إن الصورة في الشعر الجاهلي مبنية في أساسها على ركني التشبيه، والمشبه الذي لم يأخذ بعده الميثيوديني إلا من المشبه به، فصورة المرأة لم تأخذ بعدها الميثوديني في طرح نصرت عبد الرحمن إلا من خلال تعالقها مع صورة الشمس في بعدها الرمزي، بحيث إن ((الشمس نفسها كانت مقدسة عند الجاهليين ))(71)، بدليل قولـه تعالى في سورة فصلت: { ومِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ والشَّمْسُ وَالقَمَرُ، لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ ولاَ لِلْقَمَرِ، وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}(72). وهذا ما جعل نصرت عبد الرحمن يقول بميثيودينية صورة الشمس والقمر في الشعر الجاهلي، وأن دراسة النقوش التي وجدت في الجزيرة العربية دلت على أن الشمس كانت معبودة عند الجاهليين، وذلك ما يؤكده ديتلف نلسن وآخرون في مؤلفهم التاريخ العربي القديم، إذ يذهبوا أن (( في وسط ذلك الجمع من الآلهة نجد الإلهية "شمس". وفي علم النقوش والكتابات العربية الجنوبية نتبين أن سائر الأسماء الإلاهية المؤنثة تحوم حول هذه الإلاهة وتدل عليها. فالأسماء المركبة من "ذات" وأسماء أخرى مؤنثة كلها ألقاب لإلاهة الشمس العربية العظيمة. كما نجدها أيضاً في شمال بلاد العرب أنى ذهبنا، فهي "شمس" أو "ألات" أي الإلاهة، ونحن نعرف هذا ليس فقط عن طريق الرواية والمصادر المكتوبة، بل عن طريق النقوش الجاهلية أيضا ... إن الاسم شمس كالقوة الجاذبة التي تجذب إليها سائر أسماء الآلهة الآخرين ))(73)، ومن ثم نتبين أن نصرت عبد الرحمن يسلك مسلكاً ميثويوديني في طرحه لصورة الشمس في الشعر الجاهلي، وأن هذا المشبه الذي كثيراً ما تعلق به الشعراء الجاهليون في قصائدهم، إنما منبعه ديني، نابع من البعد المعرفي للشاعر الجاهلي، وبذلك يخرج نصرت عبد الرحمن صورة الشمس من ثوبها الجمالي إلى ثوب ميثيولوجي، ليؤكد طرحه الميثيوديني للصورة في الشعر الجاهلي، إذ لا يقوى - في نظره -الشاعر الجاهلي على تشبيه المرأة بمعبودته الشمس إن لم تكن المرأة التي ذكرها في شعره ذات صفة قدسية، فالصورة التشبيهية في طرفيها الأساسيين نابعة من بعد ديني لا عن قيمة جمالية، فالبعد الديني هو المصدر الرئيس لهذه الصور ويأتي لاحقا البعد الجمالي، وذلك هو ديدن الطرح الأسطوري في تفسير الصورة في الشعر الجاهلي. أما إذا عدنا إلى علي البطل وإبراهيم عبد الرحمن محمد ومصطفى عبد الشافي الشوري فإننا لا نلفيهم يخرجون عن الطرح الذي طرحه نصرت عبد الرحمن؛ إذ يبينون ميثيودينية صورة الشمس وهم يقاربون صورة المرأة؛ إذ ((المرأة في كل هذه الحالات معبودة رمز للشمس الأم))(74)، وبذلك تغدو صورة المرأة المثال خادمة لصورة الشمس المعبودة الأكبر ورمز لها، ويستشهدون بنماذج من الغزل الجاهلي، وبخاصة غزل امرئ القيس والأعشى. فالمرأة التي بكاها الشعراء الجاهليون في مقدماتهم الطللية إنما هي رمز للشمس ربة الجاهليين، وأن العرب في جاهليتهم قد صوروا تماثيل للشمس على هيئة إنسان، وهذا الإنسان يمثل حسناء عارية، رمزاً للشمس الأم المعبودة. فالقراءة الأسطورية لصورة الشمس في الشعر الجاهلي لم تخرج عن الإطار العام للمقولات الكبرى لهذه القراءة، بل سعت جاهدة من أجل تأكيد ميثيودينية صورة الشمس في الشعر الجاهلي، وأن صورة الشمس كانت تابعة في الأصل لصورة المرأة ولكن هي المعبود الأم، فهي الأصل في الصورة وإن كانت في الظاهر تبدو تابعة لصورة المرأة.