( الجزء الخامس عشر من ) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي و كتب ظاهر الرواية أتت ستا و بالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير و الكبير و السير الكبير و الصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط و يجمع ألست كتاب الكافي للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الامة السرخسي ( تنبية ) قد بأشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم و الله المستعان و عليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم ( كتاب القسمة ) ( قال الشيخ الامام الاجل لزاهد شمس الائمة و فخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي املاء القسمة من الحقوق اللازمة في المحل المحتمل لها عند طلب بعض الشركاء و جوازها بالكتاب و السنة ) أما الكتاب فقوله تعالى و نبئهم أن الماء قسمة بينهم و السنة ما أشهر من قسمة رسول الله صلى الله عليه و سلم الغنائم بين الصحابة رضوان الله عليهم و قسمة المواريث و غير ذلك و الناس يعاملون من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا و انما تجب بعد طلب بعض الشركاء لان كل واحد من الشريكين قبل القسمة منتفع بنصيب صاحبه فالطالب للقسمة يسأل القاضي أى يخصه بالانتفاع بنصيبه و يمنع الغير من الانتفاع بملكه فيجب على القاضي اجابته إلى ذالك و فى القسمة شيئان المعادلة في المنفعة و تمييز نصيب أحدهما من نصيب الاخر و هي تتنوع نوعين أحدهما تمييز محض و هو القسمة في المكيلات و الموزونات و لهذا ينفرد بعض الشركاء حتى أن المكيل و الموزون من جنس واحد إذا كان مشتركا بين اثنين وأحدهما غائب كان للحاضر أن يتناول من ذلك من مقدار نصيبه و بعد ما اقتسما نصيب كل واحد منهما عين ما كان مملوكا له قبل القسمة و لهذا يبيعه مرابحة على نصف الثمن و نوع هو تمييز فيه معنى المبادلة كالقسمة فيما يتفاوت من الثياب و الحيوانات فانما يتميز عند اتحاد الجنس و تقارب المنفعة و لهذا يجبر القاضي عليها عند طلب بعض الشركاء و فيها معنى المبادلة على معنى أن ما يصيب كل واحد منهما مما يصفه كان مملوكا له و نصفه عوض عما أخذه صاحبه من نصيبه و لهذا لا ينفرد به أحد الشريكين و لا يبيع أحدهما نصيبه مرابحة إذا عرفنا هذا فنقول بدأ الكتاب بحديث يسير بن يسار عن رسول الله صلى الله عليه أنه قسم جبريل على ستة و ثلاثين سهما جمع ثمانية عشر للمسلمين و سهم رسول الله صلى الله عليه و سلم معهم و ثمانية عشر سهما فيها أرزاق أزواج رسول الله
صلى الله عليه و سلم و نوائبه و اعلم أن خيبر كانت ستة حصون الشق و النطاة و الكيبة و السلاليم و الغموس nو الوطيخة الا أن الاموال و المزارع كانت في ثلاثة حصون منها و النسق و النطاة و الكيبة و قد افتتح بعض الحصون منها عنوة و قهرا و بعضها صلحا على ما روى ان كنانة من أبى الحقيق مع قومه صالح على النزول و ذلك معروف في المغازي nفما افتتح منها كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم خالصا فانهم انما خرجوا لما وقع في قلوبهم من الرعب و قد خص الله سبحانه و تعالى رسوله صلى الله عليه و سلم بالنصرة بالقاء الرعب في قلوب أعدائه قال صلى الله عليه و سلم نصرت بالرعب مسيرة شهر و إلى ذلك أشار الله