المسالة الحادية عشرة:
لا ولاية للحاكم - و المراد به في زمان الغيبة: نائب الامام العام - على من له
اب او جد مطلقا، سواء كان صغيرا او كبيرا، فاسد العقل المتصل فساده بالبلوغ او
المتجدد، ذكرا او انثى، اجماعا في الصغير، بل كما قيل في غير المتجدد (227) ، و ان
نسب الخلاف في المتصل جنونه الى المحقق (228) ، و على المختار فيه. للاصل الخالي عن المعارض، اذ ليس الا ما يدل على اختيار الولي، و الولي فيها
الاب و الجد كما مر، مضافا في الصغير الى المفهومين المتقدمين. و لا على الصغيرين الخاليين عن الاب و الجد على الحق المشهور. للمفهومين. و لا على فاسد العقل المتصل فساده مع الوصي ايضا. لما مر من ولايته له. و له ولاية النكاح على فاسد العقل الخالي عن الاب و الجد و الوصي مطلقا، و المتجدد
فساده مع الوصي ايضا، بلا خلاف بين علمائنا يعلم، كما في التذكرة (229) ، بل
بالاجماع كما قيل (230) . لصحيحة ابن سنان المتقدمة الخالية عن المعارض. و للنبوي المروي في كتب اصحابنا - المنجبر ضعفه بالاشتهار - : «السلطان ولي من لا ولي له » (231) . و المراد: من له السلطنة و النائب العام كذلك و ان لم ينفذ سلطانه على الفساق و
الظلمة.
المسالة الثانية عشرة:
يصح توكيل كل من الزوجين او وليهما او احدهما في عقد النكاح. لظاهر الاجماع. و في التذكرة في توكيل الولي: لا نعرف فيه خلافا (232) . و تدل عليه ايضا المستفيضة من الاخبار: كموثقة البصري: «تزوج من شاءت اذا كانت مالكة لامرها و ان شاءت جعلت وكيلا» (233) . و في بعض النسخ «وليا» ، و هو ايضا يثبت المطلوب، اذ الولي الذي تجعله ليس الا
الوكيل. و رواية البزنطي، و فيها: «و ان قالت: زوجني فلانا، فليزوجها ممن ترضى » (234) . و موثقة الساباطي، و فيها: فان وكلت غيره بتزويجها منه؟ قال: «نعم » (235) . و رواية محمد بن شعيب المتقدمة (236) في مسالة الخطا في تعيين الزوجة. و مرسلة ابن بكير: في رجل ارسل يخطب عليه امراة و هو غائب، فانكحوا الغائب و فرض
الصداق، ثم جاء خبره بعد انه توفى - الى ان قال - : «و ان كان املك قبل ان يتوفى
فلها نصف الصداق، و هي وارثة و عليها العدة » (237) . و صحيحة ابي ولاد: عن رجل امر رجلا ان يزوجه امراة بالمدينة و سماها له و الذي
امره بالعراق، فخرج المامور و زوجها اياه، ثم قدم العراق فوجد الذي امره قد مات،
قال: «ينظر في ذلك، فان كان المامور زوجها اياه قبل ان يموت الآمر ثم مات الآمر
بعده فان المهر في جميع ذلك الميراث بمنزلة الدين » الحديث (238) ..و غير ذلك. و يدل عليه مثل ما تقدم (239) من قولهم: «يستامرها كل احد عدا الاب » . و قولهم: «تستامر البكر و لا تتزوج الا بامرها» (240) . و مثل مرسلة الكافي: عن رجل يريد ان يزوج اخته، قال: «يؤامرها، فان سكتت فهو
اقرارها» (241) . و قوله في مرسلة ابن بكير (242) - السابقة في اخبار استقلال الاب - : «تولي امرها من شاءت » (243) ..و غير ذلك. و تمام المطلوب يثبت بالاجماع المركب. و لا بد للوكيل حينئذ من الايجاب او القبول للموكل، فلا يصح لو نسبه الى نفسه،
او لم يذكر المنسوب اليه و ان نواه، للاصل المتقدم ذكره، فلا يعلم ترتب الاثر
الا بما علم الاثر معه، و لم يعلم الا مع النسبة الى الموكل. نعم، لو تاخر القبول عن الايجاب و ذكر المنسوب اليه في الايجاب يكفي
الاقتصار بنحو قوله: قبلت، لان تقدم ذكره يجعل القبول له ايضا. و هل يجوز للموجب ان يقول: زوجت من موكلك، ناويا كون التزويج لموكله من غير
ذكره؟ فيه نظر، و الاصل يعطي العدم.
المسالة الثالثة عشرة:
لو وكلت احدا في التزويج للغير نصا او ما في حكمه لا يجوز للوكيل تزويجها لنفسه
اجماعا، له. و للاصل. و صحيحتي الحلبي و الكناني (244) . و لو وكله لتزويجه من نفسه كذلك يجوز على الاظهر الاشهر، بل لظاهر الاجماع. للاصل الثابت من عمومات التوكيل (245) . و قيل بالمنع (246) . لايجابه كون واحد موجبا و قابلا. و لاصالة بقاء الحرمة. و لموثقة عمار: عن امراة تكون في اهل بيت فتكره ان يعلم بها اهلها، يحل لها ان
توكل رجلا يريد ان يتزوجها تقول له: قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال: «لا» ، قلت: و ان
كانت ايما؟ قال: «و ان كانت ايما» قلت: فان وكلت غيره بتزويجها منه؟ قال: «نعم » (247) .
و يرد الاول بمنع الايجاب. و الثاني باندفاعه بما مر. و الثالث بمنع الدلالة، اذ لعل عدم الحلية بتزويجها من نفسه لاطلاق قولها: «قد
وكلتك » من غير تصريح او نصب قرينة على توكيله في التزويج لنفسه ايضا، و ارادته
تزويجها لا يدل على علمها بها ايضا، و لو دلت عليه و لو بالعموم لا يدل على
ارادتها من قولها: «وكلتك » او نصبها قرينة، و زعم السائل - ان المنع لنفس توكيله لا
للاطلاق حيث قال بعده: «فان وكلت غيره » - لا يثبت ان الامر كذلك في الواقع، و ارجاع
نفي الحلية الى التوكيل في الاشهاد خاصة بعيد. و لو وكله مطلقا، فالاظهر الاشهر - كما قيل (248) - عدم جواز التزويج لنفسه. لشيوع التوكيل في التزويج للغير، و تبادره منه، لكثرة وقوعه في ذلك..و لا اقل من
صلاحية هذا قرينة لارادة الغير، فلا يجري فيه اصل الاطلاق، و يصير محل الشك،
فيصار الى مقتضى الاصل. و لموثقة عمار المتقدمة. و كذا لو وكله عموما، نحو: زوجني ممن شئت، للدليل الاول. و منه يظهر انه لو ظن شمول العموم له نفسه من خارج جاز. لانتفاء صلاحية الحال حينئذ للقرينة.
المسالة الرابعة عشرة:
هل يجوز للوكيل تولي طرفي العقد اصالة او ولاية في احدهما، او وكالة فيهما، او
للولي ولاية فيهما؟ ذهب الفاضلان و فخر المحققين و الشهيدان الى الجواز (249) ، بل هو الاشهر كما قيل (250) ،
و عن المسالك: نفي الخلاف فيه (251) . و استدل له بعموم ادلتي الولاية و الوكالة، فان المستفاد من الاولى: جواز تزويج الولي مطلقا، فيجوز تزويج شخص واحد كان وليا للزوجين. و من الثانية: جواز توكيل كل واحد و لو كان وكيلا للآخر او وليا عليه. و لا يشترط تغاير المتعاقدين حقيقة. لكفاية المغايرة الاعتبارية. و عدم دليل على اعتبار الحقيقية. بل عن الخلاف: الاتفاق على عدمه عندنا (252) . و يرد عليه انه: ان عموم ادلة الولاية يفيد ان الولي و لو كان واحدا لهما اذا
زوج من له الولاية عليه يصح، و لكن لم يثبت ان العقد الذي يوقعه منهما بنفسه يكون
تزويجا، اذ ثبوته فرع صحته، و لم يثبت بعد. و كذا يستفاد من عموم ادلة الوكالة: ان لهما توكيل كل احد، و لو وكيل الآخر او
وليه في التزويج، و لم يثبت كون العقد الصادر طرفاه من واحد تزويجا، مع انه لا
دليل عاما في توكيل الزوج، و انما هو بالاجماع المركب الغير الثابت تحققه في
المورد. و لذا ذهب بعض علمائنا - كما صرح به في الايضاح (253) - الى المنع. و هو الاقوى. لاصالة الفساد. و عدم دليل على الصحة. و عدم الدليل على اعتبار المغايرة الحقيقية انما يفيد لو كان هناك دليل على
الجواز، و ليس.
