قراءة في حديث الثقلين - بینات من الهدی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بینات من الهدی - نسخه متنی

محمد الرصافی المقداد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







قراءة في حديث الثقلين





قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث رواه أكثر الفرق الإسلامية:






" تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي،
وانهما لن يفترق حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما".






إن المتتبع لأحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، والمتدبر لمعانيها يدرك مدى أهمية تلك الروايات في بيان وتفصيل الأحكام الإلهية لذلك لم يكن هناك بد من أن يكون حفظها موكولا إلى الشارع المقدس وليس إلى الناس، وكل ما جاءنا من روايات تفيد غير ذلك تفتقد قوة الدليل وتحتاج إلى إثبات منطقي يؤيد دعواها.






ننطلق إذا معتمدين على قاعدة الاتفاق التي يجمع عليها كل المسلمين إلا من شذ منهم والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه، والتي تقول: إن السنة النبوية هي ثاني مصادرنا التشريعية وحجية هذه القاعدة مستمدة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية نفسها.






أما من القرآن الكريم فقوله تعالى: " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". وقوله أيضا: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي". وقوله أيضا: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره..." و"إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله".(1)






أما من السنة نفسها فقد أورد أبو داود الطيالسي بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "لقد أوتيت هذا القرآن ومثله معه".(2)






لذلك لم نجد في مجمل أقوال العلماء الأعلام من يقول بغير حجية أقوال وأفعال وتقريرات رسول الله صلى الله عليه وآله، وعليه فان الخلاف ليس في حجية السنة وإنما في مصدر ورودها، أنأخذها عن كل من هب ودب فتكون بالتالي متروكة للناس بكل طبقاتهم، وفيهم المؤمن والمنافق والذي في قلبه مرض، ومن الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على دين الله، ومن الذين استهوتهم الدنيا وتزينت لهم فوقعوا في دوامة هواها، وما يعنيه ذلك من تقصير وعدم حكمة من قبل صاحبها.






وحيث أثبت المولى في كتابه العزيز أن الإشكال القائم في الشرائع السابقة يكمن في امتداد أيدي التحريف إليها لسبب واحد هو انحراف تلك الأمم عن المسار المسطر لها وابتعادها عن القائمين على تلك الشرائع حفظا وتطبيقا.






إن ما قيل من أن القرآن الكريم والسنة النبوية لم يكونا مجموعين على عهد النبي الأكرم لهو كلام غير قائم على دليل، لان ما جاء من روايات تؤكد عكس ذلك لكن السياسة والملك العقيم أبيا اعتماد الحقيقة، وكيف يمكنهما أن يفعلا ذلك وهما الغاصبين للحكم من أصحابه والمتسلطين على رقاب المسلمين.






ولأجل اعتماد فضائل مزعومة لبعض الصحابة لا يتورع هؤلاء من نسبة التقصير الى رسول الله صلى الله عليه وآله في حفظ شريعته والتفريط فيها لأناس حديثي العهد بالدين والقوانين والحضارة، ولنا أن نطرح سؤالا يقول: هل أمكن لهؤلاء الذين ألقيت على عواتقهم مهمة التبليغ والحفظ أن قاموا بمهمتهم على الوجه الأكمل؟ الجواب حملته لنا بطون المصادر وأمهات كتبها يقول: إن الذين قيل عنهم حفظة السنة لم يكونوا مدركين لحقيقة الرسول فضلا عن سنته ولست متجنيا على أحد في هذا القول وإنما هي الحقيقة المرة التي أثبتتها الأحداث والوقائع التي كشفت تنافرا بين أقوال هؤلاء وأفعالهم.






فقد جاء على سبيل المثال لا الحصر روايتين تهدمان مقام النبوة وتضعان ما ترتب عنها من آثار في مهب الريح.






تقول الرواية الأولى والتي تبنى صاحبها فكرة إلغاء السنة من الأساس: أخرج البخاريوغيره من الحفاظ والرواة والمؤرخين مجمعين كلهم على صحة الواقعة بلا نكير: بالإسناد عن ابن عباس قال: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى حضر رسول الله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقال عمر: إن النبي قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.






