( الجزء الثالث عشر من ) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي و كتب ظاهر الرواية أتت ستا و بالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير و الكبير و السير الكبير و الصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط و يجمع ألست كتاب الكافي للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الامة السرخسي ( تنبيه ) قد بأشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم و الله المستعان و عليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم ( باب البيوع الفاسدة ) قال ( و إذا اشترى الرجل عدل زطى أو جراب هروى على أن فيه خمسين ثوبا بألف درهم فوجد فيه تسعة و أربعين ثوبا أو أحدا و خمسين ثوبا فالبيع فاسد ) لانه ان وجده أكثر فانما يدخل في البيع العددى المسمى من الثياب و ذلك خمسون و هو مجهول لانه وجب على المشترى رد هذه الزيادة و هذه الزيادة مجهولة فيصير الباقي مجهولا و في مثله لا يجوز البيع مع الجهالة ألا ترى أنه لو اشترى مما في العدل خمسين ثوبا لا يجوز لانها تتفاوت في المالية فالمشترى يطالب بخيار العدل و البائع يعطيه شرار العدل و كل جهالة تفضي إلى المنازعة فهي مفسدة للعقد فان وجده أقل يفسد العقد لجهالة الثمن لان المسمى من الثمن بمقابلة خمسين ثوبا فيقسم ذلك على قيمة الموجود و المعدوم و لا يدري صفة المعدوم أنه كيف كان جيدا أو وسطا أو رديئا و باختلافه تختلف حصة الموجود فيفسد العقد في الموجود لجهالة الثمن فالبيع بالحصة لا ينعقد صحيحا ابتداء فان كان سمى لكل ثوب عشرة دراهم فوجده أحدا و خمسين ثوبا كان فاسدا أيضا لان العاقد يتناول خمسين ثوبا فعليه رد الثوب الزائد و هو مجهول و بجهالته يصير المبيع مجهولا أيضا و ان وجده تسعة و أربعين ثوبا و قد قبض أو لم يقبض كان البيع جائزا لان الموجود معلوم و المسمى بمقابلة الموجود من الثمن معلوم فيجوز البيع و يتخير المشترى لتفرق الصفقة عليه بنقصان ثوب مما سمى و له في عدد الخمسين مقصود لا يحصل ذلك بما دونه فيتخير ان شاء أخذ كل ثوب بما سمى و ان شاء ترك و أكثر مشائخنا رحمهم يقولون بان هذا الجواب قولهما اما عند أبى حنيفة العقد فاسد كله لانه فسد بعضه بفساد قوى اذ لا سبب لبطلان البيع أقوى من عدم المعقود عليه و استدلو عليه بما ذكر في الزيادات و لو اشترى ثوبين على أنهما هرويان كل واحد منهما بثمن مسمى فوجد أحدهما مرويا فالعقد كله فاسد في قول أبى حنيفة رحمه الله فإذا كان في الموضع الذي كان أحد الثوبين بخلاف جنس ما سمى
يفسد العقد كله ففى الموضع الذي لم يجد أحد ما سمى أصلا أولى أن يفسد العقد كله و هما في المعنى سواء لان بطلان العقد عند اختلاف الجنس لانه عدم الجنس الذي سمى و قد تعلق العقد به كذا هنا ( قال ) رضي الله عنه و الاصح عندي أن هذا قولهم جميعا لان أبا حنيفة رحمه الله في نظائره هذه المسألة انما يفسد العقد في الكل لوجود العلة المفسدة و هو أنه جعل قبول العقد فيما يفسد فيه العقد شرطا لقبوله في الآخر و هذا لايوجد هنا فانه ما شرط قبول العقد في المعدوم و لا قصد إيراد العقد على المعدم و انما قصد إيراده على الموجود فقط و لكنه غلط في العدد بخلاف مسألة الزيادات