لقد كان لأهل البيت (ع) دور كبير وجذري في ابقاء السنة واحيائها. وقد كان النبي أعدّ مقدّمات تصدّيهم لهذا الدور، وبيّن ذلك ضمن أحاديث كثيرة، من أبرزها حديث الثقلين (الذي رواه الفريقان متواتراً)؛ويمكن بيان بعض هذا الدور ضمن مايلي: 1ـ مواصلة موقف النبي(ص) من الوضع والبدعة والتأويل الخاطئ: لوألقينا نظرة إلى كلمات أهل البيتِ(ع) فى هذا الميدان لوجدناها تتّسم بطابع التشدّد والتأكيد على غرار ما نشاهده من فعل الرسول(ص).إليك بعض النماذج: سأل رجل الإمام علياً(ع) عن السنة والبدعة … فقال (ع) :أمّا السنّة فسنّة رسول اللّه(ص)، وأمّا البدعة فما خالفها…[22] قال الإمام على(ع): ما اُحدثت بدعة إلاّ ترك بها سنّة.[23] قال أبو جعفر الباقر (ع): أدنى الشرك ان يبتدع الرّجل رأياً فيحبّ عليه ويبغض.[24] وقد عبّر الامام الصادق (ع) عن موقف أهل البيت تجاه الحركات المضادّه للسنّة بقوله: إنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.[25] 2ـ محاولة نشر السنّة: لم تكن السبيل معبّدة أمام أهل البيت(ع) في نشر السنّة إذ انّ السلطات الحاكمة كانت تمنعهم من ذلك، وتضيق الخناق عليهم، وقد اقتضى هذا الأمر أن يبذل أهل البيت نوعين من الجهود: جهود في نشر السنّة وإحيائها، وأخرى في تهيئة الأرضية المناسبة لذلك. ومن أبرز مصاديق الجهود التي بذلوها في تهيئة الأرضية لذلك، هو تركيزهم الشديد على موقعهم من رسول اللّه (ص) وتوارثهم لعلمه واحداً بعد آخر. ونذكر هنا حديثين فقط: 1ـ قال الإمام الصادق (ع): حديثي حديث أبي،و حديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه (ص)،وحديث رسول اللّه (ص) قول اللّه عزّوجلّ.[26] 2ـ قال الإمام الرضا (ع): إنّا أهل البيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة.[27] ومن هنا يعلم سرّ تركيز مدرسة أهل البيت على إبراز جانب إنتمائهم الى رسول اللّه (ص)،الأمر الذي كان يرفضه سلاطين بنى أميّة وبني العبّاس. وبالرغم من كلّ هذه المحاولات المضادّة فقد تمكّنوا من إبراز هذا الجانب. ويمكن رؤية ذلك من خلال ما يحكي لنا التاريخ من أنّ الأكثر ومن جملتهم ائمّة المذاهب والمحدّثون كانوا يخاطبونهم بقولهم:«يابن رسول اللّه». وقد كان الإمام الصادق(ع) قد وافته الفرصة أكثر من غيره لنشر السنّة وإحيائها. وقد كان يحدث عنه آلاف المحدّثين. وقد آنست آذان الناس كلمة: «قال رسول اللّه» على لسان الإمام وذلك لكثرة ترديده لهذه العبارة في مختلف لقاءاته مع الناس. ولم يكن يحدّث عن رسول اللّه (ص)، إلاّ ويرى وجهه متغيراً، يقول مالك متحدثاً عن الإمام الصادق: إذا قال ـ أي الإمام(ع) ـ «قال رسول اللّه»، اخضر مرّة واصفر أخرى، حتى ينكره من يعرفه. ويقول عنه كذلك: ما رأيته يحدث عن رسول اللّه (ص) إلاّ على الطهارة.[28] هذا التصدّي العظيم لنشر أقوال الرسول الأعظم(ص)، جعل من الامام الصادق (ع)ملجأ لكلّ من يطلب الوصول الى حديث رسول اللّه (ص)، فهذا سفيان يطلب من الإمام الصادق (ع) أن يحدّثه بحديث خطبة رسول اللّه(ص) في مسجد الخيف، فقال الإمام(ع): دعني حتّى أذهب في حاجتى فانّي قد ركبت فاذا جئت حدّ ثتك، فقال: أسألك بقرابتك من رسول اللّه(ص) لمّا حدّثتني! قال: فنزل …وحدّثه بذلك الحديث.[29] ونرى للإمام الباقر (ع) مثل هذه المرجعيّة في أخذ الحديث ويمكن استفادة ذلك من الأحداث التي نقلها لنا التاريخ،ومنها ما ذكره أبو زهرة من أنّ أباحنيفة قال للإمام الباقر(ع): اجلس مكانك كما يحقّ لك، حتى أجلس كما يحقّ لي فإن لك حرمة كحرمة جدّك(ص) في حياته على أصحابه …[30]