المسالة الخامسة عشرة:
لو ادعى رجل زوجية امراة: فهي اما مالكة لامرها. او مزوجة للغير. فعلى الاول: اما تصدقه. او تكذبه. او تقول: لا ادري.و هو انما يكون اذا ادعى الزوج تزويجها باذن وليها حين
ولايته عليها. فان صدقته يحكم بالعقد ظاهرا. لانحصار الحق فيهما. و عموم اقرار العقلاء على انفسهم جائز. فليس لاحد مزاحمتهما، الا المدعي الحسبي اذا ادعى حرمة احدهما على الآخر - لرضاع
بينهما، او نكاح في عدة، او جماع حين يزوجها لغيره، و نحوها - فيسمع ادعاؤه ان
كانت له بينة و الا فلا، و لا يمين على المنكر، لعدم كونه حقا للمدعي. و ان كذبته يطلب منه البينة، فان اقامها يحكم بزوجيتها له، فيجب عليهما
مراعاة حقوق الزوجية ظاهرا، و الا فله تحليفها. لعموم: «البينة على المدعي و اليمين على المنكر» (254) . قالوا: و يحكم قبل التحليف عليه بمقتضى اعترافه، و لها بمقتضى انكارها، فيحكم
عليه بكل ما يكفي فيه اعترافه، فيمنع من تزويج الخامسة، و من اختها و امها و بنت
اخوتها بدون اذنها، و باشتغال ذمته بالمهر، و لكن ليس لها مطالبته، لانه
مقتضى انكارها، و لا لغيرها و لو كان حاكما، لانه لو كان فهو حقها و ليس للغير
المطالبة بدون اذنها.و يلزمهم ان لوارثها المطالبة لو ماتت، لانهم لم ينكروه،
و ان لهم نصيبها من ارثه لو ماتا معا. و الحق: عدم ثبوت الاشتغال، اذ القدر الثابت ان الاعتراف بحق الغير يوجب
الشغل به اذا لم يصادفه انكارها، لان الاول كما يوجب الثبوت، الثاني يوجب
عدمه، لانه امر بين اثنين، ففي الحقيقة اقرت هي ايضا بعدم اشتغاله بحقها، و لان
الاشتغال لازمه وجوب الاداء، و تحققه يتوقف على جواز الاخذ. و لذا يعد قوله: اعط زيدا درهما، و لزيد: لا تاخذه، تناقضا، و لاجل ذلك ليس لوارثها
المطالبة، و لا يرثون نصيبها ايضا، لذلك، الا اذا ادعوا زوجيتها له لا من جهة
اعترافه السابق، بل ادعوا علمهم بها و بكذبها في الانكار، و اعترف الزوج بعد
دعواهم ايضا، فيكون الترافع معهم حينئذ، و يحكم فيه بمقتضى احكام المرافعة. و من ذلك يظهر عدم ثبوت اشتغاله بالانفاق و القسم و نحوهما مع قطع النظر عن
عدم تمكينها ايضا. و كذا يحكم لها بكل ما يلزم انكارها، بخلوها عن المانع، و جواز تزويجها بالغير،
وفاقا للروضة (255) . للاصل. و استصحاب الحكم السابق. و ايجابه الحرج في الجملة. و يظهر من الروضة وجود قول بمنعها. لتعلق حق الزوجية في الجملة. و لمنع تزويجها من نفوذ اقرارها به على تقدير رجوعها، لانه اقرار في حق الزوج
الثاني. و يرد الاول بمنع التعلق. و الثاني بمنع صلاحيته للمنع، اذ لا مانع من عدم نفوذ الاقرار. ثم ان رجعت الى الاعتراف فيؤخذ به، و ان استمرت على الانكار: فان حلفت يحكم
لها، و ان نكلت له و ان ردته فله ان حلف و لها ان نكل. لعموم ادلتهما. و في القواعد: عدم الالتفات الى دعوى الزوج الا بالبينة (256) . و ظاهره عدم تسلطه على تحليفها. و لا وجه له، كما صرح به المحقق الثاني (257) . هذا كله ان كان قبل تزويجها للغير. و ان كان بعده فيرجع الى الدعوى على المزوجة، و ياتي حكمه. و ان قالت: لا ادري.. فان ادعى عليها العلم علما او ظنا، فله حلفها على نفي العلم. لانه دعوى يستلزم تحقق المدعى به لثبوت حق له، فيدخل في عموم: البينة على
المدعي و اليمين على من انكر. و لكن لا يسقط به اصل الدعوى، فتسمع بينته لو اقيمت بعد ذلك. لان الحلف على نفي العلم، و لازمه عدم سماع بينة العلم لا بينة الزوجية. و ان لم يدع عليها العلم، فلا تسلط له عليها بالزوجية الا بعد قيام البينة. للاصل الخالي عن المعارض بالمرة. و لا بالحلف. للادلة المصرحة بان الحلف على البت: كصحيحة هشام: «لا يحلف الرجل الا على علمه » (258) . و في مرسلة ابن مرار: «لا يقع اليمين الا على العلم » (259) . و في رواية ابي بصير: «لا يستحلف الرجل الا على علمه » (260) . فلو لم تكن له بينة سقطت دعواه، بمعنى: عدم ترتب اثر عليها في حقه، اذ لم يثبت
من الشارع في حق المدعي سوى البينة او التحليف، و هما منفيان في المقام، و الاصل
عدم تحقق مقتضاها، فيحكم به. و تدل عليه ايضا - في بعض موارد عدم علم المدعى عليه - موثقة سماعة: عن رجل تزوج
امة او تمتع بها، فحدثه ثقة او غير ثقة، فقال: ان هذه امراتي و ليست لي بينة، قال:
«ان كان ثقة فلا يقربها، و ان كان غير ثقة فلا يقبل » (261) . و حسنة عبد العزيز: ان اخي مات و تزوجت امراته، فجاء عمي فادعى انه كان تزوجها
سرا، فسالتها عن ذلك فانكرت اشد الانكار، فقالت: ما كان بيني و بينه شي ء قط، فقال: «يلزمك اقرارها و يلزمه انكارها» (262) . و رواية يونس: عن رجل تزوج امراة في بلد من البلدان، فسالها الك زوج؟ فقالت: لا،
فتزوجها، ثم ان رجلا اتاه فقال: هي امراتي، فانكرت المراة ذلك، ما يلزم
الزوج؟ فقال: «هي امراته الا ان يقيم البينة » (263) . دلت هذه الروايات على عدم قبول قول مدعي الزوجية في سقوط حق الزوج الثاني مع ان
الزوج الثاني غير عالم به، كما يدل عليه الفرق بين الثقة و غيره في الاول، و سؤاله
عن حالها في الثانيين و انه لا حلف عليه. و اما قوله في الاول: «ان كان ثقة فلا يقربها» فلا يفيد ازيد من الكراهة، و لذا خصه
بالمقاربة دون سائر الامور و لم يحكم بزوجية الاول بمجرده و اختصاصها بمورد آخر
غير ضائر، اذ لا فرق بين الحقوق. و اما ما قد يذكر في كتاب القضاء، فيما اذا كان جواب المدعى عليه: لا اعلم، من احتمال رد الحاكم او المدعى عليه الحلف الى المدعي. فهو امر مخالف للاصل، محتاج الى التوقيف، و لم نجده، بل - كما عرفت - وجد غيره. و لا يتوهم عموم بعض روايات اليمين، لانها بين مجملة و مبينة بكون اليمين
على المدعى عليه، و المبين حاكم على المجمل. مع ان في صحيحة العجلي: «الحقوق كلها: البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه،
الا في الدم خاصة » الحديث (264) . و في رواية ابي بصير: «لو ان رجلا ادعى على رجل عشرة آلاف درهم او اقل من ذلك او
اكثر لم يكن اليمين على المدعي » الحديث. و في موثقته: «ان الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في اموالكم، حكم في اموالكم:
ان البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه » الحديث (265) . فلو كان اطلاق يجب التقييد بهذه الاخبار. و لا يتوهم دلالة اطلاق اخبار رد اليمين، لان الرد انما يكون فيما تعلق اليمين
بالمدعى عليه، فاذا لم يتعلق لا يكون رد. و اما ما قيل في وجهه من انه لولاه لزم عدم سماع دعوى مسموعة بلا جهة (266) . فواه، لان طلب البينة او التحليف على نفي العلم لو ادعاه عين سماعها. نعم، يلزم عدم ثبوت تسلط منها في بعض الصور، و ما الضرر فيه كما في مورد
الروايات الثلاث؟ ! حيث ان الظاهر عدم الخلاف فيها ايضا و فيما اذا كان
المدعى عليه وارثا. مع انه ورد في الروايات: «ان احكام المسلمين على ثلاثة: شهادة عادلة او يمين
قاطعة او سنة ماضية من ائمة الهدى » (267) . و في الصحيح: «ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: انما اقضي بينكم بالبينات و
الايمان » (268) . و في مرسلة يونس: «استخراج الحقوق باربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فان لم يكون
رجلين فرجل و امراتان، فان لم يكن فرجل و يمين المدعي، فان لم يكن شاهد
فاليمين على المدعى عليه، فان لم يحلف و رد اليمين على المدعي فهي واجبة عليه
ان يحلف و ياخذ حقه، فان ابى ان يحلف فلا شي ء عليه » (269) . و بين في سائر الروايات: ان اليمين على المدعى عليه و انه على العلم، فاذا خص
الشارع القضاء بذلك الانحاء فمن اين يتعدى الى غيره بلا دليل؟ ! غاية الامر
صيرورة دعواه لاغية، فلتكن كذلك، و ما الضرر فيه بعد كونها مخالفة للاصل؟ ! و لا يتوهم انه يمكن الزام المدعى عليه بلا يمين مردودة ايضا لعدم المعارض
لقول المدعي، لان الاصل من اقوى المعارضات، و من اين ثبتت حجية قول المدعي و
صلاحيته لدفع الاصل الثابت من الشرع؟ ! فان قيل: لاجل وجوب حمل افعال المسلمين و اقوالهم على الصحة و الصدق. قلنا: من اين ثبت ذلك؟ ! سيما حمل اقوالهم على الصدق اذا كانت مخالفة للاصل
مثبتة للحق على الغير، و لم نعثر الى الآن على دليل تام على ذلك، بل و لا على حمل
الافعال على الصحة، كما بينا في كتاب عوائد الايام و كتاب مناهج الاحكام (270) .
