (20) . خلافا للمحكي عن الخلاف، فقال بالكراهة مدعيا عليها اجماع الطائفة (21) ، و اختاره في
المدارك (22) ، و تردد في المعتبر و الشرائع و النافع (23) ، و هو ظاهر الكفاية و الذخيرة (24) .
لدعوى الاجماع، و الاصل، و العمومات، مع ضعف الرواية سندا و تهافتها متنا و
اختلافها نسخا. و الاول غير ثابت، و منقوله غير حجة سيما مع عدم ظهور موافق له من قدماء الفرقة.مع
انه-كما صرح به في المختلف (25) -ارادة الحرمة من الكراهة كما شاعت في الصدر
الاول محتملة، بل قيل: عبارة الخلاف بها ايضا شاهدة (26) .فلا يكون الشيخ مخالفا في
المسالة، و لا اجماعه منافيا للحرمة. و الثانيان مندفعان بالموثقتين.و ضعفهما ممنوع، كيف؟ ! و هما من الموثقات و هي
في نفسها حجة، و مع ذلك بالشهرة العظيمة من الجديدة و القديمة منجبرتان. و التهافت و الاختلاف لو سلم ففي الاخيرة، و الاولى عنهما سالمة، مع انهما
فيها ايضا لا يتعلقان بما يفيد ذلك الحكم، و انما هما في بيان قدر العلو، و هو غير
المسالة.
فروع:
ا: اشتراط عدم العلو انما هو في غير الارض المنحدرة. و اما فيها فلا يضر علو
الامام مطلقا، بلا خلاف فيه كما قيل (27) ;لذيل الموثقة الاخيرة: «و ان كان ارضا
مبسوطة و كان في موضع منها ارتفاع، فقام الامام في الموضع المرتفع و قام من
خلفه اسفل منه و الارض مبسوطة الا انهم في موضع منحدر، فلا باس » . ، و جماعة (29) ، بل الاكثر الى العرف
و العادة. و قدره في النهاية و التذكرة و الدروس و البيان و المسالك و روض الجنان (30) بما
لا يتخطى. و بعض آخر بشبر (31) و الاظهر: الاول;لانه المرجع حيث لا تقدير في الشرع كما هنا، اذ
ليس ما يتوهم منه ذلك الا صحيحة زرارة-السابقة (32) في مسالة الحائل-المقدرة له بما
لا يتخطى، و هو دليل الثاني، و بعض نسخ التهذيب في الموثقة الاخيرة المقدر له
بالشبر، و هو دليل الثالث. و الاول مردود: باحتمال ارادة هذا المقدار في البعد دون اختلاف الموقف كما
ياتي.مع انه على تقدير الشمول لذلك ايضا باطلاقه يدل على مانعية هذا القدر -و هو
يوافق العرف-دون اغتفار ما دونه الا بمفهوم الوصف الضعيف او ادخاله في
مفهوم الشرط بتكلف بعيد. و الثاني: بانه لا يصلح للاستناد، لمكان الاختلاف. ثم لا شك في دخول ما لا يتخطى في العلو عرفا، و لا في خروج الشبر و ما دونه عنه.و
يؤكده ما في التذكرة من الاجماع على عدم مانعية اليسير (33) .و الاحوط بل الاظهر
الاجتناب (عن ما بينهما) (34) . و غيره (36)
;للاصل، و العمومات، و خصوص منطوق الموثقة الاولى، و عموم مفهوم صدر الثانية، و
صريح ذيلها: قال: و سئل: فان قام الامام اسفل من موضع من يصلي خلفه، قال: «لا باس » و
قال: «ان كان رجل فوق بيت او غير ذلك دكانا او غيره و كان الامام على الارض
اسفل منه جاز ان يصلي خلفه و يقتدي بصلاته و ان كان ارفع منه بشي ء كثير» . و اما قوله في رواية محمد بن عبد الله: «يكون مكانهم مستويا» (37) ، فلا يثبت وجوب
التساوي، بل غايته الاستحباب.و لا باس به. و منها: عدم تباعد الماموم عن الامام او الصف الذي يتقدمه، بالاجماع
المحقق و المحكي في عبارات جمع من الاصحاب، منهم: المدارك و الذخيرة (38) و غيرهما (39) .