وفي رواية أخرى ان النبي ليهجر. وفي رواية ما له أهجر إستفهموه؟ وانقسم من في البيت فمنهم من يقول قربوا لرسول الله يكتب لكم الكتاب الذي ذكر ومنهم من يقول مقالة عمر(3) وحتى لا ينصرف بنا الحديث عن أصل الموضوع نقول إن عمر بن الخطاب هو أول من رفض السنة ودعى إلى اعتماد القرآن فقط.






وقد عمل في فترة حكمه على إنفاذ رأيه فعمد إلى حرق ما طالته يداه من أحاديث بدعوى اختلاطها بالقرآن وقد أخرج ابن سعد في طبقاته الكبرى رواية الحرق فقال: ان الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريفها.(4)






وكذلك فعل الخليفة الأول فقد أخرج الذهبي بالإسناد عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله (ص) وكانت خمس مائة حديث فبات ليلته يتقلب كثيرا فغمي، فقلت اتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بالنار فحرقها.






قال خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك.(5)






لم يكتف عمر بذلك فسعى إلى منع نشر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين الناس وما ترتب عنه من فوت لكثير من الأحاديث ضياعها، فقد ألزم عددا من الصحابة على عدم ترك المدينة لئلا يحدثوا عن رسول الله (ص)(6) بل ذهب الى أبعد من ذلك فقد روى المتقي الهندي بإسناده قال: أراد عمربن الخطاب أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها ثم كتب في الأمصار من كان عنده شيء من ذلك فليمحه.(7)






ذلك ليعجب العارفين بحقيقة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا حتى تبني موقفه، فقد استمر من كان يؤمن بجدوى وحقيقة كلام رسول الله صلى الله عليه وآله، في نشر تلك المعارف الإلهية متحديا موقف السلطة القائمة والتي تدعو الى منع نشر الأحاديث.






ولقائل أن يقول: ما الفائدة من تبني السلطة لمنع نشر السنة؟ الجواب لن يكون عسيرا ولا مستعصيا لكل من ألقى السمع وهو شهيد، إن الأحاديث النبوية كما هو معروف لدى الخاص والعام هي الشارحة والمبينة لاحكام الله تعالى التي جاء بها الوحي وهي جزء منه لقوله تعلى: "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن بقضى اليك وحبه وقل ربي زدني علما".






لذلك فان أي محاولة صدرت لمنع هذا الركن التشريعي من أداء دوره موسومة بالعداء مبنية على عقلية تريد إخفاء حقيقة أو عدد من الحقائق التي قد تحرج عند ظهورها ورواجها بين الناس من انبرى لمنع أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أعتقد أن هناك سببا آخر كان الدافع للمنع.






وبما أن بحثنا هذا يسعى الى تسليط الضوء على رواية لها أهمية قصوى تزيل ما تعلق بعقولنا من تساءل عن مآل السنة النبوية وقد مرت بعد انتقال صاحبها الى جوار ربه بأحلك فترات ابتلائها، فأهملت وتركت بلا تدوين حتى أذن بذلك الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز- هذا عند جمهور المسلمين- فكان أول الكتب موطأ مالك بن انس (150 للهجرة)






يقول الحديث الذي أخرجه الترمذي في سننه والنسائي في خصائصه ومسلم في جامعه المسمى بالصحيح وأحمد بن حنبل في مسنده والحاكم النيسابوري في مستدركه والمتقي الهندي في كنزه وابن كثير في تفسيره وغيرهم كثير ممن أحصاهم صاحب غاية المرام وابن حجر في الصواعق فبلغوا لديهما الى ثمان وثلاثين طريقا كلها صحيحة الإسناد: "






اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما".(8)






باختلافات يسيرة في اللفظ أما ما نقله أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فقد جاوز الثمانين طريقا، وهو من الأحاديث التي بلغت حد التواتر الا أن السياسة أبت الا توهين ما صح ثبوت وروده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكي لا يستقيم أمر الحاكمية الإلهية وقد تم لهم ذلك.






