الفصل الثاني: في الرضاع
و فيه مقدمة و ابحاث.
المقدمة
لا خلاف بين علماء الاسلام في حصول نظائر العلاقات و القرابات الحاصلة بالنسبة
و القرابة بالرضاع ايضا، و نص به في الجملة الكتاب العزيز، اذ يقول عز قائلا: «و
امهاتكم اللاتي ارضعنكم و اخواتكم من الرضاعة » (1) . و تضافرت الاخبار على اثبات النظائر النسبية بالرضاع، كما لا يخفى على
المتتبع. و ورد في السنة المقبولة عنه ص انه قال: «الرضاع لحمة كلحمة النسب » (2) . و قد تواتر عنه انه عليه السلام قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (3) ، و
منه يعلم حصول التحريم بواسطة الارضاع في الجملة، كما ياتي تفصيله. و القرابات النسبية الاناثية تسع: الامهات. و الجدات. و البنات. و بنات الاولاد. و الاخوات. و بنات الاخوة. و بنات الاخت. و العمات. و الخالات. فتحصل هذه التسع بسبب الرضاع ايضا. فالقرابة الاولى: و هي الام من الرضاعة امراة ارضعته، و صاحب اللبن ابوه من
الرضاعة. و القرابة الثانية: و هي جداته الرضاعية، هن امهات امه و ابيه بلا واسطة او
واسطة او وسائط. و لما كان كل من الام و الاب قسمين: نسبي و رضاعي، و الامومة لكل من الاربعة
ايضا على قسمين: نسبية و رضاعية، فتحصل للجدات ثمان شعب. و لما كان صدق الرضاعة موقوفا على توسط رضاع تخرج شعبتان منهما، و هما اللتان لا
يداخلهما الرضاع. احداهما: شعبة الامهات النسبية للام النسبية. و ثانيتهما: شعبة الامهات النسبية للاب النسبي. و بقيت ست شعب اخر: الاولى: الامهات النسبية للام الرضاعية. الثانية: الامهات الرضاعية للام الرضاعية بلا واسطة، او بواسطة احدى من
امهاتها النسبية او الرضاعية. الثالثة: الامهات النسبية للاب الرضاعي. الرابعة: الامهات الرضاعية للاب الرضاعي بلا واسطة، او بواسطة احدى من امهاته
النسبية او الرضاعية. الخامسة: الامهات الرضاعية للام النسبية بلا واسطة، او بواسطة احدى من
امهاتها النسبية او الرضاعية. السادسة: الامهات الرضاعية للاب النسبي كذلك. و القرابة الثالثة: و هي بناته الرضاعية امراة ارتضعت من لبنه، و لو كان
المرتضع رجلا فهو ابنه الرضاعي. و الرابعة: و هي بنات الاولاد، هن بنات بناته او بنات ابنائه بلا واسطة او وسائط. و لما كان كل من البنت و الابن قسمين: النسبي و الرضاعي، و البنتية لكل من
الاربعة ايضا على قسمين: النسبية و الرضاعية، فتحصل لبنات الاولاد ايضا الشعب
الثمان، و تخرج منها الشعبتان اللتان لا يداخلهما الرضاع، و تبقى الست الباقية
على قياس ما مر في الجدات. الخامسة: و هي الاخوات الرضاعية، هن بنات ابويه او احدهما. و لما كانت البنات على قسمين: نسبية و رضاعية، و كذلك الابوان، فتحصل هنا اربع
شعب، تخرج منها واحدة - و هي البنات النسبية للابوين النسبيين - و تبقى ثلاثة
اخرى داخلة باجمعها في الاخوات الرضاعية. و لو كان المرتضع رجلا فهو اخوه الرضاعي. السادسة: بنات الاخ، و هي بنات اخيه من النسب او الرضاع بلا واسطة، او بواسطة
او وسائط. و اذ عرفت ان الاخ قسمان و البنت على قسمين فتحصل لبنات الاخ ايضا اربع شعب،
تخرج منها شعبة واحدة هي للآباء النسبية: البنت النسبية للاخ النسبي، و تبقى ثلاث
شعب اخرى. السابعة: بنات الاخت، و تعلم اقسامها و شعبها بالقياس الى بنات الاخ. الثامنة: العمات، و هن اخوات ابيه. و اذ عرفت ان الاخوات على قسمين و الاب ايضا على قسمين فتحصل للعمات اربع
شعب: واحدة نسبية و البواقي رضاعية. و يدخل في هذه القرابة ايضا التقسيمان المشار اليهما في الاخوات. و تدخل في هذه القرابة ايضا اخوات ابي ابيه. التاسعة: الخالات، و هن اخوات امه، و لهن الشعب الاربع، تخرج منها واحدة و يبقى
الباقي. فهؤلاء النسوة هي القرابات الرضاعية من الاناث، و تعلم بالقياس اليهن
القرابات الذكورية للرجال و للنساء ايضا. فيحرم على كل رجل هؤلاء القرابات التسع، و على المراة نظائرهن من الرجال مطلقا،
سوى الاخوات او الاخوة الرضاعية من جهة الام خاصة اذا انتسبوا اليها
بالرضاع دون الولادة، و بناتهن فانهن لا يحرمن الا على قول الطبرسي (4) ، و كذلك
الخالات و الاخوال و العمات و الاعمام اذا لم يكن لبنهن مع الام الرضاعية
او الفحل من فحل واحد، على ما سبق (5) تفصيله.
البحث الاول: في شروط الرضاع الشرعي الموجب للتحريم
و هي امور: الشرط الاول: ان يكون اللبن حاصلا من وط ء مجوز شرعا، من نكاح دوام او متعة او
تحليل او ملك يمين. فلا يحصل الرضاع المحرم للنكاح باللبن الحادث من الزنى. اجماعا محققا، و محكيا في السرائر و التذكرة و شرحي القواعد للمحقق الثاني و
الهندي و شرح النافع للسيد و المفاتيح (6) و شرحه، و ظاهر المسالك و الكفاية (7) و غير
ذلك (8) . و لا يقدح فيه خلاف الاسكافي - حيث قال: لو ارضعت امراة من لبن من زنى حرمت و
اهلها على المرتضع و كان تجنبه اهل الزاني اولى و احوط (9) . انتهى - لشذوذه. فهو الدليل عليه. مضافا الى اشعار به في صحيحة ابن سنان: عن لبن الفحل، قال: «هو ما ارضعت امراتك من لبنك و لبن ولدك[ولد]امراة اخرى » (10) . حيث خصت لبن الفحل بما يحصل من امراته من لبنه و لبن ولده. الا انه يقدحه انه لا يشترط كون المرضعة زوجة لصاحب اللبن، بل يكفي كونها مملوكة او
محللة او متعة، مع عدم تبادرهن من لفظ: «امراتك » ، فلا يكون حقيقيا و مجازه متعدد. و يمكن ان يقال: ان غايته لزوم التخصيص في لبن الفحل، اذ تخرج منه المذكورات
بالدليل، فيبقى الباقي حجة.و احتمال التجوز غير ضائر، لانه مرجوح عن التخصيص. و ربما تشعر به صحيحة العجلي ايضا، و فيها - بعد الاستفسار عن معنى قوله صلى الله
عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » : - «كل امراة ارضعت من لبن
فحلها ولد امراة اخرى من جارية او غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى
الله عليه و آله » الحديث (11) . و هل تنشر الحرمة باللبن الحاصل من وط ء الشبهة، ام لا؟ المشهور: الاول، لصدق مسمى الرضاع فتشمله العمومات، و يؤيده الحاق الشبهة بالعقد
في النسب. و عن الحلي: التردد فيه (12) . و يظهر نوع ميل اليه من المسالك و الكفاية (13) . و كانه للاصل مع منع العموم، لانصرافه الى غير الشبهة لندرتها. و فيه: منع ندرة الشبهة بحيث يصرف عنها الاطلاق، فانها شاملة للانكحة الفاسدة، و هي
كثيرة جدا. و قد يجاب ايضا: بان اصل الاباحة معارض باصالة الحرمة السابقة على المناكحة، و
لا يفيد ما دل على اباحة نكاح النسوة، لانصرافه الى غير الشبهة، و بعد التعارض يرجع
الى اصالة الحرمة للشهرة، و بعد فرض التساقط تحتاج الاباحة الى دليل. و فيه: انه كانت في السابق على الرضاع جائزا نكاحها فيستصحب، فتامل. الشرط الثاني: ان يكون اللبن من ذات ولد. فلو در اللبن من الخالية عنه[لا يحرم] (14) و ان كانت منكوحة نكاحا صحيحا. اجماعا محققا، و محكيا في التذكرة (15) و غيره (16) ، له. و لموثقة يونس بن يعقوب: عن امراة در لبنها من غير ولادة و ارضعت جارية و غلاما
بذلك اللبن، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال: «لا» (17) . و قريبة منها رواية يعقوب بن شعيب (18) . و هل يشترط انفصال الولد؟ ام يكتفى بالحمل؟ الحق: الاول، وفاقا للمحكي عن الخلاف و الغنية و السرائر و التحرير و التذكرة و
النهاية (19) ، و في شرح القواعد للمحقق الثاني (20) و شرح النافع للسيد، و صرح بعضهم بانه
الاشهر، بل عن الثلاثة الاول: الاجماع عليه. و هو الحق، للاصل، من جهة عدم انصراف المطلق اليه للندرة. و للموثقة و الرواية المتقدمتين. و خلافا للمحكي عن المحقق و موضع من المبسوط (21) و في القواعد و المسالك و الروضة (22) ،
فاختاروا الثاني، للعمومات. و يجاب عنها - بعد التسليم - بوجوب تخصيصها، لما مر. و لا يشترط البقاء على الحبالة، فلو طلقها او مات عنها و هي حامل منه او مرضع
فارضعت من لبنه ولدا نشر الحرمة كما لو كانت في حبالته في العدة او بعدها، طال
الزمان ام قصر، استمر اللبن ام انقطع، طال زمان الانقطاع ام قصر..الا اذا
طال بقدر علم انه در بنفسه لا من الاول، تزوجت بغيره ام لا، فتنشر الحرمة من
الاول. كل ذلك للعمومات المؤيدة بدعوى الاجماع. و كذا لو حملت من الثاني ايضا و ان زاد اللبن بعد الحمل، لان الاصل عدم حدوث
اللبن من الثاني، و امكان زيادته لا من جهة الحمل..الا اذا انقطع انقطاعا
طويلا ثم عاد في وقت يمكن ان يكون للثاني. و قد يحد زمان الامكان بمضي اربعين يوما من الحمل، فيكون اللبن حينئذ للثاني،
فينشر الحرمة له على نشر الحرمة حال الحمل. بل يمكن القدح في ذلك في صورة الانقطاع مطلقا، لان الاصل حينئذ و ان كان بقاء
الحالة المدرة للبن من الاول و عدم حدوثها من الثاني، و لكن لا شك ان الانقطاع
ايضا يكون اما لزوال الحالة الاولى، او حدوث حالة مانعة لها مع بقاء الحالة
الاولى و الاصل عدمها ايضا، الا ان يتمسك حينئذ باستصحاب الحكم، و هو نشر
الحرمة بارضاع هذه المراة. و منه يعلم القدح و دفعه في صورة زيادة اللبن ايضا. و لو ولدت من الثاني و اتصل لبنها من الاول الى زمان الوضع، فما قبل الوضع
للاول، لما مر، و ما بعده للثاني، باجماع اهل العلم - كما قيل - فان ثبت الاجماع، و
الا فلا دليل تاما عليه، سوى اضافة المسبب الى اقوى السببين - اي ولادة
الثاني و استمرار الاول - و ان اللبن لبن الثاني عرفا فيحكم به. و كلاهما ضعيفان، لمنع صلاحية قوة ولادة الثاني في السببية اولا، و منع صلاحية مثل
ذلك للترجيح ثانيا، و امكان الاستناد الى السببين ثالثا، و منع حكم العرف مع
اطلاعه بالاتصال. و منه يعلم الحكم فيما لو در اللبن بنفسه و اتصل الى زمان
الحمل و الولادة، فلو ثبت الاجماع في الاول ثبت الحكم في الثاني ايضا
بالطريق الاولى، و الا فالاشكال جار هنا ايضا.
فرع:
هل اللبن الموجود بعد السقط حكمه حكم الولادة، ام لا؟ الظاهر: انه - ان كان الساقط بحيث يصدق عليه الولد، و على وضعه الولادة بان
مت خلقته مع ولوج الروح - يحرم. و ان كان مضغة او علقة - بل غير تام الخلقة - لم يحرم. و فيما اذا تمت الخلقة و لم يولجه الروح اشكال، و الاصل يقتضي عدم الحرمة. الشرط الثالث: ان تكون المرضعة حية. بالاجماع كما عن ظاهر التذكرة و الصيمري (23) . فلو ماتت في اثناء الرضاع و اكمل النصاب حال الموت باليسير و لو جرعة لم ينشر
حرمة و ان صدق عليه اسم الرضاع. حملا له على الافراد المعهودة المتعارفة. و لتعليق الحكم على الارضاع (24) او لبن الامراة و نحوها في الاخبار. و الاول في الميتة منتف. و صدق الثاني عليها مجاز. و على هذا، فلا ينفع الاستصحاب ايضا، لتبدل الموضوع. الشرط الرابع: ان يبلغ مقدارا معينا. فان مطلق الرضاع و مسماه غير كاف في نشر الحرمة، بل لا بد له من مقدار معين زائد
على اصل المسمى. و هو مجمع عليه بين الطائفة اجماعا محققا، و محكيا مستفيضا (25) ، و الاخبار به
مستفيضة بل متواترة، كما تاتي الى بعضها الاشارة، و بها تقيد مطلقات الرضاع و
تخصص عموماتها. و اما المكاتبة الصحيحة: عما يحرم من الرضاع؟ فكتب ع: «قليله و كثيره حرام » (26) . فلا يعلم منافاتها لها، لما فيها من الاجمال في الدلالة، لان المذكور فيها
الرضاع الحرام، و كلامنا في الرضاع الموجب للحرمة، و هو ليس بحرام، فالمراد
من السؤال و الجواب غير معلوم.و يمكن ان يكون السؤال عن الرضاع بعد الفطام. مضافا الى انها على فرض الدلالة غير حجة، لمخالفتها لاجماع الطائفة، و
معارضتها للاخبار المتواترة، و موافقتها لمذهب مالك و ابي حنيفة (27) . ثم ان نصاب سبب التحريم مقدر في الشرع بتقديرات ثلاثة: الاثر، و الزمان، و العدد.