و هو الحجة المخرجة عن الاصل المخصصة للعمومات، دون غيره من صحيحة زرارة المتقدمة (40) ،
و رواية الدعائم: «ينبغي للصفوف ان تكون متواصلة، و يكون بين كل صفين قدر مسقط جسد
الانسان اذا سجد، و اي صف كان اهله يصلون بصلاة امام و بينهم و بين الصف الذي
يتقدمهم ازيد من ذلك فليس تلك الصلاة لهم بصلاة » (41) . لاجمال الاولى، و ضعف الثانية. اما الاول فبيانه ان موضع الاستدلال من الصحيحة اشتراط ما لا يتخطى، و
المحتمل ارادته من هذا اللفظ-كما يستفاد من كلام الاصحاب-معان ثلاثة: ما لا
يتخطى من الحائل، او من العلو، او من البعد. و ظاهر الاكثر عدم حمله على الاخير حيث لم يستندوا اليه في مقدار البعد. و حمله جماعة على الثاني حيث اعتبروا هذا القدر في العلو. و ليس احتماله لهذه المعاني من باب الاطلاق الشامل للجميع حتى تصح ارادة
الشامل للجميع في استعمال واحد، اذ ما لا يتخطى على الاول معنى غيره على
الاخيرين، فانه على الاول شي ء مانع عن التخطي، و على الاخيرين شي ء لا يصير خطوة. ثم ان هذا اللفظ قد تكرر في الصحيحة في اربعة مواضع: اما الموضع الاول فعلى حمله على الحائل يكون معنى لا يتخطى نحو: لا يمكن التخطي
اولا يصلح او ليس من شانه، و يلزم تقدير نحو لفظة: «منه » اي ما لا يتخطى منه، و هو خلاف
اصل. و على حمله على العلو يفسر اما كالسابق، او يكون المعنى: ما لا تقطعه الخطوة و لا
يصير محل التخطي مطلقا لا بخطوة واحدة و لا اكثر، فان العلو المفرط لا يتخطى من
حيث هو و ان امكن تخطيه بالدرج، و هو امر خارج عن نفس العلو، فالمرتفع كثيرا لا
يصير محلا للتخطي مطلقا الا بتقليله شيئا فشيئا و جعله مدرجا، كما ان الحائل لا
يتخطى منه كذلك الا برفعه.و على هذا لا يستلزم خلاف اصل. و على حمله على البعد يكون المعنى: ما ليس من شانه ان يتخطى. و يلزم حمل التخطي على الخطوة الواحدة، اي ما لا يتخطى بخطوة واحدة، ضرورة امكان
قطع المسافة و ان بعدت بخطوات كثيرة.و هذا مخالف للاصل; لان التخطي هو قطع
المسافة بالخطوة واحدة كانت ام متعددة. و كذا يلزم التخصيص بالصف الاول، او التجوز في الامام بارادة من تقدم
على الماموم اماما كان او ماموما آخر، ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا البعد
بين كل ماموم و الامام.و هذا خلاف اصل آخر. و يلزم ايضا تخصيص اهل الصف الاول بمن في خلف الامام خاصة او مع من يليه، او
ارادة محاذاة الامام من لفظ: «الامام » ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا البعد
بينه و بين نفس الامام في طرفي الصف.و هذا خلاف اصل ثالث، بل غير جائز،
لاستلزامه عدم بقاء غير واحد او اثنين او ثلاثة من الافراد الغير العديدة بل من
ازيد من عشرة آلاف في بعض الاوقات. فارادة البعد من: «ما لا يتخطى » في هذا
الموضع مرجوح غايته. و اما الموضع الثاني ففي حمله على احد الاولين كالموضع السابق. و اما في الثالث فينتفي المحذوران الآخران و يبقى الاول خاصة، و من هذه الجهة
يساوي المعنى الاول، لانه ايضا يستلزم خلاف اصل واحد، الا انه يصير مرجوحا عنه
بملاحظة قوله: «فان كان بينهم ستر» الى آخره، فان الظاهر من لفظة: «الفاء» انه حكم
مترتب متفرع على سابقه و لا يلائم غيره، فيكون المراد ما لا يتخطى من الحائل و ان
كانت ارادته مرجوحة هنا من جهة اقحام لفظ: «القدر»و لكن التاويل فيه اسهل منه في
لفظة: «الفاء» . و منه يظهر عدم رجحان ارادة البعد في هذا الموضع ايضا. و اما الموضع الثالث فهو ايضا كالثاني في انتفاء المحذورين عن المعنى
الثالث بل محذور التفريع ايضا، و يلائم هذا المعنى ما تعقبه من قوله: «و يكون قدر
ذلك » بل هو بنفسه كاف في افادة هذا المعنى و لو كان جملة مستانفة.الا انه عن
دلالة الاشتراط خال، بل ظاهر لفظ: «ينبغي » الاستحباب، فلا يصلح حجة للاشتراط. و اما الموضع الرابع فيزيد المحذور فيه للمعنى الاول بعدم اشتراط انتفاء
