آلیات الخطاب النقدی العربی الحدیث فی مقاربة الشعر الجاهلی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

آلیات الخطاب النقدی العربی الحدیث فی مقاربة الشعر الجاهلی - نسخه متنی

محمد بلوحی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

يتسع الإحساس بالمكان والزمان في الشعر الجاهلي لينبثق من كل الموجودات الطبيعية التي كانت تحيط بالشاعر الجاهلي، والتي عج بها شعره، فالصحراء والجبال والطلل، والسماء والنجوم، القمر والشمس، والليل والنهار، كلها مظاهر تحيل على المكان والزمان في فضائه الواسع، والتي كان لها حضور قوي في تشكيل الصورة عند الشاعر الجاهلي، بل اتخذ منها أدوات فنية وتعبيرية للتعبير عن إحساسه بالمكان والزمان في طابعهما الفيزيائي وطابعهما الشعري الممزوج بالحس الانفعالي الذاتي والجماعي.

وقفت القراءة العربية الحديثة على حضور المكان والزمان في الشعر الجاهلي من حيث هو حضور لـه علاقة بالرؤية النفسية ذات البعد الوجودي الأنطولوجي، تكون بفعل البيئة العربية الجاهلية بطبيعتها المتميزة أوجدت أول لبنة في تكوين الإنسان العربي في الفضاء الجاهلي، عندما برز أول إحساس بالمفارقة بينه وبين محيطه الطبيعي، فكوّن لـه ذلك الإحساس شعوراً عميقا بثنائية الموت والحياة، مما كون لـه بعد التأمل في فنائه ومصيره المحدق أمام خلود الطبيعة، فظهرت من ثم "العلاقة" بينه وبينها، هذه العلاقة التي صورها هو في شعره أولا ثم اتخذ موافقة منها ثانياً، ولم تكن هذه العلاقة المجسدة هنا المقابلة بين الثابت الخالد والفاني المندثر في الشعر الجاهلي إلا دعامة من دعامات تكوين الإنسان الجاهلي(45) في بعده النفسي.

هذا الإحساس ذو الطابع الأنطولوجي هو الذي جعل الشاعر الجاهلي يرى أن مجرد الضرب في الفلوات والقفار ممتطياً ظهر ناقته حركة وفعل هام وجوهري في تقييم الإنسان العربي لنفسه وبنفسه. فحضور الصحراء كمكان والليل كزمان في صنع الفضاء الشعري داخل القصيدة الجاهلية، وما يرافقهما من تجسيد للقلق والوحشة والخشونة وقسوة الطريق إلا أنماطاً من التعبير التي عمد إليها الشاعر الجاهلي لإثبات الذات أمام المكان والزمان في بعدهما الوجودي، وبذلك فحضور الطبيعة في الشعر الجاهلي لم تكن مجرد مظاهر طبيعة أو بيئية في شعره، بل كانت عنصراً قوياً من عناصر بيان العلاقة بين هذا الإنسان وبين المكان حوله. ولذا نراه قد حول المظاهر القفرية إلى تقييم لـه هو وإثبات وجوده وقدرته بدلا من امتثال لها والبكاء أمامها، وهنا وضعت الطبيعة الجاهلية اللبنة الثانية في تكوين الإنسان الجاهلي، لبنة حب التحدي وإثبات الذات، على الرغم من إحساسه العميق بالحقيقة السرمدية التي تتجسد في نفسه أولاً، والطبيعة من حوله ثانياً، فهو الهالك الفاني، والطبيعة الثابتة اللابسة لثوب البقاء والخلود. ومن هذه الصلة يحدث للشاعر الجاهلي التصور والتأمل، ومن الوحدة تنجم جملة من الأحاسيس العاطفية، وإذ يظل المطلق الأرضي هو الحافز على التيه النفسي والخيال، والتفرد، يظل يجذب الذات نحو الحركة في الداخل ، ومن ثم ندرك كيف أن القراءة العربية الحديثة استطاعت بفعل تزودها بالمفاهيم النفسية ذات المنحى الوجودي، أن تقف على جوانب متميِّزة لحضور المكان والزمان في الشعر الجاهلي، فلم تقف عند البعد الفيزيائي لهذه الظواهر الطبيعية بل قرأت دلالاته الأنطولوجية في صنع الفضاء الشعري داخل القصيدة الجاهلية.

/ 139