فصل في مواقع التمثيل وتأثيره - أسرار البلاغة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أسرار البلاغة - نسخه متنی

عبدالقاهر بن عبدالرحمن الجرجانی؛ تحقیق: محمد الفاضلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فصل في مواقع التمثيل وتأثيره

واعلم أنّ مما اتفق العقلاءُ عليه، أن التمثيل إذا جاءَ في أعقاب المعاني، أو بَرَزَتْ هي باختصار في مَعرِضه، ونُقِلت عن صُوَرها الأصلية إلى صورته، كساها أُبَّهةً، وكَسَبها مَنْقَبةً، ورفع من أقدارها، وشَبَّ من نارها، وضاعف قُواها في تحريك النُّفوس لها، ودعا القُلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابةً وكلَفاً، وقَسَر الطِّباع على أن تُعطيها محبّة وشَغَفاً، فإن كان مدحاً، كان أبْهَى وأفخم، وأنبلَ في النفوسَ وأعظم، وأهزَّ للعِطْف، وأسْرع للإلف، وأجلب للفَرح، وأغلب على المُمْتَدَح، وأوجب شفاعة للمادح، وأقضى له بغُرِّ المواهب المنائح، وأسْيَر على الألسن وأذكرَ، وأولى بأن تَعْلَقه القلوب وأجدر، وإن كان ذمّاً، كان مسُّهُ أوجعَ، ومِيسَمُه ألذع، ووقعُه أشده، وَحدُّه أحَدّ، وإن كان حِجاباً، كان بُرهانه أنور، وسلطانه أقهر، وبَيَانه أبْهر، وإن كان افتخاراً، كان شَأْوُه أمدّ، وشَرَفه أجَدّ، ولسانه أَلَدّ، وإن كان اعتذاراً، كان إلى القَبُول أقرب، وللقلوب أخْلَب، وللسَّخائم أسلّ، ولغَرْب الغَضَبْ أفلَّ، وفي عُقَد العُقود أَنْفَث، وعلى حُسن الرجوع أَبْعث، وإن كان وعظاً، كان أشْفَى للصدر، وأدعى إلى الفكر، وأبلغ في التنبيه والزَّجر، وأجدر بأن يُجلِّيَ الغَيَاية، ويُبصِّر الغاية، ويُبرئ العليل، ويَشْفِي الغليل، وهكذا الحُكْم إذا استقريتَ فنُونَ القول وضروبَهُ، وتتبّعت أبوابَهُ وشُعوبه، وإن أردت أن تعرف ذلك وإن كان تِقِلّ الحاجة فيه إلى التعريف، ويُستغنَى في الوقوف عليه عن التوقيف فانظر إلى نحو قول البحتري:




  • دانِ على أيدي العُفاةِ وشَاسِـعٌ
    كالبدرِ أفرط في العلوِّ وضَوْءُه
    لِلْعُصْبة السَّارينَ جِدُّ قَـريبِ



  • عن كل نِدٍّ في النَّدَى وَضَرِيبِ
    لِلْعُصْبة السَّارينَ جِدُّ قَـريبِ
    لِلْعُصْبة السَّارينَ جِدُّ قَـريبِ



وفكِّر في حالك وحالِ المعنى معك، وأنت في البيت الأول لم تَنْتَهِ إلى الثاني ولم تتدبّر نُصرته إيّاه، وتمثيله له فيما يُملي على الإنسان عيناه، ويؤَدِّي إليه ناظراه، ثم قِسْهُما على الحال وقد وقفتَ عليه، وتأمّلتَ طَرَفَيْه، فإنك تعلم بُعْد ما بين حالتيك، وشدَّة تَفَاوتهما في تمكُّن المعنى لديك، وتحبُّبِه إليك، ونُبْلِه في نفسك، وتوفيرِه لأُنْسِك، وتحكُم لي بالصدق فيما قلت، والحقِّ فيما ادَّعيتُ وكذلك فتعهَّدِ الفرقَ بين أن تقول: فلان يكُدُّ نفسه في قراءَة الكتب ولا يفهم منها شيئاً وتسكت، وبين أن تتلوا الآية، وتُنشد نحو قول الشاعر:




  • زَوَامِلُ للأَشْعارِ لاَ عِلْمَ عندهُـمْ
    لَعَمْرُك مَا يَدْرى البَعِيرُ إذا غَدَا
    بأَوْسَاقه أو راحَ مَا فِي الغَرائِر



