حاكمية الله أم حاكمية الناس - بینات من الهدی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بینات من الهدی - نسخه متنی

محمد الرصافی المقداد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






حاكمية الله أم حاكمية الناس





توطئة:






عندما بدأت أتعرف على الدين الإسلامي أحاول فهم تعالميه وتطبيق أوامره ونواهيه كان العامل الوراثي هو المحدد لخياراتي والمثبت لقناعتي فسلكت طريقي بين مورثات عديدة لم اقف على حقيقة انتمائها للدين إلا بعد أن إصطدمت بالواقع المعاش، وبحال الأمة كيف تردت إلى حضيض الأمم وأصبحت مطمع الطامعين. تساءلت يوم بدأت الشكوك تساورني والظنون تتقاذفني لتلقي بي على ساحل من الأسئلة التي تبحث عن قرائنها من الأجوبة الشافية. لماذا هذا الضياع والانحطاط الأخلاقي والعلمي؟ لماذا أصبحت أغلبية الأمة غثاء كغثاء السبل؟ ما هي الأسباب التي أدت بصاحبة اعظم دين واكمل شريعة إلى أن يصبح حالها كقطيع شارد في ليلة مظلمة مطيرة بلا راع وحام؟.






منذ بدأت اعي شيئا من السياسة كنت أرى العرب المنتسبين إلى الإسلام بالاسم وحتى الذين يطبقون منه بعض الأحكام، يتقافزون مع كل صيحة ويتبعون اثر كل ناعق يستهويهم كل بهرج وتفتنهم كل زينة مذبذبين في ولاءاتهم متحيرين في حركاتهم، أي طريق يسلكون والى أي ركن يلجئون بعد ما تنافرت روايات الحكومة وتباينت، كأنما أفرغت شريعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من سياسة الناس؟ وخلت من منصب القيادة حتى انثال المسلمون على الأدعياء وسلكوا طريق الغرباء لمجرد شعارات زائفة وكلمات براقة ومظاهر خادعة؟ هل هو بسبب عجز الدين وقصوره بحيث لا يفي في مجموع تشريعاته بحاجة الناس؟ أم أن المسلمين هم الذين أفضوا بتفريطهم إلى هذه النتيجة من التردي والانحطاط؟






وجاء الجواب بحكم اطلاعي على أهم الأحداث التي شكلت واجهة تاريخ الأمة ومحصل حالها، أن هذا الدين الخاتم ليس فيه ما يفيد العجز والقصور ولا يستشف من مجمل مفاهيمه غير الكمال والتمام فضلا عن شموليته وعالميته. فالمولى سبحانه وتعالى أفادنا في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وعن طريق نبيه قائد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم فضلا عن الناس بان الإسلام الذي هو بشارة الأنبياء ورسالاته السابقة هو الدين الأوحد والقيم على كل دين وجوهره، فيه خلاصة التوحيد وصفوة الأحكام وعظمة الحاكمية. تضافرت بيناته واستحكمت آياته فلم يجد أحد من أعدائه فيه مغمزة ولا ثلمة ولا نقيصة حتى يحكم الطعن، ولو كان غير ذلك لأبانوه أجهزوا عليه ولألقي على رف النسيان. غير أن الذي ألقاه فرق من أهله وأحزاب من المنتسبين إليه قال تعالى: " وما فرطنا في الكتاب من شيء"






وقال أيضا: " فيه تبيان كل شيء " وقال كذلك: "ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين".






تشير الآيات الثلاث إجمالا إلى أن القرآن جامع لكل ما يحتاجه الناس لدنياهم وأخرتهم وعلى ذلك يمكنهم القول بان التصريح إلهي يندرج ضمن الاعجاز الذي جاء في مضمون الكتاب. ولقائل أن يقول: طالما أن الكتاب فيه تبيان كل شيء وان المولى سبحانه وتعالى لم يفرط فيه من شيء فأين تكمن معالم الحكومة الإسلامية أو الإلهية؟ لكن قبل كل أن يتصل بحثنا ويفضي إلى مبتغاه لابد من الإشارة ولو بإيجاز إلى أن بيان الأحكام لا يكون إلا من نظير القران وعدله وهو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرة عليهم السلام من بعده حفظة وقائمين عليه.






لقد أشار الباري تعالى في محكم كتابه إلى حكومته وحدد معالمها فجاء قسم منها شاملا وعاما لمعناها ناسبا إليه مقاليد جعلها باعتباره خالق الكون والحياة ومنشئ كل النواميس والقوانين المثلى فقال: " إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون " يوسف 40 قال أيضا: " إلا له الحكم وهو أسرع الحاسبين " الأنعام 62. وقال أيضا: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون " المائدة 44. وقال أيضا: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الظالمون " المائدة 45 وقال أيضا: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الفاسقون " المائدة 47.






فيفهم من هذه الآيات وغيرها أن مسالة الحاكمية لله تعالى بصفته المشرع الأوحد، منه تبتدأ واليه تنتهي فلا يحق لمخلوق أن يدعي الحاكمية على الناس إلا إذا كان مستمدا ذلك من حاكمية المولى سبحانه وتعالى. ولئن انتهى دور الأنبياء والمرسلين عليهم السلام بمجرد وفاتهم بصفتهم حكاما مرشدين الى الحق، فقد بدأ بعدهم مباشرة دور الحاكمة الهادية التي لا تنفك بزوال النبي صلى الله عليه وسلم بل تتواصل في اطار آخر وهي الأمامة والتعبد إلى الله تعالى بحكومة والتقرب منه بواسطته التي جعلها بينه وبين الناس، يرجعونويحتكمون اليها، ويسلمون لها في أسمى معاني العبودية والقرب منه تعالى، لذلك عنون المولى تلك العلاقة واعتبرها دينا قيما.






وقسم ثان خاص ومعدد في معناه دالا على أن الحكم الذي هو لله تعالى بالأصالة موكول إلى أشخاص معينين اصطفاهم وزكاهم واختارهم دون غيرهم لعلمه بحقيقتهم الباطنة وإمكانياتهم التي يعجز المخلوق عن إدراكها لان المعرفةعند المخلوق في عمومها تقف عند بعض ظواهر المخلوقات.






في احدى تاملاتي وبينما انا جالس قريبا من البحر لاحت لمرآي سفينة تشق عبابه قد تملكها الماء وأحدقت بها الأمواج. بمجرد أن شاهدت موقعها ولاحظت محيطها ابتدرني سؤال الح علي في الإجابة يقول: " هل يمكن لسفينة أن تسير بلا ربان وهي تحمل في بطنها نفائس المتاع وطبقات الناس؟.






وطبيعي لا يتأخر الجواب لان العقل والمنطق يقولان عكس ذلك اذ يستحيل على أي سفينة أن تكون بلا ربان يقودها ويحركها وسط ذلك العباب الزاخر من مرفأ إلى آخر سالكا بها طريق الأمان. والسفينة بلا ربان كالأعمى بلا دليل، تتلاطمها الأمواج وتحملها إلى حيث تتكسر وتغرق.






وفي يوم آخر، بينما أنا استعد لمغادرة منطقة جبلية، استرعى انتباهي تناثر عدد من بيوت النحل البيضاء تحت الأشجار، وإذا بطنين نحلها يملا الفضاء، كلما اقتربت منها. هناك أيضا ألح علي سؤال يقول: " هل يمكن لهذه الأمم من النحل أن تعيش أو تنتج عسلا من دون تلك التركيبة التي أودعها المولى سبحانه وتعالى فيها؟ ويأتي الجواب بلا تردد وانتظار لا يمكن ذلك لأنها مجتمعات عجيبة التركيب منظمة بشكل يأخذ اللب ويحير العقل. يعيش النحل على شكل تجمعات دقيقة التنظيم يتمحور أفرادها حول (إمامة) الملكة التي من دونها لا يمكن لأسراب النحل العامل أن تجتمع لتكون وحدة واحدة متماسكة بحيث لا يمكن لاي نحلة من خارج تلك الوحدة أن تكون ضمنها مهما حاولت، وان تناقص عدد تلك الخلية.






وصادفني في كثير من الأحيان أن شاهدت في السماء سربا أو أسرابا من الطير أو البجع يتقدمها دائما قائد يتحكم في بقية السرب ويحدد وجهته... ولو أنني غصت في أعماق البحار لما وجدت حيوان البحر مختلفا عن الحيوان البر في شيء من تركيبته الاجتماعية كذلك الجمادات فإذ الذرة لها قطب يشكل نواتها ومحور تفاعلاتها وأيضا فان الأرض والمجموعة الشمسية حول الشمس وكذا بقية المجرات بشكل دقيق يكشف عن مدى اهمية القطب لتوازن الحياة وانتظامها.






والمتأمل في نفسه وما حواه جسمه واشتملت عليه جوارحه يدرك القيمة الحقيقية للامامة والقيادة ولا يرى عنها محيصا. وكما ان الخالق تعالى قد بث الامامة في الحيوان وجعلها أساس انتظامه وجامعة كيانه،






وبثها في الجمادات من ابسط الذرات إلى اعظم المجرات، فان هذا الإنسان الذي أودع فيه العقل مستودع الإحساس والعلوم حري بها (الإمامة) وهي من مستلزمات بقائه، وجودها من تمام نظام الملة وانعدامها فوضى واضطراب وبذلك يقر كل عاقل، ومن شذ عن هذه القاعدة لا يعتد بقوله كما فعل الخوارج في بدا نشأتهم ثم عادوا إلى الإقرار بضرورة الإمامة لما اصطدموا بخطورة فكرتهم واستحالتها في الواقع.






وفي إحدى قراءاتي استوقفتني رواية استدلالية عجيبة لاحد أساطين العلماء هشام ابن الحكم تلميذ الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.






تتضمن الرواية حوارا جرى بين عالمنا المذكور وهو شاب وشيخ المعتزلة عمرو بن عبيد البصري نختصر منها حواره حيث قال: " ايها العالم اني رجل غريب اتاذن لي مسالة" فقال: " نعم " فقال: "آلك عين؟ " قال: " نعم" قال: " فما تصنع بها؟ " قال: " أرى بها الألوان والأشخاص " قال: " فلك انف؟ " قال: " نعم " قال: " فما تصنع به؟ " فقال: " أشم به الرائحة " قال: " آلك فم؟ " فقال: " نعم " قال: " فما تصنع به؟ " قال" أذوق به الطعام " قال: " الك اذن؟ " فقال: " نعم " قال: " فما تصنع بها؟ " قال: " أسمع بها " قال: " ألك قلب؟ " قال: " نعم " قال: " فما تصنع به؟ " قال: "اميز به كلما ورد على هذه الجوارح والحواس. قال: " أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ " فقال: " لا" فقال: " فكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ " فقال: " يا بني ان الجوارح اذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته إلى القلب فيستيقن ويبطل الشك " فقال هشام: " فانما اقام الله القلب لشك الجوارج (أي لضبطها)؟ قال: " نعم " قال: " لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟ " قال: " نعم " قال: " ياأبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم اماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك اماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟ ". قال هشام: " فسكت ولم يقل لي شيئا (الكافي ج1 و180).






الامامة هي القيادة في المنظومة الاسلامية، هي راس الامة وروحها التي تحركها وعينيها اللتين تبصر بهما وتميز، ومن دونها تفتقد الدليل الموصل إلى الهدف والمرشد الراعي للمصلحة العليا وقد يصطلح عليها البعض لفظ الخلافة والخليفة. الامام هو القائد الذي انبطت به عهدة هداية الامة وارشادها والسير بها وفق تعاليم الاسلام الحنيف.






اختلف القائلون بموجوب نصب الامام الى قولين أساسين:






القول الاول:






وقد اعتمده جانب من المسلمين وتتلخص رؤيته في أن الامام لطف واجب على الله تعالى لحفظ دينه وتطبيقه في الناس. يكون تعيينه بالنص منه تعالى ويكون على النبي (ص) أمر البلاغ والتنصيب.






القول الثاني:






وقد اعتمده جانب آخر من المسلمين، وتتلخص رؤيته في أن الخليفة قائد الامة يوكل أمر تعيينه للمسلمين ويرون أن السياق التاريخي للخلافة وما وقع في الحقيقة دليل على أن الشورى هي المبدأ الواقعي في اختيار الخليفة لأنه لا نص يرونه في اختيار الخليفة من قبل الباري تعالى.






وباعتبار أن هاتين المدرستين تشكلان الغالبية العظمى من المسلمين فان استعراض أدلة كل منها في مسعى لمعرفة القول الأصح والنظرية المثلى التي تتطابق مع ما جاء من أحكام لأجل استنهاض الأمة وتحريكها من الجمود وحالة التيه واللامبالاة التي تهيمن على أفرادها.






وباعتبار عظم خطر الإمامة وجسامة دورها وثقل مسؤوليتها وفداحة فقدها في الأمة، كان لابد من المقارنة بين الرأيين لترجيع الأولى مساهمة في بيان تجربتي ودراساتي التي وضعتني على أعتاب البيوت التي ذكرها الباري تعالى في كتابه العزيز فقال: " يا أيها الذين آمنوا لا تأتوا البيوت من ظهورها وآتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفعلون ".