اما الاول: فهو ما انبت اللحم و شد العظم، و اعتباره متفق عليه، بل صرح جماعة
بالاجماع عليه (28) ، و في الايضاح: ان عليه اجماع المسلمين (29) . و تدل عليه المستفيضة: كصحيحة ابن سنان: «لا يحرم من الرضاع الا ما انبت اللحم و شد العظم » (30) . و روايته: قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاث؟ فقال: «لا، الا ما اشتد عليه العظم و نبت اللحم » (31) . و رواية مسعدة: «لا يحرم من الرضاع الا ما شد العظم و انبت اللحم، فاما الرضعة و
الرضعتان و الثلاث حتى بلغ عشرا اذا كن متفرقات فلا باس » (32) . و صحيحة ابن رئاب: ما يحرم من الرضاع؟ قال: «ما انبت اللحم و شد العظم » ، قلت:
فيحرم عشر رضعات؟ قال: «لا، لانه لا تنبت اللحم و لا تشد العظم عشر رضعات » (33) . و مقتضى تلك الاخبار: اعتبار الاثرين معا، كما هو الاظهر المحكي عن
الاكثر (34) . و في اللمعة: الاكتفاء باحدهما (35) ، و نسبه في شرح النافع الى جمع من الاصحاب، و
لعله للتلازم بين الاثرين كما قيل (36) . و لمفهوم الاستثناء في صحيحة حماد: «لا يحرم من الرضاع الا ما انبت اللحم و
الدم » (37) . و منطوق رواية عبيد: عن الرضاع ما ادنى ما يحرم منه؟ قال: «ما انبت اللحم و
الدم » ، ثم قال: «ترى واحدة تنبته؟ » ، فقلت: اثنتان اصلحك الله، قال: «لا» ، فلم ازل
اعد عليه حتى بلغت عشر رضعات (38) . و صحيحته: فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: «ما انبت اللحم و الدم » ، فقلت: ما
الذي ينبت اللحم و الدم؟ فقال: «كان يقال: عشر رضعات » ، قلت: فهل يحرم عشر رضعات؟
فقال: «دع ذا» الحديث (39) . و جوابه: ثبوت (40) التلازم عندنا، و تخصيص الاخبار الثانية بالاولى و ان كان
التعارض بين منطوق الاولى و مفهوم الثانية بالعموم من وجه، بمعنى: ان العرف
يفهم من مثل ذلك الكلام التخصيص، فانه اذا قال المولى لعبد: لا تشتر الا اللحم،
ثم قال: لا تشتر الا لحم البقر، يفهم ارادة لحم البقر، و يذم لو اشترى لحم الابل.
و المرجع في حصول الاثرين الى قول اهل الخبرة، لانه من الموضوعات. و هل يشترط فيه التعدد و العدالة، ام لا؟ ظاهر الاكثر: نعم، للاصل. و قيل: لا، بل يكفي العدل الواحد (41) ، و اختاره السيد الداماد، لانه من باب الخبر دون
الشهادة، و لحصول الظن. و فيه: انه مطالب بالدليل على حجية مطلق الخبر و على كفاية مطلق الظن، بل يقدح في
كفاية العدلين ايضا لعدم ثبوت كفاية شهادة العدلين مطلقا، بل الاولى جعله منوطا
بالعلم كما في السرائر و النهاية (42) . و اما ما قيل من ان المستفاد من بعض الاخبار - سيما صحيحة ابن رئاب - ان
التقدير بالمدة و العدد بيان للتقدير بالاثرين، فالاصل هو التقدير بالاثر، و
العلم به يتحقق بالتقديرين الاخيرين، فلا حاجة الى الرجوع الى اهل الخبرة (43) . ففيه: انه لا يستفاد ذلك من الاخبار اصلا، و حكم الشرع بحصول النشر برضاع يوم و
ليلة او خمس عشرة رضعة لا يدل على انه لاجل ايجابهما الاثرين، فلعلهما بنفسهما
ايضا علتان مستقلتان. بل في صحيحة محمد قال: «اذا رضع الغلام من نساء شتى فكان ذلك عدة او نبت لحمه و
دمه عليه حرم عليه بناتهن كلهن » (44) دلالة على المغايرة، حيث جعل احدهما قسيم الآخر. نعم، تدل الصحيحة على عدم حصول الاثرين بعشر رضعات فلا يحرم، لعدم كونها سببا
لحصول الاثرين و لا علة مستقلة. و على هذا، فيجب الرجوع الى اهل الخبرة فيما زاد على العشر، فيحكم بالنشر به
اذا علم تحقق الاثرين به و ان لم يبلغ خمس عشرة و لا يوما و ليلة، و يحصل التعارض
في العشر و ما دونها بين قول اهل الخبرة لو اخبروا بتحقق الاثرين و بين
الصحيحة، و قول المعصوم مقدم. فالحق: اشتراط التجاوز عن العشر في اعتبار الاثرين. نعم، لو فرض حصول العلم بهما فيما دونها يحكم بالتحريم و يحمل قول الامام على
الغالب، و لكنه فرض نادر. و لا تعارض الصحيحة مرسلة ابن ابي عمير: «الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي
يرضع حتى يمتلي و يتضلع و ينتهي نفسه » (45) . و خبر ابن ابي يعفور: عما يحرم من الرضاع؟ قال: «اذا رضع حتى يمتلي بطنه فان
ذلك ينبت اللحم و الدم و ذلك الذي يحرم » (46) . اذ مدلولهما ليس ازيد من ان الرضعة الكذائية تنبت اللحم، و اما ايجابها لشد
العظم - الذي هو اثر الآخر ايضا - فلا يستفاد منهما، مع انه فيهما في مقام بيان
الكمية المقدارية للرضاع المنبت للحم، فلا يعتبر اطلاقه بالنسبة الى الكمية العددية. و لا موثقة عبيد المتقدمة، لعدم تصريحها بانبات اللحم بعشر رضعات من نفسه. فرع: المعتبر الانبات و الشد الفعليان، فلا عبرة بما من شانه ذلك و منعه مانع -
كالمرض - بل يرجع فيه الى العدد. و اما الثاني - اي المدة - : فهو ارضاع يوم و ليلة، و ظاهر التذكرة الاجماع على
التقدير به (47) ، و في بعض شروح المفاتيح: و كونه ناشرا للحرمة ايضا مما لا خلاف
فيه. و استدلوا له بموثقة زياد بن سوقة: هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم الرضاع اقل من رضاع يوم و ليلة، او خمس عشرة رضعة متواليات من امراة
واحدة، من لبن فحل واحد، لم يفصل بينها رضعة امراة غيرها» الحديث (48) . و يخدشها: ان دلالتها بمفهوم الوصف، الذي في اعتباره نظر. فالمناط فيه: الاجماع ان ثبت، و الا كما يستفاد من بعض شروح النافع، حيث قال:
و على القول بالاكتفاء باليوم و الليلة يعتبر ارضاعه فيه كلما طلبه.انتهى. فان فيه دلالة على وجود القول بعدم الاكتفاء..فلا يكون دليل على التقدير به، بل
مقتضى الاخبار المتقدمة - المصرحة بانه: «لا يحرم من الرضاع الا ما انبت اللحم
و شد العظم » - انتفاؤه لو لم يعلم حصول الاثرين في ارضاع اليوم و الليلة، و بها
تعارض الموثقة على فرض دلالتها ايضا، و التعارض بالعموم من وجه. الا ان بعد التعارض اما يرجح مفهوم الموثقة بالموافقة للشهرة و الاجماعات
المنقولة، كما يرجح مفهوم تلك الاخبار المعارض مع منطوق الموثقة في التحريم مع
حصول الاثرين بذلك ايضا. او يرجع الى الاصل، و مقتضاه ايضا التحريم بكل منهما، لعمومات نشر مطلق
الارضاع الحرمة و مطلقاته، فيجب الحكم به ما لم يعلم الدليل على الانتفاء، فلو
