بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى:
}وشهد شاهد من أهلها...{
سورة يوسف (12) ، الآية 26
وقال تعالى:
}وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله، فآمنَ... واستكبرتم{
سورة الأحقاف (46) ، الآية 10
* * *
المقدمة : المؤلّف والكتاب
المؤلّف :
هو الشيخ سليمان بن عبدالوهّاب بن سليمان التميميّ ، النجديّ ، الحنبليّ .
وهو أخ محمّد بن عبدالوهّاب مؤسّس الدعوة الوهابية في العيينة من أرض نجد ، وكانَ سليمان أكبر من محمّد عمراً ، وأكثر منه علماً ، وأوجه منه ، بل كان بكر أبيه ، وقد درس محمّد عنده كما درس عند أبيه عبدالوهاب.
وكان سليمان عالماً فقيهاً نبيهاً فهماً مقبولا عند العلماء، موجّها عند الزعماء، ومرجعاً للعامّة من الناس، ومسموع الكلمة لعلمه، وتقواه، وإخلاصه .
كان من المبادرين للنهي عن المنكرات ، والوقوف أمام انتشارها باللسان والقلم ، والنصيحة .
وقد ألّف هذا الكتاب بعد ثمانية سنوات من بدء الفتنة الوهابيّة .
وكان لهذا الكتاب أثر بليغ في تعريف الناس بواقع الدين عقيدة وشريعة ووقع موقع الرّضا والقبول ، لأنّ سليمان على علمه وصدقه ومقبوليته ، كان شاهد صدق على أخيه ، الذي عاشره وعاصره عن قرب .
كما عاش قضايا الفتنة ومحدثاتها ، وأعمالها وتصرّفاتها ، وسبر اغوارها ، وشاهد بعينه ، ولمس بيده الجرائم والويلات التي جرّتها على الاُمة والعلم .
فكانت شهادته مسموعة من باب {وشهد شاهد من أهلها}.
ولذلك ، رجع كثير من رؤساء القبائل ، وعلماء البلاد ، والعوام المغفّلين ، عن اتباع الفُرقة ، والالتزام بأفكار الجماعة .
لقوّة حجّة سليمان كما عرضها في الكتاب ، وصدق ما نقله من الآراء والأعمال وقد ترجم للشيخ سليمان ، المؤلّفون الجدد : منهم الاستاذ عمر رضا كحالة السوري في معجم المؤلّفين (4/269) .
ومنهم خيرالدين الزركلي السوري (الوهّابي) في الأعلام (3/130) .
وهذا الأخير حاول تحريف بعض الحقائق ، حيث ادّعى (ندم!) الشيخ سليمان ، على معارضته للفرقة!!! فما ذكر هذا الكتاب في ترجمة الشيخ سليمان! مع انّه من أشهر مؤلّفاته ، وأهم ما كتبه ، وهو مطبوع متداول! وقد ذكره المترجمون والمفهرسون كافّة!
لكن الزركلي لم يشر إليه لا من قريب ولا من بعيد ، فهل هو يؤمن ويصدّق على مثل تلك الدعوى المزعومة؟!
وسيأتي كلام عن هذا .
وقد حدّدوا وفاة الشيخ سليمان بما يلي :
1 ـ قال كحّالة : كان حيّاً حوالي 1206هـ .
2 ـ قال الزركلي : توفي نحو 1210هـ .
الكتاب :
اسمه : الصواعق الإلهية في مذهب الوهابية) ، كذا سمّاه في إيضاح المكنون (2/72) ، وذكره كحالة في معجم المؤلّفين (4/269) .
وذكر له في إيضاح المكنون (2/190) كتاباً آخر باسم : فصل الخطاب في مذهب محمّد بن عبدالوهاب.
وذكره كحالة ، أيضاً.
والمعروف أن الاسمين لكتاب واحد ، كما ذكر اسمه في بعض الفهارس هكذا : فصل الخطاب من كتاب ربّ الارباب ، وحديث رسول الملك الوهّاب ، وكلام اُولى الألباب في. . . مذهب محمّد بن عبدالوهاب .
وهو هذا الكتاب الذي نقدّمه للطبع ، للمرّة الرابعة ، بعد أن طبع في الهند عام 1306هـ وفي مصر ، وفي تركيا عام 1399هـ .
ومع كل ذلك ، فقد أغفل الزركلي الوهابي ذكر اسم الكتاب ، أصلا.
لكنه ذكر لسليمان كتاباً آخر باسم : الردّ على من كفّر المسلمين بسبب النذر لغير الله ، ورمز إلى أنّه مخطوط يوجد في مكتبة الأوقاف في بغداد برقم (6805) كما في الأعلام (3/130) .
وأظنّ أنّ هذا الكتاب هو نفس كتابنا (فصل الخطاب) لأنّه يتّحد معه في المضمون ، أو انّه اختصار منه ، لأنّ كتابنا يحتوي على مسألة تكفير المسلمين بسبب النذر ، ومسائل اُخرى كزيارة القبور ، والاستشفاع بالنبي والأولياء، وغير ذلك .
وقد ذكر كحالة في معجم المؤلّفين (4/269) ، نقلا عن كتاب الكشاف عن كتب الأوقاف البغدادية ، لأسعد طلس (126 ـ 127) أنّ لسليمان كتاب: (التوضيح عن توحيد الخلاّق).
وقد خطّأ بعض هذه النسبة، فلاحظ مجلة العرب (7/227) .