عندما نتأمل أراء القائلين بمبدأ الشورى في اختيار الإمام بعد الرسول الأعظم (ص) نرى أنها مشوشة ومضطربة ولا تكاد تقف على أساس سليم. فلا النصوص التي شحذوا اسنتها لتكون ابلغ في اصابة الهدف. وفت بما املوه منها ولا النتائج التي حصلت من جراء تطبيق ذلك المبدا افرزت نظرية يمكن الاستئناس بها والاعتماد عليها فقد طغى على جميعها تضارب وتناقض فيما بين النصوص والتطبيقات ولقائل ان يقول: هل كانت الشورى طريقا الى اختيار الامام؟ واذا كانت كذلك لماذا لم نجد بين ايدينا نصوصا تحدد كيفيها؟ هل هي مبدا عام يشمل كل المسلمين؟ ام هو خاص بخاصتهم ووجهائهم؟ وماهي خصائص الامام حتى يكون مؤهلا لاختيار الناس؟ ام ترى ان القوة هي ديدن المتسلقين كرسي الامامة؟ ومع ما أهمله المؤرخون من أحداث وحقائق تبعا لانتمائهم الفكري والعقائدي وتحت تاثير السلط الحاكمة في رقابهم زمن حياتهم فانه قد مر إلينا من النصوص ما يقيم الدليل على أحقية الفكرة دون الأخرى وعلى صحة هذا الرأي دون الآخر كل ماهو مطلوب منا شيء واحد فقط أن ننزع عن أنفسنا غائلة التعصب الاعمى الذي ظل مكبلا لعقولنا وقلوبنا مستحكما طوقه على آبائنا قرون عديدة، أنا واحد من الذين هداهم الباري تعالى إلى إماطة هذا الداء العضال عن قلبي وعقلي فابصرت كثيرا من الحقائق التي كنت من قبل أمر عليها مرور الكرام دون التفات إلى جواهرها السنية ومعانيها التي لا تحتاج إلا إلى وقفة تامل.






أول الحقائق التي لا تخفى عن عين البصير هي أن ما جاءنا من تراث تحمله بطون كتب التاريخ واليسر والحديث قد اختلط فيه الغث بالسمين والسليم بالسقيم والصحيح بالمفترى وهذا ليس استنتاجا حاصلا لدي فقط وانما هو قرار من السواد الاعظم من الحفاظ واصحاب الدراية بعلم أحوال الرجال (الجرح والتعديل) فقد طفحت كتب روايات الحديث والسير والتاريخ بعدد من المرويات التي لا علاقة لها بالرسول (ص) اخضعها المتزلقون للسلاطين واخترعها المتنكبون عن الدين، وقد بلغ بهؤلاء الأمر لتمرير بدعهم واهوائهم إلى اختلاق شخصيات وهمية لا وجود لها والبسوها جلباب الصحبة وجعلوهم جميعا عدول الامة وثقات العصر النبوي.






استند القائلون بحرية اختيار الخليفة أو القائد على نقطتين الأولى: الآيتين القرآنيتين " وشاورهم في الامر " و" أمرهم شورى بينهم ".






والثانية: أن الصحابة اختاروا أبا بكر خليفة بعد مشورة. وباعتبار أن فهمهم لمبدا الاختيار كان جماعيا فان عملهم حجة مطابقة لما جاءت به.






اما بخصوص الآيتين:






فليس هناك ما يدل على ان الرسول (ص) اخذ بمشورة احد من الصحابة لان الاية الأولى اشارت الى العزم راجع الى النبي (ص) كلما في الامر انه كان يحاول ان يربيهم على مبدا متعلق ببعض المصالح دون الحاكمة. اما الاية الثانية فتحدثت عن الامر العائد الى المسلمين وهو في ظاهره غير متعلق باي امر من امور التشريع لانه من اختصاص الباري تعالى. اما ما روي من ان النبي (ص) اخطا في التقدير ثم اخذ بتصويبه عدد من الصحابة كالحباب بن المنذر في نزول بدر وعمر بن الخطاب في الامرى مضافا اليها رواية تأبير النخل، فهي روايات لا تقوم مع الحقيقة القرانية التي وضعت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مقام العصمة المطلقة والتنزيه التام عن ترهات وموبقات ونقائص لو كانت موجودة فيه لما وصلنا من الدين شيئ. وبصرف النظر عن اسانيدها الواهية فقد تصدى لتلك المقتريات على الرسول (ص) عدد من العلماء كشفوا فيه زيف تلك الدعاوي وبطلان تلك المفتريات.






اما ثانيا فان عددا لايستهان به من الصحابة لم يكون حاضرا في السقيفة حتى تتحقق فكرة الشورى، وفيهم من امتنع عن البيعة زمنا. أما المكان الذي وقعت فيه ما سمي بالشورى وهو سقيفة بني ساعدة فانه في حقيقته محل شبهة يدعو الى التساؤل لماذا حصلت عملية الاختيار تلك في مكان لم يعهد فيه رسول الله (ص) ولا ربى جيل الصحابة على ارتياده. وقد كان دابه جمع الناس واقامة العقود وابرام العهود في المسجد الذي اسس على التقوى، والمتامل لتلك الحادثة يتساءل ايهما اولى، تجهيز ووداع رسول الله (ص) ام تجاهله حتى دفن ليلا؟ وهل كانت الامامة تستحق كل ذلك الاهتمام وسرعة التنصيب من قبل الناس ولا تستحق ذلك من قبل المولى سبحانه وتعالى ورسوله (ص) والدين آخر الأديان وخاتمها؟






إذا لم يجد القائلون بالشورى في اختيار ولي أمور المسلمين غير الانصياع إلى الواقع القائم وإقرار ما وقع من اختيار رغم انه لا يمت الى الشورى بصلة وهوالى المنازعة والاغتصاب اقرب منه الطواعية والرضا. وعمر المؤسس لذلك الاختيار وقف في خلافته قائل: ان بيعة أبى بكر فلتة وتقى الله المسلمين شرها فمن عاد الى مثلها فاقتلوه. وحكم بالتالي على بطلان اختياره. أننا كلما تأملنا في روايات القائلين بمبدأ الشورى في اختيار الخليفة كلما انكشفت لدينا ملامح التحريف وعلامات الدس بتضارب الروايات وتنافرها لحد التناقض والافتضاح. اخرج الشيخان: عن ابن عمر في حديث أنه جاء أباه فقال له " إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف وأنه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم جاءك وتركها رايت أنه ضيع، فرعاية الناس أشد. قال: فوافقه قولي فوضع راسه ساعة ثم رفع الي فقال ان الله عز وجل يحفظ دينه واني لئن لا استخلف فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وان استخلف فان ابا بكر قد استخلف. قال فوالله ماهو الا ذكر رسول الله وابا بكر فعلمت انه لم يكن ليعدل برسول الله احدا وانه غير مستخلف. مسلم ج6ص5.






إن المتامل لهذه الرواية يلاحظ حرص عبد الله بن عمر على الامة لما علم ان اباه غير مستخلف فاراد تذكره بخطورة عدم الاستخلاف عندما ضرب له مثلا الراعي للابل والغنم بل لعل حرص ابن عمر أقوى واكثر من الله ورسوله لتفريطها امر الامة الاسلامية مقابل تفطنه هو سعيه للتضحية وتدارك الامر فهل خفيت الامامة على الله ورسوله حتى تتجلى اهميتها لابن عمر ولعل اغرب ما اتت به الرواية هو قول عمر نفسه واني لئن لا استخلف فان رسول الله صلى الله لم يستخلف وان استخلف فان ابا بكر قد استخلف.






فهل أن رسول الله لم يستخلف حقا؟ وان ابا بكر احرص منه على الامة؟






النصوص التي بين أيدينا والروايات بالخصوص نقول غير ذلك ولعل أولها دأبه كلما خرج من المدينة الاستخلاف فكيف يكون احرص على الاستخلاف في حياته عليه حين وفاته مع علمه بانه اخر المرسلين وان النصح للامة يفتضي ان يختار لها الاصلح، وقد فعل فحدبت المنزلة وحديث الولاية وحديث الثقلين وحديث الخلفاء الاثني عشروحديث الغدير وغيرها دالة في مضامينها على الاستخلاف.






وهل ان استخلاف ابي بكر حجة حتى يوضع مقابل دعوى عدم استخلاف رسول الله (ص).






هل يعتبره هؤلاء شريكا مع الرسول (ص) فيكون الاخذ بقول ابي بكر والترك لقول رسول الله (ص) مبرئ للذمة؟






ثم من أين علم ابن عمر ان اباه غير مستخلف حتى يرجع كفة عدم استخلاف؟ كلما قاله عمر هو انه مخير بين امرين. وهل ان عمر لم يستخلف فعلا؟ الحقيقة غير ذلك فعمر اصطدم بحقيقة مرة بالنسبة اليه وهي ان صاحبية الذين اسسا للسقيفة واراد استخلافهما وهما ابو عبيدة عامر بن الجراح حفار القبور وسالم مولىىابي حذيفة قد ماتا، لذلك قال " لو كان ابو عبيدة حي لاستخلفته " ولو كان سالم مولى ابي حذيفة حي لاستخلفته ".






وعوضا من أن يسخلف واحدا اخر ممن قد يحسم مادة الفتن والخلاف استخلف ستة في عملية نسبها القائلون بمبدا حرية اختيار الناس للامامة الى الشورى وأي شورى تلك وهي التي اذكت الاحقاد وأوغلت الصدور وكثرت من الحارصين على الحكومة. فقامت بينهم الحروب وسفكت دماء المسلمين في مواجهة بعضهم حرصا وطمعا في الحكم.






ولئن أفضينا إلى القول بان الحاكمية هي من اختصاص المولى سبحانه وتعالى عائدة اليه في كل متعلقاتها. وجب علينا ان نستأنس بعدد من روايات الرسول الاعظم (ص) تناولت مسألة الامامة العامة لتكون متظافرة مع آيات الكتاب العزيز وكيف لا تكون كذلك وهي الشارحة لمعانيه والمفصلة لأحكامه قال رسول الله (ص)". سيكون عليكم اثنا عشر خليفة (إماما) من بعدي".






اجمع الحفاظ كلهم على صحة الحديث واخرجوه في كتبهم كلهم دون استثناء، أخص بالذكر منهم ما يسمى بأصحاب (الصحاح) الستة، والحديث جاء مفصلا وشارحا لآية: "ييا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم". ومحددا أن أولي الأمر المقصودين هم الثني عشر اماما المشار اليهم في الحديث. وبقطع النظر عن تسمية الامام بالخليفة أو توسيع نسبة الائمة عليهم السلام في قريش فان ما يهمنا في الحديث عددهم وما يعنيه من أبعاد غيبية فنقباء بني اسرائيل مثلا اثنا عشر والأعين التي انبجست لموسى عليه السلام 12 عينا وعدة الشهور 12 شهرا وعدة بروج السماء 12 برجا، الى غير ذلك من التوافقات والتطابقات التي لا تصدر الا عن حكيم عليم.






وعدد الائمة هذا لم يجد له اخوتنا من الاشاعرة (أهل السنة والجماعة) حلا، بحيث لم يرسوا فيه على ساحل ولعل أقواهم فيه الحافظ جلال الدين السيوطي الذي وصفه أحد العلماء بأنه في هذا الخصوص كحاطب ليل حيث خلط الحابل بالنابل والبر بالفاجر ووصل تعداده إلى عشرة وقال بعد ذلك أما الآخران الباقيان فأحدهما المهدي المنتظر.






وقال رسول الله (ص): " كانت بنوا اسرائيل تسوسهم الانبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وانه لا بني بعدي وستكونوا خلفاء فتكثروا. قالوا: يا رسول الله فما تامرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول". أخرجه الشيخان






في هذا الحديث دلالة على أن هناك ترتيب في الائمة لا بد من مراعاته واعطائه حقه فقوله (ص): فوا ببيعة الأول فالأول اشارة واضحة الى ذلك الترتيب ويؤيده حديث عدد الأئمة.






قال رسول الله (ص): " من كنت مولاه فعلي مولاه "






وقال كذلك مخاطبا عليا عليه السلام: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي. أخرجاهما كل الحفاظ بدون استثناء.






ومنزلة هارون من موسى أشهر من نار على علم في كتاب الله حيث يقول تعالى: " واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي اشدد به ازري واشركه في امري".






ويقول ايضا: " اذ قال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين"






واذا نحن استثينا النبوة عن علي عليه السلام فان بقية المنازل هي بحسب المنظور القراني الاخوة الوزارة الاشراك في الامر والخليفة في القوم وليس الاهل كما يحاول البعض من عميت قلوبهم.






ان الاصطفاء سنة الهية متعلقة بأصل الوجود وخيار رباني لا مفر منه وتغيير يطرأعليه منذ آدم الى يوم الدين، يكفيك أن تراجع القرآن الكريم لتقف على تلك الحقيقة الربانية.






قال تعالى: "ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض".






حتى الملائكة لايخلوا منهم مبدأ الاصطفاء. قال تعالى: "الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس".






وقال بخصوص آل ابراهيم " فلقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " النساء 54 ولئن آتي المولى تعالى آل ابراهيم ما آتاهم في هذه الآية فان آل محمد (ص) أفضل من آل ابراهيم وأولى بالمراتب الالهية والخصائص الربانية.






وقال بخصوص الرسول يحي عليه السلام: " يا يحي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ".






وقال بخصوص الرسول الأعظم (ص): " وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين.






ثم توجه بالنداء والأمر الى الأمة فقال تعالى: "يأأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوالرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تاويلا". النساء 59






الخطاب في مستهل الآية متجه الى المسلمين حيث طلب منهم المولى سبحانه وتعالى طاعته وطاعة رسوله وطاعة اولى امره. غير ان الاية لم تفصل طاعة اولي الامر عن طاعة الرسول (ص) وجعلتها راجعة اليه بالاصالة لان دورهم يتلخص في الهداية والقيام على الشريعة حفظا وتطبيقا فهم الناطقون عن كتاب الله وهم المبينون لعلوم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ص) والمستودعون لكل ما يتعلق بالاحكام والمستحفظون على كل ذلك.






