قراءة في مقام فاطمة الزهراء عليها السلام - بینات من الهدی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

بینات من الهدی - نسخه متنی

محمد الرصافی المقداد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید









قراءة في مقام فاطمة الزهراء عليها السلام






عندما يقف العقل البشري عاجزا عن إدراك كنه هذا الطود الأشم، وحين تنساب سبحات القدس معظمة لنسمة اللطف الإلهي، وحين تنحني كل إشراقة روحية أمام حوراء إنسية أطلت على عالمنا إطلالة سريعة وغادرته حاملة معها أسرار الوجود ومعاني النشأتين وتركت في أثرها تساؤلات عديدة لا يكاد أكثرها يجد الجواب الشافي، قد يتبادر إلى الكثيرين أنني بصدد الحديث عن نبي مرسل أو ملك مقرب، أو أنني عرجت إلى السماوات العلا، لا شيء من ذلك قطعا، فأنا بصدد ذكر سيدة لم تظلم في تاريخ البشرية واحدة مثلها.







عندما يتردد اسمها بين شفتي تختلج نبرات صوتي كأنما تدفعني إلى البكاء، وعندما أتتناول ورقة لأخط اسمها يرتعش القلم بين أصابعي وتصفر أناملي خجلا ورهبة وتتصاغر الورقة عن استيعاب عظمة الاسم الذي خرت له الملائك والملكوت.







وعندما أستنطق التاريخ فأجده صغيرا عن ذكرها، لا يكاد يحوي نزرا من خصائصها كأنما يعبر عن العجز الذي بداخله والخلل الذي اعتراه وهو يتخطى هذه العظيمة وفي بطنه إفرازات الظلم وأعوانه.







عندها أعود إلى نفسي فأسألها متحيرا فأسألها أي مركب تركبين؟ وتتشبث هي في المضي قدما إلى ساحل العظمة بلا إبحار لأن الإبحار فيه ضرب من المستحيل.







سيدتي يا مستودع النبوة والإمامة وإشراقة النور الملكوتي، وتجليات الهداية والرحمة ومعدن العلم والصبر.







يا صفوة الخلق من الخلق حين لا خلق، يا من تجسدت فيك إرادة الخالق تعالى فكان في غضبك غضبه وفي رضاك رضاه.







أيتها الحوراء النافرة من الدنيا، القالية لمتاعها، ماذا أقول فيك وقد حيرت القريب والبعيد، وما يمكنني أن آتي به وقد عجز جهابذة الأدباء والعلماء عن إدراك كل خصالك والإحاطة بشخصك ومثالك.







لقد افصح الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني قدس سره الشريف عن بعض حقيقتك عندما خلص إلى القول بأنك جامعة خصال الأنبياء عليهم السلام وقال أيضا: " لا يفي حقها من الثناء كل من يعرفها مهما كانت نظرته ومهما ذكر لأن الأحاديث التي وصلتنا عن بيت النبوة هي على قدر أفهام المخاطبين واستيعابهم ومن غير الممكن صب البحر في جرة".







هكذا أشار الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه في معرض حديثه عن الزهراء عليها أفضل صلاة وأزكى تسليم في احتفال بيوم ولادتها وهو اليوم الذي اتخذته الجمهورية الإسلامية في إيران عيدا عالميا للمرأة المسلمة.







بنت من أنت؟ وحليلة من؟ وأم من حتى تمرين في التاريخ بلا لحظ ولا أثر يوازيان عظمتك ويدانيان مقامك؟ ماذا صدر منك حتى يشاح بوجه الجهل عنك؟ عجبي لأمة اتخذت من تقارير الطغاة دنيا وعقيدة وتركت وراءها سابغ النعم ومروي الغليل من النبع الصافي والكوثر الرقراق، وصدق العلي الأعلى فيما قال: " إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور".







لقد كانت ولادتك وأتى مجيئك تحديا لمجتمع لفظ المرأة لفظ النواة ووضعها موضع التبعة والتهمة والخطيئة بل هي أنكى من ذلك كله، لقد بلغت بهم الجاهلية مبلغ القتل والوأد بلا حرج ولا تثريب، ولا وصف أدق من قوله تعالى: " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون".







مجتمع ليس للمرأة فيه دور يذكر ولا مكانة مراعاة سوى الخدمة التي لا شكر عليها والزواج الذي يعتبرون فيه أن الأنثى وعاء لا يهم من واقعها طالما إنها ستأتي بالولد الذكر.







من هنا كانت ولادة فاطمة بنت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تحديا ولمعتقدات فاسدة بشأن المرأة وتأسيسا لعقلية جديدة في قبول ذلك الكيان وإعطاءه حقه، ومن جهة أخرى يمكن القول بأن مجيء الحوراء الإنسية كان ردا على الذين قالوا بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبتر لا عقب له
وإعلانا غيبيا يتمثل في أن نسل خاتم الأنبياء والمرسلين سيكون من بنته الزهراء.







جاءت الروايات التي تحدثت عن ولادتها متضمنة لتفاصيل عجيبة دالة على عظمة هذه المرأة نقتصر منها على هذه الرواية:







عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كيف كانت ولادة فاطمة؟ قال نعم إن خديجة رضي الله عنها لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله، هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن إليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل إليها فاستوحشت خديجة من ذلك، فلما حملت بفاطمة، وكانت تغتم وتحزن إذا خرج رسول الله (ص) فكانت فاطمة تحدثها من بطنها وتصبرها، وكان حزن خديجة وحذرها على رسول الله (ص)، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله (ص)، فدخل يوما فسمع فاطمة تحدث خديجة.







فقال: يا خديجة من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني. فقال: يا خديجة هذا جبرائيل يبشرني بأنها أنثى وأنها النسمة الطاهرة الميمونة وأن الله تعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة الأمة، ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه، فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم ليلين منها ما تلي النساء فأرسلن إليها بأنك أغضبتنا ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له، فلسنا نجيئك ولا نلي من أمرك.







فاغتمت خديجة لذلك، فبينا هي في ذلك إذ دخل إليها أربع نسوة كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن، فقالت إحداهن لا تحزني يا خديجة فانا رسل ربك إليك ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفورا بنت شعيب، بعثنا الله إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها والثانية عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها.







فوضعت خديجة فاطمة طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها نور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا في غربها موضع إلا أشرق فيه النور.







فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، ودخلت عشر من الحور العين مع كل واحدة منهن طست من الجنة وابريق فيه من ماء الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها وغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة وقنعتها بالأخرى، ثم استنطقتها فنطقت بشهادة أن لا اله لا الله وأن أباها محمدا سيد الأنبياء وأن بعلها عليا سيد الأوصياء وأن ولديها سيدا الأسباط، ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة باسمها، فضحكن إليها وتباشرت الحور العين وبشر أهل الجنة بعضهم بولادتها، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، وبذلك لقبت الزهراء، ثم قالت خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها، فتناولتها خديجة فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدر عليها وشربت وكانت تنمو في كل يوم كما ينمو الصبي في الأسبوع وفي كل أسبوع كما ينمو في كل شهر".







نشأت فاطمة بين والدها محمد بن عبد الله سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وسيدة نساء العالمين خديجة عليها السلام يغذوانها بعلوم النبوة ومعدن العفة ويحيطانها بمكارم الأخلاق ومعالي همم الأشراف.







فدرجت سريعا تلقف ما يلقى إليها وتعي ما يحاط بها، كأنها تستعد لأحداث جسام وتتهيأ لأمور عظام.







وكان الأمر كذلك ففقدت أمها وعمها في وقت حساس كان أبوها في أمس الحاجة إليهما ففي شهر رمضان من السنة العشرة للبعثة توفيت خديجة بعدما وفت بما عليها وزيادة، وبعد معاناة شديدة في شعب مكة المسمى بشعب أبي طالب.







ولحقها بعد ثلاثة أيام أبو طالب عليه السلام عم رسول الله (ص) وناصره وحاميه وكافله والمؤمن به ظاهرا وباطنا، وإذا لم يكن النصر والحماية والكفالة إقرارا ودينا فما بقي للدين شيء.







كان أمرا جللا وخطبا جسيما وضعها صغيرة في محك الابتلاء وحركها نحو تحمل مسؤولياتها.