ولست هنا في مقام مناقشة الحديث سندا لانه من الأحاديث التي أخرجها الفريقان وأقرا بصحة صدورها عن نبي العصمة صلى عليه وآله وسلم بل هي من المسلمات التي تضمنتها بطون أمهات كتبهم، إنما أنا في هذا الباب مستشف لمعانيه التي أغفلها جمهور المسلمين ولم يعيروها الأهمية التي قصدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ورائه الوحي الالهي.






يعتبر الحديث من الوصايا المعتبرة (تركت فيكم) بل هو أهمها على الإطلاق إذا ما نظرنا الى تعلق الوصية بعامل عدم ضلال كل متمسك بمحتواها (ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا) وهما الكتاب العزيز والعترة الطاهرة من أهل بيت المصطفى عليهم الصلاة والسلام.






ومن هنا تنكشف لنا حقيقة أن السنة النبوية لم تكن بمنآ عن الحفظ بل ان المولى سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم تبعا لذلك قد جعلا لها وعاء واقيا ومستحفظين صادقين لا يتطرق إليهم شك وهم عترة المصطفى الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بمقتضى الآية التي في سورة الأحزاب التي أقر كل المفسرون والحفاظ والرواة بنزولها في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلى الله عليهم وسلم تسليما كثيرا رغم أنوف الحاسدين والمبغضين حتى الذين نقلوا جعجعة نزولها في نساء النبي (ص) كعكرمة الخارجي المبغض لعلي عليه السلام ومقاتل الجوزجاني الكذاب بلسان ميزان الجرح والتعديل(9)، لم ينقلوا عنهما رواية واحدة، انما نقلوا آراءهما التي لم تستند على حجة يعتمد عليها، في مقابل عشرات الروايات التي تذكر اهل البيت الخمسة عليهم السلام، ومن بين رواتها ام المؤمنين أم سلمة وعائشة، ولو كانت لإحداهما خصوصية في تلك الآية لأشارت إليها.






راجع على سبيل المثال لا الحصر تفسير الطبري وتفسير ابن كثير الدمشقي،(10) مع رجائي الحار أن يتجنب الباحث عن الدليل والحقيقة أن يتجنب مختصرات التفاسير لان هناك من يسعى الى تغطية الحقائق بحذف الروايات الخاصة بفضائل أهل البيت عليهم السلام تحت عنوان المختصر من التفسير كمختصر ابن كثير لمحمد علي الصابوني.






ولقائل أن يقول كيف يمكن أن نستشف العصمة لأهل البيت عليهم السلام من خلال هذه الرواية؟ فأقول اعلم هداك الله تعالى الى التمسك بالصفوة الطاهرة عليهم السلام أن اقترانهم بالكتاب العزيز الذي لا يا تيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه دال على ذلك مع عدم افتراقهما الى يوم القيامة إشارة أخرى بعصمة هؤلاء.






إذا فالدليل الأول الذي يؤيد عصمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام هو جعلهم في الحديث ثقلا لكتاب الله، والدليل الثاني أن التمسك بالعترة الطاهرة عاصم من الضلالة والدليل الثالث هو أن العترة الطاهرة لن تفترق عن كتاب الله الى يوم القيامة (حتى يردا علي الحوض).






قد يصطدم القارئ بهذه الحقيقة التي ظلت مغيبة عنا قرون طويلة، وقد يراها تتعارض مع الحديث الذي كنا تعتقد أنه صحيح لا غبار عليه والذي رواه مالك بلاغا دون ان يفصح عن سنده وهو أول من حدث به ومن جاء بعده أخذ عنه، يقول الحديث: "عن مالك انه بلغه أن رسول الله - ص -: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه".(11)






ان الحديث رغم انقطاع سنده وهو دافع قوي يدعو الى رده، لعدم الوقوف على رواته، لا يتعارض مع حديث الثقلين، لثبوت حجبة السنة النبوية، فلو كان الحديث مثلا: "تركت فيكم كتاب الله وصحابتي". لأمكننا الموازنة بين الحديثين وترجيح أحدهما على الآخر بقوة الدليل.






ولما لم يكن من ذلك شيئ رجعنا الى القول بمؤيد حديث الثقلين لتعدد طرقه من الفريقين ولسلامة ألفاظه وصحة معانيه.






يقول ابن حجر الهيثمي في صواعقه: ثم اعلم ان لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا..