وحتى نرفع اللبس عن أولئك الذين يعتقدون خطأ ان الاية عامة وليس فيها تخصيص وان التنازع ممكن مع اولي الامر بدليل الاية نقول لقد جاءت الاية مخاطبة للمؤمنين آمرة اياهم بطاعة الله تعالى وطاعة الرسول وأولي الأمر ثم عادت لتوجه الخطاب إلى المؤمنين بحصر التنازع بينهم لان الاية صريحة المعنى بوجوب طاعة سلسلة الولاية ومخالفة ذلك انحراف ومعصية كبيرة والرد المقصود في الاية يقع الالتجاء اليه عبر اداته وهي الرسول (ص) أو من يقوم مقامه من الائمة عليهم السلام.






ثم تاتي الاية التي في سورة النساء والتي يقول " واذا جاءهم امر من الأمن أو الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فكيف يمكن اذا أن تنازع معهم اذا كان امر الرد اليهم؟.






والآيتان تشيران الى خاصية في اولي الامر غير موجودة في غيرهم لحاجة الدور الى ملإ الفراغ الذي سيتركه الرسول الاعظم (ص) وهي العصمة ومن هنا نفهم ان المولى سبحانه وتعالى لم يامر بالطاعة التي تترتب عنها معصية لاستحالة اجتماع الضدين او النقيضين في احكامه بل امرنا بالطاعة التي تنتج طاعة ورضى، وعليه لابد ان يكون اولو الامر المشار اليهم في الايتين معصومون.






أما متعلق الاية فيتحدث عن امكانيات اولي الامر التي هي مساوية لامكانات رسول الله (ص) في كل ما يتعلق بالسلم والحرب (الامن والخوف) وقد اختزلت الاية حاجات الناس ومطالبهم في كلمتين.






وهنا لا بد من طرح سؤال يتمحور حول البحث وفي سياق الحديث وهو ما معنى العصمة؟ وهل يجب ان يكون الواسطة بين الخالق تعالى ومخلوقاته من بني البشر معصوما؟






ساء فهم كثير من المسلمين للعصمة لسببين:






الاول: عدم القدرة على استيعاب المعنى الحقيقي لها.






ثانيا: سعي الظلمة والمناوئين للائمة الشرعيين الى طمس تلك الخاصية وحتى يتساوى الناس في طلب الامامة.






الثالث: الاعتقاد الخاطئ بان العصمة محصورة في النبي (ص) عند التبليغ عن الخالق تعالى وما عداها من أقول وأفعال صادرة عنه (ص) غير مشتملة عليها. الا اننا عندما نحاول ان نقترب من هذا المفهوم لنستجلي المعنى المراد للكلمة نجد ان الدور واعني به النبي أو الامام عليهما السلام يستوجب ملكة تمنع القائم من الوقوع في ما يترتب عنه العيب والتقصير.






لنأخذ مثلا على ذلك: المؤمن وهو في طريقه المعرفي يحاول ان يتطور كل يوم باتجاه ادراك الحقائق الكلية واستيعاب المقاصد الشرعية ويسعى الى تفادي الكبائر فضلا عن الصغائر وقد يصل في يوم أو في عدد من الايام إلى ان تصافحه الملائكة لانه قد عصم نفسه من الوقوع في أ خطاء ما. وهو بذلك قد وصل الى تحقيق ما هو مطلوب منه لمزيد القرب من الله تعالى.






اذا تمكننا أن نعرف العصمة بانها استعدادات روحية وعقلية انطبعت عليها أوامر الخالق تعالى ونواهيه بحيث صارت الدافع والمحرك نحو فعل الخير والامتناع عن الشر وشكلت دائما وابدا حضورا ذهنيا وقلبيا ووعيا بقيمة الفعل واثره وقد دلل امير المؤمنين عليه السلام على ذلك بقوله". ما رايت شيئا الا ورايت الله قبله ومعه وبعده ".






يمكن الاستدلال على العصمة من وجهتين شرعية وعقلية.






أما الشرعية:






فآية التطهير: قال تعالى". انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".






وقد اجمعت الروايات على أن المراد من أهل البيت أصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام.






ولم تدع واحدة من أزواج النبي (ص) دخولها في معنى الاية. بل أم سلمة وعائشة روتا خصوصها بالخمسة ولم تثبت لاحداهما عصمة كما ثبتت لاهل البيت عليهم السلام فعائشة مثلا خالفت القرآن: عندما امرها بان تقر في بيتها وخرجت محاربة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام فقتل بسببها آلاف المسلمين.






ان المدقق في الآية والمتدبر لها يدرك أن اذهاب الرجس وهو كل عمل شيطاني مع تأكيده تعالى على شدة تطهير أصحاب الكساء دليل على عصمتهم.






حديث الثقلين: قال رسول الله (ص): "اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض".






أخرج الحديث كل من مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد بن حنبل وغيرهم مما لا يسع المجال لعدهم.






وفي حديث دلالة واضحة على عصمة الائمة من اهل البيت عليهم السلام لاقترانهم بالقران واعتبارهم ثقلا له فهو لا يأتيه الباطل وهم كذلك، باعتبارهما عاصمين من الضلال لكل من تمسك بهما.






قال رسول الله (ص): " الحسن والحسين امامان قاما او قعدا". متفق عليه.






في هذا الحديث بيان لاسمين من اسماء الامة الاثني عشر ودليل على ان منصب الحكومة بعد النبي (ص) لا يمكن ان يترك شاغرا لخلو الحكمة من ذلك الترك المزعوم. أما قوله (ص) امامان قاما او قعدا ففيه اشارة بليغة الى معنى الطف الإلهي في تحديد واختيار واصطفاء الاشخاص لمنصب الامامة. فالمولى تعالى يحدد لطفه وعلى الناس ان يستجيبوا ويمتثلوا. وان لم يفعلوا فقد ظلموا انفسهم واضروا دنياهم واخرتهم.. ويبقى الامام اماما تسلم مقاليد الامامة الظاهرة. ام لم يتسلم لا يمنعه شيئ من امامته الظاهرة والباطنة المتمثلة في الاستحفاظ والبيان للناس والعلاقة بالخالق تعالى.






لم تكن معالم الحكومة الاسلامية ولا تركيبتها غائبة عن المولى سبحانه وتعالى وعن رسوله الاعظم (ص) حتى تكون حاضرة عند الشيطان واوليائه. وكما اشرنا فان الوحي اولاها اهمية كبرى وخصص لها حيزا في منضومته التشريعية، لانه لا معنى لقانون بدون حكومة، ونسبة النقص والتقصير الى الله تعالى في هذا الاطار مساس بجوهر التوحيد وطعن في جنب الله تعالى لا يمكن لموحد عاقل ان يقبله وانما السياسة وما اقتضته في اول فجر الاسلام من صرف للامامةعن اصحابها الى غيرهم بعدد من الدعاوي التي لا اساس لها سرعان ما نقضوها وهدوا دعائمها. فالسقيفة نظر لها بانها صفوة الشورى رغم ان صاحبها قال انها فلتة والخليفة الاول نص على الثاني كتابة. والثاني وضع اساس الملك الاموي. ولو كان صاحباه في السقيفة احياء واعني بهما (ابو عبيد بن الجراح حفار القبور وسالم مولى ابي حذيفة) لما عدل بهما أحدا. ثم حدد الشورى المزعومة في ستة زادت في عدد الطامعين لمنصب الامامة.






لقد تسالم الناس منذ غادر الازمنة على الانضواء تحت تركيبة حكومية معينة تراوحت بين الحكم القبلي او العشائري الى الحكم الملكي الى النظم الديمقراطية المعمول بها اليوم. وكانت حاجتهم الى من ينظم امرهم هي التي دفعتهم الى الدخول تحت كل غطاء متاح طوعا او كرها ولئن تعددت المسميات في الحاكمية الا ان الطابع الاستبدادي هو الذي كان طاغيا على عمومها. والمتامل في سياقها لا يجد في رحلة الانسانية منذ بداية الخلقة محطة عدل وقسط سوى امدادات الخالق تعالى في انقاذ البشرية وتقويم انحرافها. لقد اشار الكتاب العزيز الى حالتين ناشئتين في الامة الاسلامية وهي في خطوات نموها الاولى وفي الامم السابقة من باب التنبيه والتحذير. فقال: " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فان يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين".






وقال ايضا: " وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم".






فالانقلاب كما اثارت الاية الكريمة حصل في غزوة احد عندما فر جل الصحابة ان لم نقل كلهم عدا الامام علي عليه السلام وعدد من بني هاشم. وفي الاية ايحاء بتكرار حدوث الانقلاب في قوله افان مات، بعد موته (ص) وقد حصل فعلا. ليس في ما روج له من حروب الردة لأن تلك لحروب في معظمها كانت اخضاعا بالقوة لعدد من القبائل التي رفضت الانصياع الى الحكومة التي قدمها حزب النفاق الاموي لتكون الممهد لسلطانهم الذي انتزعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم، ويريدون استرجاعه بالمكر والخديعة.






والاختلاف حصل ايضا بفعل بغي البعض على البعض الاخر فالسقيفة وما اعقبته من حروب وويلات محصلة ذلك البغي ويؤكد ذلك قول رسول الله (ص): " لتحذون حذو من خلوا من قبلكم حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل حتى اذا دخلوا جحر ضب لدخلتموه".






وفي الحديث اشارة متناهية في الدقة الى ان امة الاسلام ستسلك مسلك الامم السابقة في الانحراف والاختلاف وتجاهل الاحكام وتعطيل الامامة وما حصل لهارون عندما تركه قومه بعدما نصبه موسى خليفة فيهم واتبعوا بدله السامري والعجل. حصل للامام علي عليه السلام






لم يترك المولى سبحانه وتعالى مسألةالقيادة في الأمة للناس يفعلون بها ما يرونه بل اانه قننها ضمن تشريعاته وجعل لها حيزا في منظومته، علما منه تعالى بجسامتها وخطورة خلوهافي زمن من الأزمنة ذلك اللطف الالهي المؤهل لملئالفراع الحاصل في مقام النبوة.






اذ لم تكن مسالة الحاكمية غائبة عن الاطار التشريعي بقدر ما كانت مهيمنة عليه وجاءت معالمها في ارق تركيبة عرفها التاس. فهي الاصل الذي لا يتبدل، وفي الاية التي في سورة المائدة والتي تقول: " انا نحن نزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء".






اثبات لراينا في الامامة، لقد افتضت حكمة الخالق تعالى في اختيار الحاكمين بامره بعد الانبياء والمرسلين على اعتماد مرحلتين:






الرحلة الاولى:






وهي مرحلة اتعيين الاختيار على الاسم والشخص، حيث كانت تقتضي بأن يكون القائد او الامام منصوصا عليه معينا على وجه التحديد شخصا بعينه مؤهلا لأداء الدور المناط به لأسباب أهمها.






-علمه تعالى بمكنونات مخلوقاته يقتضي أن يحسم بذلك التعيين حيرة الناس في اختيار الأولى والأقدر من بينهم وهو لطف منه لا يمكن أن يتأخر عنه.






-حداثة عهد الجيل الأول من امسلمين المعبر عنه بالصحابة، وعدم المامهم بالدين فضلا عن فهمه وتطبيقه. وحتى لا يتهمني أحد بالتجني على الصحابة والتطاول على مقامهم لا بد لي من أن أشير مختصرا على صحة دعواي بما أخرجه حفاظ هؤلاء من مرويات تحكي مستوى فهمهم البداية تكون من الكتاب العزيز.






قال تعالى: "واذا رأوا تجارةأو لهوا انفضوا البيها وتركوك قائما".






ولو لم يكن هناك غير هذه الآية المعبرة على المستوى الفكري والعقائدي للصحابة لكفى.






وقد كنا أشرنا الى آية الارتداد والتي تخص في أسباب نزولها الصحابة الفارين والذين تستر على معضمهم الحفاظ.






أما الأحاديث النبوية فاني أحيلك على أحاديث الحوض لتتأكد من تطابق مدلول الآيات على الأحاديث. وقد أخرجها كل الحفاظ بلا تحفظ. ومن أراد الاطلاع عليها فاليراجع.






المرحلة الثانية:






وهي مرحلة الاختيار على الصفاة والشروط (والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله..) (وأما من كان من فقهائنا حافظا لنفسه صائنا لدينه مخالفا لهواه متبعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه)






بمعنى أن المرحلة اقتضتها ضروف وعوامل عديدة لعل أهمها تفرط الناس وتقصيرهم ما ساهم بشكل مباشر في تحييد الامام وتغييبه عن دوره. دور العلماء يكون في زمن الغيبة منحصر في مرجعيتهم للناس وتصديهم لبيان الاحكام وارشادهم الى معالم دينهم.






لقد وقف الرسول الاعظم (ص) في اكثر من مرة واكثر من مناسبة ليشدد على قيمة الامامة وولاية الامر ويؤكد على اهميتها التي تفوق العبادة بتفاصيلها قائلا: "من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ". او ما روي عنه من قوله: "من مات وليس في عنقه بيعة فميتته جاهلية". وما روي عنه في نفس الإطار: " من خلع يدا من طاعة لقي الله تعالى يوم القيامة لا حجة له". ولئن لم نكن هنا بصدد الموازنة بين الروايتين لمعرفة أيهما أصح من الأخرى، فان المعنى الذي تحتويه يصب في اطار واحد وهو القيادة وعظم مكانتها ولازمها الذي هو البيعة تماما كحديث الثقلين الذي تقوى به رواية كتاب الله وسنتي المقطوعة السند لان السنة النبوية المطهرة لا تكون الا عند من اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.






