من الحيوانات التي كان لها الحضور المميز في القصيدة الجاهلية "الناقة"، بل لا تكاد تخلو قصيدة جاهلية من وجودها، مما جعلها عنصراً قوياً في تشكيل الصورة الكلية داخل القصيدة الجاهلية، لذا حاولت القراءة العربية عبر محطاتها المختلفة أن تتناول صورة الناقة في الشعر الجاهلي معتمدة على خصوصية كل قراءة وآلياتها المختلفة، والقراءة الأسطورية واحدة من هذه القراءات. ركَّز نصرت عبد الرحمن على البعد الرمزي لصورة الناقة باعتبارها علامة تحمل دلالات عميقة في الشعر الجاهلي، وبخاصة في ارتباطها بظاهرة الطلل والرحلة؛ إذ (( تبدو الناقة في هذه الرحلة رمزاً للإرادة الإنسانية التي تقتحم الأهوال من أجل تحقيق الآمال. ويحشد الشاعر للناقة كل صفات القوة والقدرة على التحمل وكأنه يتحدث عن ذاته. وكما أفاض الشعراء في تصوير المرأة أفاضوا في تصوير الناقة فكلتاهما تحمل رمزا مهما ))(64)، لا يأخذ هذا الرمز طابعاً ميثيودينياً في قراءة نصرت عبد الرحمن، بل يلتحم مع الواقع المعيش ليعبر عنه. فالناقة هي المعادل الموضوعي الذي وظفه الشاعر الجاهلي للتعبير عن إرادة قهر المحيط القاسي الذي كان يحيط به. لقد دفعت نصرت عبد الرحمن هذه القراءة إلى تأكيد أن الشاعر الجاهلي كان فنانا في توظيف علامة الناقة بكل ما تحمله من دلالات للتعبير عن الإرادة والعزيمة؛ إذ لو طلبت من عالم أن يحدثك عن الإرادة لحدثك عنها حديثاً تجريدياً خالصاً، ولو طلبت من مفتن أن يحدثك عنها لصور لك - مثلا - ذراعا عبلا وقبضة جزلا، وكذلك نحا الشاعر الجاهلي المفتن إذ صور الناقة فجعلها رمزاً للإرادة، وهذا ما يبرهن على عبقرية الشاعر الجاهلي في توظيف صورة الحيوان في القصيدة الجاهلية، لا باعتبارها صوراً مباشرة وتقريرية وصفية، ولكن باعتبارها رمزاً ذا دلالات متشعبة. فالناقة القوية كالتي وصفها طرفة بن العبد في معلقته - والتي تظهر في الرحلة - هي إرادة الشاعر في منتهاها، والناقة الهالك الضعيفة التي تظهر في نهاية الرحلة هي إرادة الشاعر الجاهلي التي تبددت في درب الحياة.