ويقول أيضا ولذا حث (ص) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم وقال: "الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت". وقيل سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما.(12)






ويقول الالوسي: وهذا الحديث ثابت عند الفريقين أهل السنة وشيعة (أهل البيت عليهم السلام) وقد علم منه ان الرسول (ص) أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسك بهذين العظيمي القدر والرجوع إليهما.(13)






ويزداد تأكدنا من امتناع صدور رواية مالك عن النبي (ص) بخصوص وصيته بالكتاب والسنة، لما رواه الفريق القائل بصحته على علاته من أن السنة النبوية لم تكن مكتوبة لديهم فضلا عن القرآن الكريم، فالسنة كنا قد أشرنا في بداية البحث عن توقيت تدوينها، أما القرآن فهم يعتقدون بأن نقيصة عدم تدوينه وخلل إهماله قد استدركه ابو بكر فجمعه، وخص إحدى نساء النبي (ص) بالائتمان عليه دون الأمة، ولست أدري الفائدة التي حصلت من ذلك الجمع؟، ثم جاء عثمان فجمع جمعه وأحرق بقية المصاحف التي كانت بأيدي أصحابها، رغم أنهم يقولون بتعدد أحرف القرآن، وأنه نزل على سبعة أحرف، فهل كان حرق المصاحف الا هروبا من التفاسير التي أثرت عن النبي (ص) وكانت السلطة آنذاك تتحرج من بقائها بين أيدي الناس، لتعلقها بكثير من النصوص التي تتعارض ومصلحة السلطة.






فكيف يمكن أن يحيلنا رسول الله (ص) على مصدرين أساسيين من مصادر التشريع وهما غير مدونين؟ ولا بين لنا كيفية الاستفادة منهما وهما مبثوثان في صدور الناس؟ أفلا يكون حملتهما هم المعنيون؟ أليس في كتاب الله تعالى ما يشير الى ذلك ويقوي حجة أهل البيت عليهم السلام بأن العترة الطاهرة هي وعاء الشريعة وقادة الأمة؟ حيث اصطفاهم الله واختارهم من بيوتات العرب ومنحهم من علومه ما جعل الناس عيالا عليهم.






نعم لم يفرط المولى سبحانه وتعالى في شريعته ولم يتركها للناس يفعلون بها ما يريدون وانما جعل لمنظومته تكاملا لم يتخلله نقص ولا أعقبه استدراك من أحد، وهو المطلع على خلقه العالم بخفايا أنفسهم وبواطن عقولهم، فخلق لهم الحجة والشاهد عليهم قبل الخلق.






ولما كان هو الحاكم الأول والأخير، قال تعالى: "ان الحكم الا لله. وقال أيضا: "الا له الحكم".(14) ومنه جاءت الأحكام والسنن فان أمر تبليغها وتطبيقها ورعايتها ووعايتها أوكله الى سلسلة ولايته وهم الأنبياء والائمة الهداة والعلماء العدول.






فقد جاء في سورة المائدة قوله تعالى: "انا نحن نزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من متاب الله وكانوا عليه شهداء".






لذلك لم يوكل المولى سبحانه وتعالى مسألة ألحا كمية لخلفه مجردة عن قوانينه، بل جعل لها حيزا في منظومته الدقيقة وتشريعاته التي وضعت لكل شيء قدرا.






فالتشريع مهم والاهم منه حفظه ورعايته، الذين يجب أن يكونا من جنس التشريع.






ومن هنا جاء حديث الثقلين الذي وان تعددت طرقه فقد تعددت ألفاظه لسبب واحد هو حرص النبي (ص) على التأكيد على أهمية العترة الطاهرة من أهل بيته في مقام الحفظ والرعاية.






قال تعالى: "انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون".(15)






فالتنزيل كما هو معلوم كان عن طريق الروح القدس عن طريق النبي (ص) والحفظ لا يعدو ذلك عن طريق الإمام الذي أحصى الله تعالى فيه كل شيء متعلق بأحكامه وما يحتاجه الناس في معاشهم ومآبهم.