لان القران كتاب والسنة كتاب كما قال رسول الله (ص): " لقد اوتيت القران ومثله معه ".






وهما رغم محاولة فصلهما عن بعضهما شيء واحد لا يتجزأ القران هو المجمل الجامع للاحكام والسنة المطهرة هي المفصل المبين لتفاصيل تلك الاحكام.






لقد تناول والقران الكريم مسالة الامامة من عدة زوايا واولاها أهمية قصوى بالنظر إلى حاجة الناس الماسة اليها فقسمها قسمين.






القسم الاول:






امامة الهداية: قال تعالى: " وجعلنا هم أئمة يهدون بأمرنا






القسم الثاني:






" امامة الغواية: قال تعالى وجعلنا منهم أئمة يدعون الى النار ".






ثم جاءت الاية الثالثة لتبين نتيجة وجدوى الامامتين بقوله تعالى: " يوم ندعو أناس بامامهم.






بمعنى ان الامام هو في الدنيا قائد ودليل وهاد وفي الاخرة أحد رموز الشهادة. والشهداء هنا هم الذين يشهدون يوم القيامة أمام الباري تعالى على أعمال أممهم. قال تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ".






فالأئمة عليهم السلام هم الأمة الوسط والأمة من منظور قرآني لا تخضع لعدد بقدر ما تخضع للقيمة الفكرية والعقائدية، كما هو حال ابراهيم عليه السلام: " ان ابراهيم كان أمة قانتا لله".






هناك أيضا عدد من الآيات التي ترمز إلى خط الولاية تتضمن معاني الاتباع والاقتداء والولاء






فقد جاء الخط بمعنى البيوت. قال تعالى: "في بيوت أذن الله أن ترفع يسبح له فيها بالغدو والآمال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع ولا خلال عن ذكر الله ".






والبيوت هنا هي بيوت الانبياء عليهم السلام والرجال هم عناصر الولاية.






قال تعالى: " وأوحينا إلى موسى وأخيه هارون أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة". وقال أيضا: " انما يريد الله ليذهب ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ".






وجاء خط الولاية بمعنى القرى قال تعالى: " وجعلنا بينهم وبين القرى قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير قل سيروا فيها أياما وليالي آمنين ".






القرى المعرفة في الاية هم الانبياء والقرى الظاهرة هم الائمة عليهم السلام والظهور هنا يدل على وضوح المقام والشخص. أما السير وتقدير السير فهو كناية لأعمال الناس وآجالهم كما اصطلح القران الكريم على خط الولاية بمعاني اخر كالعورة الوثقى وحبل الله وسماهم رجال الاعراف يوم القيامة قسماء الجنة والنار ونواب الباري تعالى في الدنيا وفي الآخرة يوم الحساب.






ان من مستلزمات بقاء الامة وجود قانون الهي متكامل تتفاعل معه بحيث يكون اساس كل حرية فيها. كما ان مسلتزمات استمرار التواصل والتفاعل بين القانون والامة وجود مرجع بحسم مادة الخلاف فيها ويسهرعلى تطبيقه بكل ابعاده وبمجموع هياكله. والذي عليه أغلب المجتمعات الاسلامية اليوم ان الدين وصل الى مرحلة الاكنسة بمعنى انه تحول من دين كامل جاء من ليحل مشاكل البشرية الى مجرد طقوس عبادية محصورة بين الخالق والمخلوق في زاوية المسجد أو المعتكف.






القيادة هي ركيزة النظام الذي اراده الخالق تعالى والقائد الرباني من منظور آخر هو الشخص الذي اطلع المولى سبحانه وتعالى على سريرته فوجدها قابلة لانطباع ارادته فيه فزكاه واصطفاه وجعل منه القدوة والهادي وليست هذه النظرية مخصوصة بالبشر فقط بل الكون كله مستودع للقيادة ولولاها لما صح نظام.






والقانون الذي لا يراعي مسألة القيادة والمرجعية في تركيبته هو قانون منقوص بلا راس لا يمكنه الاستمرار في الحياة والعطاء والتطبيق شأنه شأن الجسد الذي فصل منه راسه فهو ميت في طريقه للتحلل والاندثار.






كل عاقل يرى ان كل دستور ليس فيه حاكمية لا يمكنه ان يقوم بنفسه وان قام بغيره فهو هجين. وجب عليه ان ننزه المولى سبحانه وتعالى عن التفريط في شريعته وان نرد على القائلين بترك مسألة قيادة الامة للناس يفعلون فيها ما يريدون كما حصل في السقيفة بان قولهم لا يستند الى دليل واحد يقوي جبهتهم ناهيك ان الشواهد التاريخية والنصوص الالهية تصب كلها في خانة الاقرار بان تجربة القيادة التي مرت بها الامة هي بشرية من صنع فئة اردت ان لا يتم التعيين الالهي لانه يتعارض ومصالحها.






ونتج عن تلك التجربة ضياع الحاكمية الالهية بحصول انقلاب السقيفة وانهيار نظرية الشورى بانقلاب الحكم الشوروي الى ملك وجبروت وتسلط جنت منه الامة الاسلامية الويلات ولا تزال الى الآن تكتوي بحر ناره.






ونلخص في الخاتمة ما جئنا به






فنقول يجب على الله تعالى تعيين قائد على أمة الاسلام إمام مستخلف من قبله ناصا عليه عن طريق رسوله (ص) لاسباب عديدة:






أولا: لان مسألة الاختيار تلك هي من ألطافه تعالى ورحمته، فعلمه بالاولى والاصلح يحتم ذلك التعيين الذي يدخل في دائرة الاصطفاء.






ثانيا: لان الامامة أو القيادة هي من مستلزمات القانون الالهي وطرف فيه.






فهي وعاءه وحافظته ودعامته ومن دونها يتلاشى ذلك القانون ويكون عرضة لعبث العابثين ومن هنا وجب حفظ الشريعة بها.






ثالثا: حداثة عهد الشريعة ومعتنقيها تستوجب أن يكون اختيار الامام أو القائد من قبل الاولى بالاختيار لقصور الناس عن ادراك ابسط المسائل المتعلقة بالدين فضلا عن الامامة.






رابعا: الخطر المحدق بالنظام الناشئ من الداخل وهو حزب المنافقين الذين حاولوا مرات عديدة وبطرق مختلفة اطفاء جذوة الاسلام وتصفية الرسول (ص) وحتى قتله، يحتم اختيارا مسبقا ومدروسا.






خامسا: الخطر المحدق بالنظام الناشئ من الخارج وهما الروم والفرس يستوجب التنبه لهما خاصة وان الرسول (ص) قد شرع في محاربة الروم فكيف يعلن حربهم ثم يترك لهم أمة بلا قائد.






سادسا: خلو منصب النبوة وانقطاع الوحي باعتبار ان الرسالة الاسلامية هي الخاتمة يتطلب خلوص أصحابها الله والرسول الى الطريقة المثلى في اختيار الوارث (ليس بالمعنى البشري) بعد ما جاءنا من انباء الامم السابقة في القرآن ما يفيد ذلك الاختيار.






سابعا: ان القران الكريم الذي بين ايدينا هو معجزة الرسول (ص) ودستور الامة فيه المحكم وفيه المتشابه وفيه العام وفيه الخاص وفيه الناسخ وفيه المنسوخ وكل ذلك لا بد له من عالم به مدرك له تمام الادراك ومن العبث على عاقل مثلا ان يترك نفائسه ودرره بين أيدي صغار له لم يدركوا بعد معانيها الكاملة وقد رحل عنهم الى عالم الملكوت.






ثامنا: ان بيان وتفصيل الشريعة والمعبر عنه بالسنة النبوية لهما في حقيقتها جزءان لا يتجزءان، القرآن والوحي. هذه السنة هي من الحجة والبرهان بما كان لم يامر الرسول الاعظم كما جاء في رويات جمهور المسلمين بكتابتهما كما كان يفعل في القران ليس تفريطا منه بل لان الله تعالى اودعها في صفوته وخاصته الذين اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.






تاسعا: تأكيدا على ما أوردناه من أسباب نخلص الى فشل نظرية القائلين بحرية الناس في اختيار الامام وسقوطها بعد ربع قرن من التجربة انتهت على حروب دامية كادت تاتي على بارقة الاسلام، انتقل بعدها الناس طوعا وكرها إلى الرضا والتسليم بالملك المتسلط الذي لا يستند على شريعة او دين الا بضرب من التسويف والكذب. ولو قبلوا اختيار المولى سبحانه وتعالى لكان اصلح لهم في معاشهم ومآبهم ولكنهم حادوا عنه بدعاوي مختلفة فنالهم من ذلك العصيان ما نال سابقيهم.






بسم الله الرحمان الرحيم






رغم أنني لا أنكر أن فطريتي في حب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام هي التي دفعتني دفعا وأنا أتصفح الورقات الاولى من كتاب المراجعات على معانقة الولاء الحق وتبني النظرية الإسلامية التي طرحها أئمة أهل البيت عليهم السلام للناس والتي تشكل في مضامينها مطابقة الحجة لدليلها. رغم ذلك فان ما لفت انتباهي وشد اهتمامي قوة الادلة التي في حوزة المسلمين الشيعة وعلى وجه الخصوص منهم الامامية الاثني عشرية. تلك النصوص التي حفلت بها كتب مخالفيهم قبل كتبهم. وهل توجد حجة أقوى من أن يحتج صاحب الدعوى على خصومه من كتبهم. لكن لماذا لا يدرك هؤلاء الخصوم بان الدين الحقيقي والصحيح لا يقوم الا عل الحجة والبرهان والدليل والبيان لا على التبعية العمياء والتوارث البغيض؟






حقيقة واحدة حالت دون بلوغ هؤلاء لإدراك الصواب وهي قصورهم عن البحث والاطلاع واقتصارهم على ما قرره علماؤهم (أن صحت التسمية) بخصوص التشيع وأهله دون التثبت فيما جناه هؤلاء المتقولون لطمس الحقيقة والنأي بها عن عقول الناس.






ولكن للحق صولة. وتبرق من بين ثنايا ظلمات الباطل بارقة الحق. فتدحض الدعاوي الزائفة والترسبات الغريبة بوميض صدقها وقوة دلالتها واستقامة برهانها.






تعرفت في عملي على أحد الزملاء وبمرور الايام اصطفيته لنفسي أخا وصديقا. فتشتت العلاقة وتوطدت أواصر المودة بيننا حتى صرنا قليلي الاختراق عن بعضنا. حدثته عن التشيع لأهل البيت عليهم اسلام فوجدته متهيأ سابقا رد علي قائلا في يوم من الايام بأنه تشيع بفضل آية واحدة وهي " بسم الله الرحمان الرحيم " كان الرجل مالكيا بالوراثة شأنه عموم اتباع المذاهب الاربعة (الحنفية المالكية الشافعية الحنابلة) استوقفته الأية تساءل عن عزوف المالكية عنها واعتبارها مكروهة في القراءة أثناء الصلاة وهي تكاد تكون الاسم الاعظم حسب ما جاء من روايات بخصوص عظم قدرها وعلو مقامها كان ذلك أول الخيط الذي أمسك بطرفه ليدرك الحقيقة أخبرته بعدها بأن معاوية ومن تبعه من حكام بني أمية على ذلك هو أول من منع البسملة في الصلاة كما صدع بذلك في تفسيره بهامش تفسير الطبري حيث تعرف لاختلاف روايتي أنس بخصوص البسملة منعا واجارة فقال وكان بنو أمية.






إذا تلك دلالة قوية تقول بأن الدين الاسلامي الذي جاء به خاتم الانبياء والمرسلين وقع تحت طائلة الطغاة والظالمين وحسب أهوائهم ومصالحهم ونزواتهم يجيزون للناس ما يرونه ويمنعون عنهم ما لا يرغبونه حتى وان كان لا يشكل عليهم خطرا كالبسملة التي منعها معاوية لا لشيء سوى أن عليا عليه السلام كان يستفتح بها في كل صلاة يصليها امعانا منه في ابطال اثاره. كانما علي عليه ااسلام مبتدع ومعاوية الطليق ابن اكلة الاكباد مصحح ومرجع وهل علي عليه السلام سوئ نفس رسول الله بمنطوق اية المباصلة التي تقول فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك العلم فقل تعالا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم فتبتهل فتجعل لعنة الله علئ الكادبين. اتفقت الروايات على ان رسول الله اخرج لمباهلة وفد نصارى نجران الحسن والحسين (ابناءنا) وفاطمة (نساءنا) وعليا (انفسنا) عليهم الصلاة والسلام. وهل علم علي عليه السلام الاباب لعلم رسول الله صلى الله عليه وآله كما في الحديث المشهور ٌ"انا مدينة العلم وعلي بابها" ولم يكن هناك بشر بعد رسول الله (ص) اعلم منه حتى ابن عمه عبد اله بن عباس الذي حاول البعض جعله بديلا للامام علي عليه السلام فمنحوه القابا لاتستقيم






له في وجود علي والحسن والحسين عليهم السلام. فقالوا بانه حبر الامة وترجمان القرآن ابن علمه من علم علي قتال رافعا لكل شبهة " كقطرة ماء في البحر المحيط ". وهل صلاة علي عليه السلام معه والناس عاكفون على اصنامهم يعبدونها فعرف الله تعالى ووتقرب له اقتداءا وتاسيا وتعلما من ابن عمه واخيه بامؤاخاتين في مكة والمدينة. كان عليه السلام يقول "فكنت اتعبد...."