الحائل في المراة و لكن المحذورات الثلاثة للمعنى الثالث فيه مجتمعة، و ليس
ارتكابها باسهل من حمل نفي الصلاة مع الحائل في المراة على ضرب من الكراهة او
ارادة انتفاء العلو. هذا كله مع ما في ارادة البعد من المخالفة للشهرة العظيمة حيث انه لم ينقل التحديد
بهذا القدر الا عن الحلبي و ابن زهرة (42) . و المعارضة مع اطلاق موثقة عمار المتقدمة (43) في بيان جواز اقتداء المراة مع الحائل،
بل ظاهرها حيث ان الطريق يكون مما لا يتخطى غالبا. و الاجمال من حيث المبدا، فان مبداه لا يتعين هل هو من الموقف او المسجد.و لا
يفيد قوله: «اذا سجد» في الصحيحة;لاحتمال تعلقه بقوله: «قدر ذلك » كما يحتمل التعلق
بالجسد. مع ما في الاول من الاستبعاد الواضح-كما صرح به في المعتبر (44) -بل الامتناع، اذ
مع تقارب الموقفين بهذا القدر الذي لا يزيد على شبرين غالبا لا يتمكن المصلي عن
السجدة بل يكون مسجده محل ركبته او ملاصقا معه. و ما في الثاني من عدم القائل ظاهرا، فان الظاهر ان من اعتبره اعتبره من
الموقف.فتامل. مع ان في الحمل على هذا المعنى اجمالا من جهة اخرى ايضا، فان معنى: «ما لا يتخطى » ما لا يعتاد تخطيه او ما ليس من شانه ذلك، و هذا كما يمكن ان يكون
من جهة الافراط يمكن ان يراد من جهة التفريط و يكون المعنى: اذا كان بينهم ما
لا يتخطى من القلة فلا صلاة لهم، لعدم امكان السجدة. و ظهر من جميع ذلك سر عدم اعتناء الاكثر في اعتبار مقدار البعد الى الصحيحة. و اما الثانية (45) فلعدم العلم بصحة روايات الدعائم و عدم انجبار هذه الرواية
ايضا، مضافا الى قصور دلالتها ايضا لبعض ما تقدم. و اذ قد عرفت ان المستند في المسالة هو الاجماع خاصة فاللازم فيما يتفرع
عليها الاقتصار على ما ثبت انعقاده عليه. و منه: مقدار البعد المبطل، فيجب تحديده بما ثبت الاجماع على اشتراط انتفائه. و لا يبعد انعقاده على ما يقال في العرف: ان هذا الصف بعيد كثيرا عن ذلك الصف،
اذ لا خلاف في البطلان به، الا ما حكي عن المبسوط من حكمه بجواز التباعد
بثلاث مائة ذراع (46) ، و عن الخلاف من تحديده البعد الممنوع منه بما يمنع من مشاهدة
الامام و الاقتداء بافعاله (47) .و مجرد ذلك غير قادح في حكم الحدس بالاجماع.مع ان
كلامهما كما صرح به جماعة (48) غير صريح بل و لا ظاهر في المخالفة، فيكون البطلان به
مجمعا عليه. و هو الدليل له، دون ما قيل من الاصل، و عدم مصحح للعبادة معه;لان الاصل يندفع
بالاطلاقات، و هي ايضا كافية في التصحيح. و القول بعدم انصرافها الى من يبعد بهذه المثابة واه;لان التحديد في ذلك
موكول الى الشرع و لا مدخلية لغيره فيه، فلا انصراف الى حد قبل تحديده. و لا يبطل بما دونه;لما مر من الاصل و الاطلاق المؤيدين بالشهرة العظيمة
التي-كما قيل-كادت ان تكون اجماعا (49) . خلافا للمحكي عن الحلبي و ابن زهرة (50) ، فمنعا عن البعد بما لا يتخطى; للصحيحة و الرواية المتقدمتين (51) . و قد عرفت ما في الاستناد اليهما من الاجمال في هذا اللفظ. و لو استندا في التقدير فيهما بمسقط جسد الانسان لاجبنا بعدم دلالة الصحيحة على
وجوبه;لاتيانه فيه بالجملة الخبرية.بل في الاتيان بقوله: «ينبغي »و ضمه مع تواصل
الصفوف و تماميتها دلالة واضحة على الاستحباب، بل-كما قيل (52) -هي اظهر من دلالة: «لا
صلاة » على الفساد.مع انه اذا جعل المبدا المسجد فلا يكون لهما كثير مخالفة مع
المختار-سيما مع احتمال ارادة مسقط تمام جسد الانسان حيث ينام مادا
رجليه-على ان يكون «اذا سجد» متعلقا بالقدر. و منه: ما ذكروه من انه هل يشترط ذلك مطلقا كما عن الشهيدين (53) ، ام يختص
بابتداء الصلاة خاصة حتى لو انتفى بخروج الصفوف المتخللة عن الاقتداء بظهور عدم
اقتدائهم اولا او عدولهم الى الانفراد ثانيا او انتهاء صلاتهم لم ينفسخ الاقتداء
