فروع:
ا: لا شك في حساب البسملة من النصف، لكونها جزءا من السورة. ب: لا شك في وجوب اعادة البسملة ثانيا للسورة المعدول اليها لو تخلل بينهما ما
يرفع الموالاة المعتبرة، كان يعدل في اواخر سورة البقرة مثلا. و الظاهر انه لا كلام ايضا في عدم وجوب اعادتها مع بقاء الموالاة و قراءتها
اولا بقصد السورة المعدول اليها و قراءة المعدول عنها سهوا. و انما الكلام فيما اذا قراها لا بقصد سورة معينة، او بقصد المعدول عنها. و الظاهر وجوب الاعادة، لصيرورتها-بتعقبها المعدول عنها على الاول، و به و
بالقصد على الثاني-جزءا له، فلو لم يعدها لم يقرا المعدول اليها كاملة. ج: لو قرا بعض سورة و نسي الباقي منها، او نسي آية من اثنائها يجوز العدول عنها
الى غيرها قبل تجاوز النصف في غير الجحد و التوحيد قطعا. و هل يجوز بعد النصف و في السورتين ايضا؟ الظاهر: نعم، لان الظاهر من الاخبار المانعة عن الرجوع ارادة الاتمام
الغير الممكن في المقام، بل صدق الرجوع على ذلك و شمول اطلاقه له محل كلام،
فيبقى الاصل خاليا عن المعارض. مع ان حجية اخبار المنع عن العدول بعد النصف كانت بواسطة الانجبار الغير
المعلوم في المورد. و هل ذلك على الوجوب، او يجوز الاكتفاء بما علم من السورة؟ يحتمل الامران: من جهة وجوب السورة الكاملة المتوقفة على العدول. و من جهة عدم شمول ما ذكرنا من دليل وجوب السورة الكاملة بل جميع ادلته لمثل
المورد. مضافا الى رواية ابن وهب: اقرا سورة فاسهو فانتبه في آخرها، فارجع الى
اول السورة او امضي؟ قال: «بل امض » (274) . فانها شاملة لما اذا تركت آية منها سهوا، فاذا جاز الاكتفاء ببعض السورة
حينئذ جاز فيما نحن فيه ايضا، لعدم الفرق. و الثاني اظهر، و الاول احوط. و لو غلط في كلمة او حرف او آية، بمعنى انه يتردد فيه انه هل هو على هذا النحو او
هذا، او تردد في وجود كلمة و عدمها، ففي وجوب تكرار المحتملات، او التخيير بينها،
او العدول، او قراءة الباقي من السورة و ترك مكان الغلط، احتمالات. اظهرها: التخيير بين الاخيرين، فان شاء يقرا الباقي، و ان شاء يعدل، لما مر،
مضافا الى صحيحة زرارة: رجل قرا سورة في ركعة فغلط ايدع المكان الذي غلط فيه و
يمضي في قراءته او يدع تلك السورة و يتحول عنها الى غيرها؟ فقال: «كل ذلك لا باس به » (275) . و لا تنافيه صحيحة ابن عمار: «من غلط في سورة فليقرا قل هو الله احد ثم يركع » (276) . لان الامر فيها ليس للوجوب قطعا، لعدم تعين التوحيد بالاجماع. هذا مع منافاة الاحتمالين الاولين لاصالة عدم جواز التكلم في الصلاة الا
بما علم جوازه. و الاحوط العدول ايضا سيما في غير الجحد و التوحيد قبل تجاوز النصف. د: لا شك في عموم الحكم بجواز العدول-فيما يجوز-للفرائض و النوافل، و هل يعمهما
الحكم بعدم جوازه فيما لا يجوز، ام يختص بالفريضة؟ ظاهر الشيخ في النهاية بل صريحه: الثاني (277) ، و نسب الى ظاهر الاصحاب من جهة
ايرادهم الحكم في طي احكام الفرائض (278) . و قد يحتاط بالمنع في النوافل، و هو كذلك الا انه غير الفتوى. و الظاهر فيها المنع على القول بتحريم قطع النوافل، لعموم الاخبار المتقدمة.و
الجواز على القول بجوازه، لان دلالة اخبار المنع بعد التجاوز عن النصف و في
الجحد و التوحيد انما هي من حيث الامر بالامضاء في الصلاة او اثبات الباس
في الرجوع و نحوهما مما يتوقف ثبوته في النوافل على عدم جواز قطعها، فتامل. ه: لو قرا البسملة بقصد الجحد او التوحيد لا يجوز الرجوع، لصدق الشروع، لاختصاص
الاجزاء المشتركة بين امور باحدها مع قصده عرفا، فان من كتب البسملة و الحمد
لله رب العالمين بقصد كتابة القرآن يصدق انه شرع فيها مع اشتراك كتب كثيرة معه
فيهما، و كذلك في الامساك بقصد الصوم، و غسل العضو بقصد الوضوء او الغسل، و غير
ذلك. و: العدول المحرم فيما زاد على النصف او من الجحد او التوحيد انما هو اذا
شرع في السورة بقصد الجزئية للصلاة.و اما لو قراها لا بذلك القصد فيجوز الترك و
الشروع الى الغير مطلقا، للاصل، و اختصاص الروايات-كما يشهد به قرينة المقام، و
لفظ الرجوع، و سياق الكلام-بسورة الصلاة. ز: لو عدل الى ما لا يجوز تبطل الصلاة، لان العدول ليس الا قراءة المعدول اليها،
فيكون منهيا عنها، فيكون النهي متعلقا بالجزء للصلاة، و هو مفسد.
المسالة السادسة عشرة:
المشهور بين متاخري اصحابنا-كما قيل (279) - وجوب قصد السورة المعينة في الصلاة قبل
البسملة. لتوقف البراءة اليقينية عليه. و لوجوب قراءة السورة الكاملة و عدم صيرورة البسملة جزءا منها في نفس الامر الا
بقصد كونها منها، لبطلان التخصيص بلا مخصص. و لان المتبادر مما دل على قراءة السورة ان يقرا جميع كلماتها المشتركة بقصد
كونها منها. و لانه كما يتوقف تحقق الامتثال على قصد القربة يتوقف على قصد التعيين ايضا، و
لذا لو قرا «الحمد لله رب العالمين » لا بقصد قراءة الحمد بل من غير قصد او بقصد الشكر
لله سبحانه، لم يعد ممتثلا للامر بقراءة الفاتحة للصلاة و لو ضم بعدها سائر الآيات. و لان المامور به قراءة سورة معينة، و لا تتعين الا بتعيين جميع اجزائها لها، و لا
تتعين اجزاؤها المشتركة في الواقع و نفس الامر الا بقصد كونها منها. و يرد على الاول: ان ما علم الشغل به و هو قراءة سورة مع بسملة فقد علم الاتيان به،
و ما لم يعلم البراءة عنه لم يعلم الشغل به ايضا. و على الثاني: منع توقف صيرورتها جزءا من سورة مخصوصة على القصد، بل يتحقق بما
يعقبها ايضا من المميزات اي تتمة السورة. الا ترى انه لو امر المولى عبده بكتابة سورتي التوحيد و الفاتحة و عين لكل
منهما اجرا فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، مترددا في ان يبدا باي من
السورتين، ثم ظهر له ان يبدا بكتابة التوحيد، بل و لو اراد حين كتابة البسملة
ان يبدا بالفاتحة ثم بدا له الابتداء بالتوحيد فكتبه، يعد ممتثلا عرفا و يقال:
كتب تمام التوحيد، و يستحق الاجر المعين.و لو عاقبه مولاه و لم يعطه الاجر
معتذرا بانه لم يكتب السورة الكاملة، لعدم تعين السورة في قصده عند كتابة
البسملة، يلام و يقبح. و كذا لو امره بقراءة السورتين فقراهما يستحق الاجر، و لا يتامل في انه هل
كان قاصدا قبل البسملة لتعيين السورة حتى تكون السورة كاملة ام لا، بل و كذلك
لو علم عدم التعيين قبلها كما اذا قرا البسملة ثم قال لمولاه: بايتهما ابدا؟ و هذا امر ظاهر جدا، نعم لما كان يتوقف صدق الامتثال على قصد الاطاعة فلو قرا
البسملة اولا بقصد آخر غير اطاعة امر المولى لم يكن كافيا، لذلك. و التوضيح: ان وجود السورة اما وجود كتبي، و هو صورتها المرقومة، او قولي، و هو
السورة المقروءة، او ذهني، و هو صورتها الذهنية، و ليس لها وعاء واقع و نفس امر سوى
احد الثلاثة، و لا افهم لجزئية البسملة لها في احد هذه الاوعية معنى الا ضمها مع