فكيف تستقيم مقايسة التبر بالتبن والثريا باثرى " انها لا تعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور "






لقد كانت فترة المراجعة التي قمت بها لتمييز الحق من الباطل كافية لابراز عدد من العلامات الدالة على صحة دعوى المسلمين الشيعة بانهم الفرقة الناجية وانها هي على الحق لاتزال تمسك بحبل الله المتين وتستمسك باعروى الوثقى التي لاانفصام لها وانها على الصراط المستقيم صراط الذين انعم الله عليهم علي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من اهل البيت اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.






من بين تلك العلامات ايضا على سبيل الذكر لا الحصر.






العلامة الأولى:






لماذا عزف رواة الاشاعرة عن الرواية عن الامام علي عليه السلام واستدلوه بغيره ممن لا وجه لمقارنته معه؟






حتى الآيات التي نقلوها عنه من باب التلفيق عليه والكذب الخسيس الذي روجوه عنه بامر من الطغاة والظالمين فعلى سبيل المثال نجد انهم يفترون عليه القول بتحريم المتعة والحال أنه قد تسالم الجميع على أنه صاحب القول بأنه لو لا أن نهى عنها عمر مازن إلا سقى.






ينقلون في أمهات كتبهم بأنه باب مدينة علم رسول الله (ص) وينقلون عنه عليه السلام قوله: علمني رسول الله (ص) ألف باب من العلم فانفتح لي من كل باب " وقوله لو كان رسول الله (ص) يزقني العلم زقا وكان: يقول سلوني قبل ان تفتقدوني وكان يشير إلى صدره فيقول: " إن ها هنا لعلما جما "






ورغم ذلك كل يجد أنه لاحظ له بين أكثر الرواة عندهم رواية أمثال أبي هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وغيرهم ممن عدت رواياتهم بآلاف العلم هؤلاء الذي فاق علم باب مدينة العلم أم لسياسة كانمت متبعة في العصر الاموي دفعا لمكانة أهل البيت ومقام الصفوة الطاهرة؟






لماذا تتمحور جل رواياتهم في أسانيدها على أسماء لم تعرف بالعلم ولا بالسبق خاصة ولدينا قرينة تقول بتأخر عصر التدوين عندهم الى القرن الثاني. فهل كان ذلك لتمييز بين تلك الأسماء ومن اذهب الله تعالى الرجس عنهم وطهرهم تطهيرا أم أن تأخر التدوين كان جراد منه تكبيل الشريعة وتعطيلها ان لم نقل محقها وتضييعها والباحث المنصف يقف أمام حقيقة دفع الحق عن أهله وتغييب مضامين الدين القيم عن الناس ليستمر العمل على هدمه دون رد فعل.






العلامة الثانية:






لفت انتباهي وأنا في مرحلة المقارنة والبحث عند تصفحي لكتاب جامع الروابات الملقب ب (الصحيح) لمسلم النيسابوري القشيري وأنا أتصفح باب الامارة عددا من الروايات التي يتوقف عندها كل عاقل ولا يتجاوزها حتى يدرك شيئا من الحقيقة:






الرواية الأولى: التي صرح فيها رسول الله بأن الأمة سيكون عليها اثنا عشر خليفة او اماما.






الرواية الثانية: والتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله: "سيكون خلفاء فيكثروا. فقالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول.






الرواية الثالثة: التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.






الروايتين الأولى والثانية اللتين في مسلم تحدثتا عن عدد محدد من الخلفاء الذين سيكونون في الأمة ولم أجد تفسيرا لذلك العدد غير ما يعتقده المسلمون الشيعة الامامية الاثني عشرية، ولعل وصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأن نفي ببيعة الأول فالأول دالة على أن الاختيار خارج عن اطار الناس وانما هو تعيين الهي بحت علينا فيه بالسمع والطاعة والبيعة لمن رتبهم الله ورسوله أولا بأول وهم المام علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم الحجة المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. أما ارواية الأخيرة والتي لم يخرجها ملم وأخرجها غيره فهي مبينة لأهمية الامامة في الأمة ومدى عظم شأنها بحبث يموت فاقدها ميتة جاهلية وان قام ببقية واجباته الدينية.






ان نظم أمر الحاكمية يستتبع نظم أمر الأمة وفقد الرأس يطيح ببقية الجسد لأن الاممة رأس الدين وروحه التي بها يحيا، ومن تتبع سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في هذا الخصوص لاحظ حرصا شديدا منه علىأن لايترك أمر جزئ من الأمة بلا قائد فما بالك وهو يستعد لرحيل طويل.






العلامة الثالثة:






بعد البسملة التي اتينا على ذكرها:






قال تعالى: " قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى "






مودة آل محمد صلى الله عليه وسلم راجين بمنطق الاية ولم ارى فريقا في المسلمين له من مودة ال محمد ما يتطابق والاية غير المسلمين الشيعة الذين جعلوها شعارهم وتقربوا بها الى






الله تعالى هم من حافظوا على الصلاة الكاملة عليهم وهم من يحيى الى الان اثارهم وستيهم






ومواليدهم ووفاياتهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم وغيرهم اما غافل اوغير عابئ






العلامة الرابعة:






الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خرج عن ادائها عامة المسلمين واقام عليها المسلمون الشيعة فعندما يذكر رسول الله صل الله عليه وسلم يصلي المخالفون عليه بقولهم صل الله عليه وسلم اوعليه الصلاة والسلام: مخالفين النص الدال ومجانبين نهيه صل الله عليه وسلم عن الصلاةاشراك في ان يصلي عليه الصلاة والسلام مفردا ويمسك. في حين ان المسلمين الشيعة يصلونعليه الصلاة الكاملة التامة وهي الصلاة عليه واله بقولهم صل الله عليه واله وسلم دونما كلل ولا ملل امتثالا لامره تعالى في اداء هذه الشعيرة تامة غير منقوصة كما يريد هو لاكما يصر على ادائه الظالمون واتباعهم ممن لم يستسغ ادراج ال محمد في الصلاة.






العلامة الخامسة:






والتي سرعان ما وضعت الصحابة على طرفي نقيض واختلاف في ابسط الشعائر واكثرها وضوحا وبساطة وهي عدد تكبيرات الصلاة على الميت...






فهل يعقل ان يختلف هؤلائ في مسئلة بسطة في متناول كل فرد يوتي بها فرض كفاية.






ولو انك تسئل من يكبر اربعا لماذا تكبر اربعا على الميت لما جاز لك جوابا ولو انك تغيد طرح السؤال نفسه على ابسط مسلم شيعي لقال لك: انها بعدد اركان العقيدة وعدد الصلوات اليومية. ولقال لك ايضا ان رسول الله عليه وسلم كان يصلي على كل حتى المسلمين مؤمن كانوا ام منافقين غير انه كان يكبر على المؤمن باعتبارهم مسلمين الايمان ويكبر اربعا على المنافقين الى ان نزلت الاية التي مستحبة من الصلاة عليهم فاختلط الامر على جانب في المسلمين مما دفع بالخليفة الناس الى جمع الناس على 4 تكبيرات ولو انهم ارجعوا الحق لاصحابه لما التبس عليهم الامر في مسئلة كالصلاة على الميت.






العلامة السادسة:






من المسائل التي كان من المفترض ان لا يقع فيها خلاف بين المسلمين ولكن السياسة دوليتها العصبية المذهبية وما اقتضييها من اسباب دعت الى تعريف تلك العبادة وتفريق المسلمين بين مطبق للاية كما جا ئه للوصى. وبين معرف لها بدعوى واهية وظنون لا تقوم على اساس. اما دعاوي النحو وعطف الارجل فقد بخع لها الرازى بالاعتراف وصرح بان القرائتين حكمها المسح ولكنه في خاتمة اعترافه اتبع الضن بميله الى ترجيع الجهل على العلم والشك على اليقين فعاد الى القول بالغسل في حكم الرجلين من خلال اعتماد روايات نسبت الى رسول الله تقول الويل للاعقاب من النار.






ظاهر تلك الروايات لا علاقة له بالموضوع ولا بالصلاة. بل لعل المقصد منها المتقلب على عقيبيه من المسلمين في مواجهة الشركين.






وبمقارنة بسيطة يتضح حكم الرجلين في الوضوء






لقد كان رسول الله يتوضىء بمد (والمد ثلاث أكف) وهي لا تكفي لغسل رجل واحدة لو كان حكم الرجلين مسعا في حين أن الأكف الثلاثة للأعضاء المغسولة وهي الوجه واليد اليمنى واليد اليسرى ويمسح الرأس والرجلان ببلل اليدين






مقارنة التيمم بالوضوء على الروايات التي أخرجها الطبري وغيره عن ابن عباس والتي تقول: ألا ترى أنه ما كان مغسولا في الوضوء يمسح في التيمم وما كان ممسوحا في الوضوء يسقط في التيمم فسقط الراس والرجلان.






ذلك هو دين العلم وعبادة المعرفة لا دين الوراثة والاتباع الأعمى.






العلامة السابعة: الجمع في الصلوات:






هل كان رسول الله (ص) يجمع في صلاته وهل هناك دلالات على ذلك؟ ولماذا يتغافل عن ذلك عدد هام من المسلمين؟






لقد كتب الذين لا يجمعون في صلواتهم بالروايات التي تثير إلى كون أن رسول الله (ص) جمع بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء ومن ناحية صرح بذلك القران الكريم حيث ذكر للصلوات الخمس ثلاثة اوقات وهي:






- "اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقران الفجر"..






- "اقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل.."






- ومع ذلك بقي شاهد آخر يقوي صحة الدعوى وهي جمع الحجاج لصلاتي الظهر والعصر من ناحية والمغرب والعشاء من ناحية أخرى.






العلامة الثامنة:






اسقاط الخمس رغم أنه حكم من أحكام الله في القران الكريم وحصره في غنائم الحرب والحال ان الأية تشير الى مطلق الغنم. ليس هناك سبب يبرر ذلك سوى أن أهل البيت عليهم السلام يعود إليهم التصرف في تلك الخمس. دون الزكاة التي حرمها على نفسه وعليهم لذلك فان بصمات اعداءهم جلية في اسقاط الخمس لكي لا تصل تلك الاموال اليهم لتكون لهم عونا على من ظلمهم.






العلامة التاسعة: الدعاء أو القنوط في الصلاة.






هذا السلاح الرهيب الذي جعله الله تعالى وسيلة للمناجاة بين العبد وبينه وسببا من أسباب ديمومة الرحمة والخير قال تعالى: " قل ما بعبء بكم ربي لولا دعاكم ".






اجئت من موقعه في الصلاة فاضحت ببقية أجزائها جوفاء فارغة بلا روح. فمن جهة يقولون بان رسول الله (ص) ق يقتصرون القنوط على صلاة الصبح فقط والحال ان الصلاة واحدة في مفهومها وروحها والركانها وستتها وصدق من قال في الجامع المسمى بالصحيح لمسلم: اننا اصبحنا ننكر كل شيء عهدناه على عهد رسول الله (ص) وحتى في هذه الصلاة قد ضيعت.






فاين هؤلاء القوم من قوله (ص) " الدعاء مع العبادة "






الدعاء معراج المؤمن " وغبرها من الروايات التي تحث على الدعاء في الصلاة وتدعو الى التمسك به باعتباره مخا ومعراجا واساسا ولبا للعبادة.






قيل للامام علي عليه السلام لم نرفع ايدينا الى السماء عند القنوت في الصلاة فقال: " وفي السماء رزقكم وما توعدون ".






العلامة العاشرة: توقيت الافطار في يوم الصيام






يتملك العجب عندما تقرا الاية التي في سورة البقرة والتي تتحدث عن الصوم وهي: " وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام إلى الليل".






عندما ترى السواد الأعظم من المسلمين كيف يتحرى في امساكه للصيام ويبدا صيامه ليلا وقبل الفجر بوقت طويل.






كم لا يتحول في افطاره فيقطع صيامه وضوء النهار مازال يعم الارجاء والمسلمين تعالى يؤكد على اتمام الصيام الى الليل: أي الى غسقة كما في اية توقيت الصلاة أي على دخول الليل.






والمعبر عنه بذهاب الحمرة الشرقية وقت دخول صلاة المغرب. فهل لهذا تفسير سوى ان الناس اجمعت على التقليد الاعمى. وسلوك منهج غير علمي ولايخضع الى قوة الدليل في اعتماد الاحكام والسنن الالاهية. ومقابل تلك الدلالات الواضحة نجد في تصرف الكثير من هؤلاء اصرارا على المضي الى البا طل قدما وتمسكا بعكس سنن سيد المسلمين صل الله عليه وسلم فمن ذلك مثلا وكنموذج على التعصب الاعمى والانغلاق المقيت الذي فوض صرح الاسلام العظيم وجعله في مقام متدن لا يليق به.






ان هؤلاء المتعصبين يخالفون السنة في كثير من الموارد يدعون ستين غيرهم بها.






على الرغم من انتسابهم لها. فالتختم في اليد اليمنى سنة يقرون بها ولايتقيدون بها بل ويذهبون الى التختم بالشئ مخالفة للمسلمين الشيعة. ونرى كذلك تسنيمهم للقبور في حين ان السنة تستطيحها مخالفة المسلمين الشيعة الى غير ذلك من التجاوزات التي يرون فيها المساس بالنص ومخالفته افضل من اتباعه والتشبه فيه بالمسلمين الشيعة. وان كان فرضا اوسنة. اخيرا هل اناك خبر الرضاعة الكبير؟ وهل مررت به في باب اافقه من كتب هؤلاء القوم. لعل موطا مالك اولها ثم ما يسمى بالصحاح.






