" ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " 1 وقال أيضا:" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض
ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " 2 إلى غيرها من
الآيات الشريفة، فالمسلمون تخيلوا حرمة أي ارتباط وعلقة بينهم وبين اليهود و
النصارى حتى الاقتصادي منها وتوهموا أن اشتراء أمتعتهم أيضا حرام ممنوع عنه
بحيث لو حملت يهود خيبر مثلا الحنطة والشعير والحبوب إلى المدينة لكان
يحرم عليهم شراؤها منهم وكذا استشعروا حرمة أي عنوان من عناوين المعاملات
الرائجة الناقلة إذا حدث بينهم وبين اليهود والنصارى فلذا نبههم الله على خطأهم
وأعلن إباحة هذه الوجوه بقوله الكريم: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم و
طعامكم حل لهم " فأجاز التصرف فيما انتقل عنهم إلى المؤمنين بوجه شرعي و
من المؤمنين إليهم كذلك وأحل المعاشرة معهم ولم يعلن اليأس البات منهم بل
أبرز التسامح الاسلامي.
هل الطعام بمعنى الاطعام؟
بقي في المقام أنه ذكر بعض إن الطعام في الآية الكريمة بمعنى الاطعامفمعناها إن اطعام أهل الكتاب لكم جائز واطعامكم لهم جائز.
وفيه أنه وإن أمكن ذلك على حسب القواعد الأدبية بل وله شواهد أيضا
من الآيات الكريمة 3 إلا أنه خلاف الظاهر فإن الظاهر من الطعام والمفهوم منه
لغة كونه اسما للشئ الذي يطعم ويؤكل لا لما هو عمل وفعل للانسان مثلا
فإرادة المعنى المصدري وعنوان كونه فعلا من الأفعال خلاف الظاهر.
1. سورة البقرة الآية 120.2. سورة المائدة الآية 51.3. أقول: فمنها قوله تعالى في سورة البقرة الآية 180 وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، و
منها قوله تعالى في سورة الحاقة الآية 34 وسورة الماعون الآية 3: ولا يحض على
طعام المسكين ومنها قوله في سورة والفجر الآية 19: ولا تحاضون على طعام المسكين.