شعرت بفداحة فقد الأم فوطنت نفسها لأن تكون أما لأبيها صلى الله عليه وآله وسلم.







أحاطته بحنان البنت والأم حتى قال فيها رسول الله (ص): فاطمة أم أبيها، وقفت على شؤونه دون بقية نسائه فكانت وحدها من بين النساء الصدر الوحيد الذي يأوي إليه (ص) بعد خديجة وفاطمة بنت أسد زوجة أبي طالب وأم أمير المؤمنين علي عليه السلام.







كانت إذا أقبل رسول الله (ص) عليها وجاءها إلى بيتها، وكان دائب الزيارة لها ولبعلها ولبنيها، قامت له وفرحت به وقبلته وأجلسته مكانها، وكانت إذا جاءته إلى بيته وقف لها وفرح بها وقبلها وأجلسها مكانه.







لم يكن رسول الله (ص) بمعزل عما يدور في خلد كثير من المسلمين وقتها من جهل لحال الصفوة الطاهرة وحسد بدأ يدب من بعضهم فأراد أن لا تبقى معذرة بخصوص مرضى الجهل والحسد فكان يأتي تسعة اشهر باب علي وفاطمة في كل وقت صلاة فيطرق الباب ويقول: السلام عليكم، الصلاة أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".







ولم يكن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعزل عن الوحي بل كان مفسرا لكلام الله تعالى وأحكامه وارادته التي شاءت أن يكون لبيت النبي (ص) صفوة كسائر بيوتات الأنبياء عليهم السلام، وكان بيانه ذلك دحضا لكل ريب أو اشتباه قد يحصل من جانب المسلمين المكلفين بالسمع والطاعة والاقتداء بمن خصهم المولى بتزكيته ليكونوا للناس منارات هدى وأعلام تقى، حفظة لدينه من عبث العابثين واسترعاء لأحكامه من تحريف المضلين.







إشارة واضحة الدلالة على أن هذا البيت هو بيت من اقتضت إرادة الباري تعالى تسديدهم، لما لمسه منهم من استجابة تلقائية لأوامره ونواهيه فأذهب عنهم رجس الشيطان وطهرهم تطهيرا.







قال تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم".







وكانت حادثة المباهلة التي جمعت رسول الله (ص) بوفد نصارى نجران إشارة أخرى إلى أن المقصود بأهل البيت عليهم السلام هم خاصته، صفوة الله منذ الأزل، لم يخرج رسول لله معه غير فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام.







كان خروجه ومن أخرج معه بأمر الله تعالى، كما دلت الآية على ذلك: " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين".







وفي الآية إشارة لطيفة إلى أن المقام الذي أراده المولى سبحانه وتعالى هو مقام الاحتجاج والشهادة لم يكن متاحا لغير الصفوة الطاهرة التي اختارها الباري تعالى على بقية الخلق.







وجاءت آية مودة القربى: "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى".







فقال الصحابة: من قرابتك الذين وجبت مودتهم يا رسول الله؟ فقال (ص): علي وفاطمة وأبناءهما.







لم يتوقف الوحي الصادر عن الذي لا ينطق عن الهوى (ص) بل تواصل بتواصل إرجاف الناس وإحجامهم عن المودة والموالاة التي أمروا بها، انبرى سيد الكونين (ص) إلى ترغيب المسلمين في محبة أهل البيت عليهم السلام فقال: "من أحبني وأحب هاذين (إشارة إلى الحسن والحسين عليهما السلام) وأباهما وأمهما كان معي في درجتي في الجنة".







وقال: "حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا".







وقال: "يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق".







وقول الرسول (ص) لسلمان: "يا سلمان من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي ومن أبغضها فهو في النار.







يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن، أسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والصراط والمحاسبة".







إذا اعتبرنا أن الحب والبغض وبمعنى آخر التولي والتبري هما أصل الدين وخلاصته. جوهره الحب في الله والبغض في الله، أن نتولى أولياؤه فنحبهم ونقدمهم على أنفسنا وأقاربنا ونقتدي بهداهم، وأن نتبرأ من أعدائه ونكرههم ونعاديهم ونحاربهم إن لزم الأمر، وما الدين إلا هكذا.







وطالما أن الدين كله توليا وتبريا يحق لنا أن نتساءل أين هذا الجم الغفير من المسلمين من ولاية أهل البيت عليهم السلام عدل القرآن بلسان خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال مرارا وتكرارا: " اني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترق حتى يردا علي الحوض".







حتى لا يتطرق شك في مقام الطاهرين من آل محمد، ولا يرتاب مرتاب، ولا يتأول متأول، وقطعا لكل ضن قد يداخل المسلمين، قرن رسول الله (ص) عترته الطاهرة بالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو اقتران دال في معناه على استحالة صدور الذنب عنهم لملازمتهم الكتاب، ولأمر التمسك بهما معا لأن التمسك بالكتاب وحده لا يعصم من الضلالة لاستلزام وجود قائم عليه حافظا له شارحا لمقاصده.







وقد سماهما الثقلين لثقل مقامهما وعظم شأنهما، قال رسول الله (ص): "لو لم يكن علي لما كان لفاطمة ند".







وطبيعي أن من أذهب الله تعالى عنها الرجس وطهرها تطهيرا لا يعدلها إلا من اذهب الله تعالى عنه الرجس وطهره تطهيرا.







وشاءت عنايته أن يكتب عقد جوازهما في الملا الأعلى:







" لما زوج رسول لله (ص) فاطمة من علي عليهما السلام كان الله تعالى مزوجه من فوق عرشه وكان جبرئيل الخاطب وكان ميكائيل واسرافيل في سبعين ألفا من الملائكة شهودا وأوحى الله إلى شجرة طوبى أن انثري ما فيك من الدر والياقوت واللؤلؤ وأوحى إلى الحور العين أن التقطنه فهن يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة فرحا بتزويج فاطمة عليا عليهما السلام".







أسماء فاطمة وكناها هي من العدد ما لم يكن لغيرها من النساء:







اسمها الأول:







فاطمة وقد قيل لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: مم فطمت فاطمة؟ قال: من الشرك. وفي رواية أخرى: أن الله فطمها وذريتها ومحبيها من النار.







اسمها الثاني:







الزهراء سميت بذلك لأنه حدث نور زاهر في السماء عند ولادتها لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم. وقيل أيضا إنها كلما قامت في محرابها للصلاة زهر منها نور إلى عنان السماء.







اسمها الثالث:







الصديقة لأنها لم تشك لحظة واحدة في كل ما يأتي عن والدها (ص) ولأنها صنو علي عليه السلام الصديق الأكبر فلازمها اللقب.







اسمها الرابع:







المباركة لأن عقبها كان بركة على الأمة. قال رسول الله (ص): "في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين. ألا وان أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون".







اسمها الخامس:







البتول وهي المرأة التي لا ترى حمرة حيض أو نفاس قط. وقد شهد بعض النسوة ولاداتها منهن أسماء بنت عميس فلم يروا منها حمرة. ويمكن اعتبارها كذلك وحيدة عصرها وفريدة دهرها.







اسمها السادس:







المحدثة وقد رأينا حديث ولادتها كيف أنها كانت تحدث أمها خديجة عليهما السلام وهي في بطنها إيناسا لها في وحدتها وتخفيفا عنها مما كانت تعانيه من الأذى.







اسمها السابع:







المحدثة حيث كانت الملائكة تحدثها وتقوم على شؤونها، كما كانت تفعل من قبل مع مريم بنت عمران عليها السلام، فكانت تناديها: "يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العلمين..."







اسمها الثامن:







الطاهرة المطهرة لما حباها الله من المنن والعطايا ما لم يكن لغيرها. فهي أحد أصحاب الكساء، الذين نزلت فيهم آية التطهير، معلنة أن هؤلاء صفوة الله وأحباؤه.







اسمها التاسع:







الراضية المرضية امتثالا لأوامر الله تعالى وحبا له وطاعة لإرادته. ترضى باليسير وتقنع بالقليل.







اسمها العاشر:







سيدة نساء العالمين لقول رسول الله (ص) لفاطمة انك سيدة نساء العالمين.







