آلیات الخطاب النقدی العربی الحدیث فی مقاربة الشعر الجاهلی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

آلیات الخطاب النقدی العربی الحدیث فی مقاربة الشعر الجاهلی - نسخه متنی

محمد بلوحی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

يلتفت مصطفى عبد الشافي الشوري إلى خصوصية من خصوصيات صورة الناقة في الشعر الجاهلي؛ إذ نجد أن ارتباطها يكون في الأغلب بالمقدمة الطللية، وما تحمله هذه الطللية من ثنائية الموت/ الحياة فـ (( إذا كان الجاهلي قد تحدث عن الماضي في صورة الطلل، فإنه في حديثه عن الناقة - أي الحاضر - يؤكد استمرارية الحياة التي يحرص عليها؛ ومن ثم لا يريد أن يستمر في الوقوف، فالوقوف ثبات، والثبات موت، وإنما لجأ إلى الحركة لأنه لا يشعر بالحياة إلا من خلالها؛ ولهذا كانت الناقة هي التعبير الحقيقي عن فكرة الحركة والعمل واستمرارية الحياة التي كانت شغله الشاغل في هذه البيئة الصحراوية القاسية ))(66)، وبذلك تظهر صورة الناقة وهي مرتبطة في جوهرها بثنائية الموت / الحياة التي ترسم معالمها المقدمة الطللية بكل أبعادها الدرامية والأسطورية، فالناقة هي العامل المعبر عن الحركة التي تخلص الشاعر من فضاء الثبات المتمثل في الطلل، فهي عنوان الحركة والخلاص النفسي لدى الشاعر الجاهلي. وبذلك فصورة الناقة التي وظفها الشاعر الجاهلي ما هي إلا صورة ترمز إلى أبعد مما أمامنا من أوصاف وحركات ونحوها. وهذه الصور تعبير عن جملة من الأفكار وليس فكرة واحدة، فهي الصورة التي جمعت بين الواقعي والمثال، بين المعاش والميثيوديني، فهي الصورة المركبة التي تحمل عمق الدلالة وامتدادها في الواقع بكل مآسيه والماضي السحيق بكل ميراثه.

يحاول مصطفى عبد الشافي الشوري أن يقدم صورة الناقة في الشعر الجاهلي من حيث ارتباطها ببعض الطقوس العربية الجاهلية، وبخاصة في تعلق بعبادة بعض الأجرام السماوية؛ إذ لم تكن الناقة مجرد حيوان في العصر الجاهلي؛ فقد احتلت مكانة عظيمة عند العرب بلغت حد ّالتقديس... ولا بأس أن أذكر أن الناقة التي وصفها الشعراء أثناء رحلتهم كان لها مثيل في السماء(67*)، هذا المثيل هو الذي أضفى عليها صفة القداسة، فبجلتها العرب لواقعيتها من جهة وقداستها من جهة أخرى، وهذه الثنائية قلما نجد حيواناً آخر حظي بها في الشعر الجاهلي، ونجد أن القرآن الكريم يبين أن الناقة قدسها العرب فجعلوا منها البحيرة والسائبة والوصيلة والحـام، { مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ولا سَائِبَةٍ ولا وَصِيلَةٍ ولا حَامٍ ولكنْ الَّذِينَ كَفرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}(68)، يقول بن كثير في تفسير هذه الآية: البحيرة التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم، لا يحمل عليها شيء، والوصيلة الناقة البكر، تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثني بعد بأنثى بعد أنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم، إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر، والحام الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه، ودعوه للطواغيت، وأعفوه عن الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي. وكل ذلك بفعل اعتقاد العرب في قدسية الناقة وتأليهها، وبذلك تزاوج صورة الناقة في الشعر الجاهلي بين الواقعي والميثيوديني.

كما ربط مصطفى عبد الشافي الشوري صورة الناقة بمعني الخصوبة، شأنها شأن صورة ثور الوحش، وبخاصة في ارتباطهما بالسماء ونظرة الشاعر الجاهلي له، ومن ثم ((جاءت رحلة الشعراء مرتبطة بهذا الفكر القديم، فالناقة التي في السماء يظهر معها الظليم، والناقة في الشعر الجاهلي تشبه الظليم الذي يرعى فتصيبه السماء بمطرها، فيعود إلى بيضه ليحضنه، والشعراء عندما يشبهون الناقة بالثور الوحشي فلابد من ذكر ليلة ممطرة أو ما يشبه المطر بوجه عام، وهم يشبهون الناقة أيضاً بالحمار الوحشي ويذكرون ورود الماء وكثرة العشب والمراعي الخصبة. حتى إذا جفت المياه، رحل الحمار وأتنه للبحث عن الماء وسعيا وراءه.[و بذلك] عرف العرب في الإبل معنى الخصوبة والورود السقيا ))(69)؛ الخصوبة التي تسعى الإنسانية منذ فجر التاريخ إلى تحقيقها، فتعلقت بها وأقامت لها الطقوس والعبادات، ونذرت لها النذر، وذلك كله بهدف تحقيق وجود الإنسان واستمراريته، و((لكي تضمن الإرادة قهر الموت فقد عمدت ألاَّ تضع إرادة التناسل تحت رقابة العقل أو المعرفة، فحتى الفلاسفة قد تناسلوا وانجبوا أولاداً. فإرادة التناسل تبدو مستقلة عن المعرفة فهي تعمل عملا أعمى. وأعضاء التناسل هي وسيلة حفظ الحياة؛ ولذلك عبدها الإغريق والهندوس ، ووصف "هَذْيوُدْ" و"بارمينيدس" إله الحب EROS على أنَّه الأول ، والخالق والأصل الذي صدرت عنه جميع الأشياء لذلك كان الحب عند "شوبنهاور" وسيلة تديرها الطبيعة لأداء أغراضها عن طريق التناسل. وما غرض الطبيعة سوى استمرار الحياة ))(70)، والخصوبة هي سر تزويد الحياة بالاستمرارية، فالمطر خصوبة، والتناسل خصوبة، وكلها خارجة عن إرادة الإنسان، ولكي يحققها في وجوده عمد الإنسان البدائي إلى الفن عامة والشعر خاصة، والناقة من الوسائل الفنية التي وظفها الشاعر الجاهلي للتعبير عن هذه القضية الأزلية، وبذلك أخذت صورة الناقة في الشعر الجاهلي بعدا فنياً وجمالياً وفكرياً جد عميق، وذلك ما حاولت مقاربة مصطفى الشوري أن تقف عليه، لتسبر أغواره انطلاقا من صورة الناقة، الناقة الواقعية والناقة الرمز.

/ 139