بیشترلیست موضوعات فصل الخِطاب المقدمة : المؤلّف والكتاب لجنة التحقيق دار الروضة الشريفة ـ المدينة المنوّرة صفحة فارغة تكفير المسلمين الجاهل معذور أهل الردّة المعتزلة وآراؤهم المرجئة وأقوالهم الجهميّة ودعاواهم مذهب السلف عدم تكفير الفرق الإيمان الظاهر شروط المجتهد الذي يجوز تقليده في علوم الدين الحدود تدرء بالشبُهات نجاة الأمّة حسب نصوص الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)[ حقيقة الشرك وأسبابه حقيقة الإسلام وصفة المسلم الفهارس العامّة پاورقي هاتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
لم يجز أن نعيّن شخصاً ممّن فعل بعض هذه الأفعال ، ونقول : هذا المعيّن قد أصابه هذا الوعيد ، لإمكان التوبة ، وغيرها من مسقطات العقوبة .إلى أن قال : فَفِعْلُ هذه الأمور ممّن يحسب أنـّها مباحة ـ باجتهاد أو تقليد ونحو ذلك ـ وغايته أنـّه معذورٌ من لحوق الوعيد به لمانع .كما امتنع لحوق الوعيد بهم لتوبة ، أو حسنات ماحية ، أو مصائب مكفّرة ، أو غير ذلك .وهذه السبيل هي التي يجب اتّباعها ، فإنّ ما سواها طريقان خبيثان :أحدهما : القول بلحوق الوعيد بكلّ فرد من الأفراد بعينه ، ودعوى أنـّه عمل بموجب النصوص .وهذا أقبح من قول الخوارج المكفّرين بالذنوب ، والمعتزلة وغيرهم ، وفساده معلوم بالاضطرار ، وأدلّته في غير هذا الموضع ، فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حقّ .لكنّ الشخص المعيّن الذي فعله لا يُشهَد عليه بلا وعيد ، فلا يُشهَد على معيّن من أهل القبلة بالنار ، لفوات شرط ، أو لحصول مانع .وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها ، قد يكون القائل لها لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحقّ ، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكّن من معرفتها وفهمهما ، أو قد عرضت له شبهات يعذره الله بها .فمن كان مؤمناً بالله وبرسوله ، مظهراً للإسلام ، محبّاً لله ورسوله ، فإنّ الله يغفر له ، ولو قارف بعض الذنوب القوليّة ، أو العمليّة ، سواء أُطلق عليه لفظ الشرك ، أو لفظ المعاصي .هذا الذي عليه أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وجماهير أئمّة الإسلام .لكنّ المقصود أنّ مذاهب الأئمّة مبنيّةٌ على هذا التفصيل بالفرق بين النوع والعين .بل ، لا يختلف القول عن الإمام أحمد وسائر أئمّة الإسلام كمالك ، وأبيحنيفة ، والشافعيّ أنـّهم لا يكفّرون المرجئة الذين يقولون : « الإيمان قول بلا عمل » .ونصوصهم صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج ، والقَدَريّة وغيرهم .وإنّما كان الإمام أحمد يطلق القول بتكفير الجهميّة ، لأنّه ابتلي بهم حتّى عرف حقيقة أمرهم ، وأنـّه يدور على التعطيل .وتكفير الجهميّة مشهور عن السلف والأئمة ، لكن ما كانوا يكفّرون أعيانهم .فإنّ الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقوله ولا يدعو إليه ، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط ، والذي يكفّر مخالفه أعظم من الذي يعاقب .ومع هذا ، فالذين ـ من ولاة الأمور ـ يقولون بقول الجهميّة : إنّ القرآن مخلوقٌ ، وإنّ الله لا يُرى في الآخرة ، وإنّ ظاهر القرآن لا يحتجّ به في معرفة الله ، ولا الأحاديث الصحيحة ، وإنّ الدين لا يتمّ إلاّ بما زخرفوه من الآراء ، والخيالات الباطلة ، والعقول الفاسدة ، وإنّ خيالاتهم وجهالاتهم أحكم في دين الله من كتاب الله ، وسُنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإجماع الصحابة والتابعين لهم باحسان ، وإنّ أقوال الجهميّة والمعطِّلة من النفي والإثبات أحكم في دين الله .بسبب ذلك امتحنوا المسلمين ، وسجنوا الإمام أحمد ، وجلدوه ، وقتلوا جماعة ، وصلبوا آخرين .