اسمها الحادي عشر:







أم أبيها كان رسول الله (ص) يلقبها بذلك لما كان يلمسه منها من حنو وعطف وعناية واهتمام، وكان يبادلها نفس الشعور.







خرج النبي (ص) وهو آخذ بيد فاطمة فقال: " من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي وروحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله".







وقال أيضا: "رضا فاطمة من رضاي وغضبها من غضبي، من أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن
أرضاني فقد أرضى الله، ومن أغضب فاطمة فقد أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب الله".







واختصر الحديث في رواية أخرى عندما قال (ص): " يا فاطمة إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك".







هؤلاء الذين يحبهم الله تعالى ويحبونه تطابقت إرادته مع رغباتهم وأنفسهم فرضي بهم أولياء متميزين عن غيرهم من الأولياء ورضوا به ربا عرفوه حق معرفته حتى لم يعد هناك شيء بالنسبة إليهم يدركونه ويعرفونه ويخشونه ويرقبونه غير الله تعالى.







خصائص الصديقة الطاهرة فاطمة بنت محمد (ص) الظاهرة أكبر من أن تحيط بها العقول واعمق من أن تنالها الأفهام فما بالك بالباطنة، كانت أكثر الناس شبها برسول الله (ص) خلقا وخلقا.







لم يظلم في تاريخ البشرية أحد مثلما ظلمت فاطمة الزهراء، فلم يقف أحد من أولئك المحسوبين على الإسلام والمدعين حب أهل البيت عليهم السلام ليقول كلمة حق في شأنها وما أكثر أولئك، سكتوا عنها سكوت الأموات بل انهم جاهدوا في إخفاء حقها وطمس ظلامتها، وحاولوا تصغير شأنها بالسكوت عن تناول مقامها، وانصرفوا إلى غيرها ممن ناصبت العداء وحاربت الأولياء وهي بين الرجال غير عابئة بحالها ولا ملتفتة إلى مآلها، رغم التحذير النبوي ولترغيب الترهيب القرآني، والى من أسلمت وحسن إسلامها، وكبد حمزة لا تزال بين ثنايا أسنانها وشتان بين الثرى والثريا.







لقد كانت الأحداث التي مرت على الزهراء سلام الله عليها الأثر الذي حكم بقصر عمرها. إن ما حصل قبيل وفاة والدها وبعده كان كافيا لسرعة لحوقها بأبيها (ص).







والموقفين الأساسيين الذين سنتحدث عنهما متعلقين بتلك الأحداث التي جدت في تلك الفترة القصيرة من الزمن والتي حكمت على حاكمية الإسلام بالانحراف منذ البداية.







الموقف الأول:







تحركها من أجل إعادة القيادة إلى صاحبها وهي لئن لم تتمكن من قلب الموازين وترجيح الأحق إلا أنها أثبتت عمليا زيادة على النصوص التي تناولت مسألة الإمامة أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام هو الأحق والأولى.







فهي كما ثبت عند المخالف قبل الموالف لم تبايع الخليفة الأول ابن أبي قحافة وماتت عليها السلام غاضبة ساخطة عليه وعلى صاحبه وحزبهما الذي صرف الإمامة عن صاحبها منتهزا فرصة انشغال صاحب الأمر بتجهيز رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم.







والرسول الأعظم (ص) يقول: " من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية". وباعتبارها سيدة نساء العالمين أذهب الله تعالى عنها الرجس وطهرها تطهيرا، فان موتها مع إشارة الحديث محل تنبيه لأولي العقول والأفهام.







هل يتفق مقام الزهراء سلام الله عليها ومكانتها مع عدم البيعة؟ طبعا لا فهي من أهل بيت امتاز على بيوتات الأنبياء فضلا عن الناس. فيهم اجتمعت علوم الله وأسماؤه وآلاؤه ومنهم جاءت رحمته. كانوا السابقين إلى الطاعات والمكارم، فمن بايعت الزهراء قبل موتها إذا وقد كانت أعلنت على الملا من المسلمين أن الحكومة مغصوبة وأنها مظلومة هي وأهل بيتها عن حقوقهم؟







إن كل من دخل الإسلام لا يريد به غير وجه الله تعالى يدرك جيدا أن الزهراء سلام الله عليها قد بايعت زوجها عليا عليه السلام قبل وفاة أبيها سيد البشر بل منذ أن عرفت مقامه، وقبل أن يبايعه الناس في يوم غدير خم عند انصرافهم من حجة الوداع عندما نصب رسول الله (ص) عليا عليه السلام إماما وعلما وهاديا للناس بعده بأمر من الله تعالى معلنا ولايته على المسلمين قائلا: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه".







وهي في تحركها المشار إليه لئن خرجت إلى بيوتات الأنصار تحتج عليهم ففي ذلك دليل قاطع على رفضها لحادثة السقيفة جملة وتفصيلا إيمانا منها بأن الحكومة الإسلامية وظيفة إلهية من نفس جنس التشريع غير مسكوت عليها ولا مغفول عنها.







فكيف يدعي عاقل بعد ذلك بأن الرسول ومرسله قد تركا الرسالة للناس يفعلون بها ما يريدون؟ وكلام الله تعالى يقول غير ذلك وسيرة الرسول (ص) تظهر العكس، والمنطق والعرف حاكمان بضرورة التعيين خاصة إذا كان عن







الباري تعالى، وحتى الذين قالوا بالفوضى لأنها في واقع الأمر ليست غير انقلاب والشورى أبعد ما تكون عنه، هؤلاء عادوا على أعقابهم ينقضون مقالتهم وينصبون بدلا عن الناس بدعوى عدم ترك الناس هملا وخلو المنصب من قائده يشكل خطرا لا يمكن تداركه إلا بالتعيين.







كان تذكير الزهراء عليها السلام بخصائص أمير المؤمنين ومقامه في الأمة مدعاة لرجوع عدد من الأنصار إلى الحق والإقرار بإمامته، ولأن رجوعهم جاء متأخرا فانه شكل عامل قلق واضطراب لدى الغاصبين للإمامة الشرعية.







وظلت صرخة الزهراء مدوية في قبائل الجزيرة العربية، فلم يستتب للغاصبين أمر حتى أخضعوا تلك القبائل بدعوى حروب الردة ومانعي الزكاة.







وهي في حقيقتها حروب سياسة أريد بها إخضاع الممتنعين عن بيعة الغاصبين للإمامة وهنا لا بد من الإشارة إلى أن روايات الردة في تاريخ الطبري يرويها كلها سيف بن عمر وهو أحد المجهولين المطعون فيهم عند أرباب الجرح والتعديل مضافا إلى وهن بقية أسانيد الروايات.







الموقف الثاني:







جاء نتيجة لتحرك أدعياء الإمامة والغاصبين لدور حاكمية الله تعالى لشل حركة أهل البيت عليهم السلام بقطع الموارد المالية عنهم حتى لا يستعينوا بها على استرداد حقهم.







فاستولوا على فدك وأطردوا عمالها، وهي التي كانت في يد الزهراء وعلي عليهما السلام بعد فتح خيبر (السنة السابعة للهجرة) نحلها رسول الله اياها عندما نزلت الآية الكريمة: "وآتي ذا القربى حقه".







عندها أمر جبرئيل عليه السلام رسول الله (ص) أن يعطي فدكا إلى فاطمة عليها السلام.







لم يكن هناك بد للزهراء من أن تخرج لتقول كلمتها التي استمرت عبر العصور تفند دعاوى المحرفين ومقالات الكاذبين، تشهد على مدى الانحراف الذي بدأ ينتاب الأمة ويدب في اوصالها، لقد كان كلامها قرآنا ومنطقها بيانا واحتجاجها دليلا وبرهانا، لم يقو باطل الأدعياء أمامه ولا خفقت أعلامه بل انتكس انتكاس الشيطان عندما تخونه حجته.







وكيف يمكن أن يقف الوهم أمام الدليل والبرهان.