تمت دلالتها لم يضرها المعارض، و لكن في دلالتها ما عرفت. فيبقى منطوق الاخبار المذكورة - في عدم التحريم ما لم يعلم الاثران - خاليا
عن المعارض المعلوم في التحديد باليوم و الليلة، فالتقدير به مشكل جدا و ان كان
الاحوط غالبا اعتباره. ثم على القول باعتباره، هل يعتبر مطلقا، كما عن المشهور (49) ؟ او بشرط عدم انضباط العدد، كما عن المبسوط و في النهاية و التذكرة (50) ؟ و تظهر الثمرة مع عدم حصول الاثرين و نقصان العدد في اليوم و الليلة: فان جعلنا المستند الموثق و اعتبرنا مفهوم الوصف فاطلاقه يقتضي الاول. و ان جعلناه الاجماع خاصة و قلنا بثبوته فوجوب الاقتصار على المجمع عليه يقتضي
الثاني، و الاحتياط غالبا مع الاول. و يشترط في نشر الحرمة به - على القول به - ارتضاعه و شربه اللبن كلما اراد حتى
يروى و يصدر، لانه المتبادر من رضاع يوم و ليلة، بل هو معناه. و لا فرق في اليوم او الليلة بين الطويل و القصير، لانجباره بالآخر ابدا. و في الاكتفاء بالملفق اشكال، و الاصل يقتضي العدم. و يشترط عدم الارتضاع في الاثناء من لبن آخر، لانتفاء صدق ارضاع اليوم و الليلة
معه. و اما الثالث - و هو العدد - : فاعتباره في التقدير اجماعي، و نقل الاجماع عليه
مستفيض (51) ، الا انهم اختلفوا في العدد المقدر به على اقوال: الاول: انه عشر رضعات. و هو المحكي عن العماني و المفيد و السيد و الحلبي و القاضي و الديلمي و الحلي في اول
كتاب النكاح (52) ، و ابني زهرة و حمزة و المختلف و الايضاح و اللمعة و السيد الداماد
و ابن فهد (53) ، بل هو الاشهر كما صرح به جماعة، منهم: الشهيد الثاني (54) و الصيمري و
السيد الداماد. للاقتصار - في الخروج عن الاصل المستفاد عن مطلقات نشر الحرمة بمطلق الارضاع -
على المتيقن، و هو ما عدا العشر، لضعف اعتبار ما دونها كما ياتي. و لحصول الاثرين بالعشر، كما تدل عليه صحيحة عبيد المتقدمة (55) . و لرواية الفضيل: «لا يحرم من الرضاع الا المجبورة او خادم او ظئر، ثم ترضع عشر
رضعات يروى الصبي و ينام » (56) . و لمفهوم الشرط في رواية مسعدة المذكورة (57) . و في موثقة عمر بن يزيد: عن الغلام يرضع الرضعة و الرضعتين، فقال: «لا يحرم » ، فعددت
عليه حتى اكملت عشر رضعات، فقال: «اذا كانت متفرقة فلا» (58) . و يمكن القدح في الجميع: اما الاصل الحاصل من العمومات، فبوجوب تخصيصها بما ياتي، كما خص بما دون
العشر. و اما حصول الاثرين، فبالمنع منه. و الصحيحة غير تامة الدلالة عليه، لنسبته الى القيل الغير الثابت حجيته، بل
المشعر بعدم الرضا به، مع ما في آخرها من قوله: «دع ذا» ، فلو كان حكم العشر حقا لما
نسبه الى غيره اولا، و لم يعرض عنه ثانيا، مجيبا بما لا دخل له بالمقام، فيفهم
منه ان ما ورد في النشر بالعشر ورد تقية، او لمصلحة اخرى. هذا، مع معارضتها مع صحيحة ابن رئاب السالفة الناصة على عدم الانبات بالعشر، و
مع الاخبار الاخر الآتية المصرحة بعدم النشر به المستلزم لعدم الانبات. و اما البواقي، فبمعارضتها مع ما هو اكثر منها عددا و اصح سندا و اوضح دلالة:
كصحيحة ابن رئاب و موثقة زياد المتقدمتين (59) . و موثقة عبيد: «عشر رضعات لا يحرمن شيئا» (60) . و ابن بكير: «عشر رضعات لا تحرم » (61) . مضافا الى ما في رواية الفضيل من اشتمالها على امرين مخالفين للاجماع:
اشتراط المجبورة، و اشتراط النوم، مع اضطرابها باختلاف الفاظها،
لروايتها تارة كما تقدم، و اخرى بغيره، و ثالثة بسند صحيح مع خلوها عن ذكر العدد،
رواها في الفقيه (62) ، الذي هو اضبط. الا انه يمكن ان يقال: ان الحكمين داخلان في المنطوق، و اما مفهوم الاستثناء -
الذي هو المفيد في المقام - فلا يتضمن حكما مخالفا للاجماع، مع ان دخولهما في
المنطوق ايضا غير ضائر، اذ غايته تخصيص بعض افراد المنطوق بالاجماع، و هو امر
غير عزيز. مضافا الى انه يمكن ان يكون اشتراط الاول لان التوالي - الذي هو ايضا من
الشروط - لا يتحقق غالبا الا في تلك النسوة، و الثاني لانه يكون مثل ذلك الارضاع
منوما، او المعنى يكون من شانه ذلك. و اما حديث الاضطراب، ففيه: انه و ان اختلف بعض عبارات الرواية، الا انه لا
مدخل له في مقام الاستدلال، الذي هو قوله: «ثم ترضع عشر رضعات » ، كما لا يضر خلوها على
بعض اسنادها عن ذكر هذا العدد، لان الزيادة مقدمة على النقصان. فلا قدح في هذه الرواية من هذه الجهات، كما لا قدح فيها و في الاخرين من حيث ضعف
السند، لانجباره بالشهرة القديمة المحققة و المحكية مستفيضة، بل صحة بعضها على بعض
الطرق، كما فصله السيد الداماد في رسالته. بل يمكن رفع القدح عنها من جهة المعارض ايضا، لكون الثلاثة اخص مطلقا من
معارضاتها، لاختصاص الاولى بقوله: «حتى يروى الصبي » ، و الثانيتين بغير
المتفرقات، و عموم المعارضات بالنسبة اليهما، و الخاص المطلق مقدم و لو كان
موافقا للعامة، و العام مخالفا له، مع ان العشر ايضا مخالف لجميع العامة، فانهم
بين قائل بالنشر بالمسمى (63) و قائل بالنشر بالخمس (64) ..فيتساويان من هذه الجهة،
فالترجيح للخاص، و لو لا الترجيح لكان الحكم النشر بالعشر ايضا، للاصل
لثابت بالعمومات. و من ذلك تظهر تمامية ادلة ذلك القول. و الثاني: انه خمس عشرة رضعة. اختاره الشيخ في النهاية و المبسوط و كتابي الاخبار و الحلي في اول باب
الرضاع و المحقق و الفاضل في بعض كتبه و المحقق الثاني في شرح القواعد و الشهيد
الثاني (65) ، و لعله المشهور بين المتاخرين، بل نسبه في كنز العرفان الى الاكثر
مطلقا (66) . للاصل، فيقتصر على موضع الوفاق. و موثقة زياد (67) . و ثبوت التقدير بالعدد بالاجماع و انتفاؤه عن العشر بالاخبار، فلم تبق الا
خمس عشرة رضعة. و الاصل مردود بالعمومات و الخصوصات. و الموثقة بما مر من اعميتها مطلقا عما دل على حصول التحريم بالعشر
المتوالية. و انتفاؤه عن العشر بما مر من ثبوته بها. و الثالث: انه رضعة واحدة كاملة. حكي عن الاسكافي (68) . للعمومات. و للمكاتبة الصحيحة. و مرسلة ابن ابي عمير. و خبر ابن ابي يعفور. المتقدمة جميعا (69) . و رواية زيد بن علي: «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له ابدا» (70) . و العمومات مخصصة بما مر. و المكاتبة غير دالة كما سبق. بل و كذلك المرسلة و الخبر على ما مر، و الرواية محتملة لارادة عدم حلية الرضعة