كما عليه جماعة (54) ؟ فيحكم بالثاني، لانه المجمع عليه دون غيره. و منه: انه هل يجب على البعيد من الصفوف ان لا يحرم بالصلاة حتى يحرم بها قبله
من يزول معه التباعد، ام لا، بل يجوز لكل احد من المامومين الاحرام قبل كل من
تقدمه؟ فالمختار وفاقا لصريح جماعة (55) و ظاهر الاكثر: الثاني;لعدم ثبوت الاجماع على
مضرة مثل ذلك البعد المشغول بمن يريد الاقتداء و المظنون انتفاؤه قبل الركوع
ايضا، مضافا الى عدم تسميته بعدا عرفا، و عدم دلالة الصحيحة على اشتراط
انتفاء مثل ذلك ايضا لصدق الصف كما مر في الحائل، و استمرار عمل الناس كلا سلفا
و خلفا عليه و عدم انتظار كل لا حق من الصفوف لاحرام سابقه. و منه: ما اذا تجاوز طرف الصف المتاخر عن مقابلة المتقدم، فيخلو مقابله عن
الماموم اما مطلقا او في مجرد ذلك الصف، او كان وسط المتقدم منقطعا بحوض او
اسطوانة او نحوهما، فهل تبطل صلاة من في طرف الصف او مقابل الحوض من الصف
المتاخر؟ و الحكم عدم البطلان;لان الثابت من الاجماع اشتراط انتفاء هذا البعد بين
الصف المتاخر و المتقدم و لو كان المتقدم اقل من المتاخر، بل و لو كان شخصا
واحدا فيكون حكمه حكم الامام و يكون قرب بعض من الصف المتاخر اليه كافيا. مضافا الى ما مر من الصحيح (56) الدال على جواز الصلاة بين الاساطين الغير
المنفكة عن مثل ذلك غالبا، و استمرار الامة عليه من جهة تخلل الاساطين بين
الصفوف. و منه: ما اذا توسط بين الامام و الماموم او المامومين بعضهم مع بعض ما
يمنع التخطي و كان اقل من البعد الممنوع، كنهر او بئر، او كان احدهما في سطح و آخر في
سطح آخر فلا يضر على المختار. الى غير ذلك من الفروع. و منها: عدم تقدم الماموم على الامام بمعنى ان يكون اقرب الى القبلة منه،
بالاجماع المحقق و المحكي مستفيضا (57) ، المؤيد بطريقة الحجج و عمل الامة و الشواهد
الاعتبارية، و تضمن الاخبار الواردة في الجماعة قيام الماموم خلف
الامام او جنبه (58) ، فلو تقدم الماموم بطلت صلاته. و لا يجب تاخره عنه، على الحق المشهور، بل عن التذكرة الاجماع عليه (59) ; للاصل، و الاطلاقات، و رواية السكوني المتقدمة المصرحة بصحة صلاة كل من الشخصين
الناويين انه امام (60) ، فان مع اشتراط التاخر لا يتصور ذلك. و صحيحة محمد: «الرجلان يؤم احدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فان كانوا اكثر من
ذلك قاموا خلفه » (61) . و غيرها مما يدل على استحباب وقوف الماموم الواحد عن يمين الامام، فان
القيام عن اليمين اعم من التساوي. و لا ينافيه جزؤها الآخر المتضمن لقيام الاكثر من الواحد خلفه;اذ لا يثبت من
شي ء من روايته الزائد من الرجحان لمكان الجملة الخبرية.مضافا الى ان المخالف
في المقام ايضا لا يحمله على الوجوب بل يجعله من مستحبات الموقف. خلافا للمحكي عن الحلي (62) ، فاوجب التاخر بقليل، لدليل عليل. ثم المعتبر في التقدم و التساوي هو ما كان موردا للاجماع حيث انه دليل
المسالة.و الظاهر الاجماع على حصول التقدم بتقدم الاعقاب و الاصابع جميعا
حال القيام، و الركبتين و الاليتين حال الجلوس، و البطن و الصدر في
الحالين بمعنى اعتبار الجميع.و يساعده العرف و العادة اللذان حكمهما جماعة (63)
في المقام للخلو عن البيان الشرعي، فتجب مجانبة الماموم عن التقدم
بمجموع هذه، و لا يضر التقدم بالبعض. و لا يضر تقدم راسه حالتي الركوع و السجود لطول قامته و استطالته في حال
السجود، او الاعقاب خاصة او الاصابع او الركبتين او الاليتين كذلك، او
تقدم البطن او الصدر. خلافا لجماعة، منهم: الذكرى و البيان و الدروس و الروضة (64) ، فاعتبروا الاعقاب
خاصة. و لاخرى، منهم: النهاية و المسالك و روض الجنان (65) ، فاعتبروا الاعقاب و
الاصابع معا من غير التفات الى غيرهما. و لا دليل على شي ء منهما و ان كان الاخير اقرب الى العرف.