وهذا مختصر من كلامها عليها السلام:







"... أنا فاطمة وأبي محمد أقولها عودا على بدء، وما أقولها إذ أقول سرفا ولا شططا، " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم". إن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم، بلغ النذارة صادعا بالرسالة ناكبا عن سنن المشركين ضاربا لأثباجهم آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجذ الأصنام وينكت الهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، وحتى تفرى الليل صبحه وأسفر الحق عن محضه ونطق زعيم الدين وهدأت فورة الكفر وخرست شقاشق الشيطان، وفهتم بكلمة الإخلاص، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها نبيه، تعبدون الأصنام وتستقسمون بالأزلام، مذقة الشارب ونزهة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام، تشربون الرنق وتقتاتون القدد، أذلة خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذك به بعد اللتيا والتي وبعدما مني بهم الرجال وذؤبان العرب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، وكلما نجم قرن الضلالة أو فغرت فاغرة المشركين، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ خماصها بأخمصه، ويخمد لهبها بحده، مكدودا في ذات الله، قريبا من رسول الله (ص) سيدا لأولياء الله، وأنتم بلهنية آمنون وادعون فرحون، تتوكفون الأخبار وتنكصون عند الزلازل على الأعقاب.







حتى أقام الله بمحمد عمود الدين. ولما اختار له الله عز وجل دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهرت حسيكة النفاق، وتسمل جلباب الدين وأخلق ثوبه ونحل عظمه وأودت رمته وظهر نابغ ونبغ خامل ونطق كاظم وهدر فنيق الباطل يخطر في عرصاتكم، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم فالفاكم غضابا، فحطمتم غير ابلكم وأوردتموها غير شربكم بدارا زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين.







هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل، فهيهات منكم وأين بكم وأنى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم زواجره لامحة ودلائله واضحة وأعلامه بينة وقد خالفتموه رغبة عنه فبئس للظالمين بدلا، ثم لم تريثوا شعثها إلا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس
قيادها، تسرون حسوا بارتغاء أو نصبر منكم على مثل حز المدى وزعمتم أن لا ارث لنا؟ أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون.







ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.







ايها معشر المسلمين أأبتز ارث أبي يابن أبي قحافة؟ أبى الله أن ترث أباك ولا ارث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا جرأة منكم على قطيعة الرحم ونكث العهد فعلى عمد ما تركتم كتاب الله بين أظهركم ونبذتموه، إذ يقول: "وورث سليمان داوود" وفيما قص من خبر يحي وزكريا إذ يقول: "رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا".







وقال عز وجل: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين". وقال تعالى: إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين". وزعمتم أن لا حظ لي ولا ارث من أبي. أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبى من ملة واحدة؟ أم انتم بخصوص القرآن وعمومه أعلم ممن جاء به؟ فدونكموها مرحولة مزمومة تلقاكم يوم حشركم فنعم الحكم الله ونعم الخصيم محمد والموعد القيامة وعما قليل تؤفكون، وعند الساعة ما تحسرون، ولكل نبا مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم..."







لقد أحدثت الزهراء عليها السلام من خلال صرختها التي صدعت بها على الملا من المهاجرين والأنصار شرخا عميقا وأثرا لا ينمحي مدى الدهر.







ولا تزال تلك الصرخة مدوية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، تتحدى التحريف والكذب الظلم، وتشهر بكل يد غادرة ولسان أفاك يتخذ من الدين شعارا ودثارا وما هو من الدين في شيئ.







لم يكن همها في المقام الأ ول أن ينتفض الناس ولا كان هدفها أن تسترد حقها في نحلتها فدكا ولا ميراثها من رسول الله (ص).







فالأمر مختلف تماما عند هذه الطاهرة. إن خروجها وخطبتيها التين سجلهما التاريخ بأحرف من نور كانا من أجل إرضاء المولى سبحانه وتعالى وامتثالا لأ وامره ونواهيه واقامة للحجة على الناس.







إذا لم تكن سيدة النساء لتنتظر من نهضتها تلك غير نيل القربة من الله تعالى، نطقت وهي تريد حماية الأحكام الإسلامية من بدايات التحريف، وتكلمت لتذود عن مقام الهي وهو مقام الإمامة الذي داسه المنافقون والجاهلون، نهضت ليبقى احتجاجها أثرا يدل الباحثين عن الحق، فهذه التي يرضى الله تعالى لرضاها ويغضب لغضبها قد أعلنت بكل صراحة ووضوح لا يدعان مجالا للشك أن الإمامة مغصوبة وأن فدكا كذلك مستشهدة في معرض خطبتيها بكلام الله تعالى وحديث رسوله ومحاصيل الأعمال التي قدمها علي وأهل بيته عليهم السلام للإسلام ولأمة الإسلام.







كان غضبها في ذات الله تعالى وتنمرها في ذلك التطاول الذي بدأ يستفحل على أحكامه، وهي التي شهد عليها القريبون منها أنها لم تغضب قط لنفسها كما لم يصدر ذلك أبدا عن أهل البيت عليهم السلام جميعا.







لم يحركها نقص في المتاع ولا ذهاب حكومة، لأنها وأهل بيتها ألطاف إلهية وأسماء ملكوتية لا يضرهم نقص متاع ولا إقصاء من مقام دنيوي، فمقامهم رباني لا يتزحزحون عنه، وعلو منزلتهم وتفرد طينتهم لا يضاهيهما شيئ. صحبوا الدنيا بأبدان أروحها معلقة بالمحل الأعلى.







لقد كانت نهضة الزهراء سلام الله عليها من أجل الأمة أيضا وإشفاقا على ضعافها من الفتنة والانحراف، فكان احتجاجها موجها إلى ضمائرهم، كاشفة زيف الدعاية الكاذبة جالية عين الحقيقة كي لا يساور ثلة الإيمان لبس من حملة المنحرفين لتقزيم المقام الملكوتي، ولا يرتابون في يوم من الأيام من أن الباطل لا يمكنه أن يلبس جلباب الحقيقة.







لقد كان سعيها من أجل إمامة العدل من أجل الانتصاف للضعيف والفقير، كانت تريد فدكا لهؤلاء جميعا يعملون فيها ويأكلون منها.







لم تكن قد فكرت يوما أن تملك شيئا من حطام الدنيا وهي بين أب جاء محذرا من الدنيا وزوج قد طلقها ثلاثا.







وكيف يمكن لهذا البيت العظيم أن يفكر في متاع قليل وقد خرج كلام الله تعالى إلى الناس من تحت سقفه، ليس المبصر كالأعمى ولا من تتوارد عليه وفود الرحمان بالرزق والرضوان كمن قال ساحر أو مجنون.







وهل يستوي من يقول للشيء كن فيكون ومن تعتريه الشياطين والوساوس والظنون؟ تعالى الله وأولياؤه عن ذلك علوا كبيرا.







تربت الزهراء على البساطة والتواضع للناس لم تظهر يوما لمن خالطتهم من نساء عصرها بمظهر المتميز لم يكن لها ذلك وهي التي أنهكتها الأشغال.







قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل من بني سعد: ألا أحدثك عني وعن فاطمة الزهراء إنها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثر في صدرها وطحنت بالرحى حتى مجلت يدها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها ضر شديد، فقلت لها لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل، فأتت النبي (ص) فوجدت عنده أحداثا فاستحيت فانصرفت فعلم (ص) أنها جاءت لحاجة، فغدا علينا ونحن في لحافنا، فقال: السلام عليكم فسكتنا واستحيينا لمكاننا ثم قال: السلام عليكم فسكتنا، ثم قال السلام عليكم.







فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك، فيسلم ثلاثا فان أذن له وإلا انصرف.







فقلنا وعليك السلام يا رسول الله ادخل فدخل وجلس عند رؤوسنا، فقال: يا فاطمة ما كان حاجتك أمس عند محمد؟ فخشيت إن لم تجبه أن يقوم فأخرجت رأسي فقلت: أنا أخبرك يا رسول الله إنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها وطحنت بالرحى حتى مجلت يدها وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها لو أتيت أباك فسألته خادما يكفيك حر ما أنت فيه من هذا العمل، فقال: ألا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة.







فأخرجت فاطمة رأسها فقالت: رضيت عن الله وعن رسوله، رضيت عن الله وعن رسوله".