سائر اجزائها في ذلك الوعاء، فاذا كانت معها تكون السورة كاملة و البسملة لها
جزءا كائنا ما كان قصد الكاتب او القارئ او المتصور. نعم لو تعلق امر بالكتابة او القراءة يجب قصد الاطاعة في كتابة البسملة او
قراءتها في صدق الامتثال لا في جزئية البسملة للسورة، فانه لو قصد المصلي في قراءة
آية من الفاتحة الرياء تبطل صلاته، لا لعدم قراءة الفاتحة الكاملة، بل لعدم قصد
القربة في جميع اجزائها. و على الثالث: منع التبادر المذكور جدا، بل لا يخطر ببال السامع قصد المامور
اصلا. و على الرابع: منع توقف تحقق الامتثال على قصد التعيين ابدا، و منع عدم امتثال
القارئ لآية الحمد من غير قصد الفاتحة اذا قصد القربة كما اذا تردد بينها و بين
غيرها ثم عزم عليها، و اما عدم امتثال من قصد بها الشكر فهو لاجل قصد الغير لا
عدم قصد الفاتحة، و هو امر آخر ياتي. و على الخامس: منع عدم تعين السورة الا بتعين
جميع اجزائها لها ان اريد تعين كل جزء قبل قراءته او حينها، بل يكفي تعينه بعدها ايضا،
و منع عدم تعين الاجزاء المشتركة الا بالقصد ان اريد مطلق التعين، بل يتعين بما
يتعقب له. و لضعف هذه الادلة ذهب جماعة من الاجلة من متاخري متاخري الفرقة الى عدم لزوم
القصد (280) .و هو الحق، للاصل، و صدق الامتثال. و هل يجب عدم قصد سورة اخرى غير ما قراها، حتى لو قصد بالبسملة سورة و قرا غيرها
عمدا وجب الرجوع الى الاولى او البسملة ثانيا قبل الركوع و بطل بعده، ام لا؟ الظاهر: نعم، اذ لا شك في تخصيص المشتركات و تميزها بالنيات كما مر في بحث نية
الصلاة، و لذا ترى انه لو كتب احد البسملة بقصد سورة يقال: انه شرع في كتابة
السورة، فمع قراءة البسملة بقصد سورة تكون جزءا منها، فلو قرا غيرها بدون البسملة
كان قارئا لبعضها.و تعقب المميز هنا يعارض القصد فلا يفيد. مع انه بقصد السورة الاولى صارت جزءا منها فيستصحب حتى علم خروجه عن هذه
الجزئية و صيرورته جزءا لاخرى، و ذلك مع ممانعة القصد غير معلوم، فيكون قارئا لبعض
كل من السورتين لا لسورة تامة. و لكن ذلك اذا دخل البسملة بقصد السورة المعينة، اما لو اراد قبل الشروع فيها
قراءة سورة، ثم ذهل عن هذا القصد حتى دخل البسملة بلا قصد فلا ضير فيه. ثم انه لا ينافي ما ذكرناه من الحكمين شيئا من الاخبار الواردة في هذا
المضمار، كما لا يخفى على من تامل فيها.
المسالة السابعة عشرة: صرح جماعة بوجوب الموالاة في القراءة
(281) و اريد بها قراءة الحمد و السورة متتالية الكلمات و الآيات. فان ارادوا التتالي الحقيقي فلا دليل عليه، و الاصل ينفي وجوبه. و ان ارادوا ضربا من التوالي العرفي فهو كذلك، لا للتاسي او اصل الاشتغال،
لضعفهما في المقام كما عرفت مرارا.بل لانه المتبادر من قراءة الحمد و
السورة. و التوضيح: انه امر بقراءتهما و الواجب الاتيان بالمامور به، و المفهوم
عرفا من قراءة سورة قراءتها مع نوع توال عرفا بمعنى انه المتبادر من التركيب،
فلو اخل بها لم يات بالمامور به، و لذا لو نذر ان يقرا الحمد مثلا لا يمتثل
بقراءة كل يوم بل ساعة آية منها. ثم الاخلال بها تارة يكون بقراءة شي ء آخر في خلالها، و اخرى بالسكوت. و الاول: اما يكون بمزج كلمات اخرى بين كلمات الحمد مثلا بحيث يفهم الارتباط
و يتوهم السامع الجزئية و الاتحاد، كان يقول: الحمد و الشكر لله رب العالمين،
الرحمن المنان الكريم الرحيم، مالك يوم الحشر و الجزاء و الدين، اياك نعبد و
عليك نتوكل و اياك نستعين، اهدنا الطريق القويم و الصراط المستقيم، و هكذا. او بدون المزج، كان يقول بعد مالك يوم الدين: جل جلاله. فان كان من الاول تبطل به القراءة قطعا و لو كان بكلمة، لا للاخلال بالموالاة
الواجبة، بل لان المقروء يخرج عن كونه حمدا، فهو المخل بكونه حمدا مثلا دون قراءته.
و ان كان من الثاني، فان زاد المتخلل بحيث يخل بالمعنى المنصرف اليه الامر
بقراءة الحمد عرفا بطلت القراءة، و الا لم تبطل.فلا تبطل بتخلل كلمة او كلمتين او
ثلاث او فقرة دعاء او آية، الا ان يتكرر بحيث يخرج الحمد مثلا عن كونه حمدا عرفا. و ان كان من الثالث فهو ايضا كالثاني، و الظاهر عدم الخروج به عن المعنى
المفهوم عرفا الا بوصوله حد السكوت الطويل المبطل للصلاة ايضا، و سيجي ء
بيانه في بحث المبطلات. ثم مع الاخلال فان كان بالسكوت تبطل الصلاة، لان غير المبطل لها لا يبطل
القراءة ايضا. و ان كان بغيره فقبل الركوع يستانف القراءة-عمدا كان او سهوا- لوجوب
الامتثال و بقاء المحل.و لا تبطل الصلاة مطلقا، للاصل.الا اذا كان المتخلل غير
القرآن و الدعاء. و قيل بالبطلان مع العمد (282) ، للنهي المستلزم للفساد، او لعدم ثبوت جواز مطلق
القرآن و الدعاء. و يضعف الاول بانتفاء النهي، و الامر بالموالاة نهي عن تركها مطلقا لا في
الجملة.و الثاني بما ياتي في محله.
المسالة الثامنة عشرة: «و الضحى » و «ا لم نشرح » سورة واحدة، و كذا «الفيل » و «لايلاف »
على الاظهر الموافق للصدوق في اعتقاداته و الامالي و الفقيه (283) ، و الانتصار (284) ،
بل السيد مطلقا كما نقلوه (285) ، و المفيد (286) ، و الشيخ في النهاية و التهذيب و
الاستبصار (287) ، بل مطلقا كما ذكروه (288) ، و النافع و الشرائع و نهاية الفاضل و تحريره
و تذكرته (289) ، بل هو الاشهر كما صرح به جمع ممن تاخر (290) ، بل في الاعتقادات و
الانتصار و التهذيب و الثلاثة الاخيرة الاجماع عليه، و في الامالي نسبته
الى دين الامامية (291) ، و في الاستبصار الى آل محمد صلى الله عليه و آله (292) . للنصوص المستفيضة المنجبر ضعفها بما مر: منها: الرضوي: «لا تقرا في الفريضة الضحى و الم نشرح، و كذا الم تر كيف و لايلاف »
الى ان قال: «لانه روي ان الضحى و الم نشرح سورة واحدة، و كذلك الم تر كيف و
لايلاف سورة واحدة » الى ان قال: «فاذا اردت قراءة بعض هذه السور فاقرا و الضحى
و الم نشرح و لا تفصل بينهما، و كذلك الم تر كيف و لايلاف » (293) . و مرسلة الصدوق المروية في الهداية: «و موسع عليك اي سورة قرات في قراءة فرائضك الا
اربع و هي: و الضحى و الم نشرح في ركعة، لانهما جميعا سورة واحدة، و لايلاف و الم
تر كيف في ركعة، لانهما جميعا سورة واحدة، و لا تنفرد بواحدة من هذه الاربع السور
في ركعة فريضة » (294) . و المروي في المجمع و الشرائع مرسلا: «ان الضحى و الم نشرح سورة واحدة، و كذا
سورة الم تر كيف و لايلاف » (295) . و في تفسير العياشي عن احدهما عليهما السلام: «الم تر كيف و لايلاف سورة
واحدة » قال: «و روي ان ابي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه » (296) . و في كتاب القراءة لاحمد بن محمد بن سيار بسندين عن مولانا الصادق عليه
السلام انه قال: «الضحى و الم نشرح سورة واحدة » و «الم تر و لايلاف سورة واحدة » (297) .