النقطة الحادية عشرة: اسماءهم عليهم السلام.






فان الملتفت الى هذه الاشارة يدرك جيدا مدى عمقها، ودلالتها على احقية هؤلاء الصفوة في قيادة الامة. فعلي عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلام اسماء لم تكن معروفة قبل في قريش ولا في بلاد العرب قبل ولادة هؤلاء.






بل اننا قد نجد في الروايات والاحاديث التي تشير الى ان تلك التسميات الاهية بحتة كلها مشتقة من الأسماء الحسنى. ففي الحديث القدسي الذي خاطب فيه المولى سبحانه وتعالى نبيه الاعظم صل الله عليه وآله وسلم بقوله: " اني قد اطلعت على الارض اطلاعة فاخترتك منها واشتققت لك اسما من اسمائي فانا المحمود وانت محمد ثم اطلعت ثانية فاخترت عليا واشتققت له اسما من اسمائي فانا الاعلى وهو علي". هذه اشارة لطيفة لمن القى السمع وهو شهيد. قد تعيد من لم تتلوث فطرته باراء اشباه العلماء والفقهاء والمتكلمين ممن باعوا ضمائرهم واخرتهم، تزلفا لملوكهم وسلاطينهم، أو استكبارا من عند أنفسهم.






العلامة الثانية عشرة:






وان فاتك ادراك كل هذه المعاني والاشارات. فلا تفوتك سيرة هؤلاء الذين لم يسجل لهم التا ريخ غير المكارم والفضائل التي لا يدانيها احد من العالمين.






ان شئت هذا علي نفس الرسول الاعظم صلى الله عليهما قد اخذ بمجامع العلوم فكان الاصل الذي عاد اليه كل صغير وكبير حتى عد اصل كل علم بعدما عده النبي باب مدينة علمه.






أما أخلاقه وسير ته فهئ تنبئك على ان الذ ي وفعت عليه كان سفينة النجاة وباب حطة منه تعلم العارفون التعامل مع الدنيا والعيش فيها فكان بحق سيد الزاهدين وافضل العابدين بعد الرسول الاكرم (ص) ونحا نحوه ذريته وصفوته الطاهرة يسلكون نهجه وقلوبهم وجلة من خشية الله لم تداخلهم الطمئنينة في جنب الله تعالى حتى يتسأنسوا بالرضى، فكانت حياتهم كلها تضحية وعطاء.






العلامة الثالثة عشرة:






استمرار العمل بالاجتهاد من عصر الرسول الاكرم (ص) والأئمة عليهم السلام لدى المسلمين الشيعة.






فهو متصل بعصر النبؤة والامامة متواصل في أداء دور بيان الأحكام الشرعية إلى عصرنا هذا لم نقطع أبدا رغم محاربة الأعداء والظالمين لهم بينما لم يكن فقه غيرهم ولا علومهم متصلة بعصر النبي (ص) فهذان أقدم فقهانهم أبو حنيفة ومالك لم يعاصرا رسول الله (ص) ولا اخذا عمن عاصره، ولولا تتلمذهما على يدي الامام السادس لأهل البيت عليهم السلام لما كان لهما ذكر يتردد بين الفقهاء.






ثم جاء من الحكام من منع الاجتهاد وحرمه على الناس فاوقفوا دينهم وفقههم على مذاهب أربعة هي اضافة الى ما ذكرت الشافعي وابن حنبل وكل من جاء بعدهم لم يتجرأ على الاستقلال بفتواه فكانت في غالبيتها مطابقة لاصول أصحابها الأربعة.






العلامة الرابعة عشرة:






الظهور على الحق: قال رسول الله (ص) في حديث أخرجه حتى المخالفون كمسلم والبخاري: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله.






فأي فرقة من المسلمين ظلت ظاهرة على مدى لتاريخ بعلومها ومواقفها وتاريخها وقلة عددها لأن الكثرة غثاء مذموم عند الله وعند رسوله، غير هؤلاء الذين لهم في كل زمن شاهد على حضورهم.


















الدعاء والعبادة عند أهل البيت عليهم السلام





دعا يدعو دعاء، والدعاء هو النداء لغة، أما شرعا فهو مخاطبة الخالق سبحانه وتعالى، ومناجاته في الصلاة، وفي سائر العبادات.






وقد أمر الله سبحانه وتعالى عبيده بالإنابة إليه والدعاء بين يديه بإخلاص، وتكفل بالإجابة فقال: " أدعوني أستجب لكم".(1)






وقال جل من قائل أيضا: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان".(2)






وقال كذلك: " أدعوا ربكم تضرعا وخفية".(3)






ولما كان الدعاء هو السبيل الوحيد إلى مخاطبة الخالق لتعاليه واستعلائه على مخلوقاته، لم تجز مخاطبته كما يتخاطب الناس فيما بينهم ولا محادثته، لأن المخاطبة والمحادثة لا يفيدان في طلب شيء من الذات الإلهية، كأن تقول خاطبت أو حادثت مستشعرا فيهما التساوي والندية، في حين أنك إذا قلت دعوت، أو ناجيت، أو توسلت، أو تضرعت، فهي لائقة بالمقام الإلهي ومنصرفة إليه.






وقد جاء في الحديث: " الدعاء مخ العبادة".(5)






لأن عبادة العبد من دون لجوء وتوجه إلى الله تعالى، ودعاء مرفوع منه إلى خالقه كي يستجيب له في ما يحتاجه في دنياه وآخرته، تعب وعناء بلا فائدة، استخفاف بروح العبودية التي جعلها الباري تعالى عنوان كل عاقل أدرك حقيقة العبودية لله تعالى. والدعاء لب العبادة وجوهرها، فإذا كانت العبادة صدفة فالدعاء لؤلؤها، وإذا كانت جسدا فهو روحها، وإذا ما نزعت اللؤلؤة من موضعها، صارت الصدفة بلا قيمة كالجسد الذي إذا فارقته روحه، صار بلا حركة وعرضة للتغّير والتحلّل والاندثار. كذلك فان الصلاة التي هي معراج المؤمن إلى ربه، إذا كانت خالية من لغة الوصال والقرب، عجفاء من الدعاء فإنها لا تحقق العروج المؤمل، ولا القرب المراد ولا الزلفة المرتجاة، وقد تترك نتيجة عكسية. والحديث الذي جاء مشبها للدعاء بالمخ دالا في مضمونه على قيمة ذلك التوجه وأهميته في البناء العبادي. فلا تستقيم صلاة بلا دعاء وحال المصلي الذي لا يتجه في صلاته بالدعاء إلى خالقه، حال المستكبر الذي لا يعي من مقام العبودية غير حركات القراءة والركوع والتسبيح والسجود والتشهد دون الالتفات إلى العلة من الصلاة والعبادة.






و قد جاء عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر خامس أئمة أهل البيت عليهم السلام في قوله تعالى: " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين". قال: "هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء".(6)






و قال في قوله تعالى: "إن إبراهيم لاوّاه حليم". الاوّاه هو الدّعّاء. وسئل عليه السلام"أي العبادة أفضل؟ " فقال: "ما من شيء أفضل عند الله من أن يسأل يطلب ما عنده،(7) وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: " أحب الإعمال إلى الله تعالى في الأرض الدعاء، وكان عليه السلام رجلا دعّاء ".(8)






وإذا أمعنت النظر في حال المسلمين اليوم على الاختلاف مشاربهم وفرقهم، تلاحظ عزوفا عند معظمهم عن دعاء القنوت في أغلب الصلوات المفروضة، وكل الصلوات المسنونة، لتنكبهم عن مورده الأساسي وجهلهم به كلغة تخاطب مع الخالق تعالى.






أما عن تنكبهم عن مورده، وجهلهم به فان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، شأنه في ذلك شأن بقية المرسلين عليهم السلام، لم يتركوا أمرا من أمور الدين إلا بينوه، ولم يألوا أقوامهم نصيحة، فادوا ما عليهم، وتركوا آثارهم وشرائعهم للهداة والمستحفظين من آلهم عليهم السلام، كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أمته ن ونصح لهم بما لم ينصحه احد من قبله، والنصوص النقلية والعقلية التي بين أيدي المسلمين اليوم لا تدع مجالا للشك في ذلك، كقوله صلى الله عليه واله وسلم: " إني أوشك أن أدعى فأجيب واني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما".(9) والعترة الطاهرة التي أذهب الله سبحانه وتعالى عنها الرجس وطهرها تطهيرا، لأجل تأهيلها لحمل عبئ الشريعة وحفظا وتطبيقا، دون أن يتطرق شك من حملتها، ولا تحريف في أدائها.






وقوله (ص): " إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق"(10) وهو من الأحاديث الواضحة في دلالتها على مقام الأئمة من أهل البيت عليهم السلام من الأمة، وتشبيههم بسفينة نوح يؤكد على وجوب اللجوء إليهم نجاة من طوفان التحريف والنفاق، وأن المتخلف عنهم غارق لا محالة في ظلمات بعضها فوق بعض.






وتخلف الأمة عن هداتها وأدلائها ومستحفظيها، واستعاضتها عنهم بالغاصبين لحقهم الإلهي، ومن قلب بعد ذلك ظهر المجنّ للدين كله، جعلها عوض أن تتقدم في فهم شعائرها ومعتقداتها على الوجه الذي جاء به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، تتولى متقهقرة عن مراجعها حتى تباعدت الشقة بينها وبينهم، فنسوا حظا مما ذكرا به، وأسلموا أنفسهم لمجهولي الحال وقليلي العلم، يسوقونهم إلى سلاطين الجور وأئمة الضلال سوقا النعاج، يحلون لهم إتباعهم ويحرمون الخروج عليهم وخلافهم، وكان فيما كان منهم أن نزعوا عنهم لب عبادتهم وجوهرها، لكي لا يصل شيء منها إلى الله تعالى فيردون مواردهم.






قال تعالى: " وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا"(11) ولو كان في هؤلاء المنتسبين إلى الإسلام من يعقل لرجع إلى أعظم الآيات القرآنية بدل نبذها وتركها، والغريب والعجيب أنك تسمعهم لا يبسملون (بسم الله الرّحمان الرّحيم) في الفرائض الخمس بدعوى أنها مكروهة ويبسملون في نوافل شهر رمضان، بدعوى أنها من السنة، أفيكون في كلام الله تعالى ما هو مكروه حتى ينعتون البسملة بذلك النعت، أم إن أسماء تعالى الثلاثة (الله الرّحمان الرّحيم) هي مكروهة عندهم، ومن أكبر جحودا ممن يستهين بكلام الله تعالى وينعته بالكراهة تطاولا عليه. قال الله تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا."(12)






وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "بسم الله الرّحمان الرّحيم أقرب إلى إسم الله الأعظم من بياض العين لسوادها"(13).






أما الحقيقة التي خفيت عن كثير من المسلمين، والعلّة التي تسبّبت في جريان ذلك المجرى التعيس في عبادتهم، فهي أن معاوية بن أبي سفيان وحزبه كانوا شديدي العداء لعلي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم السلام، فسعوا إلى إبطال كل ما هو متصل به حتى انه أزال البسملة التي كان أمير المؤمنين يجهر بها في كل صلاة حتى السرّية منها، قد أعماه الحقد عن ثابتة أن صلاة علي هي عينها صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ممن أخرج هذا المعنى النيسابوري في هامش تفسير الطبري حيث قال: وكان مذهبه الجهر بها يعني البسملة ومن اقتدى به لن يضل قال (ص): " اللهم أدر الحق معه حيث دار..."






فلما كان زمن بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سعيا إلى إبطال آثار علي بن أبي طالب فلعل أنسا خاف منهم، لهذا اضطربت رواياته"(14).






ثم يعمد هؤلاء أيضا إلى دعاء القنوت في الصلاة فيزيلونه منها تبعا لما ورثوه، دون التفات أو تساؤل عن سبب استثناء صلاة الصبح من ذلك، والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يقول: " أفضل الصلاة طول القنوت"(15) من غير مفاضلة لصلاة على أخرى.






وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، كثير من الأحاديث التي تؤكد على القيمة الروحية للدعاء، ودوره في البناء العقائدي، نورد منها الآتي:






- الدعاء هو العبادة، الدعاء سلاح المؤمن، ليس شيء أكرم على الله من الدعاء(16)






- لا يردّ البلاء إلا الدعاء أعدّوا للبلاء الدعاء، الدعاء عماد الدين.(17)






- الدعاء مفاتيح النجاح، ومقاليد الفلاح، وخير الدعاء ما صدر عن صدر تقي، والقلب نقي وفي المناجاة سبب النجاة، وبالإخلاص يكون الخلاص، وإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع.(18)






و الدعاء واجب لا تستقيم الصلاة إلا به، ولا تعرج من دونه، وكان من سنن سيد المرسلين صلى الله عليه وآله، أنه متعهد لباب الدعاء الذي فتحه المولى سبحانه وتعالى بينه وبين خلقه، حاثا لامته على الطلب منه، والرجاء لديه، ولم يؤثر عنه أنه صلى صلاة واحدة من دون قنوت.






وما أرى الذين تنكبوا عن القنوت في الصلاة، إلا إتباعا لمن زين لهم إهمال ذلك الباب، واستهانة بقيمته العباديّة، ومن فقد الدعاء، حرم الإجابة، وكانت صلاته كأنها مكاء وتصدية، عوض أن تكون تخشعا وقنوتا، كما يقول تعالى: " وقوموا لله قانتين".