فرع: تجوز استدارة المقتدين بامام واحد حول الكعبة
بشرط ان لا يكونوا اقرب الى الكعبة من الامام، وفاقا للمحكي عن الاسكافي و
الذكرى (66) مدعيا عليه الاخير الاجماع;للاصل و الاطلاقات. و خلافا للفاضل في جملة من كتبه (67) ، فاوجب وقوف الماموم في الناحية التي فيها
الامام، لوجه غير تام. و منها: اي من لوازم صلاة الجماعة: سقوط وجوب القراءة عن الماموم في الجملة. و تحقيق الحال فيها يستدعي بسط المقال برسم مسائل:
المسالة الاولى:
لا قراءة واجبة على الماموم الغير المسبوق في الاوليين من الصلوات الجهرية
اذا سمع صوت الامام. اجماعا فتوى محققا و محكيا في الخلاف و المعتبر و المنتهى و التذكرة (68) ، و في
السرائر نفي الخلاف عن ضمان الامام القراءة (69) . و اتفاقا نصا، ففي صحيحتي الحلبي: «اذا صليت خلف امام يؤتم به فلا تقرا خلفه،
سمعت قراءته او لم تسمع » (70) . و زاد في احداهما: «الا ان تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرا» (71) . و عمر بن يزيد: عن امام لا باس به، قال: «لا تقرا خلفه ما لم يكن عاقا» (72) . و البجلي: «اما الصلاة التي لم تجهر فيها بالقراءة فان ذلك جعل اليه فلا
تقرا خلفه، و اما الصلاة التي تجهر فيها فانما امر بالجهر لينصت من خلفه،
فان سمعت فانصت و ان لم تسمع فاقرا» (73) . وزرارة: «من قرا خلف امام ياتم به فمات بعث على غير الفطرة » (74) . و اخرى: «و ان كنت خلف امام فلا تقران شيئا في الاوليين، و انصت لقراءته، و لا
تقران شيئا في الاخيرتين، ان الله عز و جل يقول للمؤمنين: «و اذا قرئ القرآن » يعنى في
الفريضة خلف الامام «فاستمعوا له و انصتوا» (75) و الاخيرتان تبع للاوليين » (76) .
و ثالثة: «اذا كنت خلف امام تاتم به فانصت و سبح في نفسك » (77) . و رواية المرافقي و ابي احمد: «اذا كنت خلف الامام تولاه و تثق به فانه تجزيك
قراءته، و ان احببت ان تقرا فاقرا فيما يخافت فيه، فاذا جهر فانصت، قال
الله سبحانه: «و انصتوا» (78) . و القصير: «اذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس فقرا القرآن فلا تقرا و اعتد
بصلاته » (79) . و في بعض النسخ: «فلا تقرا و اعتد بقراءته » مكان قوله: «فلا تقرا و اعتد بصلاته » و
الاول اصح. و ابن بشير: عن القراءة خلف الامام قال: «لا، ان الامام ضامن، و ليس الامام
يضمن صلاة الذين خلفه و انما يضمن القراءة » (80) . و موثقة يونس و فيها: «من رضيت به فلا تقرا خلفه » (81) . و صحيحة ابن سنان: «ان كنت خلف الامام في صلاة لا تجهر فيها حتى تفرغ و كان
الرجل مامونا على القراءة فلا تقرا خلفه في الاوليين » قال: «و يجزيك التسبيح في
الاخيرتين » قلت: اي شي ء تقول انت؟ قال: «اقرا فاتحة الكتاب » (82) . و قتيبة: «اذا كنت خلف امام ترضى به في صلاة تجهر فيها فلا تسمع قراءته فاقرا
انت لنفسك، و ان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرا» (83) . و موثقة سماعة: عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته و لا يفهمون ما يقول، فقال:
«اذا سمع صوته فهو يجزيه، و اذا لم يسمع قرا لنفسه » (84) . و رواية عبيد: «ان سمع الهمهمة فلا يقرا» (85) . و الرضوي: «اذا صليت خلف امام يقتدى به فلا تقرا خلفه سمعت قراءته ام لم تسمع،
الا ان تكون صلاة تجهر فيها فلم تسمع فاقرا» (86) . و ما ذكره الديلمي مرسلا قال: و روي «ان ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الامام
واجب » (87) .الى غير ذلك. و كذا لا قراءة راجحة في الاوليين منها مع سماع الصوت بالاجماع، و نسبه في