ومع ذلك لا يطلقون أسيراً ، ولا يعطون من بيت المال إلاّ مَن وافقهم ، ويقرّ بقولهم .وجرى على الإسلام منهم أمورٌ مبسوطة في غير هذا الموضع(67) .ومع هذا التعطيل الذي هو شرّ من الشرك ، فالإمام أحمد ترحّم عليهم ، واستغفر لهم ، وقال : ما علمتُ أنـّهم مكذّبون للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا جاحدون لما جاء به ، لكنّهم تأوّلوا فأخطأوا ، وقلّدوا مَن قال ذلك .والإمام الشافعيّ لمّا ناظر حفص الفرد ـ من أئمّة المعطِّلة ـ في مسألة القرآن ، وقال : القرآن مخلوق ، قال له الشافعيّ : كفرتَ بالله العظيم ، فكفّره ولم يحكم بردّته بمجرد ذلك ، ولو اعتقد ردّته وكفّره لسعى في قتله .وأفتى العلماء بقتل دُعاتهم ، مثل غَيْلان القَدَريّ ، والجعد بن درهم ، وجهم بن صفوان ـ إمام الجهميّة ـ وغيرهم .وصلّى الناس عليهم ، ودفنوهم مع المسلمين ، وصار قتلهم من باب قتل الصائل ، لكفّ ضررهم ، لا لردّتهم .ولو كانوا كفّاراً لرآهم المسلمون كغيرهم .وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع ، إنتهى كلام الشيخ(رحمه الله) .وإنّما سُقته بطوله لبيان ما تقدّم مما أشرت إليه ، ولما فيه من إجماع الصحابة والسلف ، وغير ذلك ممّا فُصّل .فإذا كان هذا كفر هؤلاء ـ وهو أعظم من الشرك ، كما تقدّم بيانه مراراً من كلام الشيخين ـ مع أنّ أهل العلم من الصحابة ، والتابعين ، وتابعيهم إلى زمن أحمد بن حنبل هم المناظرون والمبيّنون لهم ، وهو خلاف العقل والنقل ، مع البيان التامّ من أهل العلم!ومع هذا لم يكفّروهم ، حتّى دعاتهم الذين قتلوا ، لم يكفّرهم المسلمون .أما في هذا عبرة لكم؟[الفرقة الوهابيّة تخالف ذلك]تكفّرون عوامّ المسلمين ، وتستبيحون دماءهم ، وأموالهم ، وتجعلون بلادهم بلاد حرب ، ولم يوجد منهم عُشْر مِعشار ما وجد من هؤلاء؟!وإن وجد منهم شيءٌ من أنواع الشرك ـ سواء شرك أصغر أو أكبر ـ فهم جُهّال ، لم تقم عليهم الحجّة التي يكفّر تاركها!أتظنّون أنّ أولئك السادة ـ أئمة أهل الإسلام ـ ما قامت الحجّة بكلامهم؟! وأنتم قامت الحجّة بكم!؟بل ، واللهِ تكفّرون من لا يكفّر من كفّرتم ، وإن لم يوجد منه شيءٌ من الشرك والكفر .الله أكبر ، { لقد جئتم شيئاً إدّاً }(68) .يا عباد الله : اتّقوا الله!خافوا ذا البطش الشديد ، لقد آذيتم المؤمنين والمؤمنات { والذين يُؤْذُون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً }(69) .والله مالعباد الله عند الله ذنبٌ ، إلاّ أنّهم لم يتّبعوكم على تكفير من شهدت النصوص الصحيحة بإسلامه ، وأجمع المسلمون على إسلامه .فإن اتّبعوكم أغضبوا الله تعالى ، ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإن عَصَوا آراءكم حكمتم بكفرهم وردّتهم!!وقد رُوي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنـّه قال : لستُ أخاف على أمتي جوعاً يقتلهم ، ولا عدّواً يجتاحهم ، ولكن أخاف على أمّتي أئمةً مضلّين ، إن أطاعوهم فتنوهم ، وإن عَصَوهم قتلوهم ، رواه الطبرانيّ(70) من حديث أبي أمامة .وكان أبو بكر الصدّيق(رضي الله عنه) يقول : أطيعوني ما أطعتُ الله ، وإن عصيتُ فلا طاعة لي عليكم(71) .ويقول : أنا أخطيء وأصيب ، وإذا ضربه أمر جمع الصحابة واستشارهم .وعمرُ يقول مثل ما قال أبو بكر ، ويفعل مثل ما يفعل ، وكذلك عثمان ، وعليّ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .[أئمة المذاهب لا يلزمون أحداً بمذهبهم]وأئمّة أهل العلم لا يُلزمون أحداً أن يأخذ بقولهم ، بل لمّا عزم الرشيد بحمل الناس على الأخذ بمُوَطَّأ الإمام مالك(رضي الله عنه) ، قال له مالك: لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فإنّ العلم انتشر عند غيري ، أو كلاماً هذا معناه .وكذلك جميع العلماء من أهل السُنّة ، لم يُلزم أحدٌ منهم الناسَ الأخذَ بقوله .