تعالى في قوله و ما أفاء الله على رسوله منهم إلى قوله و لكن الله يسلط رسله على من يشاء فجمع رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك الحصة مع الخمس في الشطر و قسم الشطرين بين الغانمين و قد فسر ذلك محمد بن إسحاق و الكلبي على ما ذكر بعد هذا عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قسم خيبر على ثمانية عشر سهما جميعا و كانت الرجال ألفا و ربعمائة و الخيل مائتي فرس و كان على كل مائة رجل فكان على رضى الله عنه على مائة و كان عبيد السها على مائة و كان عاصم بن عدى رضى الله عنه على مائة و كان القاسم في النسق و النطاة و كانت النسق ثلاثة عشر سهما و النطاة خمسة أسهم و كانت الكتيبة فيها خمس الله و طعام أزواج رسول الله صلي الله عليه و سلم و عطاياه و كان أول سهم خرج من النسق سهم عاصم رضي الله عنه و فيه سهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الحديث إلى آخره فهذا الحديث يبين معنى الحديث الاول ففى الحديث الاول ذكر الشطرين و أن أصل القسمة كانت علي ستة و ثلاثين سهما و فى الحديث الاخر ذكر مقدار ما قسم بين الغانمين انه قسم على ثمانية عشر سهما و فيه دليل على أن للامام في المغانم قسمين قسمة على العرفاء و أصحاب الرايات و قسمة أخرى على الرؤس الذين هم تحت كل راية و انما يفعل ذلك لان اعتبار المعادلة بهذا الطريق أيسر فانه لو قسم ابتداء على الرؤس ربما يتعذر عليه اعتبار المعادلة ثم لم يجعل رسول الله صلي الله عليه و سلم بإسم نفسه سهما و لكن كان سهمه مع سهم بن عاصم ابن عدى رضي الله عنه فقيل أنه تواضع بذلك و قيل انما فعل ذلك لانه ما كان يساوى اسمه اسم في المزاحمة عند خروج القرعة و لهذا خرج سهم عاصم بن عدي رضى الله عنه أولا لان فيه سهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا أولى مما يقوله بعض مشايخنا أن العرافة مذمومة في الجملة فيتحرز من ذلك فان في الجهاد و قسمة الغنائم العرافة مذمومة ( ألا ترى ) انه
اختار لذلك الكبار من الصحابة كعلى و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهم ثم بظاهر الحديث استدل أبو يوسف و محمد في أن سهم الفرس ضعف سهم الرجل لانه قال و كانت الرجال ألفا و ربعمائة و الخيل ربعمائة فرس فعرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم و عرفنا أنه كان لكل مائة من الرجال سهم و لكل مائة من الخيل سهمان و لكن أبو حنيفة يقول المراد بالرجال الرجالة قال الله تعالى يأتوك رجالا و على كل ضامر و المراد بالخيل الفرسان يقال عارت الخيل قال الله و أجلب عليهم بخيلك و رجلك أى بفرسانك و رجالتك فهذا يتبين أن الرجال كانوا ألفا و ستمأة و انه أعطى الفارس سهمين و الراجل سهما و فيه دليل انه لا بأس باستعمال القرعة في القسمة فقد استعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك في قسمة الغنيمة مع نهيه صلوات الله عليه عن القمار فدل ان استعماله ليس من القمار و ذكر عن مسروق رحمه الله انه لم يأخذ عن القضاء رزقا ففيه دليل أنه من ابتلى بالقضاء و كان صاحب يسار فالأَولى له أن يحتسب و لا يأخذ كفايته من مال بيت المال و ان كان لو أخذ جاز له و بيانه بما روى عن عمر رضى الله عنه فيه قال ما أحب أن يأخذ قاضي المسلمين