الواحدة بعد الفطام، فان مرجع الضمير المجرور غير معلوم، فلعله الفطيم. هذا، مع ان الكل على فرض الدلالة مخالفة للشهرة القديمة و الجديدة، بل الاجماع، فعن
حيز الحجية خارجة، و مع ذلك مع الروايات الغير العديدة معارضة، و بموافقة العامة
مرجوحة. و لا يتوهم موافقتها للكتاب - حيث قال: «و امهاتكم اللاتي ارضعنكم و اخواتكم من
الرضاعة » (71) - لعدم ثبوت حصول الامومة و الاخوة بالرضعة الواحدة. و من بعض ما ذكر يظهر الجواب عن بعض اخبار اخر واردة في الباب، الدالة على
اعتبار رضاع حولين (72) او سنة (73) ، مع تحملهما لاحتمالات اخر ايضا. الشرط الخامس: ان يكون المرتضع في اثناء الحولين و قبل استكمالهما. فلا عبرة برضاعه بعدهما. اجماعا محققا، و محكيا عن الخلاف و الغنية (74) ، و في التذكرة و المختلف و القواعد و
شرحه و الايضاح و نكت الشهيد و المسالك (75) و شرح الصيمري و غيرها، و في شرح
المفاتيح: من غير خلاف، و هو الحجة فيه. دون ما ورد في المستفيضة من انه: «لا رضاع بعد فطام » (76) - و يفسر الفطام في بعض
الروايات بالحولين - و ان: «الرضاع قبل الحولين قبل ان يفطم » ، و انه: «لا رضاع
الا ما كان في الحولين » ، و ان استدل به اكثر الاصحاب. لاحتماله من وجهين: احدهما: باعتبار الحولين، حيث يحتمل ان يكون بالنسبة الى المرتضع و ان يكون
بالنسبة الى ولد المرضعة. و لا يفيد تفسيره بالاول في الكافي و الفقيه (77) ، لعدم حجية قولهما، مع احتمال غيره
بحسب اللغة، سيما مع معارضته بتفسيره بالثاني في كلام ابن بكير، كما نقله في
التهذيبين بسند معتبر (78) ، و يظهر منهما ارتضاؤه ايضا لذلك التفسير، و حمل جمع
من الاصحاب على ذلك بعض الاخبار المشترط لعدم الفطام ايضا (79) . و ثانيهما: باعتبار الرضاع المنفي بعدهما او المثبت قبلهما، اذ ظاهر انه ليس
المراد الرضاع الحقيقي لغة، و الحقيقة الشرعية غير ثابتة، فيمكن ان يكون نفي الرضاع
المجوز، او الوارد في الكتاب، او غير ذلك من المجازات، و كذلك في
الاثبات. و لا فرق في التحريم الحاصل بالرضاع قبل الحولين بكونه بعد الفطام او قبله،
للاصل الثابت من العمومات. خلافا للمحكي عن العماني (80) ، فلم يحرم بما كان قبلهما بعد الفطام، لبعض تلك
الروايات المجملة. كما لا فرق في عدمه بعدهما بينهما، للاجماع. خلافا للمحكي عن الاسكافي (81) ، فحرم بما كان بعدهما متصلا قبل الفطام، لبعض
الروايات المذكورة المانع اجماله عن الاستدلال، مضافا الى شذوذها لو كان
دالا. و المراد بكون الرضاع قبل الحولين: عدم وقوع شي ء من القدر المعتبر بعد تمام
الحولين. و بالحولين: الهلاليتان، لانها المتعارف المتبادر شرعا، و ابتداؤهما من
حين انفصال تمام الولد، و لو كان في اثناء الشهر يتم المنكسر من الشهر الخامس
و العشرين ثلاثين يوما، للاصل المتقدم. و الحق: عدم اعتبار الحولين في ولد المرضعة، فينشر الحرمة لو وقع الرضاع بعد
حوليه اذا كان قبل حولي المرتضع، وفاقا للاكثر، بل ادعى بعضهم عليه الاجماع (82) .
لعموم ادلة نشر الحرمة بالرضاع. و للاستصحاب. خلافا للمحكي عن الحلبي و ابني حمزة و زهرة (83) ، بل عن الاخير الاجماع عليه، له. و للاصل. و ما نقل عن ابن بكير. و ظهور الاخبار المتقدمة في العموم. و الاول ممنوع و بمثله معارض. و الثاني بالعمومات مدفوع. و الثالث ليس بحجة، و مع ذلك يعارضه ما ذكره الكليني و الصدوق. و الرابع مردود بالاجمال و انتفاء العموم. مع انه لو حمل على العموم - بان يراد الارضاع بعد شي ء من الحولين او شي ء من
الفطام - يلزمه خروج الاكثر، اذ لا يبقى له مورد سوى حولي هذا المرتضع و ولد
مرضعته و فطامه، و يخرج جميع سائر الافراد، فتامل. الشرط السادس: ان تكون الرضعة كاملة في الرضعات العددية و الزمانية. اما في الاولى، فلانها المتبادر اذا اضيف مثلها الى العدد، فلا يقال: عشر رضعات، الا مع كون كل واحدة كاملة، و لو نقص بعضها يصح السلب و يقال: انها
يست بعشر. و لتقييد عشر رضعات في رواية الفضيل السالفة (84) بالتي تروي الصبي - اي كل واحدة منها
- و لا يضر اشتمالها على اليوم ايضا، كما مر. و اما في الثانية، فلما عرفت من عدم دليل تام على التقدير الزماني، سوى
الاجماع ان ثبت، فيجب الاقتصار فيه على المجمع عليه، و هو ما اذا كانت
الرضعات في اليوم و الليلة كاملة. و اما في حصول الاثرين، فصرح بعضهم بعدم اعتبار كمال الرضعة (85) ، بل يحرم لو
علم حصولهما بالرضعات الناقصة - كما اذا انحصرت رضعاته في ايام كثيرة
بالناقصات - لصدق حصول الاثرين. و لا تنافيه مرسلة ابن ابي عمير و خبر ابن ابي يعفور المتقدمين (86) ، لان مدلولهما
عدم حصول الانبات بدون كمال الرضعة، فلو فرض حصول العلم به بدونه يجب حمل
الرواية على الغالب او محمل آخر، و ان لم يحصل العلم فلا تنافي. و منهم من استدل على اعتبار الكمال في الرضعات العددية و الزمانية بهاتين
الروايتين، مع تصريحه بعدم اعتباره في الوصفية (87) . و هو غير جيد جدا، لان مفادهما اعتبار الكمال في حصول الوصف لا في العدد و
الزمان، و الاصل عدم تعلقه بهما، مع انه اذا لم يعتبر ذلك في الوصف - الذي هو
صريح الروايتين - كيف يعتبر في غيره لاجلهما؟ ! و المراد بالرضعة الكاملة: ما عده العرف كاملا، و هو الذي يروي الصبي و كان من
شانه انامته كما في رواية الفضيل، و الذي يتضلع معه الصبي و تنتهي نفسه، فهما مع
ما يعده العرف متحدان او متقاربان. ثم انه تحسب الرضعات المتخللة بينها لفظ الثديين للتنفس او الملاعبة او المنع من
المرضعة مع المعاودة و حصول الكمال بعدها رضعة واحدة ان لم يطل الفصل، و الا احتسب
الجميع كالآحاد رضعات ناقصات، فلا ينشر حرمة. الشرط السابع: ان لا يفصل بين الرضعات رضاع من امراة اخرى في الرضعات العددية. فلو تخللت رضعة اخرى بينها - كان يرتضع من امراة تسع رضعات و من اخرى رضعة، ثم من