فان هناك جعل قبول العقد في كل واحد من الثوبين شرطا في قبوله في الآخر و هو شرط فاسد و هكذا الجواب في كل عددي يتفاوت نحو ما إذا اشترى قطيعا من الغنم على أنها خمسون فوجده أزيد فالجواب علي التقسيم الذي ذكرنا و في المكيلات إذا اشترى صبرة من حنطة علي أنها خمسون فانه يجوز العقد سواء سمى ثمن كل واحد من القفزان أو لم يسم لان القفزان مما لا تتفاوت في نفسها فكانت حصة كل قفيز من الثمن معلومة و كذلك الوزينات و كذلك في العدديات المتقاربة نحو ما إذا اشترى عدل جوز على أنه خمسة الآف فإذا هى أنقص أو أزيد فانه يجوز العقد لما ذكرنا و إذا اشترى الرجل من الرجل عبدين صفقة واحدة بألف درهم فإذا أحدهما حر فالبيع فاسد فيهما فكذا إذا لم يسم لكل واحد منهما ثمنا فظاهر لان الحر لا يدخل في العقد لان دخول الشيء في العقد بصفة المالية و التقوم و ذلك لايوجد في الحر فلو جاز العقد في العبد انما يجوز بالحصة و البيع بالحصة لا ينعقد ابتداء على الصحة لمعنى الجهالة كما لو قال اشتريت منك هذا العبد بما يخصه من الالف إذا قسم على قيمته و قيمة هذا العبد الآخر لجهالة الثمن كذلك هنا فان كان سمى لكل واحد منهما ثمنا بان قال اشتريتهما بألف كل واحد منهما بخمسمائة فكذلك الجواب عند أبى حنيفة ( و قال ) أبو يوسف و محمد رحمهما الله العقد جائز في العبد بما سمى بمقابلته من الثمن و كذلك لو اشترى شاتين مسلوختين فإذا أحدهما ميتة أو ذبيحة مجوسي أو ذبيحة مسلم ترك التسمية عليها عمدا فان ذلك و الميتة سواء عندنا ( و الجواب ) على التفصيل الذي قلنا و كذلك إذا اشترى دنين من خل فإذا أحدهما خمر و هذا الجنس نظير ما سبق إذا أسلم كر حنطة في شعير وزيت فطريقهما أن الفساد يقتصر على ما وجدت فيه العلة المفسدة و عند تسمية الثمن لكل واحد منهما قد انعدمت العلة المفسدة فيما هو مال متقوم منهما
و هذا لان أحدهما ينفصل عن الآخر في البيع ابتداء و بفاء فوجود المفسد في أحدهما لا يؤثر في العقد على الآخر لان تأثيره في العقد على الآخر إما باعتبار التبعية وأحدهما ليس بتبع للآخر أو باعتبار أنهما كشيء واحد و ليس كذلك فكل واحد منهما ينفصل عن الآخر في العقد ألا ترى انه لو هلك أحدهما قبل القبض بقي العقد في الآخر و ذلك فيما إذا كان كل واحد منها عبدا و انما يشترط قبول العقد في أحدهما لقبول العقد في الاخر إذا صح الايجاب فيهما حتى لا يكون المشترى ملحقا الضرر بالبائع في قبول العقد في أحدهما دون الآخر و ذلك ينعدم إذا لم يصح الايجاب في أحدهما و صار هذا كما لو اشترى عبدا أو مكاتبا أو مدبرا فالبيع يفسد في المدبر و يبقى العقد على العبد صحيحا كذلك هنا و أبو حنيفة يقول البائع لما جمع بينهما في الايجاب فقد شرط في قبول العقد في كل واحد منهما قبول العقد في الاخر بدليل أن المشترى لا يملك قبول العقد في أحدهما دون الآخر و اشتراط قبول العقد في الحر في بيع العبد شرط فاسد و البيع يبطل بالشرط الفاسد ( و قولهما ) أن هذا عند صحة الايجاب ( قلنا ) عند صحة الايجاب فيما يكون هذا شرطا صحيحا و نحن انما ندعى الشرط الفاسد و ذلك عند فساد الايجاب لان هذا الشرط باعتبار جمع البائع بينهما في كلامه لاعتبار وجود المحلية فيهما و قد ذكر الكرخي