و تؤيدهما صحيحة الشحام: صلى بنا ابو عبد الله عليه السلام فقرا الضحى و الم
نشرح في ركعة (298) . و جعلها دليلا على الوحدة-باعتبار انه لولاها لزم تخصيص اخبار النهي عن القران
و الاصل عدمه-مردود بان الوحدة ايضا مستلزمة للنقل في لفظ السورة المستعملة في هذه
الاربع، اذ لا تكون الواحدة منها سورة، مع انها يصدق عليها سورة الضحى حقيقة،
للتبادر.و الاصل عدم النقل ايضا. و على هذا فتجوز قراءتهما معا في ركعة من فريضة و لا يجوز الاكتفاء بواحدة منها،
لان اصالة هذين الحكمين مقتضى الحكم الاول و هو الوحدة، مع دلالة الروايتين
الاوليين عليهما، و الاخيرة على اولهما، حيث ان الصلاة كانت فريضة بقرينة قوله:
«صلى بنا» . خلافا لجماعة من المتاخرين (299) في الاول، فمنعوا الوحدة تمسكا-بعد تضعيف غير
الصحيحة من الروايات و منع دلالتها الا على جواز الجمع و هو اعم من
الوحدة-باصالة عدم النقل التي سبق ذكرها. و تواتر اثنينيتهما في المصاحف. و رواية المفضل المتقدمة في مسالة القران (300) ، حيث ان الاصل في الاستثناء الاتصال.
و صحيحة الشحام: صلى بنا ابو عبد الله عليه السلام فقرا في الاولى و الضحى، و
في الثانية الم نشرح (301) . و يرد الاول-بعد الجواب عن الضعف بالانجبار بما سبق-باندفاع الاصل بما
ذكر. و الثاني بمنع التواتر، و انما المتواتر تخلل البسملة، و هو غير المدعى، مع ان
في حجية هذا التواتر كلاما طويلا. و الثالث بالحمل على متعارف الناس، مع ان الرواية ضعيفة و في هذا الحكم من
الجابر خالية. و الرابع بالحمل على النافلة، و بعدم الدلالة على التعدد فيمكن ان تكون هذه السور
مستثناة من التبعيض الممنوع. مضافا في الروايتين الى رجحان معارضهما عليهما بمخالفة العامة (302) . مع انه اذا قلنا بوجوب الجمع بين السورتين للروايتين-كما هو المصرح به في
كلام الثانيين (303) -انتفت ثمرة نزاع البين كما اشار اليه، و لكن يرد عليهما
عدم دلالة الخبرين الا على الجواز، و تظهر الثمرة حينئذ في الاكتفاء باحدهما. و مما ذكر يظهر دليل من خالف في الاحكام الثلاثة ايضا، الا ان ظاهر بعض
مشايخنا عدم القول به بين اصحابنا (304) . ثم على المختار هل تعاد البسملة بينهما؟ كالحلي و الفاضل (305) ، و كثير من
المتاخرين (306) ، لثبوتها بينهما متواترا، و كتبها في المصاحف اجماعا، و
لحصول البراءة اليقينية به. او لا؟ كالنافع (307) ، و عن الشيخ (308) ، لاقتضاء الوحدة ذلك، و دعوى المجمع ان
الاصحاب لا يفصلون بينهما بها (309) ، و قوله في الرضوي المتقدم: «و لا تفصل بينهما» و
ما روي ان ابي لم يفصل بينهما بها. الظاهر هو الاول، لا لما ذكر، لعدم حجية هذا التواتر لانتهائه الى عمل الخلفاء
الثلاث، و عدم العلم بالاشتغال بازيد مما علم منه البراءة. بل للامر في رواية سالم بن سلمة بالقراءة كقراءة الناس (310) ، و لا شك انهم يقرؤون كذلك.
و اقتضاء الوحدة لترك البسملة ممنوع، لجواز تخللها بين السورة كما في النمل.و
عدم حجية دعوى الاجماع.و عدم دلالة الرضوي، لجواز ان يكون المراد عدم التفرد
بواحدة منها.
المسالة التاسعة عشرة: تخير المصلي في كل ثالثة و رابعة من الفرائض الخمس بين قراءة الحمد وحدها و التسبيح
باجماعنا المحقق، و المنقول في كلام الاصحاب مستفيضا (311) ، بل-كما قيل-متواترا (312) ،
و عليه استفاضت اخبارنا بل تواترت كما تاتي طائفة منها. و اطلاق كثير منها يقتضي عدم الفرق بين ناسي القراءة في الاوليين و غيره كما هو
الاشهر، بل عليه غير من شذ و ندر و هو-كما قيل (313) -الشيخ في الخلاف (314) ، و لكن عبارته
فيه في الوجوب غير صريحة، بل احتجاجه باجماع الفرقة و تعبيره اخيرا فيه
بالاحوط ظاهر في عدمه، بل يريد الاولوية و الاستحباب كما صرح هو به في المبسوط (315) ،
و تبعه جماعة من الاصحاب (316) . لما مر من الاطلاق، بل عموم كثير من نصوص التخيير و عدم وجوب القراءة في
الاخيرتين و اجزاء التسبيح فيهما. و للاصل. و استصحاب التخيير. و صحيحة ابن عمار: في الرجل يسهو عن القراءة في الاوليين فيذكر في الاخيرتين،
قال: «اتم الركوع و السجود؟ » قلت: نعم، قال: «اني اكره ان اجعل آخر صلاتي اولها» (317) .
و موثقتي ابي بصير و سماعة، الاولى: «اذا نسي ان يقرا في الاولى و الثانية اجزاه
تكبير الركوع و السجود» (318) . و الثانية: عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال: «فليقل -الى ان
قال: -فاذا ركع اجزاه ان شاء الله » (319) . و خبر ابي بصير: عن رجل نسي ام القرآن، قال: «ان كان لم يركع فليعد ام القرآن » (320) .