و لو سلمنا، فغاية ما نسلمه: انه لا يكذب في ادعاء علمه، و لكن من اين ثبتت حجية
علمه علينا؟ ! فان قيل: ورد في رواية البصري - المتضمنة لحكم الدعوى على الميت - : «فان ادعى و لا
بينة له فلا حق له، لان المدعى عليه ليس بحي و لو كان حيا لالزم اليمين او الحق
او يرد اليمين عليه » (271) . دلت على انه لو كان حيا لتعلق به احد الثلاثة، و لما لم يمكن اليمين او رده هنا
فتعين الالزام بالحق. قلنا: يجب اما تخصيص الحي بالعالم، او تخصيص الالزام و الرد به، و لا مرجح، فيحصل
الاجمال المسقط للاستدلال. و على الثاني - و هو ان تكون مزوجة، سواء زوجت قبل ادعائه او بعده و قبل طي الدعوى - :
ففيه الصور الثلاث المتقدمة ايضا. او لا. فعلى الاول: فالحكم ظاهر. و على الثاني: فلا مرافعة له مع الزوجة، بل يحكم عليها بمقتضى اعترافها، و هو
ثبوت كل ما يتعلق به مما يختص بنفسها، و لا مدخلية للغير فيه، اذ لم يثبت الا نفوذ
الاعتراف و تاثيره فيما يختص به، فلو طلقها الثاني او مات لم يجز لها
التزويج بغير الاول، و ليس لها على الثاني مهر و لا نفقة، كما مر. نعم، تبقى المرافعة مع الزوج الثاني، فان كانت له بينة فيحكم بمقتضاها، و الا
فللاول تحليفه، فان حلف فيحكم له بكل ما تقتضيه زوجيته لها مما لا ينافيه
تصديقها الاول، فلا تجوز له الخامسة و لا نكاح امها و نحوها، و يسلط على جماعها
و منعها من الخروج، و يجوز اجبارها على التمكين و الاطاعة، لانهما حقان
ثابتان له عليها، فلا يزولان الا بمزيل اجماعا. و ان لم يحلف يقضى بالنكول. و ان كذبته: فان اقام البينة فيحكم له. و المراد بالبينة المعتبرة هنا و في صورة تصديق الزوجة ايضا: من شهد على العقد
للاول، او اعترافها للثاني. و الا فقيل: تنقطع دعواه عليها في الزوجية بلا خلاف (272) . للروايات الثلاث المتقدمة. و لا حلف عليها، لاطلاقها، بل للاصل، لان المتبادر من عمومات الحلف و رده انما
هو الموضع الذي لو لم يحلف المنكر ثبت الحق، و لا يثبت هنا حق له. بل قيل: تنقطع دعواه فيما يترتب على الزوجية ايضا (273) . للاصل. و اطلاق الروايات. و خالف فيه جماعة (274) ، فاوجبوا اليمين عليها بالاضافة اليه. لعمومات اليمين. و رد بعدم عموم فيها يشمل ما نحن فيه، نظرا الى ان المتبادر منه لزوم الحلف
لقطع اصل الدعوى لا لوازمه، و العمدة في التعدية اليه هو الاجماع، و لم يثبت هنا. اقول: لمانع ان يمنع التبادر المذكور، بل لو سلمنا اختصاص اليمين بما تنقطع به
الدعوى فانما هو بالاجماع المنتفي في المقام، فتبقى العمومات بلا مخصص. فالحق: توجه اليمين عليها بالنسبة الى ما يترتب على الزوجية ان كان، بل
الظاهر توجهها اليها بالنسبة الى الزوجية ايضا، للعمومات المذكورة الدافعة
للاصل، مع منع التبادر الذي ادعوه فيها ايضا، بل الاختصاص الذي ذكروه انما هو
بالاجماع، و هو هنا منفي. و اما الروايات الثلاث، فلا تثبت الا انها امراة الثاني و لو حلفت، لا انه
ليس عليها الحلف و قد يريد الزوج المدعي تحليفها تشفيا له على انكارها. هذا، مع ان مورد الروايات ما لم يكن الزوج الثاني عالما و لم يدع المدعي علمه و
قد يدعي عليه العلم علما او ظنا ايضا، فعلى هذا يلزم ان لا يكون للمدعي تحليف واحد
منهما، اذ لا تثبت بتصديق احدهما الزوجية. و التحقيق ان يقال: لو ادعى على الزوجة فقط و اعترف بعدم علم الزوج فليس له
تحليفها، اذ الحلف انما يكون في مورد يمكن اثبات الحق بالنكول او الرد، و هو
منتف في المقام، و لو تركت الحلف لم يترتب عليه اثر. و لو لم يعترف بعدم علم الزوج فله تحليفها على نفي الزوجية ايضا، و ثمرته: انه مع
النكول او الرد تثمر دعواه على الزوج و تثبت الزوجية له بنكوله او رده ايضا. ثم ان للمسالة صورا كثيرة اخرى - كما اذا كانت الزوجة مولى عليها، فادعى على
وليها و غير ذلك - يستخرج حكمها مما يذكر في كتاب القضاء ان شاء الله تعالى.
المسالة السادسة عشرة:
لو ادعت امراة زوجية رجل فتجري فيه الصور المتقدمة في المسالة السابقة، و نظير
ما اذا كانت الدعوى على الزوجة ما اذا كان الزوج مزوجا بما لا يجتمع مع
زوجته هذه، كاختها او بنتها و كالاربع، و يظهر حكم الجميع مما ذكر.
المسالة السابعة عشرة:
لو ادعت امراة مزوجة زوجية رجل آخر: فان صدقها ذلك الرجل يقضي عليهما بما يختص بكل منهما، و تبقى لها دعوى مع زوجها
الاول: فان صدقها فحكمه ظاهر. و كذا ان قال: لا ادري. و ان كذبها فيكون منكرا، لان الزوجة حينئذ مدعية لفساد نكاح
هذا الزوج: فان اقامت الزوجة البينة التي شهدت بالتفصيل المتقدم فيحكم لها. و كذا ان حلفت اليمين المردودة. و الا فيحلف الزوج الاول و يحكم له. و ان كذبها الثاني فعليها البينة، فان اقامتها فيحكم لها، و الا فلها تحليفه،
فان حلف و الا فيحكم لها. و ثمرته تظهر فيما يترتب على الزوجية و في الدعوى على الزوج الاول، و على جميع
التقادير يؤخذ بما يختص بها باعترافها بفساد نكاح الاول. و منه يظهر الحكم لو ادعى رجل له زوجة زوجية من لا يجتمع مع هذه الزوجة، كامها او
اختها او الخامسة.
المسالة الثامنة عشرة:
لو اجتمعت دعويان غير ممكن الاجتماع صدقهما في الزوجية: كان تدعي امراة زوجية رجل و رجل آخر زوجيتها. او ادعى رجل زوجية امراة و اختها او بنتها او خامستها ايضا زوجيته. و كان الرجل الاول في الدعوى الاولى و المراة الاولى في الثانية منكرا، لان مع
تصديقه يرجع الى المسالة السابقة، سواء كان التصديق مسبوقا بانكار فرجع او لا.
فتكون هناك دعويان، تكون المراة و الرجل الثاني في المثال الاول و الرجل و
المراة الثانية في الثاني مدعيين في احدى الدعويين منكرين في الاخرى، فلا يخلو: اما ان تكون للمدعيين البينة. او لا تكون لشي ء منهما بينة، او تكون لاحدهما خاصة. فعلى الاخير: تكون لذي البينة اقامة بينة و لفاقدها حلف المدعى عليه على الاقوى.. فان سبق الاول في اقامة البينة و حكم له، يكون الثاني من باب مسالة دعوى المزوجة
زوجا آخر، او دعوى الرجل زوجية المزوجة، او دعوى المراة زوجية رجل له زوجة لا
تجتمعان، او الرجل زوجية امراة لا تجتمع مع زوجته، و قد مر حكم الجميع، الا انه
لا تطلب البينة هنا من ذي البينة الذي اقامها ثانيا فيما كان الحكم في السابق
طلب البينة منه، لانه قد اقامها اولا. و ان سبق الثاني في الحلف، فان حلف المنكر فحكمه ظاهر، و ان نكل او رد تثبت دعوى
المدعي. و ترجع المسائل الاربع - الحاصلة باعتبار المثالين و المدعيين - الى بعض
المسائل المتقدمة التي ظهر حكمها ايضا... مثلا: لو نكل الرجل الذي تدعي[المراة] (275) زوجيته قبل اقامة الرجل الآخر البينة على
زوجيتها، تصير من باب مسالة مدعي زوجية المزوجة، و هكذا، و لا يمين على ذي البينة
حينئذ فيما شهدت له البينة، للاصل. و توهم شيخنا الشهيد الثاني في الروضة حكم المصنف به (276) ، فنسبه اليه و تبعه بعض
آخر (277) ، و لم يذكره احد قبله كما صرح به في الروضة، مع ان الظاهر ان مراد المصنف:
الحلف للدعوى الآخر، لا على ذي البينة، كما فهمه الشارح و حمل الآخر على ذي البينة، مع
ان المراد منه الادعاء الآخر. و على الثاني - و هو ان لم يكن لهما بينة - : فلكل واحد منهما تحليف المدعى عليه، و لا
يخلو: اما يحلفان. او يحلف احدهما و الآخر يرد او ينكل. او هما معا يردان او ينكلان. فان حلفا فالحكم ظاهر. و ان حلف احدهما ورد الآخر او نكل، فاما يسبق التحليف او الرد و النكول.. فان سبق التحليف فترجع المسائل الاربع الى اربع من المسائل المتقدمة.. مثلا: [ان] (278) حلفت المراة لمدعي زوجيتها اولا، ثم حلفت هي اليمين المردودة من
الرجل الآخر المنكر زوجيتها، يرجع الى ما اذا ادعت المراة التي ليس زوج لها
زوجية رجل و حلفت يمينا مردودة.و ان حلف الرجل المدعي لاخت من يدعي زوجيتها يرجع
الى ما اذا ادعى الرجل زوجية امراة لا مانع لها، و هكذا. و ان سبق الرد و النكول التحليف يرجع الى مسائل اربع اخرى من المسائل المتقدمة..