رجوع أبى يوسف في فصل من هذا الجنس إلى قول أبى حنيفة و هو مسألة الطوق و الجارية إذا باعهما بثمن مؤجل كما بينا في الصرف فاستدلوا برجوعه في تلك المسألة على رجوعه في جميع هذه المسائل لان الفرق بينهما لا يتضح فإذا اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر أو مكاتب أو اشتري جاريتين فإذا أحدهما أم ولد جاز البيع في الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم و عند زفر لا يجوز لان الايجاب في المدبر و المكاتب وأم الولد فاسد لما ثبت لهم من حق العتق و قد جعل ذلك شرطا لقبول العقد في الفرق بينهما فيفسد العقد كما في مسألة الحر وجه قولهما ان كل واحد منهما دخل في العقد لان دخول الآدمى في العقد باعتبار الرق و التقوم و ذلك موجود فيهما ثم استحق أحدهما نفسه فكان بمنزلة ما لو استحقه غيره بان باع عبدين فاستحق أحدهما فهناك البيع جائز في الآخر سواء سمى لكل واحد منهما ثمنا أو لم يسم يوضحه أن البيع في المدبر ليس بفاسد على الاطلاق بدليل جواز بيع المدبر من نفسه فانه إذا باع نفس المدبر من نفسه يجوز و بدليل أن القاضي إذا قضى بجواز بيع المدبر ينفذ قضاؤه و كذلك المكاتب فان بيعه من نفسه جائز و لو باعه
من غيره برضاه جاز في أصح الروايتين و الذي روى في النوادر عن أبى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله بخلاف هذا معتمد عليه و كذلك بيع أم الولد من نفسها جائز و لو قضي القاضي بجواز بيعها نفذ قضاؤه عند أبى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله و لم ينفذ عند محمد لان عنده إجماع التابعين رحمهما الله على فساد بيعها يرفع الخلاف الذي كان في عهد الصحابة رضوان الله عليهم فان هذه المسألة كان مختلفا فيها في الصدر الاول فكان عمر رضى الله عنه يقول بأن بيع أم الولد لا يجوز و علي رضى الله عنه كان يقول بانه يجوز ثم من بعدهم من السلف رحمهم الله اتفقوا علي أن بيع أم الولد لا يجوز و الحاصل أن الاجماع المتأخر هل يرفع الاختلاف المتقدم عند أبى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله لا يرفع و عند محمد يرفع و قضاء القاضي بخلاف الاجماع لا ينفذ و عندهما ليس لاجماع التابعين رحمهم الله من القوة ما يرفع الخلاف الذي كان بين الصحابة رضوان الله عليهم فكان هذا قضأ في فصل مجتهد فيه فإذا ثبت أن المحل قابل للبيع حتى نفذ قضأ القاضي فيه و قضاء القاضي لا ينفذ في محله عرفنا انه دخل في العقد ثم خرج فصار كما لو خرج بالهلاك قبل القبض فيبقى العقد صحيحا في الآخر حتى إذا كان قبضهما لزم البيع في القن بحصة من الثمن و كذلك ان كان عالما بذلك وقت البيع و ان لم يكن عالما به وقت البيع و لكن علم بذلك بعد القبض كان له أن يرد القن منهما لتفرق الصفقة قبل التمام فان خيار تفرق الصفقة بمنزلة خيار العيب فانما يثبت إذا لم يكن معلوما له و إذا نظر إلى ابل أو غنم أو إلى رقيق أو إلى عدل زطي أو جراب هروى فقال قد أخذت كل واحد من هذا بكذا و لم يسم جماعتها فالعقد فاسد عند أبى حنيفة في الكل و عندهما جائز في الكل و هذا لان الاصل عند أبى حنيفة أنه متى أضاف كلمة كل إلى ما لا يعلم منتهاه فانما يتناول أدناه و هو الواحد كما لو قال لفلان على كل