ومن أراد إحصاء الأحاديث والروايات التي تتحدث عن قنوت رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع الصلوات المفروضة والمسنونة فليراجع كتب الحديث والسنن عند من تسموا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، ففيها ما يقيم الدليل على أن سيد المرسلين كان يقنت في كل صلواته، لعله إذا فعل ذلك يتقيد بسنة الرسول صلى الله عليه وآله التي نسب لها مذهبه قولا، وخرج منها فعلا وعملا، إلى تحريف وبدع ما انزل الله بها من سلطان، كبتر الصلاة عليه، واستثناء آله الأطهار، إتباعا لآثار بني أمية ومن حذا حذوهم، صلى الله عليه وعلى اله وسلمن وفي بتر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله دليل على تأصل جذور الحقد الأموي في أمة الإسلام، وبقاء هذا التحريف دليلا على جرائم حكام بني أمية في حق الإسلام وأهله فلماذا الإصرار على التمادي في مسالك أئمة الظلم والجور ن والله تعالى دعانا إلى منابذتهم وإتباع سبيل أوليائه الذين اصطفاهم على بقية مخلوقاته، فرضي بهم عبيدا خلصا له، ورضوا به ربا عظيما ليس كمثله شيء، فأقر طريقهم، وبارك نهجهم، وجعله السبيل الوحيد إليه.






وإقامة صلاة التراويح في المسجد جماعة، ونسبة ذلك الفعل له، رغم شدة غضبه عليه، والتعبير عنه بقوله صلى الله عليه وآله: " ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فان خير صلاة المرء في بيته إلا صلاة المكتوبة(19) واعترف مالك ابن انس في موطّاه، وروايته له عن عمر بن الخطاب أنه هو الذي جمع الناس في المسجد على قارئ واحد، بعد أن وجدهم يصلّون أوزاعا متفرقون، ولم يصلّ معهم، وإنما مرّ عليهم بعد أن أمر أبي بن كعب أن يصلي بهم، وقال: "بدعة ونعمة البدعة والتي ينامون عليها خير"(20).






و عمر شانه شأن غيره من المسلمين، مكلف بتطبيق الشريعة، كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله، ليس من حقه أن يدخل شيئا فيها لأن ذلك من مشمولات الوحي والنبوة. ولم تقم بدعة صلاة التراويح جماعة إلا في فترة من خلافته، وفي الحديث الذي يقول انه صلى الله عليه وآله كان يرغّب في قيام رمضان من دون أن يأمرهم بعزيمة، فيقول: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله والأمر على ذلك النحو، ولم يتجرأ الخليفة الأول أن يرى برأيه فيها.(21)






ولما قام أمير المؤمنين علي عليه السلام بأعباء الإمامة مكرها بعدما انفرط عقدها، وألجأه الناس إليها إلجاء، أرسل ابنه الحسن على المسجد لإخراج الناس منه، وإبطال تلك البدعة. وبعد استشهاد علي عليه السلام، واستتباب الأمر لمعاوية بالمكر والخديعة، أحيا كل بدعة أماتها سيد الأوصياء، وأمات كل سنة أقامها.






لقد أكد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وآله الأطهار عليهم السلام على أن نتعهّد بيوتنا بالصلاة خاصة المسنونة منها كنوافل الصلوات اليومية، ونوافل شهر رمضان بقوله: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا"(22) أي لا تصلون فيها، ومن وطن نفسه على أداء نوافل الصلاة في المسجد، فقد جعل بيته قبرا، وخالف أمر نبيه صلى الله عليه وآله، وتجنب نصيحته.






واعطف على تلك صلاة ما انزل الله بها من سلطان سمّوها صلاة الضحى، قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلاّها، واليك روايتها المتناقضة المتناثرة والتي تدل على عكس ما ذهبوا إليه:






عن عائشة أنها سئلت هل كان رسول الله (ص) يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه"(23) فتبين من الحديث أنه صلى الله عليه وآله لم يكن يصلي الضحى، والاستثناء الذي جاء لا يمكن أن يلغي النفي الثابت، لان السفر حالة شاذة، وصلاته صلى الله عليه وآله عند قدومه، لا تتفق دوما مع التوقيت الذي وضعوه، وإنما هي صلاة شكر على سلامة السفر، أو هي تحية للمسجد لأنها ركعتان فقط.






وقد سئلت عائشة عن صلاة الضحى فقالت: ما رأيت رسول الله (ص) يصلي سبحة الضحى قط".(24)






وعن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: ما أخبرني أحد أنه رأى النبي (ص) يصلي الضحى إلا أم هانئ فإنها حدثت أن النبي (ص) دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثماني ركعات.(25)






وبما أنه صلى الله عليه وآله لم يصلّ تلك الصلاة إلا يوم فتح مكة، فإنها منصرفة إلى تفسير واحد يقول، إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلّى شكرا لله على فتح مكّة تلك الصلاة الخاصّة به.






ولم يأمر أم هانئ مثلا بأدائها، ولا فاطمة الزّهراء عليها السلام التي سترته في غسله، ولا أمر المسلمين بالقيام بها بعد أن أداها، ولا تسالم المسلمون على تلك الصلاة حتى وفاته، لذلك فان تلك الصلاة بدعة ظاهرها طاعة، وباطنها خمول وتواكل، وكيف تستقيم صلاة في ذلك الوقت الحسّاس من بداية يوم والناس أصحاب معائش؟ ولماذا أصر الناس على أداء شعيرة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وآله على النحو المعمول به عند السواد من اليوم، ولم يسمها بتلك التسمية ولا أمر بأدائها على ذلك الوجه؟ وحتى لو تأكد لدى هؤلاء المبتدعة خطأ ما هم فيه فإنهم سيعتذرون بأعذار لا تستقيم مع النصوص الصريحة" إن يتبعون إلا الظن، إن الظن لا يغني عن الحق شيئا".






لقد جاءت كثير من الآثار والروايات لتحدثنا عن عبادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين وتبين لنا معالمها وأسرارها لنقتبس من هديها ونستنير بأنوارها امتثالا لأمر الله تعالى إذ يقول جل من قائل: " أولئك الذي هداهم الله فبهداهم اقتده".






لأنه تعالى قد أوكل مهمة بيان عبادته وتفصيل أركانها وسننها وحركاتها وآدابها لرسوله صلى الله عليه وآله والمستحفظين من آله عليهم السلام. وعلى كل مسلم امتثالا لأمر الله أن يقتفي أثر الهداة الأبرار في تعبدهم، ولا يلتفت إلى من انحرف عن نهجهم القويم وصراطهم المستقيم، وخرج للناس بآثار وسنن مبتدعة في الشكل خاوية من المضمون، لم تزد قلوبهم وأرواحهم من الله إلا بعدا.






وأنت أيها المؤمن عندما تقيم شعائرك وتبني عبادتك، فانك ترجو القرب والزلفة من الله تعالى خالق الحياة ومنشئ الكائنات، وإذا لم يتم ذلك المؤمّل فالبحث عن الخلل من عدم نشوء تلك العلاقة، وتمتنها كالسّاقي الذي أرسل دلوه مع الدّلاء، فعادت إليه فارغة.






و لمّا علمت أن الخالق تعالى عندما أمرنا بعبادته ودعائه، تكفّل بالقبول والإجابة، تبين بعد طول المدة وفقدان النتيجة، أن العلّة تكمن في نفسك وزادها، أما النفس فهي متمرّدة على مقام العبوديّة جموحة ميّالة إلى عاجل الدنيا، فإذا لم توطّنها في مقامها وتسلك بها طريق الآخرة شردت بك إلى المهالك. وأما الزاد فهو على أربعة أقسام:






الأول:






تحقيق معرفة الخالق والتيقن منه حتى تكون وجهتك في العبادة والدعاء والطلب معروفة ومعلومة.






الثاني:






موالاة أوليائه والبراءة من أعدائه لأن الدين جوهره الولاية والبراءة






الثالث:






تحقيق عبودية النفس بتوطينها على النفور من الإِنية والاعتداد






الرابع:






لغة التواصل والمناجاة، لأن التقرب إلى الله لا يكون إلا بالطيبات.






و من المفارقات أن ترى شخصا ظفر بمقابلة سلطان، كيف هيّأ نفسه، وطهر بدنه، ولبس أحسن ثيابه، وتعطر بأحسن عطر، وجهز من مديح الكلام، ما يظن استيفاءه للقبول وقضاء الحاجة، تراه هو بعينه لا يبدي استعدادا، ولا يولي أهمية للقاء خالقه وخالق ذلك السلطان.






ولما علمنا أن باب معرفة الله سبحانه وتعالى هو إتباع رسوله، وتولي أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فهم العارفون له والأدلاء عليه، والموصلون إلى حبه ورضوانه، فإتباعهم إتباعه، وحبهم وحبه اتجه الأخذ عنهم معالم الدين، والتسنن بسننهم في العبادة والدعاء، لأن ما جاؤوا به إلى الناس، ليس إلا ذلك الزاد وتلك التربية والعلم الذي علمهم رسول الله صلى الله عليه وآله، ولقد نظرت نظر المتفحص في ما جاءنا من مأثور العبادة والدعاء، فلم أجد فيضا من الأسرار الإلهية والأنوار القدسية كفيض أهل البيت عليهم السلام في الدعاء والعبادة، لان استعدادهم للطاعة والعبادة كاستعداد سيدهم رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا وجه لمقارنة صفوة الخلق ببقيته، وقد جاء في حديث أخرجه مسلم النيسابوري قوله صلى الله عليه وآله: " أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فان الله لا يملّ حتى تملون أن أحب الأعمال عند الله ما دووم عليه وان قلّ وكان آل محمد (ص) إذا عملوا عملا أثبتوه".(25) إن المولى سبحانه وتعالى لا ينظر إلى أشكالنا ولا ألواننا، ولكنه ينظر إلى أفئدتنا، فان فيها مستقر اليقين، وبصائر الأخلاق في العبادة والدين، وكل علم لم يكن متبوعا بالعمل يخلف النفاق والافتراق عن الخالق تعالى.






وقد جاء عن الصادق عليه السلام قوله: " الخوف رقيب القلب، والرجاء شفيع النفس، ومن كان بالله عارفا، كان من الله خائفا واليه راجيا، وهما جناحا الإيمان يطير بهما العبد المحقق إلى رضوان الله، وعينا عقله يبصر بهما وعد الله ووعيده، والخوف طالع عدل الله باتقاء وعيده، والرجاء داعي فضل الله، وهو يحيي القلب والخوف يميت النفس".(26) عنه عليه السلام أيضا أنه قرأ " أمّن يجيب المضطر إذا دعاه" فسئل مالنا ندعو فلا يستجيب لنا؟ فقال لأنكم تدعون من لا تعرفون، وتسالون ما لا تفهمون.(27)






فالعبادة والدعاء مقامات القرب من الله تعالى، وملاذات اللجوء إليه في الأمن كما في الخوف وفي الرخاء كما في الشدة وفي الصحة كما في المرض، وإذا استقامت عبادة المرء ودعاؤه في أمنه، فإنها ستستقيم في خوفه، كذلك في باقي الحالات، ومن لم يستشعر في كل صلاة ازدياد خوفه، وكثرة رجائه، وتضاؤل نفسه وتناهيها أمام عظمة الخالق وجلاله، فانه لم يحقق من عبادته ما يترجاه لنفسه، وما هو مطلوب منها، فهو كالمسافر الذي أخطأ الطريق، ولم يصب من سفره غير التعب والضيق، وعليه أن يراجع نفسه، ويتدارك ما بقي له حتى تكون مطيته موصلة إلى الغاية والمبتغى.






ولقد أدرك الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من شدّة خوفه ورجائه، أعلى درجات المحبة والأنس، فكان ينزوي عن الناس في غار حراء قبل البعثة، ليختلي بربه فيعبده ويناجيه ويدعوه، وبعد كفالته لعلي بن أبي طالب غليه السلام من عمه صار يصطحبه معه، ليقتبس من هديه فنون العبادة والمناجاة والذكر والتأمل، وفي ذلك يقول الإمام علي عليه السلام" صليت قبل أن يصلي الناس بسبع سنين"(28) وفي حديث عن محمد بن علي الباقر خامس أئمة أهل البيت عليهم السلام قال: " هكذا صلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالناس الصبح بالعراق فلما انصرف وعظهم فبكى وأبكاهم من خوف الله ثم قال والله لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا، بين أعينهم كركب المغزى، يبيتون لربهم سجدا وقياما، يراوحون بين أقدامهم وجباههم، يناجون ربهم ويسألونه فكاك رقابهم من النار، والله لقد رايتهم مع ذلك وهم خائفون مشفقون".(29)






أما أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقد قال في إحدى خطبه يوصي فيها أصحابه: " تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها وتقربوا بها، فإنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا: ما سلككم في سقر؟ قالوا لن نك من المصلين.. وإنها لتحتّ الذنوب حتّ الورق، وتطلقها إطلاق الربق، وشبهها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحمة، تكون على باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات، فما عسى أن يبقى عليه من الدرن. وقد عرف حقها رجال من المؤمنين، الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرة عين من ولد ولا مال، يقول سبحانه: " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة " وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصبا بالصلاة بعد التبشير له بالجنة، يقول الله سبحانه: " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها"فكان يأمر أهله ويصبر عليها.(30).