مثلا: ان نكلت الزوجة اولا ثم ارادت حلف الرجل المدعى عليه يرجع الى مسالة دعوى
المراة المزوجة زوجية رجل آخر، و هكذا. و ان ردا او نكلا معا فيرجع الى اربع مسائل اخرى من المسائل المتقدمة.. مثلا: لو نكل الرجل الذي يدعي عليه اخت الزوجة التي يدعي هو عليها بعد رده الحلف،
تصير مسالة ما اذا ادعى الرجل المزوج زوجية من لا يجتمع مع زوجته، و هكذا. و على الاول - و هو ان تكون لكل منهما بينة - : فاما تكونان مؤرختين فيعمل بالسابق، و وجهه ظاهر، مضافا الى قوله في ذيل
رواية الزهري الآتية: «الا بوقت قبل وقتها» . او احدهما خاصة، فيعمل بمقتضاه خاصة. لاصالة تاخر الحادث. و الرواية الزهري الشاملة باطلاقها لما اذا كانت بينة الزوج مؤقتة، بل ظهورها
فيها من جهة قوله: «لان الزوج قد استحق بضع هذه المراة » و قوله: «قبل وقتها» ،
فانهما ظاهران في توقيت بينة الزوج. او ليس شي ء منهما مؤرخا، فتتعارضان. و ظاهر انه لا يمكن العمل بالبينتين، للتناقض. و لا باحدهما من دون مرجح، لبطلان الترجيح بلا مرجح. فمقتضى القاعدة: اما طرحهما، فتصير مثل ما اذا لم تكن لهما بينة اصلا، و قد
عرفت حكمه. او يقرع بينهما ان جازت القرعة اذا تعارضت البينتان، لانها لكل امر مشكل. الا انه ورد في رواية الزهري: في رجل ادعى على امراة انه تزوجها بولي و شهود، و
انكرت المراة ذلك، و اقامت اخت هذه المراة على هذا الرجل البينة انه تزوجها
بولي و شهود و لم توقت وقتا: «ان البينة بينة الزوج و لا تقبل بينة المراة، لان
الزوج قد استحق بضع هذه المراة، و تريد اختها فساد هذا النكاح و لا تقبل بينتها
الا بوقت قبل وقتها او دخول بها» (279) . و ضعفها منجبر بالشهرة، بل دعوى عدم الخلاف و الاجماع (280) ، و مقتضاها: استثناء
صورة من توقيت احدى البينتين و صورة من انتفاء التوقيت فيهما عن الحكم الذي
ذكرنا، و هي ما اذا كان الزوج قد دخل بالمدعية. فانه حينئذ تقدم بينة الزوجة، سواء وقت بينة الزوج ام لا، لان الظاهر كون الدخول
لزوجته، فيقدم الظاهر على الاصل في الصورة الاولى، و يقدم المقارن للظاهر على
الفاقد له في الثانية بالنص المذكور، لانه اما ظاهر في صورة توقيت بينة الزوج -
كما مر - فيثبت الحكم في الاولى بالصراحة و في الثانية بالاولوية، او شامل لها
فيثبته في الصورتين بالاطلاق. و لا يرد الاشكال: بان الزوج منكر فلا وجه لتقديم بينته، لانه مدع بالنسبة الى
المراة الاخرى و هي منكرة، كما صرحت به الرواية، فاعتبار بينته انما هو
بالاضافة اليها، لكونه مدعيا في مقابلها. و لكن الحكم مخصوص بمورد الرواية - اي ما كان الرجل مدعيا على امراة و اختها
عليه - و لا يتعدى الى غيره، حتى الى ما اذا كانت المدعية على الرجل بنتها او
امها، بل الحكم في سائر الشقوق باجمعها ما ذكرنا من القواعد. فالقول بالحكم للمدعية في المثال الثاني مع يمينها في صورة انتفاء البينة و تحقق
الدخول بها ترجيحا للظاهر على الاصل مطلقا، و له مع البينتين مطلقا، لرجحان
بينته على بينتها، لانكارها فعله الذي لا يعلم الا من قبله، فلعله عقد على المنكرة قبل
عقده على المدعية. غير صحيح، لمنع ترجيح الظاهر على الاصل باطلاقه، و منع عدم امكان العلم الا من قبله،
مع انه غير جار في صورة توقيت البينتين بوقتين متساويين. ثم ان بعد تقديم بينة المنصوص هل عليه اليمين ايضا؟ الحق: لا، للاصل، فان مشروعية اليمين توقيفية، و لم يوقف في المورد. و قيل: نعم، لجواز وقوع لم يطلع عليه البينة (281) . قلنا: هذا القدر غير كاف في اثبات اليمين، بل اللازم في اثباتها الدليل
الشرعي، و الجواز - بعد حكم الشارع بالتقديم - غير مضر، و الا فمع اليمين ايضا لا
ينتفي الاحتمال. نعم، لو ادعى عليه سبق عقد حتى تتحقق دعوى اخرى اتجه الحكم باليمين.
مسالة:
الظاهر وجوب مراعاة الولي عدم المفسدة في النكاح. لظاهر الاجماع. و عمومات نفي الضرر، المعارضة مع عمومات لزوم تزويج الولي، الراجحة عليها
بموافقة الكتاب و السنة و اصالة عدم ترتب الاثر، فلا يجوز معها، و لو زوج و
الحال هذه بطل. و هل تجب مراعاة المصلحة في النكاح؟ الظاهر: لا، للاصل، و العمومات. نعم، لو قلنا بوجوب مراعاة المصلحة في التصرفات المالية يجب على الزوج
مراعاتها في المهر، بل يحتمل التعدي الى الانفاق ايضا، و المصلحة المراعاة
انما هي بحسب وقت النكاح لا ما يتجدد بعده.
مسالة:
لا يشترط في تزويج المولى عليها ان يكون بمهر المثل او ازيد، للاصل، و اطلاقات
تزويج الولي. و لا يتوهم ان الاصل عدم تحقق التزويج، اذ لا كلام في ان الاختلاف هنا ليس لعدم
صدق التزويج..فلو زوج بدونه صح العقد و لزم و ان لم تراع فيه مصلحتها ما لم تكن
لها فيه مفسدة، للاطلاقات، و العمومات: كصحيحة الحلبي: في الجارية يزوجها ابوها بغير رضا منها، قال: «ليس لها مع ابيها امر اذا انكحها جاز نكاحه و ان كانت كارهة » (282) . و صحيحة ابن الصلت و صحيحة ابن بزيع و غيرها، المتقدمة في بحث ولي العقد (283) . و لا يعارضها ما دل على ثبوت الخيار - كصحيحة محمد (284) - لما مر من مرجوحيتها. و ربما قيل ببطلان العقد مع عدم رعاية المصلحة، لانه عقد جرى على خلاف المصلحة. و فيه: ان وجوب عدم كون العقد مخالفا للمصلحة غير معلوم، بل هو اول النزاع، مع ان
عدم رعاية المصلحة غير كونه خلاف المصلحة. و قيل: بان لها خيار فسخه، لفساد المهر الذي جرى عليه العقد، لعدم رضائها به. و فيه اولا: منع اقتضاء فساد المهر للخيار في النكاح، للرجوع الى مهر المثل. و ثانيا: منع فساده المهر، بل الحق صحة المهر المسمى و لزومه ايضا، لمثل ما
ذكر من الاصل، و العمومات، و عمومات لزوم المهر المسمى كملا او نصفا،
المذكورة في ابواب ما يوجب المهر و ما اذا ماتت المراة او طلقت قبل الدخول. المعتضدة كلها بقوله تعالى: «او يعفو الذي بيده عقدة النكاح » (285) ، فاذا ساغ له العفو
فنقصه ابتداء اولى، وفاقا للمحكي عن المبسوط و الخلاف (286) . و قيل بالبطلان - نقله في المبسوط (287) - لان عليه مراعاة القيمة في مالها ففي
بضعها اولى. و هو ممنوع. و عن المحقق و في القواعد و التحرير (288) : اثبات الخيار لها فيه، سواء اعتبرت
فيه المصلحة ام لا، لانه عوض لها في بضعها، فالنقص فيه ضرر منفي في الشرع، فينجبر
بتخييرها في فسخ المسمى و الرجوع الى مهر المثل. و فيه: ان النكاح ليس في الحقيقة معاوضة، و لذا لا يشترط فيه المهر ايضا، فاذا
قبل الخلو عنه يقبل النقص بالطريق الاولى، و ليس المهر عوضا حتى يلزم من نقصه
الضرر، بل المطلوب الاصلي في النكاح بقاء النسل و تحصين الفرج، فلا ينظر الى ما
يقابله من العوض الواقع بالعرض. و في الروضة قوى اللزوم في المسمى مع مراعاة المصلحة، و الخيار مع عدم
مراعاتها (289) ، و استوجهه في المفاتيح (290) و شرحه، لان الاصل في تصرف الولي:
مراعاة مصلحة المولى عليه، فحيث اوقعه على خلاف المصلحة كان لها الخيار. و فيه: منع الاصل في المورد، للاصل.