الاولى رضعة اخرى - لم ينشر الحرمة. اجماعا كما في التذكرة و عن الخلاف و الغنية (88) . للتصريح في روايتي مسعدة و عمر بن يزيد (89) ب: ان الرضعات المتفرقات لا تحرم، و
اشتراط التوالي في موثقة زياد السابقة (90) . و اما تخلل غير الرضاع من الماكول و المشروب فغير مانع عن نشر التحريم هنا،
كما هو ظاهر المقنعة و النهاية و التذكرة و النافع و صريح السرائر و القواعد (91) ، و
شرح النافع لصاحب المدارك، و غيرها (92) ، بل في الثاني الاجماع عليه، بل لعله اجماعي،
فان ثبت فهو، و الا فاثبات التحريم مع تخلل الاكل و الشرب بدليل آخر مشكل. اذ ليس الا موثقة زياد، حيث خص الفصل بالرضعة. و ما قالوا من عدم صدق التفرق الا مع تخلل الرضعة، كما يصدق صيام الايام
المتتالية ما لم يتخلل عدم صوم يوم آخر، و لا يضر تخلل الليلة، فان المتبادر
من المتفرقات ما تخلل بينها من جنسها، و الا فتوقف حصول التعدد على تخلل شي ء ظاهر. و في الاول: انه لم يخص بالرضعة، بل ذكر اولا قوله: «متواليات » . و كون ما بعده تفسيرا لذلك غير معلوم. و في الثاني: منع عدم صدق التفرق و عدم التوالي مع تخلل الماكول و المشروب، سيما
مع طول مدة التخلل. و لا يرد: انه لو لم يعلم عدم صدق التفرق فلا يعلم التفرق ايضا، فيبقى تحت عمومات
التحريم بمطلق الرضاع بلا معارض. اذ على هذا تبقى (93) عمومات عدم التحريم ما لم ينبت اللحم و العظم ايضا بلا
معارض، و هي اخص من الاولى، و المسالة مشكلة جدا و الاحتياط لا يترك. هذا في الرضعات العددية. و اما الزمانية، فصرح الاكثر بانه يشترط فيها ان لا يفصل بين الرضعات رضعة و لا
ماكول و لا مشروب آخر (94) . لعدم صدق رضاع اليوم و الليلة مع تخلل رضعة اخرى او اكل او شرب، اذ معنى رضاع اليوم
و الليلة من امراة: ان الرضاع المتعارف في اليوم و الليلة يكون منها، و مع تخلل
اكل او شرب لا يكون كذلك، مع ان الدليل التام على اعتباره الاجماع لو ثبت، و
ما ثبت اعتباره بالاجماع ما لم يتخلل شي ء اصلا. و اما في حصول الاثرين، فلا يشترط عدم تخلل اصلا، كما صرح به في شرح النافع و
المسالك (95) ، بل ينشر مع حصول العلم بالانبات من هذا اللبن الخاص و لو تخلله رضعة
او ماكول او مشروب، للاصل، و صدق الوصف. و لكن في حصول العلم بذلك مع التخلل اشكالا، بل الظاهر - كما قيل (96) - عدم حصول
الانبات حينئذ باللبن الواحد وحده، و لذا صرح بعضهم باشتراط عدم التخلل في
الرضعات الوصفية ايضا (97) . و هل يشترط في منع الرضعة المتخللة عن نشر الحرمة كونها كاملة كما في التذكرة (98) ؟ او لا، بل يحصل باقل الرضعة ايضا، كما في القواعد و المسالك و الروضة (99) ؟ الظاهر هو: الثاني، لصدق التفرق مع غير الكاملة ايضا، و تبادر الكاملة - كما قيل (100)
- ممنوع. و هل يشترط في التوالي اتحاد المرضعة؟ ام يكفي اتحاد الفحل؟ الحق هو: الاول. لظاهر موثقة زياد. و صدق التفرق مع تخلل لبن امراة اخرى. و للتصريح في بعض الاخبار بانه: «لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضع من ثدي واحد» (101) .
و لا يضر زيادة حولين او سنة بعد ما ذكر مع انه خلاف الاجماع، اذ فساد جزء من
الخبر لا يفسد غيره، مع ان فساده غير معلوم، لامكان الحمل على محامل صحيحة. فرع: لو ارضعت امراة خمسا كاملة ثم واحدة ناقصة ثم خمسا كاملة، فهل ينشر، او
يستانف النصاب؟ الظاهر: الاول، لعدم صدق التفرق. الشرط الثامن: ان يرتضع من الثدي. فلو و جر في حلقه او سعط به او احتقن او اكله جبنا لم ينشر الحرمة. على المشهور بين الاصحاب، بل ظاهر التذكرة الاجماع عليه (102) ، و في المسالك: لا
نعلم فيه خلافا لاحد من اصحابنا الا ابن الجنيد (103) . لانه المتبادر من الارضاع، بل لا يحصل مسمى الرضاع و الارضاع و الارتضاع الا
بذلك، فانه لا يقال لمن شربه من غير الثدي: انه ارتضع، فكيف بمن احتقن به او
اكله جبنا؟ ! بل يقال للوجور: اشربه اللبن. و لذا ورد في مرسلة الصدوق الآتية: ان الوجور بمنزلة الرضاع، فليس هو نفس الرضاع. و لذا لم يستعمل في الصحيحين الآتيين - المتضمنين لسقي الزوجة زوجها او
جاريته - الرضاع، بل استعمل السقي. و يؤيده ايضا ما ورد في الصحيحين: احدهما: «لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين » (104) . و الآخر: «لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضع من ثدي واحد سنة » (105) . و في الآخرين، احدهما: عن امراة حلبت من لبنها فسقت زوجها لتحرم عليه، قال:
«امسكها و اوجع ظهرها» (106) . و الآخر: ان امراتي حلبت من لبنها في مكوك فسقته جاريتي، فقال: «اوجع امراتك و عليك بجاريتك » (107) . و انما جعلناها مؤيدة لا ادلة - كما فعله بعضهم (108) - اذ لا دلالة في قوله: «من ثدي » في الاولين على المص منه، لصدقه مع كون اللبن منه كيف ما شرب، و لان
الظاهر من الثانيين وقوع الشرب بعد الحولين و عدم وصوله احد المقدرات الثلاثة
و ان امكن التعميم بترك الاستفصال، و لكنه بعيد جدا. خلافا للمحكي عن الاسكافي (109) ، فاكتفى بالوجور، و هو مختار مواضع من المبسوط (110) ،
مدعيا في بعضها ما يظهر منه الاجماع، و ان وافق المشهور في موضع آخر منه (111) .و
قواه في المفاتيح (112) و شرحه. لان الغاية المطلوبة - التي هي انبات اللحم و شد العظم - قد تحصل منه. و لمرسلة الصدوق: «و جور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع » (113) . و يرد الاول: بمنع كون الغاية هو الانبات من حيث هو هو خاصة، لاحتمال كون
الرضاع و المص من الثدي له مدخلية في نشر الحرمة، كما ان للولادة او الحمل مدخلية
فيه، و ليست العلة بنفس الانبات منصوصة، و تعليل عدم التحريم بعدم الانبات في
بعض الروايات (114) لا يدل على تعليل التحريم بالانبات. نعم، يستفاد من الاخبار نشر الحرمة من الرضاع الموجب للانبات، و غاية ما يمكن
ان يقال فيه العلة المستنبطة، و هي عندنا غير حجة. و الثاني: بمنع الدلالة، لانها فرع ثبوت عموم المنزلة، و هو ممنوع، فيمكن ان يكون
في حرمة الرضاع بعد الفطام. الشرط التاسع: ان يرتضع المرتضع الحد المعتبر من لبن فحل واحد من مرضعة واحدة.
