ركَّزت جل القراءات الأسطورية للشعر الجاهلي في مقاربتها للمكون الأسطوري للصورة في الشعر الجاهلي على صورة المرأة، بوصفها صورة تكررت في جل الموروث الشعري الجاهلي، ومن الآليات التصويرية التي اعتمد عليها الشاعر الجاهلي في تصويره للمرأة التشبيه، وهذا ما جعل نصرت عبد الرحمن من الأوائل الذين وقفوا عليه وهم يتحسسوا الصورة في الشعر الجاهلي، ومكوناتها المعرفية واللغوية والبلاغية. يرى نصرت عبد الرحمن بأن الشاعر الجاهلي اعتمد في رسم صورة المرأة على آلية التشبيه، فشبهها بالدمى والشمس والغزالة والمهاة، وفي طرح نصرت عبد الرحمن ذي البعد الأسطوري المبني على قراءة الأصول الميثيودينية للصورة الشعرية الجاهلية، وبخاصة صورة المرأة، وأن آلية التشبيه في صورة المرأة آلية مرتبطة في جوهرها المعرفي ببعد أسطوري، فالدمى والتماثيل مجسمات لآلهة عبدها الجاهليون، ولذلك يعتقد نصرت عبد الرحمن أنه لا يعقل أن يشبه الجاهلي المرأة بمقدساته الدينية إن لم يكن لصـورة المرأة شـيء من القداسـة، لأنه (( قد بات من سقط المتاع بأن وظيفة التشبيه في الشعر الجاهلي هي التزيين والتوضيح ... ولكن التشبيه يضرب في أعماق الوجود الإنساني الذي يسعى إلى اقتناص الحقيقة. والمشبه والمشبه به إذا ما كثر تردادهما يدلان على علاقة رمزية أبعد من العلاقة الظاهرية بين الطرفين))(15)؛ فآلية التشبيه في الشعر الجاهلي في طرح نصرت عبد الرحمن أعمق من أن تكون آلية من آليات الإيضاح وتقريب الصورة من المتلقي، بل يركز على العلاقة الرمزية بين طرفي التشبيه، والتي تمتد بجذورها إلى أعماق الإنسانية السحيق، إلى الطور الأسطوري من تفكير الإنسان العربي في بعده الميثيولوجي، باعتبار أن (( الأسطورة من الصور الرمزية كالشعر والفن على حد سواء، ومن ممِّيزات الصورة الرمزية كافة إمكان تطبيقها على أي موضوع كان، فليس هناك أي موضوع يستعصي على التوافق معها، فلا تعارض بين طابع الصورة الرمزية، والخصائص التي يتميز بها أي موضوع. فما هو الرأي في أي فلسفة للغة أو فلسـفة للفن أو العلم تبدأ بتعداد كل الأشياء التي قد تصلح موضوعات للكلام أو للصور الفنية أو للبحث العلمي ))(16)، فصورة المرأة في الشعر الجاهلي في طرح نصرت عبد الرحمن تستمد إطارها الرمزي من أعماق الوجود الإنساني عامة، والإنسان العربي الجاهلي خاصة، فهي أبعد من أن تكون علاقة ظاهرية، بل في جوهرها علاقة رمزية ذات طابع ميثيوديني. ترتبط صورة المرأة في الشعر الجاهلي - في تصوره - أساساً بالوثنية، لا بتصور سماوي، لأنه ((على الرغم من تعدد الأديان فإن الوثنية تبدو مستحوذة على معظم أهل الجاهلية حتى يكاد المؤرخون يحصرون الديانات الأخرى في مراكز معنية على أطراف جزيرة العرب. وهو استحواذ قد رأيناه في الدراسة الموضوعية: فكــل من عرضت له من شعراء الجاهلية كان يقسم بالأصنام وقلما كان يقسم بمعبودات الديانات الأخرى - والقسم أعلى درجات التعلق الديني - فدراسة الشعر الجاهلي في ضوء الدين الوثني مستساغة إلى حد ما؛ لأن الاحتكام بالأغلب يبدو من قبيل الاستقراء الناقص الذي يقره العلم ))(17)، علم البحث في صلة الفن عامة والشعر الجاهلي خاصة بالأصول الأنثروبولجية للحضارة العربية.