بیشترلیست موضوعات آليات الخطاب النقدي العربي الحديث في مقاربة الشعر الجاهلي بحث في تجليات القراءات السياقية الإهداء المقدمة الفصل الأولالقراءة التاريخية 1 - القراءة التاريخية (مدخل نظري) 2 - جينالوجيا (جذور) الشعر الجاهلي 3 - مصادر الشعر الجاهلي 4 - التحليل الفيلولوجي للشعر الجاهلي الفصل الثانيالقراءة النفسية 1 - القراءة النفسية ( مدخل نظري) 2 - المقدمة الطللية 3 - المكان والزمان 4 - القـلـق الفصل الثالثالقراءة الأسطورية 1 - القراءة الأسطورية (مدخل نظري) 2 - ميثيودينية الشعر الجاهلي 3 - المكون الميثيوديني للصورة في الشعر الجاهلي أ - صورة المرأة ب - صورة الحيوان 1 - ثور الوحش 2 - النـاقـة ج - مظاهر الكون 1 - الشمس 2 - القمـر الخـاتـمة مكتبة البحث المصادر المراجع توضیحاتافزودن یادداشت جدید
تؤكد القراءة العربية الحديثة على أن حضور المكان والزمان في الشعر الجاهلي كان نتيجة تأمل الشاعر الجاهلي من حوله في تلك البيئة الصحراوية المكشوفة، إذ وجد أن مظاهر الطبيعة الأرضية والسماوية قد فرضت نفسها عليه، وأجبرته على التأمل فيها، (( وبما أن هذا الشاعر فنان يستطيع أن يعكس رؤيته الداخلية وشعوره الدفين على ما أمامه من " موجودات" ومظاهر، فقد أداه هذا التأمل إلى ملاحظة مظاهر الخلود والاستمرار والتتابع، ومن ثم وجد فيها الزمن وخلوده ومدى قصر حياته هو بالنسبة إلى الزمن ذلك الخلود، رأى هناك تبايناً ومفارقة، فهناك خط متغير... يعيش هذا ويموت، ثم يعيش آخر ويموت في حلقات متصلة، ويتمثل هذا كله في الإنسان وسائر الأحياء، وهناك خط ثابت، لا يحيا ولا يموت، وإنما مستمر في البقاء ... ثابت أزلي، وقد أثر هذا المظهر الأخير بأشكاله المتعددة في الشعر الجاهلي واتخذ شكلين: ال أول : ما هو ممثل للثبات المستقر في نظر الشاعر الجاهلي، لا حركة فيه البتة، بل هو ساكن جامد، ويمثل هذا الجبل أولاً ثم ما يشابهه من تلال ورمال وصحراء ونحو ذلك. ال ثاني : ما هو ممثل للثبات في " تتابع" فهو ثابت لتتابعه المتشابه لا لسكونه وجموده، فحركته متكررة أزلية لا تنتهي، وذلك مثل الشمس والقمر والنجوم والبرق والسحاب ونحو ذلك.))(46). ركزت القراءة العربية الحديثة على حضور تيمة الجبل كظاهرة طبيعية في الشعر الجاهلي، فقرأت من خلال حضوره كمكان فيزيائي حضور الزمان لا كقيمة فيزيائية وإنما كقيمة أنطولوجية وجودية لها طابع نفسي، فحضور الجبل في الفضاء الشعري الجاهلي كان يستمد منه الشاعر صفات فوق البشر وبخاصة صفة الخلود، وهي التي كانت تؤرق الشاعر الجاهلي، وبذلك نلاحظ أن حضور الجبل كمكان فيزيائي كان يؤدي دور خلق الفضاء الزماني من خلال قيمة الخلود، إضافة إلى إشباعه بدلالات أخرى من مثل دلالة الصمود والتحدي والعز والشموخ وكلها دلالات كان يسعى الشاعر الجاهلي إلى الاتصاف بها من أجل إثبات ذاته أمام جبروت الطبيعة القاهرة له، وبذلك ولدت صورة الجبل في نفس الشاعر الجاهلي صورة الخلود التي كان يأمل في امتلاكها، ولكنه كان يدرك من جهة أخرى أن ذلك طموح غير مُدرك. بذلك صاحبت فكرة البقاء والخلود لدى الشاعر الجاهلي، فكرة بقاء الجبل كظاهرة طبيعية، فكل شيء عند الشاعر الجاهلي يزول وينتهي، وله فترة زمنية محددة، إلا هذه الجبال التي كان الشاعر الجاهلي يراها صباحا مساء، والتي شاهدت حتف آبائه وأجداده، والجبال لم تتغير أحوالها، ولم تتبدل أشكالها، وسوف تكون شاهدة حتى على من هم من بعده كذلك، فنظرة الشاعر الجاهلي للجبل لم تكن نظرة مجردة، بل حاول أن يضفي عليها من نفسه المسحة الخاصة، ومن مشاعره الشعور الإنساني المتسم بالعظمة والقوة، والصبر والثبات، ((وهكذا كان الجبل بما فيه من بقاء وثبات وشموخ، رمزاً حقيقياً للخلود، يراه الشاعر أمامه كمظهر بيئي يمثل الجانب العكسي للفناء والنهاية التي يعرف الأحياء لجتها، لأن الشاعر في ذكره له يتجاوز وصفه وشكله إلى أشياء وأبعاد أكبر وأوسع، فأصبح المكان ممثلا لشيء زمني، وهنا اتحد المكان مع الزمان اتحاداً قوياً في صورة الجبل، أي اتحد الجبل "المكان" مع الخلود " الزمان "))(47) وبذلك نلاحظ كيف أن القراءة العربية الحديثة استطاعت أن تقف على البعد المكاني والزماني للجبل في الشعر الجاهلي، فحضور المكان الممزوج بالزمان في الشعر الجاهلي لم يكن من منظور فيزيائي بل أخذ بعداً نفسيا أنطولوجيا وجودياً.