مسالة:
لو زوج الولي المولى عليه باكثر من مهر المثل: فان كان من مال الولي صح و لزم بلا خلاف - كما قيل - و ان دخل المهر حينئذ في ملك
المولى عليه ضمنا. و كذا ان كان ذلك مقتضى مصلحة، لانها للضرر جابرة. و الا فالحق ثبوت الخيار له، لانه اضاعة للمال، و ضرر منفي في الشرع و مفسدة،
فيجب دفعه، و هو بالخيار يدفع. بل يمكن ان يقال: انه مناف للمصلحة التي يستفاد من الاخبار لزوم مراعاتها على
قيم الصغار، بل لم يثبت من دليل جواز مثل ذلك التصرف في اموالهم، فيبطل اصل
المهر. و يحتمل ضمان الولي له ان كان ابا. لاطلاق قوله في صحيحة الحذاء: «و المهر على الاب للجارية » (291) . و في صحيحة محمد: «فان المهر على الاب » (292) . خرجت عنه الصور التي تتعلق بذمة المولى عليه بالدليل، فيبقى الباقي، و منه المورد،
سيما اذا كان اطلق و لم يصرح بتعلقه بمال الصبي. ثم ان قلنا ببطلانه او بثبوت الخيار له و لم يجزه بل ابطله، فهل يبطل العقد؟ او لا يبطل و يكون لازما و يثبت لها مهر المثل؟ او يثبت لها الخيار فيه؟ الاول: مقتضى تبعية العقود للقصود. و الثاني: مبني على عدم فساد النكاح بفساد المهر او الشرط. و الثالث: لا وجه له، لانه ان ثبت عموم صحة النكاح مع فساد المهر او الشرط
بحيث يشمل المورد فالثاني و الا فالاول، و ياتي تحقيقه في بحث المهور. هذا اذا لم تعلم المراة فساد المهر، او تخير الزوج حين النكاح. و اما لو علمته، فيصح النكاح و يلزم البتة. لعدم المقتضي للبطلان او الخيار، فان مع علمها لا يعلم قصدها النكاح بالمهر
المخصوص البتة، فلا يؤثر فساد المهر، كما بينا وجهه مفصلا في عائدة: العقود تابعة
للقصود من كتاب عوائد الايام (293) .
مسالة:
لو زوج الولي الانثى او الذكر بمن فيه احد العيوب الموجبة للفسخ، كان للمولى
عليه الفسخ بعد الاطلاع و الكمال، سواء علم به الولي حين العقد او لا، و سواء كان العقد
مقتضى المصلحة ام لا. لادلة ثبوت الخيار مع احد هذه الاوصاف و الجهل به: كصحيحة الحلبي: «يرد النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل » (294) . و قريب منه في صحيحتيه الاخريين (295) . و غيرها من اخبار العنين و المجنون الآتية في بحثها. و قد يستشكل في خيار المولى عليه مع علم الولي بالعيب، لانه ان راعى الغبطة مضى
تصرفه و الا كان باطلا او فضوليا. و يضعف بمنع الشرطيتين، لاطلاق ادلة التخيير بالعيوب، و عدم الدليل على اعتبار
الغبطة زيادة على التزويج، و التضرر بالعيب المنفي يجبر بالخيار و لا معارض
غيره. و عن ظاهر الخلاف: عدم الخيار (296) . و لا وجه له بعد ما عرفت. و قد يوجه: بانه مبني على وجوب اعتبار المصلحة على الولي، فبعد رعايتها لزم العقد
و رفع الاختيار. و فيه: منع الوجوب اولا، و عدم ايجابه لتخصيص ادلة الخيار ثانيا.
مسالة:
لو زوجها الولي بغير كفو: فان كان عدم الكفاءة مما يوجب الخيار - كالاعسار الذي لا يقدر معه على الانفاق
على القول بالخيار فيه - كان لها الخيار ايضا. و ان كان مما يمنع عن التزويج - كالكفر و نحوه - بطل العقد. و الوجه فيهما ظاهر.
مسالة:
الوكيل ان كان مقيدا تجب عليه متابعة القيد، فان خالف وقع فضوليا. و ان كان مطلقا يختار ما شاء و من اراد، الا ان تدل قرينة حالية على ارادة قيد
فيجب اتباعه، و ان خالفه فيكون كما اذا خالف المقيد.
مسالة:
النكاح الفضولي صحيح غير لازم، يلزم بالاجازة من ولي العقد، فان اجاز لزم و الا
بطل في الحر و العبد. وفاقا للمفيد و العماني و السيد و النهاية و التهذيب و الاستبصار و الديلمي و
القاضي (297) (و الحلبي و الحلي و الفاضلين) (298) ، و جميع من تاخر عنهما، بل هو على
الاشهر الاظهر، بل في الناصريات الاجماع عليه مطلقا (299) ، و في السرائر في الاول،
و عن الخلاف في الثاني (300) . للمستفيضة من النصوص، منها في الاول، كموثقة البقباق، و فيها: «اذا زوج الرجل ابنه فذلك الى ابنه » (301) . و صحيحة الحذاء، و فيها: عن غلام و جارية زوجهما وليان لهما و هما غير مدركين،
فقال: «النكاح جائز، و ايهما ادرك كان له الخيار»الحديث (302) . و في ذيلها ما يصرح بان المراد بالولي غير الاب. و اثبات الخيار و ان لم يكن
صريحا في الفضولي - لجواز ارادة خيار الفسخ - و لكنه يثبت المطلوب بضميمة
الاصل. لان خيار الفسخ مع الفضولي مشتركان في كثير من الاحكام، و يزيد الاول باحكام
مخالفة للاصل، فثبت المشترك، و ينفى الزائد بالاصل. مع ان تتمة الصحيحة، و هي قوله: «و ان ماتا قبل ان يدركا فلا ميراث بينهما و لا
مهر الا ان يدركا و رضيا» قلت: فان ادرك احدهما قبل الآخر؟ قال : «يجوز ذلك عليه ان هو رضي » قلت: فان كان الرجل الذي ادرك قبل الجارية و رضي
بالنكاح ثم مات قبل ان تدرك الجارية، اترثه؟ قال: «نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك
فتحلف بالله ما دعاها الى اخذ الميراث الا رضاها بالتزويج » الحديث. صريح في ان النكاح فضولي، اذ لو كان المراد خيار الفسخ لكان عدم الفسخ كافيا
في التوريث من غير حلف، و لم يسقط التوارث بالموت قبل الادراك. و رواية محمد: رجل زوجته امه و هو غائب، قال: «النكاح جائز، ان شاء المتزوج قبل و ان
شاء ترك، و ان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه » (303) . و صحيحة ابن بزيع المتقدمة في تزويج الوصي (304) ..و غير ذلك. و منها في الثاني، كحسنة زرارة: عن مملوك تزوج بغير اذن سيده، فقال: «ذاك الى سيده
ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما» ، فقلت: اصلحك الله، ان الحكم بن عتيبة و
ابراهيم النخعي و اصحابهما يقولون: ان اصل النكاح فاسد فلا تحل اجازة السيد
اليه، فقال ابو جعفر عليه السلام: «انه لم يعص الله، انما عصى سيده، فاذا اجازه
فهو له جائز» (305) . و روايته: عن رجل تزوج عبده بغير اذنه، فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه، فقال:
«ذلك الى مولاه، ان شاء فرق بينهما و ان شاء اجاز نكاحهما» الحديث (306) . و تدل عليه ايضا صحيحة ابن وهب (307) المروية بطرق عديدة، و صحيحته الاخرى ايضا (308) ،
و عبيد بن زرارة (310) ، و غيرها مما يظهر للمتتبع في
الموضعين. خلافا لاحد قولي الشيخ في الخلاف و المبسوط، فافسد الفضولي هنا من اصله (311) . و لفخر المحققين، فافسده في جميع العقود التي منها النكاح (312) . للاصل، و بعض الاخبار العامية (313) ، و الروايات الخاصية: منها: الروايات المتقدمة المتضمنة لقوله عليه السلام: «و لا تنكح الا بامرها» (314) . و قوله: «لم يزوجها الا برضا منها» (315) . و قوله: «لا تزوج ذوات الآباء من الابكار الا باذن آبائهن » (316) و نحوها. و منها: رواية البقباق: الامة تتزوج بغير اذن اهلها، قال: «يحرم ذلك عليها و
هو الزنى » (317) . و الاخرى الرجل يتزوج الامة بغير علم اهلها، قال: «هو زنى، ان الله يقول:
«فانكحوهن باذن اهلهن » » (318) . و الاصل يندفع بما مر. و العاميات مردودة بعدم الحجية. و الخاصيات المتقدمة كلها عن الدال على الحرمة خالية، مع انها اعم مطلقا من
ادلة الجواز - لاشتمالها الفضولي و غيره - فتخصص بها. و روايتا البقباق غير ناهضتين، اذ لا شك ان التزويج ليس زنى، فيكون المراد
منه الوط ء، و حمل الزنى على انه مثله مجازا ليس باولى مما ذكرنا. مع انهما معارضتان بصحيحة ابن حازم: في مملوك تزوج بغير اذن مولاه، اعاص لله؟
قال: «عاص لمولاه » ، قلت: حرام هو؟ قال: «ما ازعم انه حرام، قل له: ان لا يفعل الا
باذن مولاه » (319) . و لا يتوهم دلالة مفهوم صحيحة محمد المتقدمة - القائلة بانه: «ان كان ابواهما
اللذان زوجاهما فنعم جائز و لكن لهما الخيار اذا ادركا» الحديث (320) - على عدم
جواز الفضولي من غير الابوين، لاحتمال كون المراد خيار الفسخ دون الرد او
الاجازة في الفضولي. و لمن ابطل الفضولي في المملوك خاصة. لرواية عامية مردودة. و لقبح التصرف في ملك الغير بدون اذنه و كونه منهيا عنه. و يرد بمنع النهي عن هذا بعد ما مر، بل منع كون ذلك تصرفا فيه. ثم على المشهور المختار، فهل يصح الفضولي مطلقا، اي من كل من كان؟ او يختص بالبعض؟ المشهور هو: الاول، لما مر. و عن ابن حمزة (321) : اختصاصه بتسعة مواضع: عقد البكر الرشيدة على نفسها مع حضور
وليها، و عقد الابوين على الابن الصغير، و عقد الجد مع عدم الاب، و عقد الاخ و
الام و العم على صبيته، و تزويج الرجل عبد غيره بغير اذن سيده، و تزويجه من
نفسه بغير اذن سيده، لتوقيفية العقود، و اختصاص ما مر بهذه المواضع و لا دليل في
غيرها. و هو كذلك، فاني الى الآن لم اعثر على خبر يتجاوز عنها، بل لا يبعد اختصاص قول (322)
القدماء ايضا ببعض المواضع، لخلو كلام كثير منهم عما يفيد التعميم. و لعل مستند المشهور في التعدي: الاجماع المركب او تنقيح المناط. و الثاني منظور فيه. و اما الاول، فان ثبت - كما هو المظنون - فهو، و الا فللتامل في التعميم مجال
واسع، و امر الاحتياط واضح. بل في صحيحة الحذاء: في رجل امر رجلا ان يزوجه امراة من اهل البصرة من بني تميم،
فزوجه امراة من اهل الكوفة من بني تميم، قال: «خالف امره و على المامور نصف الصداق لاهل المراة و لا عدة عليها و لا ميراث
بينهما» (323) . و هي - بترك الاستفصال - تدل على بطلان التزويج و لو قبله الزوج. نعم، في عموم روايتي عباد و عبيد الآتيتين (324) - الحاصل بترك الاستفصال - دلالة
على جواز نكاح غير من ذكر مطلقا الصغيرة فضولا، و معه تقرب دعوى الاجماع
المركب في الجميع، اذ الظاهر - بعد التجاوز عن التسعة - عدم القول بالفصل. و على الاختصاص تكون فضولية التسعة انما هو على القول بعدم استقلال البكر، و
عدم ولاية الاب على الابن، و لا الجد مع عدم الاب. و اما على الاقوال الاخر فتنقص مواضع الفضولي عن التسعة.
