وقفت أغلب المقاربات العربية الحديثة ذات المنحى الأسطوري عند صورة الحيوان في الشعر الجاهلي أيضاً، واعتبرتها من الآليات الرئيسة التي اعتمد عليها الشاعر الجاهلي في تركيب الصورة الكلية داخل القصيدة الجاهلية، فراحت تبحث عن المكون الأساس لها وبخاصة في أصوله الميثيودينية؛ إذ المتوغل في التاريخ العربي القديم إذا رجع إلى أبعد من الفترة القصيرة التي ينتمي إليها ما وصلنا من شعر ما قبل الإسلام، والذي يسمى بالشعر الجاهلي، حتى يبلغ مرحلة أكثر بدائية، وأوثق اتصالا بالدين، لوجد أن الحيوان من بين الصور الأساسية لمعبودات الإنسان القديم، فهو إما طوطم الجماعة وجدّها الأعلى، وإما معبودها الممثل والرمز للإله السماوي: الكوكب الذي تتوجه إليه الجماعة في صلواتها(46)، لذا ربطت القراءة الأسطورية كثرة توارد قصة ثور الوحش في القصيدة الجاهلية بالأصول الميثيودينية وأطروحاتها وتصوراتها، مستعينة في ذلك بالعلوم الميثيولوجية والأركولوجية والاجتماعية وحتى النفسية، مَنْهَلُهَا في ذلك طرح "يونع" في اللاشعور الجمعي والنماذج العليا. و من المقاربات المبكرة التي حاولت أن تقارب صورة الحيوان في الشعر الجاهلي وفق رؤية ميثيودينية دراسة عبد الجبار المطلبي "قصة ثور الوحش وتفسير وجــودها في القصــيدة الجاهـلية"، أفـردها صاحبها لمقاربة صورة ثور الوحش47* دون صور الحيوانات الأخرى كالناقة وحمار الوحش والغزال وغيرهم، حيث يعتبر أن الوقوف على الخلفيات الميثيودينية لصورة ثور الوحش في القصيدة الجاهلية من الأساسيات الكبرى التي ينبغي تتبعها ومقاربتها، لأن الرجوع بالمقاربة إلى الأصول الميثيودينية الموغلة في القدم، تعطي آلية كبرى للوقوف على ما غمض من هذه الصورة عبر العصور الطويلة. و للتعامل مع أنثروبولجية وجود صورة ثور الوحش في القصيدة الجاهلية، يعود عبد الجبار المطلبي إلى الموروث الحضاري القديم للإنسان في مختلف حضاراته، وتصوره الميثيوديني لثور الوحش، ومظاهر عبادته عند الأمم القديمة التي تلتقي مع العرب في أصل واحد،(48*) معتبراً أن الموروث الميثيوديني الضخم لصورة ثور الوحش عبر الحضارات الإنسانية المختلفة هي المنبع الرئيس الذي يجب أن تقارب من خلاله القراءة العربية الحديثة صورة ثور الوحش في الشعر الجاهلي.