و بذلك تحاول هذه الأطروحات أن تذهب إلى أن في مثل هذه المقطوعة الشعرية تبلورت بواكير الشعر العربي سواء أكان في لهجاته المحلية أم في اللغة الأدبية قبل أن يخطوا إلى مرحلة القصيدة ذات المواضيـع المتميزة والأخيلة الراقية والموسيقى المتعددة في بحورها المعروفة. و لئن حاولت القراءة التاريخية أن تفصل في إشكالية أوَّلية الشعر الجاهلي، بتبنيها الأطروحات التي فصلنا فيها سلفاً، إلا أننا ندرك أن المسألة شائكة لا يمكن الفصل فيها بقول، وإنما تبقى المسألة خاضعة للتخمينات والفرضيات التي لا تستند إلى السند العلمي القائم، لأن الإشكالية موغلة في القدم وفرضياتها مبنيَّة على الاحتمال الذي لا يرقى إلى القول الفصل، على الرغم من أن القراءة التاريخية حاولت بكلِّ ما أوتيت أن تبحث في الإشكالية، ويبقى جهدها جهداً يستحق التقدير، كما يعتبر جهداً علمياً أثرى المكتبة العلمية وزودها برؤى لم يكن لها أن تصل إليها لو لم يبذل روادها جهداً من أجل التأسيس لمقاربة إشكالية أولية الشعر الجاهلي، كما لم تقف القراءة للشعر الجاهلي عند هذه الإشكالية بل تعدتها لتبحث في إشكاليات اتصلت مباشرة بما وصل إلينا من نصوص هذا الشعر، فعملت من أجل دراسة وتمحيص مسألة مصادر هذا الشعر وبخاصة ما وصل إلينا عن طريق الرواة .