التذكرة الى علمائنا اجمع (88) .بل الظاهر عدم الخلاف في مرجوحيتها ايضا، كما حكي
عن التنقيح و روض الجنان (89) . و يدل عليه عموم صحيحة زرارة الاولى، و خصوص مرسلة الديلمي، و ضعفها منجبر بما ذكر،
و ان كان في دلالة البواقي نظر يظهر وجهه. و هل هي على الحرمة؟ كما هو صريح المقنع و المبسوط و النهاية و التهذيب و
الاستبصار و الوسيلة و الغنية و آيات الاحكام للراوندى (90) ، و ابن نما و المسائل
المهنائية للفاضل و تحريره و مختلفه و المدارك و الذخيرة (91) ، و ظاهر السيد و الخلاف و
الواسطة لابن حمزة و القاضي و الحلي و القواعد و التبصرة (92) ، بل هي المشهور عند
الطبقة الثالثة. ام الكراهة؟ كما هي مختار الديلمي و المعتبر و الشرائع و النافع و الارشاد (93) و
الموجز و المحرر و البيان و اللمعة و النفلية (94) .و عن الدروس و الروضة (95) عليها دعوى
الشهرة.و ظاهر الفاضل في النهاية و المنتهى و التذكرة (96) و ابنه في شرح الارشاد و
الشهيد في جملة من كتبه: التردد. الحق هو الثاني. لا لما قيل من ظهور التعبير في موثقة سماعة المتقدمة بالاجزاء في عدم المنع عن
القراءة اصلا، او عدم كونه للحرمة، فهي قرينة مقربة لاحتمال ارادة الاستحباب مما
ظاهره الوجوب (97) ;لمنع الظهور المذكور.و لو سلم فانما هو في مثل قوله: يجزيك ان
تفعل كذا، لا في مثل: يجزيك فعل فلان. و لا لصحيحة ابن يقطين: عن الرجل يصلي خلف امام يقتدى به في صلاة يجهر فيها
بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: «لا باس ان صمت و ان قرا» (98) . لكونها غير المسالة. بل للاصل السالم عن معارضة ما يصلح لاثبات الحرمة بالمرة;لضعف دلالة ما جعلوه
عليها حجة.و هو: ما استدل به المخالف القائل بالحرمة. و هو: الامر بالانصات المنافي للقراءة في الآية الكريمة، و اربعة من الاخبار
المتقدمة. و التصريح بان القراءة موجبة للبعث على غير الفطرة في الصحيحة (99) و بوجوب تركها
في المرسلة (100) . و النهي-الذي هو حقيقة في التحريم-في باقي الاخبار السالفة. و رواية ابن ابي خديجة الآتية الآمرة بالتسبيح. المؤيد كل ذلك بادلة الاحتياط و ضمان الامام للقراءة. و وجه الضعف: اما في الاول: فلعدم منافاة وجوب الانصات لجواز القراءة;لانه
هو الاستماع للحديث، كما ذكره اهل اللغة، قال في الصحاح: الانصات: السكوت و استماع الحديث (101) . و قال الثعلبي في تفسيره: و قد يسمى الرجل منصتا و هو قارئ او مسبح اذا لم يكن
جاهرا به، الا ترى انه قيل للنبي: ما تقول في انصاتك؟ قال، اقول: اللهم اغسلني من خطاياي.انتهى. و ايضا فسره به في الآية في الصحيحة (102) . و هو يتحقق مع القراءة ايضا، سيما اذا كانت خفية. و لا ينافيه ما في صحيحة معاوية بن وهب: «ان عليا كان في صلاة الصبح فقرا ابن
الكواء-و هو خلفه-آية، فانصت علي (عليه السلام) تعظيما للقرآن حتى فرغ من الآية، ثم
عاد في قراءته، ثم اعاد ابن الكواء فانصت علي ايضا ثم قرا، فاعاد ابن الكواء
فانصت علي » (103) . فانه لو لم يكن الانصات سكوتا لما كان يترك القراءة. فان القراءة لما كانت جهرية لصلاة الصبح كانت منافية للاستماع، فلعله لذلك قطع
القراءة. و كذا لا تنافيه مقابلته مع الامر بالقراءة مع عدم السماع في صحيحة البجلي، او
في الاخفاتية في رواية المرافقي، او مقارنته مع النهي عن القراءة سيما مع تعليل
النهي عنها بالامر به في احدى صحاح زرارة، او مع الامر بالتسبيح في النفس في
الاخرى، كما قاله بعض الاجلة.و جعل بعض هذه الامور قرينة على ارادة السكوت من