فانها ظاهرة في اجزاء الركوع و تسبيحه عن القراءة اذا شرع فيهما، و لو وجبت
القراءة في الاخيرتين تداركا لما صدق عليه الاجزاء. و يضعف الاول: بكونه اما اعم مطلقا مما صرح بانه: «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب » (321)
كما صرح به بعض مشايخنا (322) فيخصص به، او من وجه كما ذكره بعض آخر منهم (323) و هو
الاظهر، فيتساقطان و يرجع الى الاصل و هو مع قراءة الفاتحة، لثبوت الاشتغال
بشي ء اجماعا و لا يتعين بعد التساقط فيستصحب الاشتغال. و منه يظهر ضعف الثاني ايضا. و الثالث: بمنع التخيير اولا، لانه فرع عدم النسيان في الاوليين. و الرابع: بمنع الدلالة، لجواز ان يكون المراد بجعل آخر الصلاة اولها قراءة الحمد
و السورة كما تؤكده بل تدل عليه مرسلة احمد: «اي شي ء يقول هؤلاء في الرجل اذا فاتته
مع الامام ركعتان؟ » قلت: يقولون يقرا في الركعتين بالحمد و السورة، فقال: «هذا
يقلب صلاته فيجعل اولها آخرها! ! » فقلت: ما يصنع؟ قال: «يقرا فاتحة الكتاب في كل ركعة » (324) . و لا دلالة للسؤال عن اتمام الركوع و السجود على عدم ارادة ذلك اصلا. و البواقي: بانها انما تفيد لو كان مراد من يوجب القراءة في الاخيرتين انها
عوض عنها في الاوليين، و هو غير معلوم، و لا منافاة بين اجزاء الركوع عن ركعته و
بين وجوب قراءة اخرى بدليل آخر. احتج الشيخ: باجماع الفرقة. و ما مر من اصل الاشتغال. و من قولهم: «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب » . و رواية ابن حماد: اسهو عن القراءة في الركعة الاولى، قال: «اقرا في الثانية » قلت:
اسهو في الثانية، قال: «اقرا في الثالثة » قلت: اسهو في صلاتي كلها، قال: «اذا حفظت
الركوع و السجود فقد تمت صلاتك » (325) . و صحيحة زرارة: رجل نسي القراءة في الاوليين فذكرها في الاخيرتين، فقال: «يقضي
القراءة و التكبير و التسبيح الذي فاته في الاوليين في الاخيرتين، و لا شي ء
عليه » (326) . و رد الاول: بمنع الاجماع، بل الظاهر تحققه على خلافه. و الثاني: باندفاعه بما مر. و الثالث: بما ذكر من التعارض مع العموم الاول الراجح بالشهرة العظيمة
القريبة من الاجماع بل لعلها اجماع.مضافا الى ضعف العموم الثاني و قصوره عن
الشمول لما نحن فيه، لاختصاصه بحكم التبادر-الحاصل من تتبع النصوص و
الفتاوي-بالفاتحة في محلها المقرر لها شرعا، و هو الركعتان الاوليان خاصة. و الرابع: بالضعف في السند و الدلالة، لظهوره في القراءة في الاخيرتين، و المراد
بها حيث يطلق الحمد و السورة معا، و هو مخالف للاجماع. و منه يظهر ما في الخامس، مضافا الى ظهوره في كون الاتيان بها قضاء عما فات
في الاوليين لا اداء لوظيفة الاخيرتين كما هو المطلوب، مع انه صرح فيه بقضاء
التكبير و التسبيح الفائتين في الاوليين و هو ايضا مخالف للاجماع، مع انه
-كسابقه-موافق لراي ابي حنيفة (327) و ان كان رايه مطلقا شاملا لما كان الترك عمدا. و في الجميع-غير الاول-نظر: اما الثاني، فلما عرفت من ضعف الدافع. و اما الثالث، فلمنع ايجاب الشهرة في الفتوى للرجحان، و بمنع التبادر جدا. و اما الرابع، فلان ضعف السند غير ضائر، و ارادة الحمد و السورة من مطلق القراءة
ممنوعة، و لو سلم فالاجماع على عدم ارادتهما معا قرينة. و اما الخامس، فلذلك، و لعدم خروج جزء من الحديث عن الحجية بخروج جزء آخر منه
عنها. و لاجل ما ذكر نفى بعض مشايخنا المحدثين البعد عن هذا القول (328) ، و جعله بعض آخر
الاحوط (329) . الا ان شذوذ هذا القول جدا-حتى نفى بعضهم وجود القائل به-يوجب عدم حجية ما دل
عليه من الرواية و الصحيحة اصلا، مضافا الى ما في الثانية من عدم الدلالة على
الوجوب راسا. و اما عمومات نفي الصلاة عما لا فاتحة فيه، فهي و ان كانت مقبولة عند القوم في
غير ذلك المقام، مستندا لهم في غير واحد من الاحكام، و لم تتحمل الشذوذ
المخرج لها عن الحجية، الا انه قد عرفت تعارضها مع عمومات اجزاء التسبيح في
الاخيرتين و ما بمعناها بالعموم من وجه، و لولا ترجيح الثانية بما مر
لتكافاتا و وجب الحكم بالتخيير الذي هو المطلوب.و اما التساقط و الرجوع الى
الاصل فانما هو فيما كان التخيير منفيا باجماع و نحوه و ليس هاهنا منه.فيتعين
الحكم بالتخيير حينئذ ايضا، و به يندفع اصل الاشتغال.
المسالة العشرون: الافضل في هذه الركعات للامام التسبيح
عند العماني (330) ، و الصدوقين (331) ، و الحلي (332) ، و جملة من متاخري المتاخرين (333) ، و
مشايخنا (334) ، و المعاصرين (335) . لطائفة جمة من الاخبار الدالة عليه. اما بالعموم، كصحيحتي زرارة المصرحتين بان في السبع ركعات الاخيرة من
الصلوات الخمس ليس قراءة، و زاد في احداهما: «انما هو تسبيح و تكبير و تهليل و
دعاء» (336) . و صحيحته الاخرى الواردة في حكم المسبوق، و فيها: «فاذا سلم الامام قام
فصلى ركعتين لا يقرا فيهما، لان الصلاة انما يقرا[فيها]في الاوليين، و في
الاخيرتين لا يقرا فيهما انما هو تسبيح و تكبير و تهليل و دعاء، ليس فيهما
قراءة » (337) . و روايتي العجلي و محمد بن ابي حمزة: الاولى في الفقيه (338) ، و الثانية في العلل (339) ،
المعللتين افضلية التسبيح عن القراءة في الاخيرتين بتذكر النبي ليلة
المعراج فيهما عظمة الله عز و جل فقال: «سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله
و الله اكبر» . و جعلهما خاصتين بالامام لاقتداء الملائكة حينئذ غير جيد، لانه غير الامامة
المتنازع فيها، و الا لكان المنفرد ايضا اماما، حيث ورد: ان من صلى مثلا باذان
صلى معه صفوف من الملائكة (340) .و نحو ذلك. و رواية الفقيه المعللة لجعل القراءة في الاوليين و التسبيح في الاخيرتين
بالفرق بين ما فرضه الله عز و جل و بين ما فرضه رسول الله (341) . و صحيحة محمد بن قيس المصرحة بان امير المؤمنين كان يسبح في الاخيرتين (342) . و المروي في العيون المصرح بان مولانا الرضا عليه السلام كان يسبح فيهما
يقول: «سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اكبر» ثلاث مرات، من
المدينة الى المرو (343) .الى غير ذلك. او بالخصوص، كصحيحة زرارة: «لا تقران في الركعتين الاخيرتين من الاربع
الركعات المفروضات شيئا اماما كنت ام غير امام » قال: قلت: فما اقول؟ قال: «ان كنت اماما او وحدك فقل: سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله، ثلاث
مرات تكمله تسع تسبيحات » (344) . و رواية ابي خديجة و فيها: «فاذا كان-اي الاقتداء-في الركعتين الاخيرتين فعلى
الذين خلفك ان يقرؤوا فاتحة الكتاب و على الامام التسبيح » الحديث (345) . و قد يستدل (346) ايضا بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المسالة السابقة (347) ، و
صحيحة الحلبي: «اذا قمت في الركعتين الاخيرتين لا تقرا فيهما فقل: الحمد لله و
سبحان الله و الله اكبر» (348) . و فيهما نظر: اما في الاولى فلما مر، و اما في الثانية فلاحتمال كون قوله: «لا
تقرا» جملة حالية فلا دلالة فيها على المطلوب، بل و كذا لو كانت وصفية و يكون المعنى:
الركعتين اللتين لا تجب القراءة فيهما، نعم لو كانت الجملة انشائية لكانت
لها دلالة، و لكن لا يتم الاستدلال بالاحتمال. و الافضل له القراءة عند الشيخ في الاستبصار (349) ، و الحلبي (350) ، و الشرائع و القواعد