أجرا و لا الذي على الغنائم و لا الذي على المقاسم و لم يرد به حقيقة الاجر فالاستئجار على القضاء لا يجوز و لا يستوجب الاجر علي القضاء و ان شرط و لكن مراده الكفالة التي يأخذها القاضي من بيت المال فالمستحب له عند الاستغناء أن لا يأخذ ذلك قال الله تعالى و من كان غنيا فليستعفف و قد بينا الكلام في هذا الفصل فيما أمليناه من شرح أدب القاضي و الذى على الغنائم يحفظها و الذي على المقاسم من وجد كالقاضي لانه عامل للمسلمين و لكنه ليس بمنزلة القاضي في الحكم حتى يجوز استئجاره على ذلك ان لم يكن له فيه ذالك ان لم يكن له فيه نصيب و تأويل الحديث إذا كان له نصيب في ذلك فاستئجار أحد الشركاء على العمل في المال المشترك لا يجوز كما لا يجوز استئجار القاضي على القضاء ذكر عن يحيى بن جزار ان عبد الله بن يحيى كان يقسم لعلى رضى الله عنه الدور و الارضين و يأخذ على ذلك الاجر و قد بينا فوائد هذا الحديث في أدب القاضي و جواز الاستئجار لعمل القسمة بخلاف عمل القضاء و عن عامر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عليا رضي الله عنه إلى اليمين فاتى بركاز فأخذ منه الخمس و ترك أربعة أخماسه للواجد و أتاه ثلاثة يدعون غلاما كل واحد يقول ابنى فأقرع بينهم قضى بالغلام للذي خرجت قرعته و جعل عليه الدية لصاحبيه قال الراوي فقلت لعامر هل رفع عنه بحصته قال لا أردى أما حكم الخمس في الركاز فقد بيناه
في كتاب الزكاة و أما حكم القرعة فالشافعي رحمه الله يستدل بظاهر هذا الحديث في المصر على القرعة في دعوى النسب عند الاشتباه و لسنا نأخذ بذلك ان فعله هذا كان بعد حرمة القمار أم قبله و انه عرض ذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم فرضي به أو لم يرض عليه ثم لعل القضاء له بحجة أقامها و كان استعماله القرعة ليطيب القلوب و انما رجحه في القضاء لترجيح في حجته من يد أو غيره و قوله فقضى للذي خرجت قرعته مذكور على سبيل التعريف لا لان الاستحقاق كان بالقرعة كما يقال قضى القاضي لصاحب الطيلسان و ما ذكر في آخره من انه جعل عليه الدية لصاحبيه مشكل لا يتضح فالحي الحر لا يتقوم بالدية و ان كان هذا الغلام مملوكا لهم أو من جارية مشتركة بينهم فإقرار كل واحد منهم أنه ابنه يوجب حرية نصيبه و يسقط حقه في التضمين و كذلك ما أشكل على السائل حيث قال هل رفع عنه بحصته فان الدية اسم يجمع بدل النفس و قد كان في ذلك حصة الذي قرع فلا بد من أن يرفع عنه بحصته في الموضع الذي يجب كاحد الشركاء في العبد إذا قبله الا أن عامر لم يحارف ألم يرد ما سمع فقال لا أدري فكأنه لم يتكلف لذلك لعمله ان هذا ليس بحكم مأخوذ به فبهذا يتبين ضعف هذا الحديث في استعمال القرعة في النسب و عن إسماعيل بن إبراهيم قال خاصمت أخى إلى الشعبي في دار صغيرة أريد قسمتها و يأنى ذلك فقال الشعبي رضى الله عنه لو كانت مثل هذه فخط بيده مقدار آجرة قسمتها بينكم فقال و خطها على أربع قطع و فيه دليل على أن القاضي يقسم المشترك عند طلب بعض الشركاء و ان أبى ذلك بعضهم لان الذي طلب القسمة متظلم من صاحبه أنه يشفع بملكه و لا ينصفه في الانتفاع و الذي يتعنت و انما يبنى القاضي قضاءه على التماس المتظلم الطالب للانصاف دون المتعنت و لهذا لا تجب القسمة فيما لا يحتملها عند طلب بعض