عمر ودعوى القرابة
نحن لو درسنا سيرة عمر بن الخطاب قبل وبعد الإسلام لوقفنا على حقيقة أخرى غير ما يصوره أصحاب السير والتراجم، ولرأيناها تنافي المدعى كمال المنافاة، لأنه كان يصر في معركة بدر على لزوم قتل كل قريب قريبَهُ، وقد طلب بالفعل من رسول الله أن يقتل عمَّه العباس، ومن عليّ أن يقتل أخاه عقيل و.. مع أنّ رسول الله كان يؤكد له بأنّهما جاءا مكرهين للمعركة(1).
كانت هذه صورة واحدة عن موقف عمر بن الخطّاب مع قرابة رسول الله ومفهـوم القرب والقـرابة عنده في أوائـل الإسلام، وعدم وجـود ميـزة للقرابة عنده.
وإليك الآن صورة أخرى تنبئك عن مدى اعتقاد عمر بمنزلة القربى واحترامه للقرابة، تلك الصورة في خبر تعامله مع صفية عمة رسول الله في المدينة المنوّرة، وبعد أن قطع الإسلام شوطاً كبيراً واستحكم، واستقرت مفاهيمه العامة استقراراً كبيراً، ومنها وجوب مودة ذي قُرباه، ومع ذلك لم يأبه عمر:
أخرج الهيثمي عن ابن عباس قال: توفي ابنٌ لصفية عمة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فبكت عليه وصاحت، فأتاها النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال لها: يا عمة ما يبكيك؟
قالت: توفي ابني.
1- صحيح مسلم 5:2157، مسند أحمد 1:31، البداية والنهاية 3:362، تفسير ابن كثير 4:352، الدر المنثور 3:175.