و المنتهى و التذكرة و اللمعة و البيان و الدروس و شرح القواعد (351) ، و الاردبيلي (352) ،
و المدارك (353) . لما دل عليه اما بالعموم، كرواية محمد بن حكيم: ايما افضل، القراءة في
الركعتين الاخيرتين او التسبيح؟ فقال: «القراءة افضل » (354) . او بالخصوص كصحيحة ابن حازم: «اذا كنت امام قوم فاقرا في الركعتين
الاخيرتين بفاتحة الكتاب، و ان كنت وحدك فيسعك فعلت او لم تفعل » (355) . و صحيحة معاوية بن عمار: عن القراءة خلف الامام في الركعتين الاخيرتين،
فقال: «الامام يقرا فاتحة الكتاب و من خلفه يسبح، و اذا كنت وحدك فاقرا فيهما
و ان شئت فسبح » (356) . و رواية جميل: عما يقرا الامام في الركعتين الاخيرتين في آخر الصلاة، فقال
«بفاتحة الكتاب و لا يقرا الذين خلفه، و يقرا الرجل وحده اذا صلى فيهما بفاتحة
الكتاب » (357) . و التوقيع المروي في الاحتجاج و كتاب الغيبة للشيخ بسند قوي و هو: انه كتب اليه
يسال عن الركعتين الاخيرتين فقد كثرت فيهما الروايات، فبعض يرى ان قراءة
الحمد فيهما افضل، و بعض يرى ان فيهما التسبيح افضل، فالفضل لايهما
لنستعمله؟ فاجاب عليه السلام: «قد نسخت قراءة ام الكتاب في هاتين الركعتين
التسبيح، و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: كل صلاة لا قراءة فيها
خداج، الا للعليل او من يكثر عليه السهو، فيتخوف بطلان الصلاة عليه » (358) . و لعل وجه النسخ بالقول المذكور انه دل على كثرة مناسبة و فضيلة و اهتمام
للفاتحة في الصلاة، او لانه اذا كان كذلك فالافضل ان يكون في جميع الصلاة
لتكون احفظ من البطلان. و يمكن ان يكون قوله: «فيتخوف » متعلقا بذلك ايضا، اي نسخ بهذا القول، لخوف بطلان
الصلاة بالسهو في القراءة في الاوليين. و يمكن ان يكون المراد بالنسخ انه بني على افضلية التسبيح بعد مقدمة ليلة المعراج،
و كان البناء عليها لاجلها حتى صدر ذلك القول من العالم، فرفعت اليد عن تلك
المقدمة و نسخت. و اجاب الاولون عن هذه الروايات بانها مرجوحة بالنسبة الى الاولى، لانها
اكثر و اشهر، و في الدلالة اظهر، و مع ذلك مخالفة للعامة و هذه موافقة لها (359) ، و يجب
تقديم المخالف عند التعارض. و يرد عليه: منع الاكثرية اولا، فان العمومات و ان كانت كذلك الا ان خصوصات
افضلية القراءة للامام اكثر، مع ان بعد تحقق الكثرة من الطرفين -سيما مع
اعتبار السند بل صحته بل مع تعدد الصحاح-لا يوجب نوع كثرة في احد الطرفين
ترجيحا. و الاشهرية ثانيا، كيف؟ ! و القائلون بافضلية القراءة للامام اكثر. و الاظهرية ثالثا، و هو ظاهر جدا. و مخالفة الاولى لجميع العامة رابعا، كيف؟ ! و المنقول عن سفيان كراهة القراءة في
الاخيرتين كما يظهر من كتب السيد و الفاضل (360) ، و عن الشافعي و الاوزاعي و احمد
روايتان (361) ، احداهما و ان كانت وجوب القراءة و لكن الاخرى غير معلومة لنا، فلعلها
موافقة لها. و موافقة هذه خامسا، كيف؟ ! و صحيحتا ابني حازم و عمار مصرحتان بالتفصيل
الذي لم ينقل من احد من العامة، فهما ايضا مخالفتان لهم قطعا، فانه يصدق عليهما
انهما مخالفتان للعامة. مع انه لم تثبت افضلية القراءة او تعيينها في الركعتين من احد من العامة، اذ قد
عرفت ان لمن ذكر روايتان، و سفيان يكرهها، و الحسن يوجبها في كل صلاة في ركعة
واحدة (362) ، و مالك لا يوجبها في مجموع الاخيرتين (363) ، و المنقول عن ابي حنيفة في
كتب اصحابنا التخيير (364) ، من غير تعرض للافضلية اصلا. نعم ذكرها ابن روزبهان العامي الكذاب في كتابه انه يقول بالافضلية، و لا
يثبت بمجرد ذلك ان ذلك قول ابي حنيفة بحيث يصير منشا لمرجوحية الاخبار. ثم مع تسليم ذلك الترجيح للاولى نقول: صرح التوقيع بمرجوحية روايات افضلية
التسبيح، و هو اخص من روايات الترجيح بمخالفة العامة، فيجب تقديمه قطعا. و الخدش في التوقيع-اما بالاجمال (365) ، او بعدم جواز النسخ في المورد، او بعدم
صلاحية ما ذكره ناسخا للنسخ-ليس بشي ء، كما لا يخفى على المتدبر. نعم المستفاد من التوقيع ليس الا نسخ التسبيح بالقراءة، و اذ ليس هو نسخ وجوبه
و لا جوازه اجماعا فالمراد نفي افضليته.و الناسخ ايضا ليس وجوب القراءة
اجماعا و لا جوازها، لعدم ايجابه لنسخ الافضلية، فيمكن ان يكون المراد نسخ
فضيلتها لافضليته او افضليتها لافضليته، و حيث لا دليل على تعيين احد
الامرين فالقدر الثابت منه ليس الا نسخ افضلية التسبيح، و اما كون القراءة
افضل فلا يثبت منه. و على هذا لا يثبت من التوقيع ترجيح روايات افضلية القراءة، بل غايته عدم
العمل بروايات افضلية التسبيح، و لازمه عدم ثبوت الافضلية لشي ء منهما الموجب
للحكم بالتساوي. ثم بعد ملاحظة روايات افضلية كل منهما و عدم مرجح آخر لشي ء منهما، تعلم انه لا تثبت
افضلية شي ء منهما على الآخر، و ان الحكم التساوي في حق الامام كما هو مذهب الشيخ
في النهاية و المبسوط و الجمل (366) ، بل نقله المحدث المجلسي عن اكثر كتبه (367) ، و
هو ظاهر الفاضلين في المعتبر و الارشاد و المختلف (368) . و هاهنا مذهب آخر، و هو: التفصيل بافضلية القراءة له مع تجويزه وجود مسبوق و
التسبيح مع عدم ذلك، نقل عن الاسكافي (369) ، و اختاره والدي العلامة-رحمه الله-في
المعتمد جمعا بين الادلة. و يضعفه خلو هذا الجمع عن الشاهد و البينة. و كذا الحكم للمنفرد على الاقوى، وفاقا لمن مر من القائلين بالتخيير للامام، و
للاستبصار و الشرائع و القواعد و المنتهى و شرح القواعد و البيان (370) ، و المحقق
الاردبيلي (371) . لتعارض عمومات افضلية التسبيح المتقدمة (372) مع عمومات افضلية القراءة و
عمومات المساواة السابقتين (373) ، و تعارض خصوصات افضلية الاول للمنفرد
كصحيحتي زرارة المذكورتين (374) ، و موثقة الساباطي الواردة في المسبوق و فيها:
«فاذا سلم الامام ركع ركعتين يسبح فيهما» (375) مع خصوصات المساواة له، كصحيحة
معاوية بن عمار السالفة (376) بل صحيحة منصور ايضا (377) ، و عدم المرجح، فيصار الى
التخيير. و توهم دلالة رواية جميل (378) على افضلية القراءة له، فاسد، لوقوع قوله: «و يقرا الرجل وحده » عقيب النهي او ما بمعناه، فلا يفيد سوى انتفاء الحظر، مع انه مع
الدلالة ايضا يعارض ما مر و يرجع الى المساواة. و خلافا لمن مر من القائلين بافضلية التسبيح للامام، فقالوا بافضليته له
ايضا، و التذكرة و الدروس (379) ، لنحو ما مر في الامام بجوابه. و اما الماموم فالافضل له التسبيح، وفاقا لكل من مر من القائلين بافضلية
التسبيح للامام، و للمنتهى (380) ، لخصوص صحيحة معاوية و رواية جميل، الخاليتين عن
المعارض المساوي، و اما المعارض العام فلا يقاوم الخاص بل يلزم تخصيصه به. خلافا لمن قال بافضلية القراءة له او بالمساواة، لنحو مما مر مع دفعه، و لرواية
ابي خديجة السابقة (381) . و يدفع بعدم تعين المستتر في قوله: «كان » فلعله الائتمام كما احتمله في
الوافي (382) بان يكون المامومون مسبوقين، فتخرج الرواية عن المسالة.و مع كونه
غير ذلك مما يشملها ايضا فتكون عامة ايضا، لشمولها للمسبوق فلا يفيد.
المسالة الحادية و العشرون: اختلفوا في المجزئ من التسبيح في الركعات الاواخر على اقوال.