الشركاء لان الطالب هنا متعنة فانه قبل القسمة ينتفع بنصيبه و بالقسمة تنقطع عنه المنفعة و أما قول الشعبي في مقدار آجرة خطها على الارض قسمتها بينكم علي وجه التمثيل دون التحقيق للمبالغة في دار الذي يأتى القسمة منهما فيما يحتمل لان مقدار الاجرة يحتمل القسمة و هو نظير قوله صلى الله عليه و سلم من بني مسجد الله كمفحص قطاه بني الله له بيتا في الجنة و المسجد لا يكون كمفحص القطاة و انما قال ذلك للمبالغة في بيان الميل و قال أبو حنيفة رحمه الله أجرة القسام إذا استأجره الشركاء للقسمة بينهم على عدد الرؤس لا على مقدار الانصباء و قال أبو يوسف و محمد و الشافعي رحمهم الله على مقدار الانصباء و يستوي في ذلك قاسم القاضي و غيره و هو رواية عن أبى
حنيفة رحمه الله وجه قولهم أن هذه مؤنة تلحق الشركاء بسبب الملك فيكون بينهم على وجه النفقة علي قدر الملك كالنفقة و أجرة المكيال و الوزان ان استأجروه ليفعل ذلك فيما هو مشترك بينهم و هذا لان المقصودها بالقسمة أن يتوصل كل واحد منهم إلى الانتفاع بنصيبه و منفعة نصيب صاحب الكبير أكبر من منفعة نصيب صاحب القليل أو لان الغرم مقابل بالغنم ثم الغنم بين الشركاء علي قدر الملك يعنى الثمار و الاولاد فكذلك الغرم عليهم بقدر الملك و لابي حنيفة رضى الله عنه أن عمله لهم سواء و انما يستحق الاجر بذلك فيكون الاجر عليهم بالتسوية كما إذا استوت الانصباء و بيان الوصف أن القسام لا يستحق الاجر بالمساحة و مد الاطناب و المشي علي الحدود فانه لو استعان في ذلك بأرباب الملك استوجب كمال الاجر إذا قسم بنفسه فعرفنا أنه لا يستوجب الاجر بالقسمة و هي تمييز نصيب كل واحد منهم و لا تفاوت بينهم في ذلك فكما يتميز نصيب صاحب الكبير بعمله عن نصيب صاحب القليل يتميز نصيب صاحب القليل عن نصيب صاحب الكبير و ربما يكون عمله في نصيب صاحب القليل أكبر و الحساب لا يدق إذا استوت الانصباء و انما يدق عند تفاوت الانصباء و تزداد دقته بقلة بعض الانصباء فلعل تمييز نصيب صاحب القليل أسوأ من تمييز نصيب صاحب الكبير و لكن لا يعتبر ذلك لان التمييز حصل بعمل واحد و هما في ذلك العمل سواء بخلاف الزوائد فانها تتولد من الملك فانما تتولد بقدر الملك و بخلاف النفقة فانها لا بقاء الملك و حاجة الكبير إلى ذلك أكثر من حاجة صاحب القليل و لا معنى لما قال أن منفعة صاحب الكثير هنا أكثر لان ذلك لكثرة نصيبه لا للعمل الذي استوجب الاجر به فاما أجر الكيال و الوزان فقد قال بعض مشايخنا هو علي الخلاف فان المكيل و الموزون يقسم بذلك و الكيال و الوزان بمنزلة القسام و الاصح أن أبا حنيفة رضى الله عنه يفرق بينهما فنقول هنا انما لا يستوجب الاجر بعمله في الكيل و الوزن ألا تري أنه لو استعان في ذلك بالشركاء لم يستوجب الاجر و عمله في ذلك بالشركاء لم يستوجب الاجر و عمله في ذلك لصاحب الكثير أ كثر فكل عاقل يعرف أن كيل مائة قفيز يكون أكثر من كيل عشرة أقفزة فلهذا كانت الاجرة عليهما بقدر الملك بخلاف القسام فذكر أن الاولى أن يجعل لقاسم الارضين رزقا من بيت المال حتى لا يأخذ من الناس شيئا و ان لم يجعل رزقا له فقسم بالاجر فهو جائز لان القسمة ليست كعمل القضاء فالقضاء فرض هو عبادة و القاضي في ذلك نائب عن رسول الله صلي الله عليه و سلم و القسمة