درهم يلزمه درهم واحد . قال ( و إذا أجر داره كل شهر لزم العقد في شهر واحد ) عند أبى حنيفة فإذا اشترى صبرة من حنطة كل قفيز بدرهم عند أبى حنيفة يجوز العقد في قفيز واحد و عندهما يجوز في الكل و إذا كفل بنفقة إمرأة عن زوجها كل شهر فانما يلزمه ذلك في شهر واحد عند أبى حنيفة و عندهما هو كذلك فيما لا يكون منتهاه معلوما بالاشارة اليه فأما فيما يعلم جملته بالاشارة فالعقد يتناول الكل كما لو كان معلوم الجملة بالتسمية لان الاشارة أبلغ في التعريف من التسمية إذا عرفنا هذا فنقول هنا الجملة معلومة بالاشارة فيجوز العقد في الكل عندهما و لا جهالة في ثمن كل واحد
منهما و الجهالة التي في جملة الثمن لا تفضى إلى المنازعة فانها ترفع بعد المشار اليه و عند أبى حنيفة لما لم يكن العدد معلوما عند العقد فانما يتناول العقد واحدا من الجملة و بيع شاة من القطيع لا يجوز لانها متفاوتة و إذا كانت العبرة للاشارة فثمن جميع ما أشار اليه مجهول عند العقد و جهالة مقدار الثمن تمنع صحة العقد و ما هو شرط العقد إذا انعدم عند العقد يفسد العقد و لا يمكن اعتبار إيجابه في الثاني كشرط الشهود في النكاح و على هذا لو باع صبرة حنطة كل قفيز منها بدرهم و لم يسم عدد الجملة الا ان أبا حنيفة ( قال ) هناك العقد جائز في قفيز واحد فانه إذا اشتري قفيزا من الصبرة جاز بالاجماع فان القفزان لا تتفاوت بخلاف الغنم فان علم مبلغ الجملة بعد الافتراق لا ينقلب العقد جائزا لان المفسد قد تقرر بالافتراق عن المجس قبل ازالته و ان كان ذلك قبل أن يفترقا كان العقد استحسانا لان حالة المجلس جعلت كحالة العقد و لكن يتخير المشترى لتنكشف الحالة له الآن فان شاء أخذ الكل بجميع الثمن و ان شاء تركه لان مقدار ما يلزمه من الثمن انما يصير معلوما له الآن فيتخير لاجله و كذلك لو اشترى دارا كل ذراع بدرهم و لم يسم جملة الذرعان فهو علي هذا الخلاف فعند أبي حنيفة العقد يفسد في الكل لان قيمة الذرعان تتفاوت في مقدم الدار و مؤخرها فلا يمكن تصحيح العقد في ذراع منها و كذلك الثوب و الخشب و لو اشترى ذراعا من عشرة أذرع من هذه الدار عند أبى يوسف و محمد رحمهما الله يجوز العقد لان ما سمى عبارة عن عشر الدار بمنزلة قوله سهم من عشرة أسهم أو جزء من عشرة أجزاء و عند أبى حنيفة لا يجوز لان الذراع اسم لموضع معلوم يقع عليه الذراع و ذلك يتفاوت موضعه من الدار بخلاف السهم و الجزء و قد روى عن أبى يوسف رحمه الله أنه إذا اشترى ذراعا من هذه الدار بكذا يجوز العقد و ان لم يقل من كذا ذراعا ثم يذرع الدار فان كانت عشرة أذرع فله العشر بخلاف ما لو اشترى سهما من الدار و لم يقل من كذا سهما لان تلك الجهالة لا يمكن ازالتها فسهم من سهمين النصف و سهم من عشرة أسهم العشر و في الذراع يمكن ازالة الجهالة بأن يذرع جميع الدار فيصير الجزء المسمى في العقد معلوما به و إذا اشترى غنما أو بقرا أو عدل زطى كل اثنين منها بعشرة فهو باطل لان ثمن كل واحد معلوم فانه يضم إلى كل واحد آخر فيقسم العشر على قيمتهما و لا يعرف كيفية الضم أنه يضم الجيد إلى الجيد أو الرديئ إلى الرديئ أو إلى الوسط فيبقى ثمن كل واحد مجهولا و هذه الجهالة تفضى إلى المنازعة فانه إذا وجد بثوب عيبا بعد القبض