فروع:
ا: المراد بالعقد الفضولي: الصادر عمن لا يملك امر المعقود عليه اصالة او ولاية او
وكالة، فالصادر عن احد الثلاثة لا يكون فضوليا. و هل يجوز لاحد الاخيرين ايقاعه فضوليا فيما له فيه الاختيار، بان يقصد
ايقاعه من جانب المعقود عليه، فان شاء اجاز و ان شاء رد؟ الظاهر: لا، لعدم ثبوت جواز الفضولي عنه، و لان قصده لا يؤثر في سقوط اختياره
للاصل، و مع الاختيار لا يكون في النكاح خيار. نعم، لو اوقع احدهما ما ليس له فيه الاختيار فضوليا - كتجاوز الوكيل عما و كل
فيه، او الولي فيما له فيه الولاية، كالعقد بازيد من مهر المثل - جاز و ان لم يجز
ولاية. ب: هل يشترط في صحة الفضولي قصد كونه فضوليا، او عدم قصد كونه بالاختيار، ام لا؟ و تظهر الفائدة فيما اذا ظن الفضولي - كالام او الاخ - كونه وليا او الوكيل
عموم وكالته، او الولي عموم ولايته لما يفعل ايضا، و لم يكن كذلك. الظاهر:
الاخير، لاطلاقات اخبار الفضولي. ج: الظاهر عدم الخلاف في عدم اشتراط التصريح بالفضولية في اللفظ، و لو قال
الوكيل المتعدي عما له الوكالة فيه فضولا: زوجت موكلتي، جاز، لصدق كونها موكلة، و
كذا الولي، و لو قال من ليس له وكالة اصلا كذلك لم يصح، الا اذا صح التجوز و قصد
المعين. د: لو سبق العقد الفضولي بالانكار او اظهار الكراهة - كان استامر من يريد
تزويجه فلم ياذن و انكر - فهل[لا] (325) يؤثر الفضولي عنه بعده - الا بعد مضي زمان او
حدوث امر جوز معه الرضا - ام لا؟ ه: يشترط في تحقق الاجازة علم المجيز بالخيار، فلو لم يعلمه و ظن اللزوم و
لاجله رضي و مكن لم يسقط خياره و لم يكن ذلك اجازة، لعدم الصدق، و استصحاب الخيار.
و: ليس الخيار في الفضولي فوريا، فلو اطلع و سكت، له الخيار كلما اراد، للاصل، و
الاستصحاب، بل الاطلاق. ز: لو قبل العقد الفضولي و اجازه لزم من جهته. و ليس له بعده رده الا بالطلاق اجماعا. و لو رده لم تؤثر بعده الاجازة، للبطلان بالرد بالاجماع، فلم يبق شي ء تؤثر معه
الاجازة. ح: الاجازة كاشفة لا استئناف للعقد. كما تدل عليه صحيحة الحذاء (326) ، الحاكمة بالتوارث مع لحوق الاجازة الموت. خلافا للمحكي عن النهاية (327) ، و قد تاول بما يؤول معه الى الاول. و المراد بكونها كاشفة: انها تكشف عن تحقق الزوجية حال العقد، و لا ينافيه توقفها
على الاجازة، و ذلك اذ كما انه يجوز ان يكون الايجاب المقارن للاجازة
سببا للزوجية الحالية يمكن ان يجعل الشارع العقد المتعقب للاجازة و لو بعد ذلك
سببا للزوجية الحالية...بمعنى: انه يكون السبب العقد المتصف بهذا التعقيب، و لما
كان في الواقع اما تعقبها ام لا فهي في الواقع اما حاصلة او لا، و تعلم الحقيقة
بحصول التعقيب و عدمه.
مسالة:
لا تنكح الامة الا باذن المولى، رجلا كان المولى او امراة، دائما كان النكاح او
منقطعا. اجماعا في الاول، و على الاشهر الاظهر في الثاني مطلقا، بل بلا خلاف كما عن
الحلي (328) ، بل بالاجماع، لعدم قدح مخالفة الشيخ في النهاية فيه (329) ، سيما مع رجوعه عنه
في المسائل الحائريات (330) . للادلة القطعية من العقل و الكتاب و السنة، المانعة عن التصرف في ملك الغير بغير
اذنه، و الروايات المستفيضة، بل المتواترة في المقام، المانعة منطوقا او
مفهوما عن تزويج امة الغير بدون اذنه (331) . و يؤيده - بل يدل عليه ايضا - مثل رواية ابي هلال: عن الرجل هل تحل له جارية امراته؟
قال: «لا، حتى تهبها له » (332) . و موثقة الساباطي: في المراة تقول لزوجها: جاريتي لك، قال: «لا يحل فرجها الا ان تبيعه او تهب له » (333) . دلتا بالمفهوم على عدم حلية فرجها بمثل ما نحن فيه. و خالف فيه الشيخ في النهاية. لصحيحة سيف بن عميرة المروية عن الصادق عليه السلام بلا واسطة تارة: «لا باس بان يتمتع الرجل بامة المراة، و اما امة الرجل فلا يتمتع بها الا
بامره » (334) . و بواسطة داود بن فرقد اخرى: عن الرجل يتزوج بامة بغير اذن مواليها، فقال: «ان
كانت لامراة فنعم، و ان كانت لرجل فلا» (335) . و بواسطة علي بن المغيرة ثالثة: عن الرجل يتمتع بامة امراة بغير اذنها، قال:
«لا باس به » (336) . و هي - مع اضطرابها لاختلافها سندا و متنا - مردودة بالشذوذ كما نص عليه جماعة (337) . مضافا الى احتمال ارجاع ضمير: اذنها، - في الاخيرة - الى الامة، و ظهور
التزويج في الثانية في الدائم المجمع على عدم جوازه بدون الاذن مطلقا، و عدم
ثبوت الحقيقة الشرعية للتمتع في العقد المنقطع، فيحتمل ان يراد الوقاع بعد العقد مع
الاذن، و يكون المطلوب جوازه من دون استبراء في امة المراة، دون الرجل،
فيحتاج فيه الى اذنه او اخباره بعدم وقاعه.
مسالة:
لو اذن المولى لعبده في التزويج: فان اطلق المراة و المهر، تزوج من شاء بمهر مثلها او اقل. لعدم انصراف الاطلاق الى غير مهر المثل، فقرينة الحال مقيدة للاطلاق، بل لا يبعد
تقييد المراة بمن يليق بحاله، لما ذكر. و ان عين المراة خاصة، و تزوجها خاصة بمهر المثل او اقل. و ان عين المهر، تزوج به من شاء و ان تزوج من مهر مثلها دونه. و ان عينهما تعينا. و مما ذكرنا - من تقييد الاطلاقين بمهر المثل و اللائق بالحال - يندفع الاستشكال
في جواز الاطلاق لتفاوت المهر تفاوتا فاحشا، فيشكل التزامه على السيد، مع انه
لو لم نقل بالتقييدين فقد قدم السيد بنفسه عليه، حيث اطلق له الاذن. ثم مع تعيين المهر صريحا او بشاهد الحال لو زاد عنه، فقيل: النكاح صحيح، لصحته مع
عدم المهر او فساده فهنا اولى، و الزائد على الماذون فيه في ذمة العبد يتبع به
بعد الحرية.نسب الى المبسوط (338) ، و اختاره في القواعد و اللمعة (339) . و فيه اشكال، اذ لم يثبت اذن المولى في مثل هذا النكاح، بل تعيين المهر او
شاهد الحال مما يصلح قرينة لتقييد اذنه بغير الزائد، فلم يعلم اذن المولى فيه، فيقع
اما باطلا او فضوليا. و هو الاظهر كما مر. و ايضا ان اريد تعلق الزائد بذمة العبد حينئذ فهو لكونه ملكا للغير يتوقف على اذنه.