وجعلهم أمثلة أممهم وقدوة عصورهم ومنارات هدي يأوي اليها التائهون ويستضيء بنورها المتحيرون ويستهدي بها الغارقون في ظلمات الجهل وعدم المعرفة وهم أكثر الناس. قال تعالى أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده".(16)






واذا كنا سلمنا بليلة القدر وحتمية بقائها بعد رسول الله (ص) فان ما تستدعيه تلك الليلة يستوجب من الذين لا يعتقدون بوجوب الإمامة على الله تعالى أن يسألوا أنفسهم على من تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر؟ ان الاصطفاء الإلهي جار في الإمامة كما هو جار في النبوة فهما وظيفتان تندرجان في مقام اللطف الإلهي ومن السنن التي لم تنقطع والعجيب والغريب في أن يستنكر المسلم اليوم هذه المسألة ويعترض عليها بعلم أو بدون علم ويمر على التسيب والمهازل التي أردت بنا إلى حضيض الأمم مرور الكرام.






ان اعتماد مقولة ترك أمر الشريعة الإلهية للناس وإهمال القيمومة عليها هو كالقول بالنقص في الشريعة الإسلامية واحتياجها من بعد الرسول الى من يستدرك ما غاب عن أصحابها.






وقد أدى هذا القول إلى أكنسة الدين وحصره في مجرد طقوس تعبدية لا ترقى الى تلبية حاجات الناس الدنيوية، ومن ثم فصل الدين عن الحياة وموالاة الظالمين، فضربت الشريعة وحرفت بعض أحكامها لخدمة الطغاة وأفرغ الدين من محتواه وأهدافه حتى كاد يضمحل من وجدان ومشاعر وعقيدة المسلمين، وذلك لسبب واحد هو تغييب الحاكمية وبترها عن جسد الشريعة بدعوى تركها لناس.






ومن هذه الوجهة جاء حديث الثقلين ليثبت مفهوم المرجعية العليا للامة ويشير الى أن تلك الوظيفة هي ضرورية لبقاء الشريعة وتطبيق أحكامها في الأرض، ومن دون تلك المرجعية لا يبقى للدين معنى.






لقد قرن حديث الثقلين كتاب الله سبحانه وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بالعترة الطاهرة من أهل البيت عليهم السلام والذين اصطفاهم خالقهم فأذهب عنهم رجس الشيطان وطهرهم تطهيرا، تماما كما جعل لهم المولى تعالى حيزا في مراتب ولايته فقال: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول..."(17)






خاطب المولى سبحانه وتعالى في هذه الآية المؤمنين فدعاهم الى طاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر وهي طاعة ملزمة لا مفر منها، ثم عادت الآية لمخاطبة الذين آمنوا ناسبة إليهم إمكانية التنازع فيما بينهم عدا مراتب الولاية الثلاث لأنها تحت طائلة الإلزام الأول والتنازع معها موجب للعصيان والكفر والخروج عن الدين.






وفي الآية دلالة على عصمة أولي الأمر تماما كحديث الثقلين لان الله تعالى لا يمكن أن يأمرنا بطاعة من تجوز عليهم المعصية ثم يحاسبنا عليها.






ويؤيد دعوى خصوصية الآية بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام، واعتلائهم مقام البيان والهداية في الأمة ما جاء في قوله تعالى: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه الى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم".(19)






جاءت هذه الآية لتوضح أكثر دور أولي الأمر في المرجعية والقيادة حيث جعلتهم في مقام واحد مع الرسول الأكرم في بيان كل ما يتعلق بأوجه الحياة (الأمن=السلم)، (الخوف=الحرب) وضرورة رجوع الناس إليهم فيها






قال تعالى: "أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما".(20)






والناس في هذه الآية هم آل محمد عليهم الصلاة والسلام كما جاء في الروايات المفسرة للآية من طريق أهل البيت عليهم السلام.