وقد سأله ذعلب اليماني: "هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: أفأعبد ما لا أرى؟ فقال: وكيف تراه؟ فقال: لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد عنها غير مباين، متكلم لا بروية، مريد لا بهمّة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسّة، رحيم لا يوصف بالرّقة، تعنوا الوجوه لعظمته، وتجيب القلوب من مخافته".(31)






لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام وآله، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله دائم الفكرة، طويل الحزن، كثير التوجه والدعاء، عرف الله حق معرفته، فملك قلبه واستولى على عرى فؤاده، حلّ الأنس بنفسه حلول المقيم، فتمسّكت به تمسّك الغريق، ولولاه لطارت روحه من بدنه شوقا إلى الله تعالى.






عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في حديث له عن جدّه وآله الكرام يقول: " والله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله، وما عرض له أمران قط هما لله رضا، إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه، وما نزلت برسول الله صلى الله عليه وآله نازلة قط إلا دعاه ثقة به، ما أطاق أحد عمل رسول الله صلى الله عليه وآله من هذه الأمة غيره، وان كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار، يرجو ثواب هذه، ويخاف عقاب هذه، ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله عز وجل، والنجاة من النار مما كدّ بيديه، ورشح منه جبينه وإنه كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة، وما كان لباسه إلا الكرابيس، إذا فضل شيء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين عليه السلام، ولقد دخل إبنه أبو جعفر عليه السلام عليه، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد إصفر لونه من السهر, ورمضت عيناه من البكاء، ودبرت جبهته، وانخرم أنفه من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، قال أبو جعفر عليه السلام: " فلم أملك حين رأيته بتلك الحال من البكاء، فبكيت رحمة له، وإذا هو يفكر، فالتفت إلي بعد هنيهة من دخولي وقال: " يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام". فأعطيته فقرأ منها شيئا يسيرا ثم تركها من يده متضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام".(32) وما أقر به أعيان تلك العصور من العارفين والمتعلمين من أهل البيت عليهم السلام في العبادة، وتطاولهم لها فاستطالوا عليها، حتى أصبحوا زينة لها، واستوثقوا منها أجنحة القبول، فطارت بهم إلى أعلى درجات المخلوقين، فهم كما قال فيهم سيد الوصيين، ونفس رسول رب العالمين عليه السلام: " هم قوم هجم بهم العلم على الحقيقة الأمر، فباشروا روح اليقين، واستلانوا بما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا أبدانا أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه".(33)






ذلك حال الأئمة الأطهار من أهل بيت النبوة ومنزل الوحي ومختلف الملائكة استنسخوا الدين عن جدهم استنساخا، وأشرب في أفئدتهم وقلوبهم إشرابا، قبل أن يلبسوه جلبابا ففاض من قممهم الشامخة علوما الهية وهداية ربانية. لم يستفزهم سلطان حتى يرشدوا الناس إلى حضرته، غير سلطان الحضرة القدسية، ولم يدعو إلى بابهم متهم حتى يكونوا إلى التهمة أقرب بل كانت سيرتهم في الناس بيضاء ناصعة للقاصي والداني، ومن حيث ما تناولت منها وجدت ضالتك، وأدركت حاجتك، بمنأى عن فقهاء السلاطين، ودعاة الجبابرة والظالمين، فبذلوا دمائهم ومهجهم من أجل أن تبقى شريعة الإسلام طاهرة نقية في بيوتهم وقصد هديها، وأعطوا من أنفسهم ما لم يعط غيرهم، ليس من فراغ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، بل عن علم وعمل ودراية، وما أخرجه ابن حجر في صواعقه تتمة لحديث الثقلين عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: " فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم".(34) إلا دليل على مقامه العالي عن استطالة الناس واستشرافهم له، ومكانكم الداني من الله تعالى دنو قاب قوسين أو أدنى، كرهوا لأنفسهم وشيعتهم ما كرهه الله تعالى لهم وأحبوا لأنفسهم وشيعتهم ما أحبه الله تعالى لهم، فجرى ذلك المجرى من العلاقة على كامل أوجه الحياة، ولم يبق شيء متعلق بدين أو دنيا إلا بينوه وأظهروه، وأمروا مواليهم بالعمل به وأو الامتناع عنه.






للدعاء نصيب من الإيضاح والبيان عند أهل البيت عليهم السلام ليس على سبيل التأليف والكتابة. وإنما على سبيل التطبيق والممارسة، وقد ظهرت آثاره عليهم من وقوفهم بين يدي الباري تعالى. ومما علموه مواليهم وتلامذتهم من أفعال وأقوال، تسوق المتعبد إلى المعرفة والقرب والحب، فهذا أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق غليه السلام يعلمنا أدب الدعاء فيقول: "احفظ أدب الدعاء وأنظر من تدعو، وحقق عظمة الله وكبريائه، وعاين بقلبك علمه بما في ضميرك، وإطلاعه على سرك، وما يكن فيه من الحق والباطل، وأعرف طريق نجاتك وهلاكك، كي لا تدعو الله بشيء فيه هلاكك، وأنت تظن أن فيه نجاتك. قال الله تعالى: " ويدعو الإنسان بالشر دعاؤه بالخير وكان الإنسان عجولا". وتفكر ماذا تسأل؟ ولماذا تسأل؟ والدعاء استجابة الكل منك للحق، وتذويب المهجة في مشاهدة الرب، وترك الاختيار جميعا، وتسليم الأمور كلها ظاهرها وباطنها إلى الله، فان لم تأت بشرط الدعاء، فلا تنتظر الإجابة, إنه يعلم السر وأخفى، فلعلك تدعوه بشيء قد علم نيتك بخلاف ذلك، واعلم أنه لو لم يكن أمرنا الله بالدعاء، لكنا إذا أخلصنا الدعاء تفضل علينا بالإجابة، فكيف وقد تضمن ذلك لمن أتى بشرائط الدعاء، قال: فإذا أتيت بما ذكرت لك من شرايط الدعاء، وأخلصت سرك لوجهه، فأبشر بإحدى ثلاث، إما يعجل لك بما سالت، أو يدخر لك ما هو أعظم منه، وإما يصرف عنك من البلاء ما إن أرسله عليك لهلكت".(35)






والمتأمل في حال الصلاة وكيفيتها، والمتبصر لمعانيها وأسرارها، لا يراها إلا مقدمة لدعائه وندائه تعالى، وغلافا لقربه ورجائه، حتى يحقق القرب كله، ويستأثر العبد بأغلب التوجه إلى الله تعالى.






جاء عنهم عليهم السلام في مقدمة الصلاة، وآداب التهيؤ لتحصيل التوجه والخشوع والانقطاع إليه تعالى الإتيان بسبع تكبيرات كالآتي:






تكبر ثلاثا وتقول:






" اللهم أنت الملك الحق المبين، لا اله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".






ثم تكبر اثنتين وتقول:






"لبيك وسعديك الخير بين يديك والشر ليس إليك المهدي من هديت عبدك ابن عبديك ذليل بين يديك منك وبك ولك واليك لا ملجأ ولا منجى ولا مفر منك إلا إليك سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت الحرام.






ثم تكبر اثنتين وتقول:






"وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين". ثم تدخل في صلاتك بالاستعاذة ثم القراءة. ويكون دعاء القنوت في الركعة الثانية من الصلاة بعد القراءة، بأن يرفع يديه حيال وجهه فيدعو الله بمطالبه، ويستحب من الدعاء فيها بما جاء في الكتاب العزيز، وما نطق به المعصوم، لأنه الأقرب إلى الله تعالى، وإحدى الوسائل إليه.






وكما جاء الدعاء تهيئة ومقدمة للصلاة التي هي مقدمة للقرب والمناجاة، جاءت بقية العبادات والحالات التي يتقلب فيها المؤمن بين الأمن والخوف، يتقدمها الدعاء والتوجه، وما ورد عن أهل البيت الأطهار من الأدعية، كنز لا يقدر بثمن، ومورد كاف وينبوع معرفة صاف، وكل تلك النفحات رسول الله أصلها، وهم عروتها الوثقى التي لا انفصام لها، فعلمهم عليهم السلام علمه صلى الله عليه وآله، وعبادتهم عبادته، ودعاؤهم دعاؤه. أليس أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام باب مدينة علم رسول الله؟ فلماذا ينحرف عنه المنحرفون؟ أليس في دعائه ومناجاته وتضرعه وعبادته نفحات قدس من نفحات رسول الله صلى الله عليه وآله، والدعاء المسمى باسم صاحبه كميل بن زياد، هو من علم النبي صلى الله عليه وآله، وكذلك بقية ادعيته وكلامه، وكل ما خرج إلى الناس من ذلك البيت الذي أذهب الله تعالى عنه الرجس وطهره تطهيرا هو من معين النبي وفيضه الصافي، هم مستودعه وحفاظه ووعاته ورعاته. والصحيفة السجادية المنسوبة للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام هي مهجة الدعاء وخلاصته، بين فيها الإمام عليه السلام معالم العقائد ومكارم الأخلاق وآداب الدنيا والدين وما حوته من بديع المعاني وصفوة الكلم يغنيك عن اللجوء إلى غيرهم عليهم السلام في الدعاء لأنه لا وجه للمقرنة بين الثريا والثرى وتعميما لفائدة دعائهم عليهم السلام على الأمة الإسلامية تنقل جملة منها مأخوذة من كتب الدعاء المخصوصة والمعتبرة كمصباح المتهجد، والبلد الأمين، وجمال الأسبوع، ومفاتيح الجنان، ومفتاح الجنات، وضياء الصالحين وغيرها من كتب علماء أهل البيت عليهم السلام.






أما أتباع الأئمة الهداة، وشيعة إسلام أهل البيت عليهم السلام الخلص الذين مضوا على بصيرة من أمرهم، فقد سجل التاريخ لهم صفحات عز ومجد، وكانوا على مداه مضربا للمثل العليا، وعناوين كبيرة في العبادة والأخلاق والزهد والكرم والشجاعة والعلوم بأصنافها، ولو أطلقت العنان لذكر أسمائهم لما وسعني المقام، ولكني سأتشرف بذكر بعض أركانهم، ليكون حافزا لمن يبتغي المزيد لبذل الجهد في معرفة الحقيقة التي ظلت مخفية عن الكثيرين: فسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، والمقداد الأسود، وأبو ذر الغفاري، ومالك الأشتر، وميثم التمار، وحجر بن عدي الكندي قدس سرهم الشريف.






وإذا التفت إلى العلوم العرفانية التي هي محصل المعارف والتطبيقات العبادية الحقة، وجدت أن الأئمة الهداة وأتباعهم قد وضعوا أسسها، وشكلوا من أعماق توجهاتهم خيوط نسيجها، فبرع من أخذ عنهم، وأبحر في السلوك إلى الله تعالى من تتلمذ عليهم، والإمام الخميني فدس سره الشريف في كتاباته الآداب المعنوية للصلاة، وبقية كتبه كمصباح الهداية ن وجنود العقل والجهل، والأربعون حديثا، وكذا بقية المراجع العظام الذين كتبوا في العرفان والأخلاق، كان مرجعهم إلى الأئمة الهداة، ومدار تحقيقاتهم في ما توصلوا إليه من معين صاف، وينبئ عن جدارتهم بالإمامة وقيادتهم للأمة رغم أنوف الحاسدين، وعداوة الظالمين.






وفي الختام، أليس في هذا كله أدلة تفضي إلى القول بأن المعين الصافي الذي بحوزة أهل البيت عليهم السلام من عبادة ودعاء وأخلاق، هو الإسلام الحق الذي لم تشبه شائبة حكومات الظلم؟






إن منظومة الهداة من آل محمد متكاملة من الجانبين النظري والتطبيقي، لا اختلاف في أحكامها، ولا تضارب في تشريعاتها، من اقبل عليها غنم دينه، ومن فارقها خسره، إذ لا سبيل إلى الله تعالى غير سبيلهم ولا صراط ارتضاه للناس غير صراطهم المستقيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.











1 سورة غافر الآية 60






2 سورة البقرة الآية 186






3- سورة الأعراف الآية 55






4 سورة النمل الآية 62






5 الحقائق للكاشاني ص274






6 الكافي ج 2 ص466 / عدة الداعي ص39






7 الكافي ج2ص466 / مكارم الأخلاق ص 268 / عدة الداعي ص29






8 الكافي ج2 468 عدة الداعي ص 29






9 حديث أخرجه مسلم باختلاف في اللفظ والنسائي في الخصائص وأبو داود وابن ماجة وابن حنبل في مسنده بعدة طرق.






10 حديث أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده






11 سورة الأحزاب الآية 67






12 سورة الكهف آية 102 و103






13 مجمع البيان في تفسير القرآن ج1ص4






14 تفسير الطبري ج1ص78/79






15 مسلم ج 2 ص175






16 أخلاق محتشمي ص42






17 أخلاق محتشمي ص42






18 أخلاق محتشمي ص42 المحجة البيضاء






19 مسلم ج2ص188






20 الموطأ






21 مسلم ج2ص156






22 متفق عليه






23 مسلم ج2ص156






24 مسلم ج2ص156






25 مسلم ج2ص157






26 مصباح الشريعة/ الحقائق للكاشاني / المحجة البيضاء






27 كتاب التوحيد ص189






28 مسند احمد بن حنبل






29 المحجة البيضاء ج7ص178/179






30 نهج البلاغة ج2ص178/179






31 نهج البلاغة ج2ص99/100






32 المحجة البيضاء ج4ص234/235






33 نهج البلاغة قسم المواعظ والحكم رقم 147






34 الصواعق المحرقة لابن حجر






35 مصباح الشريعة ص132













/ 34