  • بِجَيِّدها إلاّ كَعِـلْـمِ الأَبَـاعِـرِ
    بأَوْسَاقه أو راحَ مَا فِي الغَرائِر
    بأَوْسَاقه أو راحَ مَا فِي الغَرائِر



والفصل بين أن تقول أرى قوماً لهم بَهاء ومنظر، وليس هناك مَخْبَرٌ، بل في الأخلاق دِقّة، وفي الكرم ضَعْفٌ وقلّة وتقطع الكلام، وبين أن تُتبعه نحوَ قول الحكيم أما البيتُ فحسنٌ، وأما السَّاكن فرديء، وقولَ ابن لَنكك:




  • في شجَر السَرْوِ منهمُ مَثَلٌ
    لَهُ رَواءٌ ومَا لَهُ ثَـمَـرُ



  • لَهُ رَواءٌ ومَا لَهُ ثَـمَـرُ
    لَهُ رَواءٌ ومَا لَهُ ثَـمَـرُ



وقول ابن الرُّومي:




  • فغَدا كالخِلاف يُورِقُ للعَي
    ن ويَأْبَى الإثمارَ كُلَّ الإباءِ



  • ن ويَأْبَى الإثمارَ كُلَّ الإباءِ
    ن ويَأْبَى الإثمارَ كُلَّ الإباءِ



وقول الآخر:




  • فَإنْ طُرَّةٌ رَاقَتْكَ فانظُرْ فرُبَّمَـا
    أمَرَّ مَذاقُ العُودِ والعُودُ أَخْضَرُ



  • أمَرَّ مَذاقُ العُودِ والعُودُ أَخْضَرُ
    أمَرَّ مَذاقُ العُودِ والعُودُ أَخْضَرُ



وانظر إلى المعنى في الحالة الثانية كيف يُورق شجَرهُ ويُثمر، ويفترُّ ثغرُه ويبسِم، وكيف تَشْتار الأرْيَ من مذاقته، كما ترى الحسن في شارته، وأنشِدْ قولَ ابن لنكك:




  • إذَا أخو الحُسْنِ أَضْحَى فِعْلُهُ سَمِجاً
    رأيتَ صُورتَهُ من أقبحِ الصُـوَر



  • رأيتَ صُورتَهُ من أقبحِ الصُـوَر
    رأيتَ صُورتَهُ من أقبحِ الصُـوَر



وتبيَّن المعنى واعرف مقدراه، ثم أنشِد البيت بعده:




  • وهَبْكَ كالشَّمْسِ في حُسنِ ألم تَرَنَا
    نَفِرُّ منها إذا مَالَتْ إلى الضَّرَرِ



  • نَفِرُّ منها إذا مَالَتْ إلى الضَّرَرِ
    نَفِرُّ منها إذا مَالَتْ إلى الضَّرَرِ



وانظر كيف يزيد شرفه عندك، وهكذا فتأمّل بيت أبي تمام:




  • وإذا أراد اللّهُ نَشْرَ فَضِـيلةٍ
    طُوِيَتْ أتاحَ لها لِسانَ حَسُودِ



  • طُوِيَتْ أتاحَ لها لِسانَ حَسُودِ
    طُوِيَتْ أتاحَ لها لِسانَ حَسُودِ



مقطوعاً عن البيت الذي يليه، والتَّمثيل الذي يؤدّيه، واستقص في تعرُّف قيمته، على وضوح معناه وحُسن بِزّته، ثم أتبِعه إياه:




  • لَوْلاَ اشتِعَالُ النَّارِ فيمـا جـاورَتْ
    مَا كان يُعرَف طِيبُ عَرْفِ العُودِ



  • مَا كان يُعرَف طِيبُ عَرْفِ العُودِ
    مَا كان يُعرَف طِيبُ عَرْفِ العُودِ



وانظر هل نَشَر المعنى تمام حُلّته، وأظهر المكنون من حُسنه، وزِينته، وعَطَّرك بعَرْف عوده، وأراك النضرة في عوده، وطلع عليك من طلع سُعوده، واستكمل فَضْلَه في النفس ونُبْلَه، واستحقّ التقديم كُلّه، إلا بالبيت الأخير، وما فيه من التمثيل والتصوير، وكذلك فرَق في بيت المتنبي:




  • ومَنْ يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ
    يَجِدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالاَ



  • يَجِدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالاَ
    يَجِدْ مُرّاً به الماءَ الزُّلالاَ