الاول: انه اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها: «سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا
الله و الله اكبر» ثلاثا، و هو قول العماني (383) ، و الشيخ في ظاهر النهاية (384) ، و مختصر
المصباح (385) ، و الاقتصاد (386) ، و القاضي في ظاهر المهذب (387) ، و الفاضل في التلخيص كما
حكي (388) ، و هو ظاهر اكثر نسخ الفقيه المشهورة (389) . لاستصحاب الاشتغال. و اقربيته الى مساواة الحمد. و للرضوي: «تقرا فاتحة الكتاب و سورة في الركعتين الاولتين، و في الركعتين
الاخيرتين الحمد وحده، و الا فسبح فيهما ثلاثا ثلاثا تقول: سبحان الله و
الحمد لله و لا اله الا الله و الله اكبر، تقولها في كل ركعة منهما ثلاثا» (390) . و المروي في العيون عن الضحاك: انه صحب الرضا عليه السلام من المدينة الى مرو
فكان يسبح في الاخراوين و يقول: «سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله
اكبر» ثلاث مرات ثم يركع (391) . و المروي في صلاة السرائر عن كتاب حريز، عن ابي جعفر عليه السلام: «لا تقرا في الركعتين الاخيرتين من الاربع ركعات المفروضات شيئا اماما كنت
او غير امام » قلت: فما اقول فيهما؟ قال: «ان كنت اماما فقل: سبحان الله و الحمد
لله و لا اله الا الله و الله اكبر، ثلاث مرات ثم تكبر و تركع » (392) الحديث. قيل: و رواه الفقيه كذلك في باب كيفية الصلاة (393) .و هو اشتباه، لان المذكور فيه
كلام الصدوق و ليس رواية. و يضعف الاول: باندفاع الاستصحاب بالاتيان بما علم الاشتغال به. و الثاني: بعدم وجوب تحصيله. و الثالث: بالضعف الخالي عن الجابر اولا، و بعدم الدلالة على الوجوب
التعييني-لمقام الجملة الخبرية-ثانيا. و اما قوله: «فسبح » فانه و ان كان امرا الا انه لا يدل الا على وجوب مجرد
التسبيح فقط لانه حقيقة فيه، فيمكن ان يكون البيان بيانا للافضل، فيكون الزائد
على مطلق التسبيح مستحبا، كما تقول: اجلس و تقرا القرآن، فانه لا يدل على وجوب
القراءة ايضا. و به يضعف الرابع ايضا، اذ لا دلالة له على كونه على سبيل الوجوب اصلا، مضافا
الى ما في البحار من ان الموجود في النسخ القديمة المصححة من العيون بدون
التكبير، و الظاهر ان الزيادة من النساخ (394) .انتهى. كما ان بالاول (395) يضعف الخامس، فان حال كتاب حريز عندنا غير معلوم، مع ان
ناقله-الذي هو الحلي-لم يعمل به و افتى بالعشر (396) ، و هو من مضعفات الحديث جدا. مضافا الى ما فيه من الاضطراب، حيث انه رواه في آخر السرائر بعينه عن كتاب
حريز باسقاط: «الله اكبر» (397) . و لذا قال في البحار: ان الظاهر ان زيادة التكبير من قلمه او قلم النساخ، و ذكر
له مؤيدات منها: نسبة القوم الى حريز الاكتفاء بالتسع (398) .و لو لا الظهور فلا شك
في سقوطه عن عرصة الاحتجاج.و ذكر التكبير في روايات اخر لا يدل على ترجيح
النسخة المتضمنة له بوجه. هذا، مع ما فيه من ضعف الدلالة، لعدم كون الامر فيه لحقيقته التي هي الوجوب
التعييني، لجواز قراءة الحمد ايضا.و حمله على التخييري ليس باولى من الاستحباب.
و القول-بان الاول اقرب الى الحقيقة فيجب الحمل عليه-ضعيف غايته، لمنع وجوب
الحمل على الاقرب، سيما مع ان الثاني اشيع و اشهر. مضافا الى ما في الجميع من المعارضة مع ما ياتي. و الثاني: انه عشر باسقاط التكبير في المرتين الاوليين، و هو مختار
المصباحين (399) ، و الجملين (400) ، و المبسوط و عمل اليوم و الليلة (401) ، و ابني حمزة و
زهرة، و الديلمي، و الحلي، و القاضي (402) . قال جماعة: و لم نقف له على مستند (403) . و يحتمل ان يكون لصحيحة زرارة: قال: قلت: فما اقول[فيهما؟ ]-اي في الاخيرتين-قال:
«ان كنت اماما او وحدك فقل: سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله، ثلاث مرات،
تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر و تركع » (404) . وجه الاستناد: افادة قوله: «ثم تكبر» للوجوب، كما عليه جماعة في الجمل الخبرية،
فلا يمكن ان يكون تكبيرة الركوع، فيكون جزءا للتسبيح. و هو حسن عند من يقول بتلك الافادة، و لكنها عندنا غير ثابتة و لاجله يخرج عن
الدلالة، مضافا الى ما فيه من عدم اولوية الوجوب التخييري عن الاستحباب. و قد ترد ايضا (405) باضطراب الرواية، لاختلاف نسختها في الفقيه و كذا في السرائر
فيشكل التمسك بها، سيما و ان احتمال السقوط ارجح من الزيادة، سيما مع وجود
الزيادة في كثير من روايات المسالة و ان لم تكن لبعضها على الوجوب دلالة. و فيه: منع الاختلاف في رواية الفقيه-التي هي الحجة-و انما هو في رواية السرائر
خاصة (406) ، و لا ضير في اختلافها، مع ان زيادة قوله فيها: «تكمله تسع تسبيحات » ترجح
جانب القلة. و الثالث: انه تسع باسقاط التكبير في المرات الثلاث، حكي عن حريز بن عبد الله
السجستاني من قدماء الاصحاب (407) ، و الصدوق (408) ، و والده كما في المختلف (409) ، و
الحلبي كما قيل (410) . للصحيحة المتقدمة، بجعل التكبيرة تكبيرة الركوع، لعدم دلالتها على وجوبها.و هو
كذلك، بل في دلالتها على وجوب التسع ايضا ما مر من تعارض المجازين. مع ان في النسبة الى اكثر من ذكر ايضا كلاما، فانه و ان اسنده في المعتبر و
المنتهى و الذكرى الى حريز (411) ، و في بعض الكتب الى الصدوق و الحلبي (412) ، و لكن
عرفت رواية اثنتي عشرة عن حريز ايضا (413) ، و مر تصريح الصدوق ايضا بها في الفقيه (414) .