و ان اريد تعلقه بعد الحرية ففساده ظاهر، مع ان الزوجة ايضا ان جهلت بالحال او
الحكم فانما رضيت بالمسمى على ان يكون معجلا لها في ذمة المولى او في كسبه. و لا يرد: ان التقصير على جهلها. اذ لا مؤاخذة على الجهل باحكام المعاملات. و اما غير الزائد - و هو القدر الماذون فيه - فمع تصريح المولى بجعله على احدى
الذمتين فيتعلق به، و كذا النفقة، و وجهه ظاهر. و ان اطلق، فذهب الحلي و ابن حمزة و الفاضلان و الشهيدان (340) - بل الاكثر (341) - الى
انهما يستقران في ذمة المولى، لان الاذن في العقد اذن في لوازمه، و منها المهر
و النفقة، و حيث ان العبد لا يقدر على شي ء كان الاذن موجبا لالتزام ذلك في ذمة
المولى. و الحاصل: انه يستحق بالعقد و لو لم يجب على المولى لم يمكن استحقاقه، فان ذمة
العبد الآن مشغولة بتمامها بحقوق المولى فلا يتعلق بها شي ء، و تجويز ان يتبع به بعد
العتق يؤدي الى حرمانها راسا اذا لم يعتق، و لم يقل به احد. و لرواية علي بن ابي حمزة الصحيحة ممن اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه: في رجل
يزوج مملوكا له امراة حرة على مائة درهم، ثم انه باعه قبل ان يدخل عليها، فقال:
«يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها، انما هو بمنزلة دين استدانه باذن سيده » (342) . و الدين المستدان باذن السيد على ذمته، كما في صحيحة ابي بصير: رجل ياذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين، قال: «ان كان اذن له ان يستدين
فالدين على مولاه، و ان لم يكن اذن له ان يستدين فلا شي ء على المولى و يستسعى
العبد في الدين » (343) . و قد يستدل ايضا بموثقة الساباطي: في رجل اذن لعبده في تزويج امراة حرة
فتزوجها، ثم ان العبد ابق فجاءت امراة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد،
فقال: «ليس لها على مولاه نفقة و قد بانت عصمتها منه، فان اباق العبد طلاق امراته »
الحديث (344) . حيث ان قوله: «قد بانت » في حكم التعليل لنفي النفقة عن المولى، فيدل على ثبوتها مع
عدم حصول مقتضاه، بل فيها اشعار من جهة اخرى ايضا، و هي ظهورها في شيوع مطالبة
الموالي بنفقات زوجات العبيد. و برواية زرارة: عن رجل تزوج عبده بغير اذنه فدخل بها - الى ان قال - : «و ان فرق
بينهما فللمراة ما اصدقها، الا ان يكون اعتدى فاصدقها صداقا كثيرا» الخبر (345) . فانها ظاهرة في تعلق الصداق بذمة المولى، اذ لولاه لما كان لاشتراط عدم
الزيادة و الكثرة وجه. و تعضده ايضا رواية شريح: في عبد بيع و عليه دين، قال: «دينه على من اذن له في
التجارة و اكل ثمنه » (346) . فان الاذن في التجارة اذا كان موجبا لتعلق الدين الحاصل منها بذمة الآذن
فكذا النكاح. ثم هذه الاخبار و ان اختصت بالمهر او النفقة، الا ان عدم الفصل يوجب التعدي الى
الآخر ايضا. خلافا للمحكي عن المبسوط و القاضي و ابن سعيد (347) و قواه بعض المتاخرين (348) ،
فقالوا: انه على كسب العبد: ان كان مكتسبا - اي في ما يتجدد من كسبه بعد النكاح
- و ان كان المهر الى اجل ففي ما يتجدد من كسبه بعد الاجل. و ان لم يكن مكتسبا، فاما على المولى او على ذمته، فيقال لزوجته: ان زوجك معسر بالمهر، فان صبرت و الا فلك خيار الفسخ. و على هذا، فيجب على المولى ان يخلي عبده للتكسب نهارا و الاستمتاع ليلا، و ليس
له استخدامه الا ان يلتزم المولى ان ينفق عليه و على زوجته من ماله، فله ان
يستخدمه بشرط ان لا يزيد اجرة خدمته عما انفق عليهما، فلو زادت عليه وجب عليه بذل
الزائد اليه ليصرفه في المهر، و له ايضا استخدامه بقدر الانفاق خاصة و اطلاقه في
الزائد ليكتسب و تصرف في المهر. و استدل له بان الاصل براءة ذمة المولى، و الاذن في النكاح لا يستلزم تعلق لازمه
بالذمة، و انما يستلزم الاذن في لازمه، و هو الكسب للمهر و النفقة، و ايضا فغاية
العبد المكتسب اذا اذن في النكاح ان يصير في المهر و النفقة بمنزلة الحر المكتسب.
و قيل: تتعلق النفقة - او مع المهر كما يظهر من البعض - برقبة العبد، لان الوط ء
كالجناية (349) . و اختاره الفاضل و قال: انه اليق بمذهبنا، فان امكن ان يباع منه كل يوم بقدر ما
يجب عليه من النفقة فعل و الا بيع كله - كما في الجناية - و وقف ثمنه ينفق عليها (350) . اقول: القول الاخير ضعيف دليلا، اذ ليس له دليل سوى الحمل على الجناية، و هو قياس
مردود. و اما قوله في رواية علي بن ابي حمزة المتقدمة: «يعطيها سيده من ثمنه » .. فلا يدل على تعيين ذلك، فيمكن ان يكون من باب ذكر احد افراد المخير المتيقن
حضوره، و لذلك ذكره. و اما القول الثاني، فهو الموافق دليله للاصل، كما يظهر وجهه، الا انه كان
حسنا لو لا ادلة القول الاول.. و هي ايضا و ان كانت قاصرة غير رواية علي بن ابي حمزة، اما الاول فلان الاذن في
النكاح يستلزم الاذن في لازمه، و لكن لازمه حيث يطلق تعلق المهر و النفقة على الزوج
لا غيره، و هو الاصل الثابت من الادلة. نعم، لكون ذمة الزوج هنا مشغولة بحق المولى و غير قادر على شي ء يستلزم تخلية ذمته
عن حقه بهذا القدر و قدرته عليه، لانه يقدر بعد اذن المولى. و بهذا التقرير يندفع ما قيل في تتميم الدليل المذكور من انه حيث كان المهر و
النفقة لازمين للنكاح، و العبد لا يملك شيئا، و كسبه من جملة اموال المولى، كان
الاذن فيه موجبا لالتزام ذلك، من غير ان يتقيد بنوع خاص من ماله - كباقي
ديونه - فيتخير بين بذله من ماله و من كسب العبد ان و في به، و الا وجب عليه
الاكمال (351) .انتهى. فان اللازم للنكاح المهر و النفقة على الزوج، فكان الاذن فيه موجبا لالتزام
ذلك في هذا النوع الخاص من المال. و اما الموثقة، فلجواز كون التعليل لسقوط النفقة مطلقا لا عن المولى خاصة، فان
السقوط المطلق يوجب السقوط عن المولى لو كان عليه ايضا، و اشعاره بشيوع ذلك
ممنوع، لجواز ان يكون ذلك المولى ينفق عليها لكسب العبد و خدمته او تبرعا،
فلذلك طلبتها الزوجة. و اما رواية زرارة، فظاهرة، لان المفروض فيها غير الماذون و لا المخير، و لا
مهر عليه اجماعا. و اما رواية شريح، فلابتنائه على حمل النكاح على التجارة، و هو قياس باطل. الا (352) ان دلالة رواية ابن ابي حمزة على هذا القول واضحة، سيما بملاحظة صحيحة ابي
بصير، و لا يضر قوله: «يعطيها سيده من ثمنه » ، لانه لا يدل على وجوب ذلك مع ان الثمن
ايضا مال المولى. و لذلك يترجح ذلك القول على القولين الآخرين، فهو الراجح.
مسالة:
اذا زوج الولي المولى عليه ثبت من جهته التوارث بلا خلاف نعرفه - كما قيل (353)
- حتى ممن خير الصبي عند الادراك. قال المحقق في نكت النهاية: ان الخيار عند البلوغ لا ينافي التوارث (354) . لانه عقد صحيح شرعا يصيران به زوجة و زوجا، فثبت لهما التوارث، لاطلاق ادلة
توارث المتزاوجين، و الاصل بقاء الصحة الى طرو المعارض، و هو اختيار الفسخ عند
البلوغ. و ذلك بخلاف الفضولي، فانه لا تتحقق الزوجية قبل الاجازة، و لذا لا يقال لرده
فسخا، و هو هنا ممتنع. و يدل عليه - مع ذلك - الصحيحان: في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال: «اذا
كان ابواهما اللذان زوجاهما فنعم » (355) .