امرأة في مكانة الزهراء هل يمكنها أن تكون إلا كذلك، وقد بلغ بها الضر مبلغا أسلفت ذكره الرواية؟ أنا لا أعتقد أن توجد على وجه البسيطة من تصل إلى هذه الحوراء التي أبت إلا أن تجاهد وتكابد وتعاني من مشاق الكد والعمل المضني وعسر العيش وشظفه وهي في مقام السيادة والرياسة في الأمة، لم تلتفت إلى شيئ من الدنيا لأنها قد سبرتها فوجدتها مطية لا غير.







بركات الزهراء على الأمة كثيرة منها أنها بقيت النقطة لدالة على انحراف مسار الإمامة بعد النبي (ص)، سيدة نساء الأولين والآخرين تموت وتدفن ليلا ويعفى عن قبرها، وهي التي كان مفترضا وجود قبرها بجانب والدها.







وفي ذلك اشارة ودلالة على أمر عظيم وقع، وخطب جسيم حدث.







بركاتها أيضا تمثلت في حرصها على إفادة المسلمين في عصرها وفي كل عصر فكانت ملجأ يأوي إليه المريض والمحتاج.







هذا سلمان يتعلم من فاطمة دعاء النور الذي يذهب الحمى، فيعلمه هو لألف نفس في المدينة ونتعلمه نحن منه، وتلك التسبيحات المسماة بتسبيحات الزهراء والتي لا يعلم قدرها إلا من أمر بها.







كانت عليها السلام لا تتردد لحظة في تقديم أي شيئ ينفع المسلمين، حتى أنها كانت تخصهم بالدعاء في صلواتها دون نفسها.







يقول الحسن بن علي عليه السلام: "رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة الجمعة فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيئ، فقلت لها يا أماه ولم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار".







تلك هي عقلية فاطمة في التعامل مع المؤمنين بظهر الغيب، تدعو لهم في كل صلاة وتطلب العون، وهو درس يجب علينا أن نأخذه من هذه المباركة الميمونة، لنعيش مع الله تعالى في أوقات عباداتنا ودعائنا مستحضرين اخوتنا داعين طالبين لهم العون والتسديد، ساعين عمليا إلى أن نؤثر على أنفسنا كما كانت الزهراء وأهل بيتها تفعل دائما، فالبذل عندها ليس له وقت ولا زمن ولا يخضع لحالة من الحالات.







فيها وفي أهل بيتها نزلت: "يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة". وفيهم نزلت: " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا.." أبرار محمد
وعترته الطاهرة، الذين كانوا دائما المبادرون إلى المكارم المسارعون إلى الخيرات.







روت عائشة قالت: لما مرض النبي (ص) دعا ابنته فاطمة فسارها فبكت ثم سارها فضحكت، فسألتها عن ذلك فقالت: أما حيث بكيت فانه أخبرني أنه ميت فبكيت، ثم أخبرني أني أول أهل بيته لحوقا به فضحكت".







انظر هداك الله إلى هذه الحوراء الإنسية كيف تفرح لقرب موتها وهي في الثمانية عشرة سنة من عمرها الشريف لا لشيء سوى أن غايتها هي الاجتماع بأبيها وكره مفارقته، فلا شيء يساوي عندها سيد المرسلين (ص) لا الزوج ولا الأبناء وان كانوا صفوة الخلق.







ليس عجيبا أن يصدر عن المصطفاة الطاهرة ما صدر، فهؤلاء وان كانوا في الظاهر أنفسا بشرية مثلنا إلا أ نهم مختلفون عنا في باطنهم وسلوكهم ولئن لم يصلنا من تلك الحالات سوى ما خلص من أيدي الظالمين وغفلوا عنه فقد كان ذلك النزر اليسير كافيا لبلوغ الحقيقة وإدراك عظمة المقام.







وبما أن الحديث متعلق بفاطمة الزهراء سيدة نساء العلمين فسنعرض إلى روايتين تحصلان بعضا من منزلتها عند الله تعالى.







الرواية الأولى:







بعث رسول الله (ص) سلمان إلى بيت فاطمة بحاجة. قال فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا (من الداخل) والرحى تدور من برا (من الخارج) وما عندها أنيس فعدت إلى رسول الله (ص) فقلت له يا رسول الله رأيت أمرا عظيما. فقال: هيه يا سلمان تكلم بما رأيت وسمعت فقلت وقفت بباب ابنتك وسلمت فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا والرحى تدور من برا وما عندها أنيس، فتبسم رسول الله (ص) وقال: " يا سلمان إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها فتفرغت إلى طاعة الله، فبعث الله ملكا اسمه روفائيل يدير لها الرحى وكفاها مؤونة الدنيا والآخرة".







الرواية الثانية:







عن أبي بصير، سالت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام عن مصحف فاطمة، فقلت: ففيه شيي من القرآن؟ فقال: ما فيه شيئ من القرآن، قلت: فصفه لي، قال: له دفتان من زبرجدتين على طول الورق وعرضه، حمراوين، قلت: جعلت فداك فما فيه؟ قال: خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء وعدد ما في السماوات من الملائكة وغير ذلك وعدد ما خلق الله مرسلا وغير مرسل وأسماؤهم وأسماء من أرسل إليهم وأسماء من كذب ومن أجاب وأسماء جميع من خلق الله من المؤمنين والكافرين من الأولين والآخرين".







وليس ذلك على الله بعزيز، خصوصا إذا علمنا أن للمؤمنين مقامات مشابهة وأحوال تقرب من ذلك في حال حصول القرب والرضى. وهو في موضع الإمكان ممكن، والحديث الذي نتداوله والذي يقول: "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وعينه التي يبصر بها... إلى آخر الحديث والرواية هي من هذا القبيل تؤكد بأن الخالق تعالى يستجيب لعبده إذا صفت سريرته واستقامت نيته وخلص لوجهه عمله، فيجعله مستجاب الدعوة وملبى الطلب وتألف اسمه ملائكة السماء قبل سكان الأرض به يغاث الناس وتقضى حوائجهم.







قال تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون".







ذلك إذا مصحف فاطمة الذي اتخذ من اسمه أعداء الحق مغمزة للطعن على شيعة أهل البيت عليهم السلام والتقول عليهم بأنه بديل القرآن الكريم، تقلصت أفهامهم وتحجرت عقولهم فلم يعد لديهم وعي حتى بما يقرؤون عقيدتهم في أن ألطاف الله وملائكته ذهبت مع رسول الله (ص)، والحال أن الله تعالى أجل من أن يمنع ألطافه، ولو كانت تلك الكرامات والألطاف الإلهية في واحد من أصحابهم لقبلوها وجعلوها شعارا لهم ولوجدوا لها التبرير الكافي والعذر الشافي، لكن الحاصل في غيرهم. فكيف يعدل عن هؤلاء وهم على هذه الحال من القرب والحب الإلهيين؟







الجواب ليس عسيرا على الفطن النبيه الذي سبر أغوار التاريخ وبسط يده على دخائل الذين أعلنوا الحرب على أهل البيت عليهم السلام، لقد اقتضت سياسة الظالمين أن يغيب الطاهرون من آل محمد فلا يبقى لهم أثر، لأن ظهورهم بكل تفاصيله موضع تهمة لحالهم ومجال تساؤل عن سبب إعفاء هؤلاء عن قيادة الأمة وهم العلماء الأعلام والعابدون العظام والتقاة الذين لم يجد الدهر بمثلهم.







وأخيراً ألا تشعر هذه الأمة بالحسرة والندم على إهمال الأوائل لهذه الروحانية العظيمة وهظم حقها والتعدي على مقامها؟ ألا يخشون غضب الباري تعالى وقد قرن غضبه بغضبها ورضاه برضاها؟ وأي مقام ارفع من أن يقرن مخلوق مع الخالق في الغضب والرضا تطابقا مطلقا من غير قيد.







ومع ذلك مضت هذه الأمة على سنن الظالمين وإيحاءات الغاصبين، فزادها ذلك بعدا عن سيدة نساء العلمين وأهل بيتها عليهم السلام، وإذا سلمنا بجهلهم لمقامها فهل نسلم بجهلهم لمقام أبيها (ص)؟ وحتى مقام النبي الأعظم والرسول الأكرم قد انتهك وتطاول عليه من تطاول في آخر عمره الشريف عندما منع من الكلام وشكك في صحته تمرد عليه من تمرد في جيش أسامة، فخرج من الدنيا مكمودا حزينا، وبقي المتطاولون على مقامات الأصفياء يحملون تبعاتهم وتبعات من أتباعهم، إلى أن يلقوا احكم الحاكمين فيوفيهم حسابهم.