وقال أيضا: "ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب".(21)






وقال أيضا: "قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب".(22)






والكتاب علم رباني لا يعطيه الله سبحانه وتعالى الا لمن اصطفاه فيكون وعاءه وحافظته، ولا شك أن المقصود في الأمة بمن عنده علم الكتاب هو علي عليه السلام، وفق ما جاء من تفسير الآية ومطابقة لحديث باب مدينة العلم وبقية الأحاديث، مع ما جاء من أنباء تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الإمام علي هو فقط من عنده علم الكتاب على عهد رسول الله (ص)






لقد كان رسول الله (ص) دائب البيان والتوضيح بخصوص المقصود بهم أهل البيت عليهم السلام، فقد صرح بذلك في عديد الأحاديث بحيث لم يترك مجالا للتساءل والتأويل فقال (ص): "ألا أن مثل آل محمد (ص) كمثل نجوم السماء اذا خوي نجم طلع نجم".(23)






وعندما نزلت الآية: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها". كان (ص) يأتي باب علي وفاطمة (وهو الباب الذي لم يسد مع باب حجرته الشريفة عندما أمر بسد الأبواب المشرعة على المسجد)






عن أنس بن مالك: أن النبي (ص) كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج للصلاة".(24)






وعن أبي الحمراء قال: شهدت النبي (ص) يطرق باب علي ويقول الصلاة انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".(25)






وعن أبي ذر قال: قال رسول الله (ص): إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّّّّف عنها غرق".(26)






وقال (ص) أيضا: " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف".(27)






أما ما قاله الإمام علي عليه السلام نفسه فهو إثبات آخر يزيد المسألة توضيحا وحجة فقد قال في إحدى خطبه: "اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته وكم ذا وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلون عددا والاعظمون قدرا يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتى يودعوها نظائرهم ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون واستأنسوا بما استوحشه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه.(28)






وقال عليه السلام في أخرى: "خذوها من خاتم النبيين (ص) انه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلي منا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون فان أكثر الحق فيما تنكرون






واعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو. ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر، وركزت فيكم راية الإيمان.."(29)






وقال في أخرى: "أين الذين يزعمون أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم".(30)






وقال في أخرى هم عيش العلم وموت الجهل يخبركم حلمهم عن علمهم وصمتهم عن حكم منطقهم لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه.






هم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام بهم عاد الحق في نصابه وانزاح الباطل عن مقامه وانقطع لسانه عن منبته. عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية، فان رواة العلم كثير ووعاته قليل".(31)






ولم يشذ عن قاعدة الاعتراف بأن أهل البيت المقصودين هم النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين حتى أشد المخالفين عداوة فهذا ابن تيمية يقول: طالما بين سبحانه أنه يريد أن يذهب الرجس عن أهل بيته ويطهرهم تطهيرا.






دعا النبي (ص) لأقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصا به وهم علي وفاطمة رضي الله عنهما وسيدي شباب أهل الجنة، جمع الله لهم بين أن قضى لهم بالتطهير وبين أن قضى بكمال دعاء النبي (ص) فكان ذلك ما دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله".(32)






هؤلاء إذا هم المصطفون من آل بيت النبي (ص) ممن أختارهم الله تعالى للقيام على دينه وشريعته حفظا وتطبيقا في الناس، كما كان شأنه في سابق رسالاته، وكل من حاول صرف هذا الأمر عن أصحابه إما أن يكون جاهلا لا يدري يما يفعل واما أنه متربص بهذا الدين تربص العدو الذي يريد به شرا، ولم أرى في حياتي شرا أشد على هذا الدين من إعفاء أصحابه من قيادة الأمة بدعاوى واهية أثبتت كذبها وفشلها وبعدها عن الدين، وحالنا اليوم ينبئ بالدور الذي قصر عنه أهل البيت مرغمون فلم يتجاوز الا خلص أتباعهم وخاصة مواليهم، ممن لم ترهبهم تهديدات الظالمين فأخذوا عنهم معالم الدين بيضاء صافية نقية حقة.






ويقدم لنا دليلا لا ينكره إلا ممار ومعاند على صدق دعوى الاصطفاء الإلهي واختصاص الإمامة بعد النبي بأصحابها الذين أرادهم الله تعالى قادة، وهذه عترتهم الطاهرة لا تزال كما اخبر عنهم جدهم أطوادا شماء وحصونا حصينة للدين، ومنارات علم، وطريق هدى لمن يريد الخلوص إلى الله تعالى.