و الظاهر انه لاجل روايته هذه الصحيحة في باب الجماعة، و لا يخفى ان نقلها بعد
تصريحه بخلافها لا يثبت مذهبه.و صرح في المنتهى بان مذهب الحلبي ثلاث
تسبيحات: سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله (415) . و الرابع: انه اربع و هي التسبيحات الاربع، و هو مذهب المفيد (416) ، و الشيخ في
الاستبصار (417) ، و المنتهى و التذكرة و القواعد و شرح القواعد (418) ، و جمع آخر من
المتاخرين (419) ، و جوزه الحلي للمستعجل (420) ، و جعله في المعتبر الاولى (421) . لصحيحة زرارة: ما يجزي من القول في الركعتين الاخيرتين؟ قال: «ان تقول: سبحان
الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اكبر، و تركع » (422) . و رواية ابي خديجة: «اذا كنت امام قوم فعليك ان تقرا في الركعتين الاولتين،
و على الذين خلفك ان يقولوا: سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله
اكبر» الى ان قال في الركعتين الاخيرتين: «و على الامام التسبيح مثل ما
يسبح القوم في الركعتين الاوليين » (423) . و غيرهما من الاخبار المتضمنة لهذه الاربع من غير تقييد بعدد، الظاهرة في كفاية
الواحدة. و رد باحتمال ان يكون المراد بيان اجزاء القول دون العدد. و فيه: انه يفيد لو تمت ادلة الزائد عن الواحدة. نعم يرد على الاول انه لا يدل على عدم اجزاء غيره الا بالاصل المندفع بسائر
الاخبار، فان اجزاء شي ء لا ينافي اجزاء غيره سيما مع ثبوت اجزاء الحمد ايضا. و على الثاني بعدم امكان الحمل على الحقيقة، التي هي الوجوب التعييني كما مر. و الخامس: انه ثلاث: التسبيح و التحميد و التهليل، عزاه في المنتهى الى الحلبي (424) ،
و لم اعثر على دليله. و السادس: انه الثلاث المذكور لكن مع تبديل التهليل بالتكبير، نسب الى
الاسكافي (425) ، لصحيحة الحلبي: «اذا قمت في الركعتين الاخيرتين لا تقرا فيهما
فقل: الحمد لله و سبحان الله و الله اكبر» (426) . حيث ان الامر فيها للوجوب قطعا، لانه اذا لم يقرا يجب غيرها عينا، او ان هذا
التركيب مفيد للوجوب التخييري. و يرد عليه ما مر سابقا من احتمال كون: «لا تقرا» بمعنى لا تجب القراءة، او انشاء
فالامر حينئذ يكون مجازا قطعا. و السابع: انه مطلق الذكر، اختاره في البحار (427) ، و احتمله صاحب الذخيرة (428) ،
لرواية علي بن حنظلة: عن الركعتين الاخيرتين ما اصنع فيهما؟ فقال: «ان شئت فاقرا فاتحة الكتاب و ان شئت فاذكر الله، فهما سواء» قلت:
فايهما افضل؟ قال: «هما و الله سواء، ان شئت سبحت و ان شئت قرات » (429) . و فيه: انه لا بد اما من حمل التسبيح في قوله: «سبحت » على مطلق الذكر، او المطلق
في قوله: «فاذكر الله » على التسبيح، و لا دليل على التعيين، فلا دليل على كفاية
مطلق الذكر. و الثامن: ان المصلي مخير-اختاره المحقق في المعتبر (430) ، و صاحب البشرى (431) ، و
جملة من المتاخرين، منهم: المدارك و المنتقى و الذخيرة و المفاتيح و الحدائق (432)
-بين جميع ما ذكر حتى مطلق الذكر كبعض من ذكر (433) ، او جميع ما روي كبعض آخر (434) ،
فانه قد روي غير ما مر ايضا كثلاث تسبيحات، كما في مرسلة الفقيه: «ادنى ما يجزي
من القول في الركعتين الاخيرتين ثلاث تسبيحات تقول: سبحان الله سبحان
الله سبحان الله » (435) . او التسبيح و التحميد و الاستغفار، كما في صحيحة عبيد: عن الركعتين
الاخيرتين من الظهر، قال: «تسبح و تحمد الله و تستغفر لذنبك، و ان شئت فاتحة
الكتاب فانها تحميد و دعاء» (436) . او مطلق التسبيح، كما في رواية ابن عمار: عن القراءة خلف الامام في
الركعتين الاخيرتين، فقال: «الامام يقرا فاتحة الكتاب و من خلفه يسبح، و
اذا كنت وحدك فاقرا فيهما و ان شئت فسبح » (437) . اقول: بعد رفع اليد عن دليلي القولين الاولين لما عرفت، و عن القول الخامس لعدم
الدليل، و عن رواية مطلق الذكر و التسبيح، لمرسلة الفقيه المثبتة لادنى ما يجزي
من القول، و لما مر من عدم ثبوت مطلق الذكر.. يبقى دليل التسع، و الاربع، و ثلاث الاسكافي، و ثلاث تسبيحات، و التسبيح و
التحميد و الاستغفار. و لا يمكن حمل هذه الادلة على الوجوب المعين، لانتفائه قطعا.و لا على الاستحباب
المصطلح-بمعنى جواز الترك لا الى بدل مع الثواب على الفعل- لوجوب البدل اجماعا،
و لانه انما كان لو ثبت وجوب غيره معينا و احتمل كون ضم ذلك مستحبا و لم
يثبت ذلك في شي ء منها. و القول باستحباب واحد منها من غير ضم غير لو كان فيكون هو من باب الوجوب
التخييري و يكون افضل افراد المخير. فالاوامر و نحوها في هذه الادلة يراد بها الوجوب التخييري اما مطلقا او
افضل افراده، و لا يحتمل مجاز آخر. ثم المراد بالتخيير فيها اما انه احد افراد المخير من بين جميع ما روي، او
انه احد فردي المخير منه و من الفاتحة حتى يتعين احدهما. و على الاول لا يكون تعارض بين الاخبار، و يكون الحكم التخيير بين هذه
المذكورات. و على الثاني و ان حصل التعارض و لكن الحكم معه ايضا للتخيير بينها، فهو الحكم
في المسالة.
فروع:
ا: الاظهر الاشهر-كما صرح به بعض من تاخر (438) -وجوب الترتيب بين هذه
الاذكار، و اليه ذهب الفاضل و الشهيد (439) .فان اختار الاربع يقدم التسبيح ثم
التحميد ثم التهليل ثم التكبير، و ان اختار التسع يكتفي بالثلاثة الاولى على
الترتيب المذكور، و على الثلاث يبدل التهليل بالتكبير مقدما للتحميد. للامر بالترتيب في الاخبار، اي الامر بقول هذه الهيئة المرتبة، فلو خالفها
لم يكن المقول ما امر به. خلافا لطائفة، منهم: المعتبر و المدارك و الذخيرة (440) . للاصل.و هو مدفوع بما مر. و لعدم افادة العطف بالواو للترتيب. و فيه: ان العطف هنا جزء من اجزاء الكيفية المنقولة فتختل باختلاله كالعطف في
قوله عز شانه: «لم يلد و لم يولد» لا لتعداد المقول كما في قوله: اقرا سورة كذا و سورة
كذا.و الحاصل: ان خصوص حرف العطف ايضا جزء من المقول، و هو مجموع المعطوف و
المعطوف عليه و العطف. و لاختلاف الروايات في تعيينها، فباي ترتيب ذكرت يوافق الرواية. و رد بانه انما يتم على القول بالتخيير خاصة، و الا فكل من ذهب الى قول استنادا
الى رواية مخصوصة فالواجب عنده الاتيان بما دل عليه دليله. و فيه نظر، اما اولا: فلان تماميته على التخيير انما هي لو لم يقصد احد
الافراد اولا و لم يتعين بالقصد، و اما مع قصده و القول بتعينه به فلا بد من
مراعاة الترتيب المستفاد من دليله. و اما ثانيا: فلان المخير فيه على القول بالتخيير ايضا لا يخلو من ترتيب،
لتقديم التسبيح و الحمد على الباقيين على كل قول و دليل. و اما ثالثا: فلان وجوب الترتيب على سائر الاقوال و متابعة كل قائل دليله،
انما هو اذا ترك سائر الروايات بالمرجوحية او عدم الحجية. و اما اذا لم يكن كذلك، بل سلم حجية اخبار المسالة، و كان عمله بالاقل لحمله
الزائد في اخباره على الاستحباب، او بالزائد بحمل اخبار الناقص على عدم
اشتمالها الا على بعض القدر الواجب، فلا تخرج عنده اخبار سائر الاقوال المخالفة
لدليله عن الحجية فيما اشتمل عليه و منه الاختلاف في الترتيب. فالصواب ان يجاب-على المختار-بان اختلاف الرواية كما اوجب التخيير في
اصل الذكر كذلك اوجبه في ترتيبه، و لكن في الترتيبات الواردة في اخبار
الاقوال الثلاثة.فان اريد من نفي الترتيب ذلك فهو كذلك.و ان اريد مطلقه فهو
فاسد، لخروج بعض الهيئات عن جميع النصوص. ب: لو شرع في القراءة او التسبيح فهل يجوز له العدول الى الآخر ام لا؟ الاظهر وفاقا لجماعة: نعم (441) ، للاصل. و قيل: لا (442) ، للنهي عن ابطال العمل. و فيه: منع النهي بحيث يشمل المورد-اولا-كما بيناه في موضعه، و منع كونه ابطالا
ثانيا. و لايجابه الزيادة في الصلاة. و فيه: منع كونه زيادة مبطلة، كما يظهر وجهه مما سنذكره في بيان الزيادة المبطلة.