مسالة:
التزويج الفضولي اما يكون من طرف واحد او الطرفين. و على التقديرين: اما يكون في الكبيرين او الصغيرين او المختلفين. فهذه ستة اقسام. و حكم الجميع - مع بقاء الطرفين حتى اجاز الفضولي منهما او رد - واضح. و لو مات المعقود عليه فضولا قبل الاجازة بطل العقد و المهر و الميراث و لو كان
احد الفضوليين، سواء بقي الآخر الغير الفضولي او الفضولي بعد الاجازة او قبلها، و
لا مهر و لا ميراث. للاصل. و لان شرط الصحة الاجازة، و لم يتحقق، و بعبارة اخرى: لم تتحقق العلة التامة
للزوجية - و لو لفقد احد جزئيها و هو الاجازة - او لم تنكشف لنا الصحة. و لقوله في صحيحة الحذاء: فان ماتت الجارية و لم تكن ادركت ايرثها الزوج
المدرك؟ قال: «لا، لان لها الخيار اذا ادركت » (356) . و رواية عباد بن كثير: عن رجل زوج ابنا له مدركا من يتيمة في حجره، قال: «ترثه
ان مات و لا يرثها، لان لها الخيار و لا خيار عليها» (357) . و قريب منها في رواية عبيد الآتية. و هي و ان اختصت بموارد خاصة، الا ان التعليل بقوله: «لان لها الخيار» يثبت الحكم
في جميع الموارد، و يبطل بموت ذي الخيار مطلقا. و لو مات احد الفضوليين بعد الاجازة و قبل اجازة الآخر او رده، او مات غير
الفضولي في صورة فضولية احد الجانبين قبل اجازته او رده، فمقتضى الاصل ايضا:
بطلان العقد. لان الاصل عدم ترتب الاثر على الاجازة بعد موت احد الطرفين، فان جريان
ادلة صحة الفضولي الى مثل المقام غير معلوم. مع ان بعد موت احد الطرفين لا معنى لتاثيرها، الا على القول بكون الاجازة كاشفة،
و هو ايضا امر على خلاف الاصل غير معلوم الا من جهة دليل، لعدم قبول المحل حين
الاجازة للزوجية، و عدم تحقق الزوجية قبل الاجازة. الا انه ثبت بالنص الصحيح و غيره تاثير اجازة الحي الحاصلة بعد موت الآخر اذا
كان لازما من طرف الميت، بمعنى: انها تكشف عن تحقق الزوجية اولا لا بمعنى تحققها
حينئذ، و الا لما ثبت التوريث. و هو صحيحة الحذاء، و فيها: فان كان الرجل الذي ادرك قبل الجارية و رضي بالنكاح
ثم مات قبل ان تدرك الجارية اترثه؟ قال: «نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك، فتحلف
بالله ما دعاها الى اخذ الميراث الا رضاها بالتزويج، ثم يدفع اليها
الميراث و نصف المهر» (358) . و رواية عبيد بن زرارة: في الرجل يزوج ابنه يتيمة في حجره و الابن مدرك و
اليتيمة غير مدركة، قال: «نكاحه جائز على ابنه، فان مات عزل ميراثها منه حتى تدرك،
فاذا ادركت حلفت بالله ما دعاها الى اخذ الميراث الا رضاها بالنكاح، ثم يدفع
اليها الميراث و نصف المهر» قال: «و ان ماتت هي قبل ان تدرك و قبل ان يموت الزوج
لا يرثها الزوج، لان لها الخيار عليه اذا ادركت، و لا خيار له عليها» (359) . و تدل عليه ايضا رواية عباد المتقدمة في صدر المسالة، و ذيل صحيحة الحلبي (360)
المتقدمة في مسالة ولاية الاب على الصغير، و لا يضر كون صدرها في بيان حكم الطلاق
الفضولي، اذ ظاهر ان قوله: «حتى يدرك ايهما بقي فيحلف بالله » و قوله: «الا الرضا
بالنكاح » لا ربط له بالطلاق، فهو ايضا من احكام النكاح الفضولي. و هذه النصوص و ان كانت واردة في موارد خاصة، الا ان منهم من خص الحكم بصورة كون
المعقود عليهما صغيرين فضوليين مع موت الزوج.و منهم من تعدى الى سائر الموارد
بتنقيح المناط، حيث يعلم انه لا مدخلية لشي ء من الخصوصيات في تاثير الاجازة. نعم، مقتضى هذه النصوص بعد رد مطلقها الى مقيدها: انه يشترط ان يكون القبول لاجل
الرضا بالنكاح، بل هو مقتضى الاصل ايضا، لان المؤثر هو اجازة النكاح لا غير. و انه لا يقبل قول المجيز في كون الاجازة للنكاح الا بعد الحلف، و الظاهر
المتبادر ان الحلف انما هو في القبول ظاهرا، و اما بالنسبة الى الواقع فلا
يحتاج التاثير الى الحلف، فلو اجازت الجارية واقعا و لم تحلف تحرم على
ابنه و تجب عليها العدة لو كان المقام مقام العدة، و لو اجاز الزوج و لم يحلف
تحرم عليه امها و عليه اداء مهرها. و حينئذ، فهل توقف القبول على الحلف عام، او يختص بموارد التهمة و ما احتمل
فيه ابتناء القبول على غير الرضا بالنكاح؟ المتبادر هو: الاول (361) ، لظهور ان الحلف انما هو لبيان الواقع، فاذا كان
الواقع معلوما فلا تترتب على الحلف فائدة، و ذلك كما اذا اجاز احدهما قبل
اطلاعه على موت الآخر و قد مات واقعا، او مع زعمه خلوه عن الارث اصلا ثم ظهر له
مال، او اذا كان الحي زوجا و كان ما يجب عليه من المهر اضعاف ما ياخذه من
الارث و لم يتعلق غرض باثبات اعيان التركة. و الحاصل: ان المناط القطع بعدم ابتناء الاجازة الا على الرضا بالنكاح. و على هذا، فتعدي الحكمين - اي ثبوت النكاح بالاجازة بعد موت من يلزم من جانبه،
و توقف الحكم به ظاهرا على الحلف مع ثبوت التهمة - الى جميع موارد المسالة،
من كون الزوجين صغيرين او كبيرين، او احدهما صغيرا و الآخر كبيرا، مع كونهما
فضوليين، او احدهما فضوليا و الآخر اصالة او ولاية او وكالة، و دليل التعدي تنقيح
المناط. و منهم من خص بما اذا كان المعقود عليه فضولا الصغير، و عمم الطرف الآخر
بالنسبة الى الصغير المعقود عليه فضولا او ولاية او الكبير المعقود عليه اصالة
او وكالة. و الحاصل: انه خص احد الطرفين بالصغير الفضولي، و هو مختار القواعد و المسالك
و الروضة (362) . و استدل له بفحوى الخطاب، للزوم العقد هنا من الطرف الآخر، فهو اقرب الى
الثبوت و اولى منه مما هو جائز من الطرفين، كما في الصغيرين. و منهم من خص بالصغيرين الفضوليين مع تعميم الحكم بالنسبة الى موت الزوج و
الزوجة. اذ من المعلوم ان الارث هنا ليس الا للزوجية، و لا يعقل الفارق بين الزوج و
الزوجة، و ايضا اذا ثبتت الزوجية لها بعد موته فاولى ان تثبت له، للزوم
المهر عليه (363) . و منهم من استشكل مع هذا التخصيص في صورة موت الزوجة ايضا. لاختصاص النص - و هو صحيحة الحذاء - بصورة موت الزوج. و يناقش ذلك في جميع ما مر دليلا للتعميم مطلقا او في بعض موارد المسالة بان
الحكم انما هو على خلاف الاصل، فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى
مات احد المعقود عليهما بعد اللزوم من طرفه و قبل اجازة الاخر. و التعدي انما يتم لو علمنا علة الحكم المنصوص، و هي غير معلومة، لانها في غير منصوص
العلة اما تعلم بالعقل او الاجماع، و الاول لا مدخلية له في المقام، و الثاني مفقود.
و عدم تعقل الفارق لا يدل على عدم تحققه. و ثبوت الاولوية المدعاة ايضا موقوف على العلم بالعلة، و هو غير متحقق. فينحصر الحكم بما اذا كان المعقود عليهما صغيرين و مات الزوج. اقول: لا يخفى انه لو كان اللازم القصر على المنصوص لما اختص بهذه الصورة ايضا،
لثبوت الحكم - فيما اذا كان الزوج كبيرا ايضا - من روايتي عباد و عبيد، و
في صورة موت الزوجة بصحيحة الحلبي. بل يثبت الحكم في جميع الموارد بالعلة المنصوصة في رواية عباد بقوله: «لان لها
الخيار و لا خيار عليها» . فانها تدل على توريث كل من كان له الخيار بعد موت من لا خيار له، و ظاهر انه لا
يكون الا بعد الاجازة. مع ان في عدم جريان تنقيح المناط في الموارد ايضا نظرا. و لا يلزم من عدم القطع بالعلة بالدليل العقلي و لا بالاجماع عدم القطع به اصلا. اذ قد يعلم بالاستقراء او عدم معهودية اعتبار مثل ذلك الفرق في الاحكام الشرعية،
و اكثر ما ينقح فيه المناط من ذلك القبيل. فالحق: تعميم الحكم بالنسبة الى جميع الموارد و ثبوت الاحكام الواقعية
المترتبة على الزوجية فيما بينه و بين الله سبحانه، و لا يختص الحكم بمجرد
التوريث و دفع المهر، اذ من الظاهر ان سببه ليس الا حصول الزوجية، اذ لا سبب
آخر له، مع انه لا قائل بالفرق. نعم، بقي الكلام في الاحتياج الى الحلف في غير موارد النص بالحلف و عدمه. و التحقيق: ان التعدي الى غير المنصوص ان كان لاجل العلة المنصوصة لم يحتج الى
الحلف، لانها تدل على ان الخيار و عدم الخيار علة للتوريث و عدمه، غاية الامر انه
ضم اليه الاجازة ايضا بالاجماع، و ضم الغير لا دليل عليه، الا فيما ثبت الحلف
ايضا بالنص. و ان كان لاجل تنقيح المناط خاصة احتاج اليه، و الوجه ظاهر.