وهل نسلم بعدم إدراكهم لكل ما قاله بشأن الزهراء وبعلها وبنيها عليهم السلام وهم مجتمعون من بيت واحد وأصل واحد ذرية بعضها من بعض؟ وإذا سلمنا بذلك فهل نسلم بانحدار أسهم نجوم هذا الدين وأمناؤه ومستحفظوه وأبوابه التي يؤتى منها، إلى مسافل المجرمين والغوغاء والمنبوذين فيقتلون ويعذبون ويسجنون وينفون في الأرض وتسلط عليهم أقسى العقوبات ويفرون خوفا على أنفسهم وهربا بدينهم من طغم الظلم وحكومات الفساد في الأرض.







ومع ذلك ورغم أنوف الحاقدين فقد مضت سنة الباري سبحانه وتعالى في إعلاء الحق وإنارة الطهر والصدق، فأبصرنا بعد العمى أن الحق لم يخرج يوما من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، بل هو فيهم دوحة فيحاء وجنة غناء، وشمس ليس فيها مكابرة ولا ادعاء.







بهم بدأ الخلق وبهم يختم وبهم يعيده واليهم جعل مقاليده.







فأي مقام بهت المجرمون؟ وأي جرم ارتكبوا؟ الحق دائما لا يتبعه إلا قليل، جعلنا الله من أتباعه وأصحابه،: "وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم".







السلام عليك يا سيدة نساء العلمين، السلام عليك يا والدة الحجج على الناس أجمعين السلام عليك أيتها المظلومة الممنوعة حقها، اللهم صل على أمتك وابنة نبيك وزوجة وصي نبيك صلاة تزلفها فوق زلفى عبادك المكرمين من أهل السماوات والأرضين.







وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





















مظلومية فاطمة الزهراء






وتلك حجتنا البالغة







جاءني احد الأصدقاء بعد أن بلغه نبأ استبصاري، متغير الملامح، مرتسمة على وجهه علامات التعجب والاستنكار، فابتدرني قائلا بدون مقدمات، هل صحيح ما يشاع عنك؟







فقلت له: وما يشاع عني؟ قال: من أنك تركت مذهب أهل السنة والجماعة وتبنيت مذهبا آخر؟ فقلت له: نعم، وما وجه استغرابك وتحيرك واستنكارك؟







فقال: أو ترى أن هناك دين صحيح غير الذي عليه السلف الصالح، فهم من أوصل إلينا الذي نحن فيه، فلماذا الارتداد؟







حينها شعرت بأن الرجل ضيق الأفق قليل المعرفة، فأردت اختصار السبب الذي جعلني اسلك نهج أهل البيت عليهم السلام، لعله يقتنع، أو يتفهم، فقلت له: لا شك أنك تدرك مكانة أهل البيت عليهم السلام في الإسلام، وما قدموه من تضحيات في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى؟







لا أنكر فضل أهل البيت رضوان الله عليهم، لكن الصحابة ومن تبعهم بإحسان من رفع الدين إلى المقام الذي وصل إلينا.







فقلت له: ألا ترى أن أهل البيت عليهم السلام كانوا جزء من الجيل الأول ومن الأجيال التي تبعته؟ فقال: نعم. فقلت له: إذا فهم من أوصل إلينا الإسلام من نبعه الصافي لأنهم الصادقون بمنطوق القرآن، ومن أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، بينما جاء الآخرون بخليط من الحق والباطل لأن صدقهم نسبي وحفظهم نسبي، وفهمهم كذلك.







قال صاحبي: فهات دليلا واحدا يؤيد انتقالك من إسلام السلف الصالح، إلى إسلام أهل البيت رضوان الله عليهم؟







قلت بلا أدنى تفكير: مظلومية فاطمة الزهراء دليل أسوقه إليك لعله يقنعك بأن الخط الذي أقررت به والتزمته هو الإسلام المحمدي في أبهى مظاهره، وأجلى صفحاته.







قال: وهل ظلمت بنت النبي صلى الله عليه وسلم؟







قلت: نعم لقد ظلمت ظلما لم يشهد له التاريخ مثيلا.







قال: كيف وهي المقدمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبيبته؟







قلت: لا شك أنك تعرف الأحاديث التي قالها النبي صلى الله عليه وآله بشأنها، فقد جاء في حديث: من أحب هاذين (إشارة إلى الحسن والحسين) وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. وفي حديث آخر أنها سيدة نساء العالمين.(1)







وفي آخر: إن رضا فاطمة من رضاي وغضبها من غضبي، فمن أغضب فاطمة فقد أغضبني ومن أغضبني فقد أغضب الله تعالى.(2)







قال: نعم كل الذي ذكرته قرأته ومررت عليه وهو موجود عندنا في أمهات كتبنا. ولكن لماذا يعفى عن ذكر إنسانة بهذه المكانة والمنزلة؟







قلت: لقد جاءت الأيام التي عقبت وفاة النبي صلى الله عليه وآله حبلى بالأحداث ومليئة بالمواقف التي تجاهلت مقام أهل البيت عليهم السلام، بل وأساءت إليه أيما إساءة. فالسقيفة في عموم وقائعها مثلت حجر الزاوية للظلم المسلط على آل محمد عليهم السلام، فنصب الإمام من طرف المسلمين واجب على الناس عندكم لأنكم تقولون بأن السياسة ليست من الدين، وواجب على الله تعالى عند أهل البيت عليهم السلام، لأنه رأس الدين وأساس حكومته، ومبايعته فرض وواجب على المسلمين، بل لقد جاء قوله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية(3).







قال: نعم كل الذي ذكرته موجود عندنا وندين به.







قلت: فمن بايعت فاطمة بنت محمد عليها السلام؟ وهي التي لم تعش بعد أبيها أكثر من 75 يوما غاضبة واجدة على أصحاب السقيفة ومن تبعهم. وقد صرح البخاري وهو أقوى الكتب الروائية، وأصحها عندكم: بأن الصديقة الطاهرة غضبت على ابن أبي قحافة وابن الخطاب فلم تكلمهما حتى ماتت، وأصرت على أن تشكوهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.(4)







قال: صحيح أن البخاري في صحيحه وفي تاريخه وغيره قد أثبت غضب فاطمة وموتها وهي على ذلك الموقف. ولكن ما علاقة ذلك بالإمامة ونصب الإمام؟







قلت: لا أراك تعتقد أن سيدة نساء أهل الجنة المبادرة إلى كل أمر الهي قبل غيرها، تتأخر عن البيعة حتى تموت وتغادر الدنيا مخلة بذلك الأمر الجسيم.







قال: فمن بايعت إذا؟ قلت: بايعت زوجها وإمامها علي بن أبي طالب عليه السلام لأنه الإمام المنصوص عليه في حادثة الغدير الشهيرة، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار).(5) وحديث: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).(6)







سكت صديقي كأنما أصابته صدمة، لم يجد ما يرد به، ولم ير بدا من الإقرار بمرارة الموقف، وجلاء الحقيقة من خلال ذلك، فقال معترفا: للأسف الشديد لم أكن منتبها إلى تلك النقطة، ولا إلى ذلك الاستنتاج الوجيه، وهو لعمري حجة بالغة لمن يدرك معنى الحجج. فهل من دليل آخر تسوقه إلي وأنا في هذه الحيرة.