الانصات و ترك القراءة. لان مقتضى المقابلة عدم وجوب القراءة او رجحانها مع السماع و في الجهرية، لا
عدم جوازها، فيكون المعنى: الراجح او الواجب في الجهرية مع السماع الاستماع
سواء كان مع القراءة او بدونها، و في الاخفاتية او مع عدم السماع القراءة. و المقارنة الاولى كانت مفيدة لو كان القرين نهيا مفيدا للحرمة، و هو غير معلوم،
كما ياتي.فيمكن ان يكون المراد بيان كراهة القراءة او عدم وجوبها و وجوب
الانصات.و كون التعليل للنهي غير معلوم، فلعله للامر بالانصات بل هو كذلك.مع ان
تعليل كراهة القراءة بوجوب الانصات المتوقف كماله على السكوت لا ضير فيه. و الثانية كذلك (104) لو كان الامر بالتسبيح للوجوب، و هو ليس كذلك لعدم وجوبه
اجماعا. فيمكن جمع القراءة مع الانصات من دون تضاد و منافاة. و يدل عليه ايضا ما يصرح بجواز الذكر و الدعاء في الركعتين الاوليين، اما
مطلقا كرواية ابي خديجة: «اذا كنت امام قوم فعليك ان تقرا في الركعتين
الاوليين، و على الذين خلفك ان يقولوا: سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله
و الله اكبر» (105) . او في خصوص الجهرية كمرسلة الفقيه: اكون خلف الامام و هو يجهر بالقراءة
فادعو و اتعوذ؟ قال: «نعم فادع » (106) . فانه لا تفاوت بين الذكر و الدعاء و بين القراءة في المنافاة (107) و عدمها. و لذا جعل من يظن منافاة الانصات للقراءة اخباره معارضة لهاتين الروايتين و
به اجاب عنها (108) ، ثم رد ضعفهما-لو كان-بانه ينجبر بما عن التنقيح من نسبة وجوب
الانصات الى ابن حمزة خاصة، قال: و الباقون سنوه (109) .و هو ظاهر في دعوى الاتفاق و
صريح في ادعاء الشهرة على عدم وجوبه، و بذلك تخرج اخباره عن صلاحية تاسيس الحكم.
و قال: لا تفيد موافقتها للكتاب، للاجماع-على ما حكاه بعض الاصحاب-على عدم وجوب
الانصات للقراءة على الاطلاق كما هو ظاهر الآية، فاطلاقها للاستحباب قطعا، و به
يخرج الامر بالانصات في الاخبار عن افادة الوجوب ايضا، لتعليله بالامر
به في الآية، فيكون الامران متوافقين. و لكن يخدشه ان صحيحة زرارة الثانية صريحة في اختصاص الآية بالفريضة خلف الامام،
و لا اجماع على عدم الوجوب فيها، و الاجماع على الاستحباب في غيرها لا ينافي
الوجوب فيها، فيكون الامر في الآية للوجوب و به يتقدم موافقها على غيره، و لا
تخرج الاخبار الآمرة بالانصات عن حقيقتها بسبب التعليل. و اما في الثاني (110) : فلانه ليس صريحا في الوجوب;لشيوع ورود امثال ذلك في
المكروهات.مع انه ليس باقيا على حقيقته قطعا، سيما مع شمول الرواية للاخفاتية
المصرحة في الاخبار بجواز القراءة فيها، فهي على المبالغة محمولة. و اما في الثالث: فلضعفه الخالي عن الجابر.مع ان الظاهر انه ليس رواية مخصوصة،
بل نقل لما فهمه من الاخبار المتضمنة لمثل قوله: «لا تقرا» و ياتي ضعف دلالتها. و اما في الرابع: فلعدم صراحة غير رواية القصير (111) -على بعض النسخ الذي لا يفيد لاجل
الاختلاف-في النهي المفيد للحرمة، لاحتمال النفي ايضا، و هو لا يثبت سوى المرجوحية.
بل في اثباتها هنا ايضا نظر;لكون المقام مما يحتمل ان يكون مجازه نفي الوجوب.
مع ان اكثر هذه الروايات شاملة للاخفاتية، المجوزة فيها القراءة في الاخبار
كما ياتي، و تخصيصه بالجهرية ليس باولى من الحمل على المرجوحية او نفي الوجوب. و منه يظهر ضعف رواية القصير على تلك النسخة ايضا. هذا كله مع ما في النهي الوارد في مقام توهم الوجوب و بعد ثبوته من كلام
المشهور. و اما في الخامس: فلعدم كون هذا التسبيح واجبا.