ومن مصادر كحالة : فهرس التيمورية (4/120) ولاحظ : اكتفاء القنوع بما هو مطبوع (ص388) .
أهميّة الكتاب :
تظهر أهميّة الكتاب ، إذا عرفنا :
1 ـ أنّه أول كتاب ألّفه علماء المسلمين ردّاً على الدعوة الى الفرقة ، عقيب ظهورها فقد صرّح المؤلّف بأنّه كتبه بعد ثمان سنوات من ظهورها .
2 ـ إنّ المؤلّف بحكم كونه أخاً لمؤسّس الدعوة ، ولكونه يعيش في أوساط الدعاة وعقر دارهم ، كان أعرف بأحوالهم وأفكارهم ، وشاهد عن كثب تصرّفاتهم وأعمالهم ، فكانت كلمته شهادة صدق ، وقول حقّ ، لا يرتاب فيه أحد .
3 ـ إنّ مقام المؤلّف العلمي ، كواحد من كبار فقهاء المذهب الحنبليّ ، وبفرض منزلته الاجتماعيّة : تمكّن من فضح الدعاوى، وإظهار مخالفتهم للمذهب الحنبلي ذاته ، ولعلماء الحنابلة : فقهاً وعقيدة وسيرة .
ولذلك كلّه ، كان للكتاب أكبر الآثار في إيقاف المدّ الأسود بالرغم من استخدام الدعاة ، الحديد والنار والتهديد والإنذار لمن يخالفهم أو لا يتابعهم ، ومع ذلك كان له أكبر الآثار على الحدّ من انتشار الدعوة.
وقد اعترف الدعاة بهذه الحقيقة .
قال مشهور حسن في كتابه «كتب حذّر العلماء منها» ما نصه :
«لقد كان لهذا الكتاب أثر سلبيّ(!) كبير ، إذ نكص بسببه أهل (حريملاء) عن اتباع الدعوة السلفية(!)
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، بل تجاوزت آثار الكتاب إلى (العُيينة) .
فارتاب ، وشكّ بعض من يدّعي العلم في (العُيينة) في صدق هذه الدعوة ، وصحّتها(!!!)
كتب حذّر . . (1/271) .
ولمدى قوة تأثير الكتاب وأهمّيته ، سعى الزركلي الوهّابي أن يدّعي ندم المؤلّف ، عن معارضته للدعوة ، وأنّه كتب في ذلك رسالة(!) مطبوعة(!!)
كذا قال في الأعلام (3/130).
والغريب ، أنّ الزركلي الذي يؤكّد على وجود هذه الرسالة ، مع غرابة ذكرها عنده ، وعدم معروفيتها وعدم ذكرها في فهارس الكتب المطبوعة وعدم تحديد اسم معيّن لها ، إلاّ أن يكون أحَدُ الدعاة افتعلها ونحلها إلى الشيخ سليمان!!؟
فإنّ الزركلي قد أغفل ذكر أسم كتاب للشيخ سليمان وهو (فصل الخطاب) المسمى بالصواعق الإلهية ، كتابنا هذا ، المطبوع مكرّراً، والمشهور النسبة إلى المؤلّف ، والمذكور في كتب التراجم والفهرسة .
إنّ إغفاله لاسم هذا الكتاب ، قرينة على إعماله للهوى والغرض في ترجمة سليمان ، ولا يُستبعد أنّه تعمّد ذكر تلك الرسالة ليشوّه على القرّآء، ويقدّم دليلا على ما زعمه كذباً، من اتهام سليمان بالندم عن المعارضة للدعوة .
ونقول : وحتى لو لفّق احد الدعاة رسالةً منسوبة إلى الشيخ سليمان ، فإنّ ذلك لا يقلّل ـ أبداً ـ من أهميّة كتابنا هذا .
فإنّ تلك الرسالة ، لم تذكر ، ولا لها أثر إلاّ عند الزركلي وأمثاله من الدعاة .
ومع ذلك ، فإنّ ما أودعه الشيخ سليمان في هذا الكتاب القيّم (فصل الخطاب) من الأدلة القويمة والحجج المحكمة ، والبراهين الواضحة والاستدلالات بالآيات وصحاح الروايات ، والكلام المقنع . . . لا يمكن لأحد العدول عنه ، ولا الإعراض عن اتباع مدلوله ومؤدّاه ، حتى لنفس المؤلّف .
وليس المهمّ ـ بعد وضوح الأدلّة وقوّة الاحتجاج ـ : مَن قالها ! وإنّما المهمّ ما قاله من الحقّ والصدق والصواب .
نعم ، لو كان مؤلّف ثابتاً على مواقفه حتى آخر حياته ـ كما كان مؤلّفنا ـ فهو دليل على واقعيته ، وعدم انجرافه مع التيّارات الدنيوية ، وعدم اغتراره بالمظاهر والمناصب .
ويكون كلامه أتمّ في الإلزام وأقوى في الاحتجاج عند الخصام .
وقد اعترف الجميع ، بأن الشيخ سليمان ـ كأبيه ـ كانا من أشدّ المعارضين للفرقة ، قبل إظهارها ، لما شاهداه من المخالفات والتفكير غير الراشد ، وقد حذّرا منها .
ثمّ بعد إظهارها للنّاس ، بادر الشيخ سليمان إلى الردّ عليها ، بهذا الكتاب ، الذي يتفجّر بالحطّ عليها ، والتبرّؤ من عقائدها ، والانزجار من أفعالها وتصرّفاتها .
سبب تأليف الكتاب :