قلت له: لا حيرك الله يا أخي، هذه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام تقول لك أيضا، إنني لم أخرج من الدنيا إلا وقد تركت أثرا موصلا إلى الإمامة، فزوجة الإمام وأم الأئمة سادة أهل الجنة، أوصت عليا عليه السلام بأن تدفن ليلا، وأن لا يؤذن لحضور جنازتها أصحاب السقيفة من المنقلبين على أعقابهم، وأن يعفى قبرها، فلا يعرفه أحد ممن ظلمها وابتز حقها، ولا من اتبع الظالمين والمبتزين، فيكون علامة مضيئة تتردد كل حين من أن من دفن بعدها بجانب أبيها كان اجتراء على الله وعلى رسوله وجريمة في ثناياها تمويه على المسلمين، بأن من دفن في حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرف عظيم لصاحبه، لكن تحت أي عنوان وبأي إذن؟ بضعة المصطفى يعفى عن قبرها وهي أول الناس لحوقا به، وغيرها ينال الشرف المزيف بالدفن العلني في حجرة وبجانب النبي صلى الله عليه وآله. ألا ترى أن السكوت على مظلومية هذه الصديقة ظلم في حد ذاته.(7)







قال: كلامك صحيح ووجيه لكن لماذا لم يتنبه المسلمون إلى هذه الحقائق، وآثارها في منتهى الوضوح والجلاء؟







قلت: ذلك لأن الخطوط التي ترفع شعار الإسلام وتتقاطع مع خط أهل البيت - والذي أراه يمثل الدين القيم ومنهج الحق- قد سعت إلى تغريب الصفوة الطاهرة من وجدان الأمة وثقافتها، فكان عمل الأنظمة التي حكمت رقاب المسلمين نتيجة لسقيفة بني ساعدة وما تمخض عنها، يتمثل في السكوت عن الحق وأهله في البداية ثم العمل على تغريب الأولى بالقيادة من فكر الأمة الإسلامية، والانتهاء بإلصاق ما يسيء إلى هؤلاء الأطهار.







قال: فهل من دليل آخر تقدمه في الخصوص؟







قلت: طالما أننا في رحاب الزهراء عليها السلام فان موقفها عندما بلغها نبأ السقيفة، وهدوء عاصفة المنقلبين، جاءت لتقيم الحجة على أن هؤلاء الذين استولوا على منصب قيادة الأمة ليسوا أهلا للقيادة، تماما كما لم يكونوا أهلا لها من قبل، بدليل إنهم كانوا مقادين ولم يكونوا قادة، وان قع استثناء في خيبر أو ذات السلاسل أو الحج الأكبر فانه إما قد أعقبته هزيمة أو إقالة.







وقفت الزهراء لتقول كلمة الحق في جموع أهل المدينة، فطالبت بسهم ذي القربى وبنحلتها فدكا وبميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأجابها ابن أبي قحافة بأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة.(8)







كانت إجابتها بليغة، وخطبتها عميقة عمق فهمها لما جاء به سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم، فتركتها صرخة مدوية لا تزال تهز عروش الظلم، وتعصف بدعاوى الكذب والبهتان على الله ورسوله، وكانت خطبتها التي رسمت على ناصية التاريخ موقفا ومثالا للمرأة الكاملة ونموذجا لا يخطئ من أستمسك به، ولا يضل من اهتدى بأنواره القدسية:







الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، وجم عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها، واشهد أن لا له إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنع عن الإبصار رؤيته، ومن اللسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة إمتثلها، كونها بقدرته، وذرأها بمشيته من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها إلا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، وتعبدا لبريته، وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده عن نقمته وحياشة لهم إلى جنته. واشهد أن أبي محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور.







ابتعثه إتماما لأمره وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار غممها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط المستقيم.







ثم قبضه الله إليه قبض رأفة، ورغبة وإيثار، فمحمد صلى الله عليه وآله من تعب هذه الدار في راحة، فد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي، نبيه وأمينه على الوحي، وصفيه في الذكر وخيرته من الخلق ورضيه والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.







وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم، وزعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم، كتاب الله الناطق والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.







فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم من الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماء للرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة، والجهاد عزا للإسلام وذلا لأهل الكفر والنفاق، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس، واجتنابي القذف حجابا عن اللعنة، وترك السرقة إيجابا للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله في ما أمركم به ونهاكم عنه، فانه إنما يخشى الله من عباده العلماء.







أيها الناس اعلموا أني فاطمة وأبي محمد أقولها عودا على بدء، وما أقولها إذ أقول سرفا ولا شططا، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}. إن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم، بلغ النذارة صادعا بالرسالة ناكبا عن سنن المشركين ضاربا لأثباجهم آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجذ الأصنام وينكت الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، وحتى تفرى الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين وهدأت فورة الكفر، وخرست شقاشق الشيطان، وفهتم بكلمة الإخلاص، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها نبيه، تعبدون الأصنام وتستقسمون بالأزلام، مذقة الشارب ونزهة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام، تشربون الرنق وتقتاتون القدد، أذلة خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذك به بعد اللتيا والتي وبعدما مني بهم الرجال وذئبان العرب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، وكلما نجم قرن الضلالة أو فغرت فاغرة المشركين، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ خماصها بأخمصه، ويخمد لهبها بحده، مكدودا في ذات الله، قريبا من رسول الله (ص) سيدا لأولياء الله، وأنتم بلهينة آمنون وادعون فرحون، تتوكفون الأخبار وتنكصون عند الزلازل على الأعقاب. حتى أقام الله بمحمد عمود الدين. ولما اختار له الله عز وجل دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ظهرت حسيكة النفاق، وتسمل جلباب الدين وأخلق ثوبه ونحل عظمه وأودت رمته وظهر نابغ ونبغ خامل ونطق كاظم وهدر فنيق الباطل يخطر في عرصاتكم، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه صارخا بكم فألفاكم غضابا، فحطمتم غير إبلكم وأوردتموها غير شربكم بدارا زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين.







هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لما يندمل، فهيهات منكم وأين بكم وأنى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم زواجره لامحة ودلائله واضحة وأعلامه بينة وقد خالفتموه رغبة عنه فبئس للظالمين بدلا، ثم لم تريثوا شعثها إلا ريث أن تسكن نفرتها ويسلس قيادها، تسرون حسوا بارتغاء، أو نصبر منكم على مثل حز المدى، وزعمتم أن لا ارث لنا؟ أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون،. {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.







إيها معشر المسلمين، أأبتز إرث أبي يابن أبي قحافة؟ أبى الله أن ترث أباك ولا ارث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا، جرأة منكم على قطيعة الرحم ونكث العهد، فعلى عمد ما تركتم كتاب الله بين أظهركم ونبذتموه، إذ يقول: {وورث سليمان داوود} وفيما قص من خبر يحي وزكريا إذ يقول: {رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا}. وقال عز وجل: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين}. وقال تعالى: {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين}.







وزعمتم أن لا حظ لي ولا ارث من أبي. أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبى من ملة واحدة؟ أم انتم بخصوص القرآن وعمومه أعلم ممن جاء به؟ فدونكموها مرحولة مزمومة تلقاكم يوم حشركم فنعم الحكم الله ونعم الخصيم محمد والموعد القيامة وعما قليل تؤفكون، وعند الساعة ما تحسرون، ولكل نبا مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم".(9)







قال صاحبي: إن في كلامها رضوان الله تعالى عليها بلاغة عجيبة، ومنطق لم يصدر عن امرأة مثلها، وليس له ما يشبهه غير كلام أبيها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أو كلام زوجها الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.







قلت: وكيف لا تكون كذلك وهي سليلة النبوة ومنشأ الوحي، وبعلها من حير العرب والعجم بسيفه وعقله ولسانه وقلمه، فهو الذي أحصى الله فيه كل شيء كما في قوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}. وكان عليه السلام ينقل إليها كل ما ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وحي.







لقد دأبت الزهراء عليها السلام على أن تقدم إلى الله تعالى خير ما لديها من عمل، فكانت عباداتها كلها متصلة بكل حركة تقوم بها في بيتها أو خارجه، كانت شبيهة بمريم العذراء في قومها، لا تبالي من اجل إرضاء الله تعالى أن ضاقت عليها الدنيا وقترت مواردها، تطعم وتؤثر، وتتصدق حتى لا يبقى لها في البيت شيء، كانت كأبيها الذي يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، وتقوم إلى الله في كل حال حتى تورمت قدماها تماما كأبيها صلى الله عليهم جميعا، حتى نزل فيها ما نزل من وحي، وسماها الله تعالى وأهل بيتها بالأبرار والصادقين، فلم يزدها ذلك إلا إصرارا على المضي قدما إلى القرب ونماء الحب الإلهي.







قال: فما فضلها في الأمة؟ قلت: ألم تقرا في التفاسير: إن الكوثر الذي أعطاه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم هي فاطمة عليها السلام(10).