فلو حصل القدر المعتبر من لبن فحلين من مرضعة واحدة او من لبن مرضعتين و لو
من فحل واحد لم ينشر حرمة اصلا، لا بواسطة الامومة و لا الابوة و لا ما يتفرع عليهما. فلو ارضعته امراة واحدة الرضاع المعتبر من لبن فحلين، كان ارضعته من لبن
زوجها خمس رضعات، ثم انقطع لبنها و عاد بعد مدة طويلة من غير وط ء، فارضعته من
اللبن الثاني خمسا اخر. او فارقها الزوج الاول فتزوجت بغيره فاكملت الرضعات من الثاني، و يتصور
ذلك بان يستقل الولد بالماكول او شرب اللبن و جورا في المدة المتخللة، و قلنا
بان ذلك غير ضائر في التفرق. لم تصر المرضعة اما للمرتضع، و لا ينشر الحرمة بينهما و لا بينه و بين اولادها
النسبية او الرضاعية. و كذا لو كان لفحل امراتين مرضعتين، و ارتضع صبي بعض العدد المعتبر من لبن
امراة و اكمله من اخرى، لم يصر الفحل ابا له و لم ينشر الحرمة، مع ان الفحل متحد. فلا تحصل الامومة لمرتضع من لبن فحلين و لو اتحدت المرضعة، و لا الابوة من لبن
مرضعتين له و لو اتحد الفحل. بالاجماع في الحكمين على ما حكي عن التذكرة (115) ، و قيل: بلا خلاف فيه (116) . الا ان بعض شراح المفاتيح نسب الخلاف هنا الى الطبرسي ايضا، و لم يثبت. و الوجه فيه - بعد التايد بعدم تصور ام لشخص لا اب له، و لا اب لمن لا ام له، و لا
اخ او اخت بدون الابوين، و لا اب في الاول، لعدم حصول العدد المعتبر من فحل واحد،
و لا ام في الثاني، لعدم حصوله من امراة واحدة: موثقة زياد بن سوقة المتقدمة، حيث دلت على ان كل رضاع اقل من رضاع يوم و ليلة او خمس
عشرة رضعة متوالية من امراة واحدة من لبن فحل واحد لا يوجب حرمة اصلا، خرج منها
ما خرج من العشر و ما فوقها اذا كانت من امراة واحدة من فحل واحد، فيبقى
الباقي. و يدل عليه ايضا ما صرح بان العشر المتفرقة لا تحرم، فان الرضعات في الصورتين
متفرقة فلا توجب تحريما، و يثبت الحكم في جميع الموارد بعدم الفصل. و تدل عليه ايضا صحيحة العلاء: «لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضع من ثدي واحد سنة » (117) .
دلت على اشتراط اتحاد المرضعة، فلا ينشر التحريم بالعشر، الحاصل من مرضعتين و
لو من فحل، و اما الحاصل من مرضعة من فحلين فهو اما غير متصور على ما اخترنا
من اشتراط عدم تخلل الاكل و الشرب ايضا، او نادر على القول الآخر لا اهتمام
بشانه، مع ان بعد الثبوت في احد الطرفين يثبت في الآخر بالاجماع المركب. الشرط العاشر - و هو شرط لحصول التحريم بالاخوة الرضاعية بين المرتضعين - . ان يكون رضاعهما معا الى الحد المعتبر من لبن فحل واحد، و لا تكفي الاخوة من جهة
الام خاصة في ثبوت التحريم، فلو ارتضع احد الصغيرين من امراة من لبن فحل
القدر المعتبر، و الآخر منها من لبن فحل آخر القدر المعتبر، لم يثبت التحريم
بينهما. و لا يشترط اتحاد المرضعة بعد اتحاد الفحل، بل تكفي الاخوة الرضاعية من جهة الاب،
فلو ارتضع مائة من لبن فحل واحد كل القدر المعتبر حرم بعضهم على بعض و لو تعددت
المرضعات، كما لو كانت منكوحات فحل مائة ارضعت كل واحدة رضيعا واحدا، فيحرم
بعضهم على بعض و الكل على الفحل. و الحاصل - كما ذكرنا - : انه لا تكفي الاخوة من جهة الام خاصة في التحريم و تكفي
من جهة الاب. اما المطلب الاول، فهو الحق المشهور بين الاصحاب، بل في التذكرة: اجماعنا
عليه (118) ، و كذلك في المسالك (119) ، و في شرح القواعد: انه لا خلاف فيه بين اصحابنا (120) ،
بل قيل: ادعى جمع من الاصحاب عليه الاجماع (121) . للمستفيضة من الروايات: منها صحيحة الحلبي: عن رجل يرضع من امراة و هو غلام ايحل له ان يتزوج اختها
لامها من الرضاعة؟ فقال: «ان كانت المراتان رضعتا من امراة واحدة من لبن فحل
واحد فلا يحل، و ان كانت المراتان رضعتا من امراة واحدة من لبن فحلين فلا
باس بذلك » (122) . و موثقة الساباطي: عن غلام رضع من امراة ايحل له ان يتزوج اختها لابيها من
الرضاعة؟ قال: فقال: «لا، قد رضعتا جميعا من لبن فحل واحد من امراة واحدة » ، قال: قلت:
فيتزوج اختها لامها من الرضاعة؟ قال: فقال: «لا باس بذلك ان اختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي ارضعت
الغلام فاختلف الفحلان فلا باس » (123) . و صحيحة العجلي، و فيها: فقلت له: ارايت قول رسول الله صلى الله عليه و آله: «يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب » فسر لي ذلك، قال: «كل امراة ارضعت من لبن فحلها
ولد امراة اخرى من جارية او غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه
و آله، و كل امراة ارضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية او
غلام، فان ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه و آله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، و انما هو من نسب ناحية الصهر رضاع و لا
يحرم شيئا، و ليس هو سبب رضاع من ناحية الفحولة فيحرم » (124) . قيل - في وجه الاستدلال بها - : ان الظاهر كون: «واحدا بعد واحد»مفعولا ل: «ارضعت » و: «من
جارية او غلام » بيانا لهما، و لا يحتمل الحالية عن الفحلين، لانه لا يستفاد منه
شي ء زائد عما استفيد قبله، فيكون تاكيدا، و التاسيس اولى منه، و لانها توجب اما
تقدير المفعول، او جعل الجار زائدة، و كلاهما خلاف الاصل، او جعله مجموع الجار و
مدخوله، و هو خلاف الظاهر (125) . و فيه: انه على الاول: يكون قوله: «من جارية او غلام » ايضا لا يفيد غير التاكيد، و
التاسيس اولى منه، و كون تقدير المفعول، بعد تقدمه خلاف الاصل غير ظاهر. مع انه على الاول ايضا يحتاج الى خلاف اصل في الحكم، اذ حينئذ و ان لم يثبت
التحريم بين المرتضعين، و لكنه يثبت بين احدهما و بين المرضعة او الفحل و ما
يتفرع عليهما، فلا بد من ارتكاب التخصيص في قوله: «و لا يحرم شيئا و ليس هو سبب
رضاع من ناحية الفحولة » ، و هذان يخصصان، مع انه تفسير للرضاع المحرم، و هذا ايضا
رضاع محرم.. فلا تم قوله: «فان ذلك ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه و آله » . و الحمل على تفسير الرضاع المحرم كليا تحريما عاما حتى لاحد الرضيعين على
الآخر لا اصل التحريم و لو كان جزئيا. بعيد جدا، فالظاهر تساوي الاحتمالين و سقوط الاستدلال باحدهما من البين. نعم، يتم الاستدلال بها من جهة التعليل المذكور في ذيل الصحيحة بقوله: «و انما هو
من نسب ناحية الصهر» الى آخره، اذ مع تعدد الفحل يصدق كون الاخوة من ناحية الصهر
لا من ناحية لبن الفحولة. بل يمكن الاستدلال بها بانه على الاحتمال الثاني يدل من جهة فحوى الخطاب على