المسالة الثانية:
الحق المشهور-بل نسب الى الكل عدا الحلي (112) -جواز القراءة في الجهرية مع عدم سماع
صوت الامام و همهمته;لصحاح الحلبي و البجلي و قتيبة، و موثقة سماعة، و رواية
عبيد و الرضوي المتقدمة (113) و انما خصصنا الحكم بعدم سماع الصوت و الهمهمة دون ما
يعم سماع القراءة الظاهرة في سماع الكلمات و الحروف، لان الاخبار بين متضمن
للفظ: «لم تسمع » مطلقا، و للفظ: «لا تسمع قراءته » و لقوله: «اذا لم يسمع صوته » و لقوله: «ان سمع الهمهمة » . و اختصاص الاخيرين ظاهر.و كذا الثاني;لانه و ان عبر بقوله: «فلا تسمع قراءته »
و لكن قوله بعده: «فان كنت تسمع الهمهمة » صريح في ارادة عدم سماع الهمهمة من الاول
ايضا. و الاول مجمل;لان ما لا يسمع غير معلوم هل هو القراءة او الهمهمة، و القدر
المتيقن خروج عدم سماع الهمهمة، اذ الحكم الثابت لعدم سماع القراءة ثابت له
ايضا و لا عكس، فعدم سماع الهمهمة مراد قطعا.مع ان المجمل يحمل على المفصل.و جعل
عدم السماع من باب الاطلاق غلط;اذ لا معنى لتعليق الحكم لمطلق عدم السماع و
مهيته، مع انه على فرضه يجب حمله على المقيد. خلافا لظاهر المقنع و الخلاف و الحلي و التبصرة (114) ، حيث اطلقوا عدم جوازها في
الجهرية;و لعله لاطلاق روايات عدم القراءة خلف الامام مطلقا او في الاوليين
او في الجهرية. و يجاب عنها-مضافا الى منع صراحتها في التحريم كما مر-بوجوب تقييد الكل،
لاخصية ما مر عن جميع ما ذكر حتى صحيحة الحلبي المتضمنة لقوله: «سمعت قراءته او لم تسمع » (115) لشمولها الاخفاتية و سماع الهمهمة.مع ان الظاهر ان
المراد فيها بقوله: «لم تسمع » الصلاة الاخفاتية بقرينة صحيحته الثانية (116) ،
فانها صريحة في ان المراد ب: «ما لم تسمع » السرية. و هل هو على الوجوب؟ كما هو ظاهر السيد و المبسوط و النهاية و الوسيلة و
الواسطة و صريح التهذيب و الاستبصار (117) ، و محتمل جمع آخر. او الاستحباب؟ كالمعتبر و المختلف و التذكرة و النهاية و التحرير و
الارشاد و البيان و الموجز و المحرر و شرح الارشاد لفخر المحققين و النفلية (118) و
محتمل بعض آخر. او الاباحة؟ كما هو ظاهر الراوندي و ابن نما و عن القاضي (119) و محتمل طائفة اخرى. او الكراهة؟ كما عن الديلمي (120) . الحق هو الاول;لصريح الامر-الذي هو حقيقة في الوجوب-به في الصحاح.و وروده في محل
توهم المنع ممنوع، كيف؟ ! و هو موقوف على ثبوت تقدم المطلقات المانعة عن القراءة
خلف الامام بدون القرينة المقيدة، على صدور الاخبار المفصلة، و من اين علم ذلك؟ !
مع ان صرف الامر عن حقيقته بوروده في المحل المذكور ممنوع عند اهل التحقيق و ان
قال به جماعة. دليل المخالف: صحيحة ابن يقطين السابقة (121) ، الظاهرة في تساوي الطرفين في
الراجحية و المرجوحية، فبها تخرج الاوامر عن حقيقتها لو افادت الوجوب، مع
انها-لما مر-ممنوعة. و زاد القائل بالاستحباب انه يتحمل المسامحة، فيثبت الرجحان باشتهاره و لو
في ضمن الايجاب عند الطائفة. و يضعف: بان الصحيحة متضمنة للفظ سماع القراءة الذي هو بدون القرينة ظاهر في سماع
الكلمات و الحروف بل حقيقة فيه، فعدمه اعم من سماع الهمهمة و عدمه، فهي اعم من
اخبار الوجوب فتخصص بها قطعا، و يحمل الجواز مع التساوي او الرجحان على صورة
عدم سماع القراءة و سماع الهمهمة خاصة، كما فعله في المبسوط و النهاية و التهذيب
و الاستبصار (122) ، و الواسطة و الشيخ ابن نما. و منع افادتها الوجوب لما مر ضعيف، كما مر.