[الوهابية تخالف ذلك]وأنتم تكفّرون من لا يقول بقولكم ، ويرى رأيكم!!سألتكَ بالله ; أنتم معصومون ، فيجب الأخذ بقولكم؟فإن قلت : لا، فلِمَ توجبون على الأمّة الأخذ بقولكم ؟أم تزعمون أنّكم أئمّة تجب طاعتكم؟فأنا أسألكم بالله ، أهل اجتمع في رجل منكم شروط الإمامة التي ذكرها أهل العلم ، أو حتّى خصلة واحدة من شروط الإمامة؟بالله عليكم انتهوا ، واتركوا التعصيب .هبنا عذرنا العامّيّ الجاهل الذي لم يمارس شيئاً من كلام أهل العلم ، فأنت ما عذرك عند الله إذا لقيته؟بالله عليك تنبّه ، واحذر عقوبة جبّار السماوات والأرض .فقد نقلنا لك كلام أهل العلم ، وإجماع أهل السُنّة والجماعة ـ الفرقة الناجية ـ وسيأتيك إن شاء الله ما يصير سبباً لهداية من أراد الله هدايته .فصل ]اتفاق أهل السنة! على عدم التكفير المطلق للمسلمين]قال ابن القيّم في (شرح المنازل)(72) :أهل السُنّة متّفقون على أنّ الشخص الواحد تكون فيه ولاية الله وعداوة من وجهين مختلفين ، ويكون محبوباً لله مبغوضاً من وجهين ، بل يكون فيه إيمانٌ ونفاقٌ ، وإيمانٌ وكفرٌ ، ويكون إلى أحدهما أقرب من الآخر ، فيكون إلى أهله .كما قال تعالى : { هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان }(73) .وقال : { وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون }(74) .فأثبت لهم تبارك وتعالى الإيمان مع مقارنة الشرك .فإن كان مع هذا الشرك تكذيبٌ لرُسُله ، لم ينفعهم ما معهم من الإيمان .وإن كان تصديقٌ برُسُله ـ وهم يرتكبون الأنواع من الشرك، لا يخرجهم عن الإيمان بالرُسُل ، واليوم الآخر ـ فهم مستحقّون للوعيد ، أعظم من استحقاق أهل الكبائر .وبهذا الأصل أثبت أهل السُنّة دخول أهل الكبائر النار ، ثم خروجهم منها ، ودخولهم الجنّة ، لِما قام بهم من السببين .قال : وقال ابن عبّاس في قوله تعالى : { ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }(75) .قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : ليس بكفر ينقل عن الملّة إذا فعله فهو به كَفَر ، وليس كمن كفر بالله ، واليوم الآخر .وكذلك قال طاووس وعطاء(76) ، إنتهى كلامه .وقال الشيخ تقيّ الدين(77) : كان الصحابة والسلف يقولون : إنّه يكون في العبد إيمانٌ ونفاقٌ .وهذا يدّلّ عليه قوله عزّوجلّ : { هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان } .وهذا كثيرٌ في كلام السلف ، يبيّنون أنّ القلب يكون فيه إيمانٌ ونفاقٌ ، والكتاب والسُنّة يدلّ على ذلك .ولهذا قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)(78) :يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذَرّة من إيمان .فعُلم أنـّه من كان معه من الإيمان أقلّ قليل لم يخلّد في النار ، وإن كان معه كثيرٌ من النفاق ، فهذا يعذّب في النار على قدر ما معه ، ثم يخرج .إلى أنْ قال : وتمام هذا أنّ الإنسان قد يكون فيه شعبةٌ من شعب الإيمان ، وشعبةٌ من شعب الكفر ، وشعبةٌ من شعب النفاق .وقد يكون مسلماً وفيه كفرٌ دون الكفر الذي ينقل عن الإسلام بالكلّيّة ، كما قال الصحابة ـ ابن عبّاس وغيره ـ : كفرٌ دون كفر ، وهذا عامّة قول السلف ، إنتهى .فتأمّل هذا الفصل ، وانظر حكايتهم الإجماع من السلف ، ولا تظنّ أنّ هذا في المخطيء ، فإنّ ذلك مرفوعٌ عنه إثمُ خطئه ـ كما تقدّم مراراً عديدةً ـ .[الوهابية تخالف ذلك]فأنتم الآن تكفّرون بأقلّ القليل من الكفر ، بل تكفّرون بما تظنّون ـ أنتم ـ أنّه كفر ، بل تكفّرون بصريح الإسلام ، فإنّ عندكم أنّ من توقّف عن تكفير من كفّرتموه خائفاً من الله تعالى في تكفير من رأى عليه علامات الإسلام ، فهو عندكم كافر .نسأل الله العظيم أن يخرجكم من الظلمات إلى النور ، وأن يهدينا وإيّاكم الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيّين ، والصدّيقين ، والشهداء ، والصالحين .