1- سورة الحشر الآية7. -سورة النجم الآية 3-سورةالنور الآية63- سورة آل عمران الآبة31.






2- سنن أبي داود ج2 ص229 أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو رية ص 25-26.






3- البخاي في جامعه ج3 ص61 ومسلم في جامعه ج5 ص75 وأحمد بن حنبل في المسند ج1 ص355 ابن الاثير في الكامل ج2ص212 الطبري في تاريخ الامم والملوك، وغيرهم






4- طبقات بن سعد ج5ص140.






5- تذكرة الحفاظ للذهبي ج1ص5. كنز العمال للمتقي الهندي ج10ص25.






6- مستدرك الحاكم النيسابوري ج1ص110 كنز العمال ج10ص285.






7- كنز العمال ج10ص291.






8- حديث الثقلين أخرجه كل من: مسلم في جامعه ج7ص122، 123، 124- الترمذي ج5ص663 حديث3788 خصائص النسائي ص41. -سنن الدارمي ج2ص431-مصنف ابن أبي شيبة ج11 ص452 حديث11725 السنة لابن أبي عاصم ج 2ص336 ح 754 و628 و630 وحديث 1548-1549 - 1553. طبقات بن سعد ج2ص194 مشكل الآثار ج2 ص368-حلية الاولياء لابي نعيم ج1 ص355 المعجم الكبير للطبراني ج5 ص153-154 ح 4921-4923 وص169-170 ح 4980-4982. المعجم الصغير ج1ص131 المناقي لابن المغازلي الشافعي ص234-235 ح 281-283-مصابيح السنة للبغوي ج4 ص190ح4816 جامع الاصول ج1 ص278. - أسد الغابة ج2ص12 ذخائر العقبى للمحب الطبري ص16-احياء الميت للسيوطي ص30-32 ح6-8 مجمع الزوائد للهيثمي ج1ص170 وج9 ص162-كنز العمال وفيه 17 حديثا ج1 ص172-173 وص185-186 وص 187 تفسير الرازي ج8ص163 تفسير ابن كثير ج4 ص122 الصواعق المحرقة ص126 يض القدير للمناوي ج3 ص14-15- وأخرجه صاحب غاية المرام فعدد طرقه. -جماعة التقريب بين المذاهب الاسلامية، أخرجت الحديث في رسالة مختصرة شافية وتتبعت مصادره. مستدرك الصحيحين للحاكم ج3ص109وص148-533 الدر النثور ج2ص60 تاريخ بغداد ج7ص442-شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية ص120.






9- ميزان الاعتدال ج3ص93-97 ترجمة عكرمة وج 4ص173-175 ترجمة مقاتل بن يليمان البلخي المفسر.






10- تفسير ابن كثير الدمشقي ج3ص483-485 الآية تفسير الطبر يسورة الاحزاب الآية، وبقية كتب التفسير.






11- الموطأ لمالك بن أنس.






12- الصواعق المحرقة لابن حجر ص126و150-151.






13- محمود شكري الالوسي مختصر التحفة الاثني عشرية ص52.






15- سورة الانعام الآية62.






16- سورة الانعام الآية90.






17- سورة النساء الآية58.






18- سورة النساء الآية82.






19- سورة الآية






20- سورة النساء الآية54.






21- سورة العنكبوت الآية27.






22- سورة الرعد الآية43.






23- الصواعق المحرقة لابن حجر ص235-236.






24- المسند لاحمد بن حنبل ج3ص259-285.






25- البلاذري في انساب الاشراف ص104- البيهقي في الاختصاص ص186






26- السيوطب في الجامع ىالصغير ج1ص 373 وج 2ص 133 المعارف لابن قتيبة ص252-ابن كثير في تفسيره ج4ص113-ابن حجر في الصواعق ص152-186-185-






27- الصواعق لابن حجر ص235-ابن كثير ج4 ص123-السيوطي في الجامع ىالصغير ج1 ص373 وج 2ص 533 ينابيع المودة ج1 ص129.






28- نهج البلاغة ج4ص38.






29- نهج البلاغة ج1ص154.






30- نهج البلاغة ج2ص44.






31- نهج البلاغة ج2ص232.






32- حقوق آل البيت لابن تيمية ص12.











/ 34