المطلوب، اذ بعد دلالتها على[عدم] (126) حصول البنوة من جهة الامومة خاصة فلا تحصل
الاخوة من جهتها بطريق اولى. و منه يظهر امكان الاستدلال بما استدل به للشرط السابق ايضا، و يؤيده ايضا ما دل
على[عدم] (127) اعتبار اللبن الخالي عن النكاح. و قد يستدل لذلك القول بصحيحة مالك بن عطية: في الرجل يتزوج المراة فتلد منه، ثم
ترضع من لبنها جارية، ايصلح لولده من غيرها ان يتزوج بتلك الجارية التي
ارضعتها؟ قال: «لا، هي بمنزلة الاخت من الرضاعة، لان اللبن لفحل واحد» (128) . و صحيحة الحلبي، و فيها: عن امراة رجل ارضعت جارية اتصلح لولده من غيرها؟ قال: «لا»
، قلت: فنزلت بمنزلة الاخت من الرضاعة؟ قال: «نعم، من قبل الاب » (129) ، و ما في معناهما من الاخبار. و فيه نظر، لان مقتضاها: ان الاشتراك في لبن الفحل الواحد يوجب التحريم، اي
كفاية الاخوة من جهة الاب - و هو المطلب الثاني - لا انحصار جهة التحريم فيه و
عدم كفاية الاخوة من جهة الام فقط. ثم انه خالف في ذلك الشيخ ابو علي الطبرسي - صاحب التفسير - فاعتبر الاخوة
للرضاعة من جهة الام خاصة ايضا (130) ، و حكي عن الراوندي في فقه القرآن (131) ، و قواه
صاحب المفاتيح (132) و شارحه، و استجوده في المسالك (133) ، و نسبه السيد الداماد في
رسالته الى فقهاء العامة كما نسبه جمع آخر على ما حكي (134) . لعموم «و اخواتكم من الرضاعة » (135) . و نحو قوله صلى الله عليه و آله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (136) . و رواية محمد بن عبيد الهمداني، و في آخرها: فقال لي ابو الحسن عليه السلام: «ما
بال الرضاع يحرم من قبل الفحل و لا يحرم من قبل الامهات، و انما حرم الله
الرضاع من قبل الامهات و ان كان لبن الفحل ايضا يحرم » (137) . و الجواب عن العمومات: انها مخصصة بما مر. مع انه قيل: في كون المرتضعة بلبن هذه المرضعة من فحل آخر اختا رضاعية نظر، لان
الاخت الرضاعية امر شرعي، و كون المذكورة مندرجة تحتها محل النزاع، فلا بد من دليل
يدل عليه، فشمول الآية له غير معلوم، بل و كذلك كونها اختا اميا رضاعية، فلا يعلم
شمول: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ايضا (138) . و فيه نظر، لانا نعلم ان الاخت و الاخ الاميين هما المتحدان في الام، و هذه
المرضعة امه اجماعا، بل نصا.. ففي صحيحة ابن سنان: عن امراة ارضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتى فطمته هل
لها ان تبيعه؟ قال: فقال: «لا، هو ابنها من الرضاعة » (139) . مضافا الى استعمال الاخت في الامية الرضاعية في صحيحة الحلبي و موثقة
الساباطي المتقدمتين. و عن الرواية: انها قاصرة مجملة، لان محط الاستدلال قوله: «و انما حرم الله
الرضاع من قبل الامهات » ، و ليس باقيا على معناه الظاهر، اذ لم يحرم الله سبحانه
الرضاع من قبل الامهات اصلا، بل المراد معنى آخر. و اما انه يحرم الرضاع من قبل الامهات فليس بمعلوم. سلمنا ان المراد ذلك، و لكن لا عموم فيه اصلا، اذ غايته ان الرضاع يحرم شيئا
من قبل الامهات ايضا، و هو مسلم، لانه يحرم المرضعة و كذا اولادها النسبية
اجماعا كما في السرائر و في الكفاية (140) ، و اما انه يحرم كلما يتصور تحريمه
بسبب الرضاع فكلا. و بعبارة اخرى: الامهات حقيقة في النسبية، و معنى تحريم الرضاع من قبل الامهات:
انه يحرم من ارضعته امك النسبية. سلمنا عموم التحريم، و لكنه يعارض ما مر، و هو راجح بكونه اشهر رواية و مخالفا
للعامة، و قد ورد في علاج التعارض: انه خذ بما اشتهر بين اصحابك و بما خالف
العامة (141) . و اما المطلب الثاني - و هو كفاية الاخوة من جهة الاب خاصة في ثبوت التحريم -
فهو اجماعي بيننا، و تدل عليه المتواترة من الاخبار، منها: رواية محمد بن عبيد و صحيحتا مالك و الحلبي المتقدمة جميعا (142) ، و منها: و صحيحة البزنطي (143) و موثقة سماعة (144) ، و غير ذلك.
فرعان:
ا: ما ذكرنا من عدم كفاية الاخوة من جهة الام خاصة انما هو في المرتضعين، اي
الاخوتين الرضاعيتين. اما اذا كان احدهما نسبيا فيثبت التحريم بينهما اجماعا، كما في السرائر
و الكفاية. و تدل عليه رواية محمد بن عبيد المتقدمة. و صحيحة محمد: «اذا رضع الغلام من نساء شتى فكان ذلك عدة او نبت لحمه و دمه عليه
حرم عليه بناتهن كلهن » (145) . و صحيحة جميل: «اذا ارضع الرجل من لبن امراة حرم عليه كل شي ء من ولدها و ان كان
الولد من غير الرجل الذي كان ارضعته بلبنه، و اذا ارضع من لبن الرجل حرم عليه
كل شي ء من ولده و ان كان من غير المراة التي ارضعته » (146) . ب: يحرم على المرتضع: ام المرضعة و اختها و عمتها و خالتها نسبية كانت او
رضاعية. بالاجماع في النسبية. و على الاظهر الاشهر في الرضاعية اذا كانت ارتضاعهن مع المرضعة من فحل واحد،
بل نسب الى اطلاقات كلام الاصحاب، بل صريحهم في المسالة (147) . لعموم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » . و خصوص صحيحة الحلبي و موثقة عمار المتقدمتين في اختها الرضاعية. خلافا للقواعد و المحقق الثاني، فنفيا التحريم في المنتسبات اليها بالرضاع
مطلقا (148) ، سواء كان رضاعهن معها من فحل واحد او فحلين، لعدم اتحاد الفحل بين
المرتضع و النسوة المزبورات. قال في شرح القواعد ما خلاصته: قد حققنا ان حرمة الرضاع لا تثبت بين مرتضعين الا
اذا كان اللبن لفحل واحد، و حكينا خلاف الطبرسي، فلو كانت لمن ارضعت صبيا ام
من الرضاع لم تحرم تلك الام على الصبي، لانها نسبتها اليه بالجدودة انما
تتحصل من رضاعه من مرضعة و رضاع مرضعته منها، و معلوم ان اللبن في الرضاعين ليس
لفحل واحد، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع و الام المذكورة. و من هذا يعلم ان اختها من الرضاع و عمتها منه و خالتها منه لا يحرمن و ان
حرمن بالنسبية. و لو كان المرتضع انثى لا يحرم عليها ابو المرضعة من الرضاع و لا اخوها منه و لا
عمها منه و لا خالها منه، لمثل ما قلناه.انتهى. و فساده واضح جدا، اذ ما اعتمدا عليه - في تخصيص عمومات تحريم الرضاع من
الموثقة و الصحيحة المتقدمتين - يتضمن تحريم الخالة الرضاعية، و اشتراط اتحاد
الفحل انما هو في حصول البنوة و الاخوة لا مطلقا، و لو كان المراد ما ذكراه ما
كان للتعليل - كالحكم بسببه - وجه، لعدم اتحاد فحلي المرتضع و الخالة الرضاعية،
بل لم تحرم العمة و ام الاب الرضاعية، لعدم اتحاد الفحل بهذا المعنى، بل اتحاد
الفحل في الخالة و الجدة و نحوهما لا يكاد تعقل صحته.