ج: قال في شرح القواعد: تجوز قراءة الحمد في احدى الاخيرتين و التسبيح في
الاخرى، لانتفاء المانع (443) .انتهى. و يخدشه: ان انتفاء المانع انما يفيد مع وجود المقتضي و لا مقتضي له. و اما ما في المدارك-من ان التخيير في الركعتين تخيير في كل واحدة منهما (444) -
فانما يتم لو ورد مثل تلك العبارة و ليس.و ما ادعاه من اشعار بعض الروايات
به فلم نعثر عليه. و استصحاب اشتغال الذمة بذكر في الثانية بعد الاولى، يقتضي الاتيان
بالمتيقن، و هو ما اتى في الاولى، الا مع دليل على كفاية غيره، و لم نقف عليه. د: صرح جمع من الاصحاب بانه لو شك في عدد التسبيح يبني على الاقل (445) .و هو كذلك،
لاصالة عدم الزيادة.ثم لو ذكرها فلا باس. ه: تستحب الاثنتا عشرة تسبيحة، للرضوي (446) ، و روايتي العيون و السرائر (447) ، و
فتوى جمع من الاجلة (448) . و هل تستحب الزيادة؟ المشهور: لا، للاصل. و عن العماني: انه يقال التسبيحات الاربع سبعا او خمسا، و ادناه الثلاث في
كل ركعة (449) .و نفى في الذكرى الباس عن اتباعه في الاستحباب (450) .و هو كذلك، حيث
ان المقام يتحمل التسامح. و: لا يجب القصد الى واحد من القراءة او التسبيح قبل الشروع في احدهما، لاصالة
عدم وجوب التعيين، و كفاية القصد الاجمالي الى اجزاء الصلاة في نية القربة
المعتبرة. و لو كان قاصدا الى احدهما معينا، فسبق الى لسانه الآخر، فله الابقاء عليه، و
العدول الى غيره، لما مر. و على الابقاء هل يستانفه ام لا؟ . استجود في الذكرى الاول، لانه عمل بغير نية (451) . و مال في الحدائق الى الثاني (452) .و هو الاقرب، لكفاية الاستدامة الحكمية في نية
القربة المعتبرة فيه، و لا دليل على اعتبار الازيد فانه لا يشترط في كل جزء قصده
بخصوصه، بل يكفي كونه بحيث اذا التفت علم انه يصلي لله، و هو كذلك، فهو في حال سبق
اللسان اليه قاصد له اجمالا كمن يقرا الفاتحة من غير التفات اليها. و الحاصل: انه لا شك في ان استباق لسانه الى احد المخيرين ليس بحيث يكون فعله
بلا قصد و شعور اصلا، بل هو قاصد في الجملة، و عمله للقربة و ان لم يكن ملتفتا اليها، و
لم يثبت من دليل اشتراط النية ازيد من ذلك في اجزاء الفعل المركب. ز: ليس في التسبيح بسملة لا وجوبا و لا استحبابا، لعدم دليل عليها. و لو اتى بها فان كان لا بقصد جزئيتها فلا باس قطعا.و كذا ان كان باعتقادها،
على الاقرب، اذ اعتقاده اما ناش عن دليل شرعي دله اليها فهي جزء في حقه، او عن
تقصير في السؤال و استقرار ذلك في ذهنه، فغايته اثمه في التقصير او في ذلك
الاعتقاد ايضا، و اما حرمة البسملة حينئذ فلا دليل عليها اصلا.و توهم كونها
تشريعا (453) فاسد جدا، كما بيناه في موضعه. ح: صرح في الذكرى بوجوب الموالاة الواجبة في القراءة في التسبيح ايضا (454) . و نفاه في الحدائق (455) .و هو جيد، لعدم دليل عليه. و لو قيل بالتفصيل، بانه امر مثلا بقراءة: سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا
الله و الله اكبر، فيجب ان لا يتخلل شي ء بين هذه الاذكار بحيث لم يصدق على
المجموع قراءة هذا المركب لو كان له اسم، و لا ضير في التخلل بين المرات، كان
اجود. نعم لو سكت سكوتا مبطلا للصلاة بطلت لاجله. ط: ظاهر المدارك استحباب الاستغفار مع التسبيحات ايضا (456) ، و لعله لصحيحة
عبيد المتقدمة (457) ، و هي لا تدل عليه الا مع الاكتفاء بالتسبيح و التحميد على القول
بكفاية كل ما روي، فلا يستحب في غير هذه الصورة، و لا يبعد وجوبه حينئذ، فتامل.
المسالة الثانية و العشرون: يجب الجهر بالقراءة خاصة في الصبح و اوليي المغربين
و الاخفات بها في اوليي الظهرين، على الحق المشهور، و نسبه في المنتهى و
التذكرة الى اكثر علمائنا (458) ، و عن الخلاف و الغنية الاجماع على الحكمين (459) ، و
عن السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز الجهر في الاخفاتية (460) . لا للشهرة او الاجماع المنقول، لعدم حجيتهما. و لا للتاسي، لعدم وجوبه. و لا لصحيحتي زرارة: احداهما: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي ان يجهر فيه، او
اخفى فيما لا ينبغي الاخفات فيه، فقال: «اي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه
الاعادة، فان فعل ذلك ساهيا او ناسيا او لا يدري فلا شي ء» (461) . و الاخرى مثلها مع زيادة في السؤال و الاقتصار بالناسي و الساهي (462) . لعدم دلالة الاولى الا اذا قلنا باولوية تخصيص ما لا ينبغي بما لا يجوز، عن
التجوز في قوله: «نقض صلاته و عليه الاعادة » بالحمل على الاستحباب، او مجاز
آخر.و الثانية الا على حجية مفهوم الوصف.و الامران ممنوعان. و لا لصحيحة محمد: عن صلاة الجمعة في السفر، قال: «تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا
يجهر الامام فيها بالقراءة، و انما يجهر اذا كانت خطبة » (463) . لمكان الجملة الخبرية سيما مع مقابلتها بقوله: «و انما يجهر» و هو للاستحباب
اجماعا. بل للصحيحين: احدهما: عن القراءة خلف الامام، فقال: «اما الصلاة التي يجهر
فيها فانما امر بالجهر لينصت من خلفه » الحديث (464) . و ثانيهما: «ان الصلاة التي يجهر فيها انما هي في اوقات مظلمة، فوجب ان يجهر
فيها ليعلم المار ان هناك جماعة » (465) . و رواية الفقيه المصرحة بعلة الجهر في صلاة الجمعة و المغرب و العشاء و الفجر: و
انما امر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه و آله بالاجهار في القراءة فيها و
بالاخفاء في القراءة في صلاة العصر (466) .و الامر حقيقة في الطلب الحتمي لغة كلفظ
الوجوب في مثل زمان الصادقين عليهما السلام بحكم الحدس و الوجدان. و كونها اخص من المدعى غير ضائر، لعدم القول بالفصل. و تؤيد المطلوب: المستفيضة المصرحة بانقسام الصلاة الى الجهرية و الاخفاتية (467)
في نحو صحيحتي ابن يقطين (468) ، و صحيحة ابن سنان (469) ، و روايتي الازدي (470) ، و محمد بن
ابي حمزة (471) ، فان ظاهرها التوظيف الظاهر في الوجوب، سيما مع انضمام
الاخبار بعضها مع بعض. خلافا للمحكي عن الاسكافي، فقال بالاستحباب (472) ، و نسب الى السيد، حيث قال: انه
من وكيد السنن.و ليس بصريح في المخالفة و لو مع ضم ما بعده و هو قوله: حتى روي انه من
تركهما عمدا اعاد.كما نقله في المنتهى (473) ، حيث ان ظاهره عدم قوله بالاعادة،
لان الوجوب لا يستلزم الاعادة بالترك عند جميعهم، و اختاره طائفة من متاخري
المتاخرين-كصاحبي المدارك و الذخيرة (474) -و يميل اليه كلام الاردبيلي (475) . للاصل. و قوله عز شانه: «و لا تجهر بصلاتك » الآية (476) . و صحيحة علي: عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة فهل عليه ان لا
يجهر؟ قال: «ان شاء جهر و ان شاء لم يجهر» (477) . و الاصل مندفع بما مر. و الآية مجملة، مع انها على جميع تفاسيرها عليه غير دالة، بل على بعضها تدل على
المطلوب. و الصحيحة ضعيفة، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة و الجديدة، فهي بالشذوذ عن حيز
الحجية خارجة.و مع ذلك بالنسبة الى معارضها مرجوحة، لموافقتها العامة (478) ، كما
و جماعة من الخاصة (480) .