3 - المكان والزمان - آلیات الخطاب النقدی العربی الحدیث فی مقاربة الشعر الجاهلی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

آلیات الخطاب النقدی العربی الحدیث فی مقاربة الشعر الجاهلی - نسخه متنی

محمد بلوحی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

3 - المكان والزمان

يصعب على القراءة الفصل بين المكان والزمان إذا ما تناولت أي عمل إبداعي بالقراءة، ذلك لكون أن امتزاجهما في جوهره امتزاج عضوي في صنع الموقف داخل العمل الإبداعي، لأن المكان والزمان أكثر اقتراناً وأشد التحاماً مما يتصور الفلاسفة... فالشعراء بسبب هذا الاقتران كثيرا ما يستعيرون الألفاظ الدالة على الزمان للتعبير عن المكان، فالتجربة الفنية يتكون فيها الموقف بحسب طبيعة المكان والزمان، وتشابكهما فيما بينهما وفيما بين العناصر الأخرى المكونة للعمل الإبداعي، من لغة ومضمون وموقف وغيرها من العناصر، لأن ((الارتباط جوهري بين الزمان والمكان، إذ في بعض الأحيان نعتقد أننا نعرف أنفسنا من خلال الزمن، في حين أن كــل ما نعرفه هو تتابع في أماكن استقرار الكائن الإنساني الذي يرفض الذوبان، والذي يوجد حتى في الماضي - حين يبدأ البحث عن أحداث سابقة - ليمسك بحركة الزمن. إن المكان في مقصوراته المغلقة التي لا حصر لها، يحتوي على الزمن مكثفاً، وهذه هي وظيفة المكان اتجاه الزمن، إلى جانب وظائف أخرى ترتبط بتقنيات النص، وبنوعه الأدبي، بل بالموضوع المعالج أيضا ))(43)، ومن ثم تأتي صعوبة الفصل بينهما، وإذا تحتم ذلك فلغرض القراءة والقراءة لا غير، وما يقتضيه حقلها من تمفصلات تجلي وشائج النص.

يمثل المكان والزمان عنصرين أساسيين في الأعمال الإبداعية الكبرى بجميع أجناسهـا ( شعراً ونثراً)، بل ويأخذان بعداً درامياً في صنع الفضاء الإبداعي داخل الأعمال الأدبية، وبذلك يشكل المكان والزمان قطبين أساسيين في العمل الإبداعي، يؤديان دوراً أساساً في تكوين هوية الكيان الجماعي للشعوب، كما يعبر عن المقومات الثقافية والمعرفية والجمالية لكل شعب من الشعوب، وبذلك يصبح المكان والزمان رمزا إنسانياً يأخذ في كثير من دلالاته منحى جماليا، يعبر عن موقف وجودي يتعدى المحدود الفيزيائي إلى اللامحدود المعرفي، فتتشرب دلالاته أبعــاداً إنسانية عرفانية كونية، يعبر فيها المبدع عن لحظة الخصوصية ذات الثنائية السرمدية: المأساوي والتفاؤلي.

فالأعمال الإبداعية لا تكتسب البعد الإنساني إلا من خلال تشابك عناصر التجربة، وبخاصة في بعدها المكانُ زماني، فعلى قدر وعي الأديب بالواقع الذي يعايشه، وإدراكه لطبيعة الصراعات والعلاقات فيه يتضح موقف الفكر إزاءه، وتتحدد فلسفته في التعبير الفني معه، وإن أي فصل بين عناصر التجربة الفنية لا يكون إلا فصلاً ميكانيكيا، وإن البعد الجمالي للعمل الإبداعي لا يتجلى إلا من خلال تشابك هذه العناصر، فتفكيك هذه العناصر لا يكون إلا بغرض القراءة والتفكيك ، باعتبار أن العمل الإبداعي ما هو (( إلا محصلة لجميع العلاقات المتشابكة بين الذات والموضوع، لا الماضية فحسب، وإنما المستقبلية أيضا، ولا ينحصر في الأحداث الخارجية وحدها، وإنما يشمل أيضاً التجارب الذاتية))(44)، باعتبار أن العمل الإبداعي بنية واحدة متشابكة في علاقاتها ببعضها بعضاً، والمكان يكتسب جماليته من خلال هذا التشابك داخل العمل الإبداعي.

يحتل المكان والزمان حيزاً متميزاً في صنع الفضاء الشعري داخل النص الشعري الجاهلي، حيث جعل الشاعر الجاهلي من المكان والزمان تيمة متميزة أخذت مستويات متعددة، جعلت من النص الشعري عالماً فسيحاً، فتجاذبته لتصنع منه فضاء يتموج بين الأنس والحلم، بين الوحشة والألفة، بين الغربة والارتياح.

/ 139