إن الرسول(ص) كان يعلم بأنّ سنّته الشريفة سوف تشتدّ ضدّها حركة الوضع والكذب، ولذا، بادر إلى تنبيه الأمّة على هذا الخطر العظيم. والروايات في هذا المجال كثيرة، نكتفي بذكر واحدة ذكرها الفريقان. قال (ص): من كذب عليّ متعمّدا ًفليتبوّأ مقعده من النار.[14]
ج.التحذير من الإعراض عن السنّة:
لقد تكرّرت وبمناسبات عديدة عبارة ضمن أحاديث النبي وهي قوله (ص): من رغب عن سنّتي ـ او منهاجي ـ فليس منّي.[15] وجدير بالذكر، إنّنا لانريد ادعاء أنّ الإعراض عن سنّة النبي (ص) لم يقع في عهده، بل نريد الإشارة إلى أنّ تكرار هذه العبارة لايتناسب مع حالات الاعراض في زمنه، بل يتناسب مع ما قلنا من أنّه(ص) كان ينظر في ذلك إلى المستقبل؛ كما انّنا لانريد ادعاء انّ كلّ حالات الاعراض كانت تتمّ عن سوء نية؛ فإن الاعراض يضادّ السنّة سواء كان عن سوء نيّة أم لا.
2ـ محاولة نشر السنّة على نطاق واسع في الأمّة
لقد تمثّلت هذه المحاولة في خطوات ثلاث: الخطوة الأولى. إلقاء السنّة بين أكبر عدد من الناس؛ ومن هنا وجدت الأرضية لبروز الأخبار المتواترة عن النبي. ومعلوم أنّ مصطلح التواتر في علم الحديث، لم يحتل مكانته البارزه إلاّ من جراء وجود هذه الروايات في السنّة. الخطوة الثانية.
الحثّ على حفظ السنة
لقد ورد الحثّ على هذا الأمر في طوائف من الروايات وبأساليب شتّى تشترك جميعها في إبراز هذا المعنى. ونكتفي برواية وردت عند الفريقين من أنّ النبي(ص) قال: مَن حفظ على اُمتى أربعين حديثاً من السنّة، كنت له شافعاً ـ أو شفيعاً ـ يَوم القيامة.[16] وهذه الروايات هي التي أوجدت عند المسلمين ظاهرة الحرص على نقل الحديث النبوي بلفظه. وجدير بالذكر، انّ حفظ الأحاديث ليس مقصوراً على الحفظ في الصدور، بل يعمّه إلى كلّ ما يكتب أو يلقى أو… حيث انّ المراد من حفظها هو حفظها من الزوال والتلف.[17] ولعّل كلمة «على» في الحديث، تشير إلى ذلك. الخطوة الثالثة.
تكراره للموارد المهمة من السنة
ولتوضيح هذه الخطوة النبوية نشير الى الأمرين التاليين: 1ـ إنّ الناظر الى السنة يرى أنّه في كثير من الموارد وردت مجموعة من الروايات حول مضمون واحد، ومن المعلوم أنّه لايمكن إدعاء أن تكون كلّ هذه الموارد قد نشأت كنتيجة لاختلاف نقل الرواة لألفاظ الروايات، بل كان التعدّد في الروايات في كثير من هذه الموارد ناشئاً من تكرار النبي (ص) لبعض الجوانب من سنته الشريفة؛ لاسيّما ونحن نرى إختلاف القيد في بعض الروايات المشتركة في معنى واحد، بحيث لا يمكن تفسيره باختلاف نقل الرواة. وكمثال على ذلك، الحديث الوارد للحثّ على حفظ اربعين حديثاً من سنة الرسول(فقد جعلت نتيجته في بعض الروايات الشفاعة،[18] وفي بعضها الآخر أن يحشر الحافظ لها فقيها او عالماً،[19] وفي بعضها الآخر دخول الجنة،[20] أو أن يحشر الحافظ لها مع الشهداء[21]). 2ـ لم تكن عناية النبي(ص) بتكرار بعض جوانب السنّة متمركزة على القول فحسب، بل كان(ص) يستخدم أسلوب التكرار في غير السنّة القولية أيضاً، بل كان أحياناً للتكرار في السنّة الفعلية دور أقوى. المجموعة الثالثه.