لو كان سلك بالمعنى الظاهر من العبارة كقولك: إن الجاهل الفاسد الطبع يتصوّر المعنى بغير صورته، ويُخيَّل إليه في الصواب أنه خطأ، هل كنت تجد هذه الرَوعة، وهل كان يبلغ من وَقْم الجاهل ووَقْذه، وقمعه ورَدْعه والتهجين له والكشف عن نَقْصه، ما بَلغ التمثيلُ في البيت، وينتهي إلى حيث انتهى، وإن أردت اعتبارَ ذلك في الفنّ الذي هو أكرم وأشرف، فقابلْ بين أن تقول: إن الذي يعظ ولا يَتَّعظ يُضِرُّ بنفسه من حيث ينفع غيره، وتقتصرَ عليه وبَين أن تذكر المَثَل فيه على ما جاء في الخبر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ الّذي يعلِّم الخيرَ ولا يَعْمَلُ به، مثلُ السِّراج الذي يضيء للناس ويُحرق نفسه"، ويروي: مَثَلُ الفتيلة تُضيء للناس وتُحرق نفسها. وكذا فوازنْ بين قولك للرجلِ تعِظُه إنك لا تُجْزَى السيئة حسنةً، فلا تَغُرَّ نفسك وتُمسِك، وبين أن تقول في أثره إنكَ لا تجني من الشَّوك العِنَب، وإنما تحصُدُ ما تزرع، وأشباه ذلك. وكذا بين أن تقول لا تُكلِّمِ الجاهل بما لا يعرفه ونحوه، وبين أن تقول لا تنثُر الدُّرَّ قُدَّام الخنازير أو لا تجعلِ الدُّرَّ في أفواه الكلاب، وتُنشد نحو قول الشافعي رحمه اللّه أأنثُر دُرّاً بين سَارِحَة الغَنَمْ" وكذا بين أن تقول: الدنيا لا تدوم ولا تبقى، وبين أن تقول: هي ظلٌّ زائل، وعارِيَّةٌ تُستردُّ، ووديعة تُسترجَع، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنَْ في الدنيا ضيفٌ وما في يديه عاريَّة، والضيفُ مرتحِلٌ، والعاريَّة مُؤَدّاة"، وتُنشد قولَ لبيد:




  • ومَا المَال والأهْلُونَ إلاّ وَدِيعةٌ
    وَلاَ بُدَّ يوماً أن تُرَدَّ الـوَدَائعُ



  • وَلاَ بُدَّ يوماً أن تُرَدَّ الـوَدَائعُ
    وَلاَ بُدَّ يوماً أن تُرَدَّ الـوَدَائعُ



وقول الآخر:




  • إنَّما نِعمةُ قـومٍ مُـتْـعةٌ
    وحَياةُ المَرءِ ثَوبٌ مُسْتَعار



  • وحَياةُ المَرءِ ثَوبٌ مُسْتَعار
    وحَياةُ المَرءِ ثَوبٌ مُسْتَعار



فهذه جملة من القول تُخبر عن صِيَغ التمثيل وتُخبر عن حال المعنى معه، فأما القولُ في العِلّة والسبب، لِمَ كان للتمثيل هذا التأثير؛ وبيانِ جهته ومأتاه، وما الذي أوجبه واقتضاه، فغيرها، وإذا بحثنا عن ذلك، وجدنا له أسباباً وعِلَلاً، كلٌّ منها يقتضي أن يَفخُمَ المعنى بالتمثيل، وينبُلَ ويَشرُفَ ويكمل، فأَوَّلُ ذلك وأظهره، أنّ أُنْس النفوس موقوفٌ على أن تُخرجها من خفيٍّ إلى جليٍّ، وتأتيها بصريح بعد مكنىٍّ، وأن تردَّها في الشيء تُعلِّمها إياه إلى شيء آخر هي بشأنه أعلم، وثقتُها به في المعرفة أحكم نحو أن تنقُلها عن العقل إلى الإحساس وعما يُعلَم بالفكر إلى ما يُعلم بالاضطرار والطبع، لأن العلم المستفادَ من طرق الحواسِّ أو المركوز فيها من جهة الطبع وعلى حدِّ الضرورة، يفضلُ المستفاد من جهة النَّظر والفكر في القوة والاستحكام، وبلوغ الثقة فيه غاية التمام، كما قالوا: ليس الخَبرُ كالمُعاينة، ولا الظنُّ كاليقين، فلهذا يحصل بها العِلم هذا الأُنْسُ أعني الأُنس من جهة الاستحكام والقوة، وضربٌ آخر من الأُنس، وهو ما يوجبه تقدُّمُ الإلْف، كما قيل:

/ 124