القصة بدأت عندما انفرجت تباشير صبح اليوم العشرين من جمادى الثانية، كان الخبر قد سرى بين بيوتات سكان مكة، ولم يتوقف حتى تناهى إلى آذان كل سامع: لقد ولدت لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله بنت. وكما كان منتظرا فقد اهتز له أعداءه من رؤوس مشركي قريش فرحا وتمايلوا له طربا، وكيف لا يفرحون وفي تقاليدهم أن البنت عار وشنار، لا تأتي بولادتها بغير الشؤم والفأل السيئ قال تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون}.







ولم تستو الشمس في كبد السماء حتى كانت دار الندوة وبطحاءها قد لمت شمل المحاربين للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وأجلستهم في اجتماع قد تعجل نتيجته في إحباط رسول الله صلى الله عليه وآله وهروب الناس منه.







لم يكن رؤوس الشرك أشد فرحا من ذلك اليوم، فتقاليدهم الجاهلية تنص على أن البنت لا حظ لها في المجتمع، ودورها فيه لا يتعدى الإنجاب وتلبية الرغبات وقضاء شؤون الأسرة في كل الظروف. إضافة إلى أن ذلك المجتمع يتشاءم من الأنثى خصوصا إذا كانت فاتحة ولادة. والذي ينجب بنتا كمن لا ينجب أصلا، بل لعل عدم إنجابه لا يهز مقامه بين رفقائه، انبرى العاص بن وائل يتحدث عن رسول الله واصفا إياه بالأبتر، شانئا ساخرا، وكانت همهمات أبي جهل وضحكات عقبة بن أبي معيط وكعب بن الأشرف مميزة الأجواء المرحة التي غلبت على دار الندوة والحاضرين فيها، وبعد اخذ ورد جاء قرارهم بالوقيعة في النبي صلى الله عليه وآله والادعاء عليه بأنه أبتر لا عقب له، وإن ابنته كما في اعتقادهم قد حددت بولادتها مستقبل النسل عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولن يجد أذنا صاغية لدعوته بعد هذه النكسة.







ساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصفه رؤوس الشرك بالأبتر فاغتم لذلك، غير أن الله تعالى كان المواسي له فأنزل سورة الكوثر مفندة مزاعم المشركين، مبينة في نفس الوقت أن العنصر الغيبي قد وضع ثقله في التحدي، وأن نسل النبي صلى الله عليه وآله سيكون من الكثرة بحيث ينطبق الوصف الذي أعطاه لفاطمة الزهراء هبة الباري تعالى لحبيبه، والكوثر معناه الخير الكثير والنسل المبارك المتعاقب، ذرية طاهرة بعضها من بعض.







وكان مجيئها إلى الدنيا إيذانا بتغيير عقلية جاهلية دأبت على وأد الأنثى منذ الصغر، واعتبارها مجرد وسيلة للخدمة والإنجاب. فبركة فاطمة على المرأة واضحة في هذا المجال، وعلى الأمة الإسلامية أوضح لأن في كل خلف من نسلها عدول في الأمة، وعلماءها الأبرار إليهم يفيء التالي وبهم يرجع القالي.







أما من حيث سلوكها وتعاملها وأخلاقها، فان لم يجد الحفاظ إلا باليسير من سيرتها العطرة إلا أننا نستشف منه عظمة تلك الحوراء وكبر شخصيتها، فهي التي لم تعش بمعزل عن الأمة بل كانت في أحلك ظروفها متضامنة، ومتحركة وسطها، وتعين في النوائب والحروب بالمداواة والمواساة، وترشد النساء إلى دينهن، وتعلمهن الفقه ويقتبسن من أخلاقها وسيرتها ما يصلح شأنهن دنيا وآخرة، لم يكن همها يوما نفسها، فقد روى عنها ابنها الإمام الحسن عليه السلام: (رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها يا أماه ولم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار).(11)







ألا ترى من خلال هذه الرواية أن فاطمة الزهراء قد ضربت مثلا نادرا في نكران الذات والذوبان في الطاعة والقرب من الله تعالى إلى درجة اتحاد إرادة الباري تعالى في الرضا والغضب مع إرادتها. ولا عجب في أن يكون في مهجة المصطفى صلى الله عليه وآله أروع الأمثلة التي تضرب للناس.







قال: فهل من نص عام يوجب إتباع أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم؟







قلت: نعم النصوص كثيرة بحيث لم تترك الفرصة لمؤمن ليغير وجهته إلى غيرهم، فحديث الولاية، وحديث الثقلين، وحديث المنزلة، وحديث السفينة، وحديث الاثني عشر إماما أو خليفة، وآية التطهير، وكل الآيات الحاثة على إتباع وطاعة الأطهار من أهل بيت النبوة صلى الله عليهم جميعا(12)، إلا أنني سأستدل على أحقيتهم في زعامة الأمة بآية المودة والتي تقول: {قل لا أسألكم عليه إلا المودة في القربى}.(13) وأنت تعرف أن المودة هي التودد والتودد هو الحب في أجلى حركته وتفاعله مع المحبوب، فاقتضت إرادة الباري تعالى أن يكون أجر رسالة الإسلام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي محبة أهل البيت عليهم السلام والذين هم علي وفاطمة والحسن والحسين وأبناؤهم، والحب كما هو معلوم لمن أحب إتباع وموالاة وطاعة وغير ذلك من الآثار المترتب عليها الحب. وليس إلى ما ذهب إليه أكثر الناس من جهل بحال الصفوة الطاهرة، والادعاء بحب لا معنى له ولا أثر.







قال: يقولون إن فاطمة الزهراء ماتت صغيرة؟







قلت: نعم إن رحيل سيدة نساء العالمين السريع من الدنيا وبعد فترة تعد بالأسابيع بعد وفاة أبيها كان بسبب الضربة التي تلقتها من مقتحمي باب بيتها، ومرضها جراء ذلك بعد أن أسقطت محسنا. فكانت مصيبتها في ذلك الوقت ثلاث مصائب، الأولى فقدها لأبيها الذي تعلقت به أيما تعلق، الثانية غصب منصب الإمامة من علي عليه السلام وانقلاب الناس في خصوص الحكومة الإسلامية، والثالثة جرأة الذين يدعون أنهم مسلمون عليها وعلى بيتها الذي كان النبي صلى الله عليه وآله يكثر من التردد عليه، ويشير إلى فضله عندما شهد أبو الحمراء وابن عباس على أن النبي كان يأتي باب علي وفاطمة كل صلاة ليطرقه قائلا: (الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).







وقد كان أمر قبل ذلك أن تسد الأبواب المطلة على المسجد إلا بابه وباب فاطمة وعلي عليهما السلام. فضج الناس من ذلك، فرد عليهم النبي صلى الله عليه وآله بأن الله تعالى هو الذي أمر بذلك.







قال صاحبي: فهل من دليل قرآني أخير يزيدني طمأنينة؟







قلت: في قوله تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم}.







فالاصطفاء الإلهي لخيرة خلقه سنة كونية بدأ من آدم إلى أن يرث الأرض ومن عليها، هم من أناط بهم مسألة الهداية وجعلهم الباب الذي يؤتى منه ويقصد إليه، وقال أيضا: {أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده}. وهو تعالى لئن أعطى آل إبراهيم الكتاب والحكم فان آل محمد أفضل عنده من آل إبراهيم، وهم غير مستثنون من سنة الاصطفاء التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا، فهل فهمت الآن يا أخي لماذا اخترت طريق الهدى والقرب من سادات الدنيا والآخرة، على طريق الغواية والبعد عن الله ورسوله وآله الأطهار عليهم أفضل صلاة وأزكى تسليم.







قال صاحبي: فهل لك من دليل آخر على أحقية أهل البيت بقيادة الأمة؟







قلت: لدي دليلين، الأول تميزهم على غيرهم بالعلوم التي كانت تحتاجها الأمة، فهم واضعي أسسها، وقد اعترف بفضلهم أكثر الحفاظ، والثاني جهادهم من أجل الإسلام وتتبع الظالمين لهم، وقد سجل التاريخ ثوراتهم وشهاداتهم في سبيل الحق تعالى على مدى قرون عديدة حتى يوم الناس هذا.







قال صاحبي: الآن فقط تيقنت من مظلومية أهل البيت عليهم السلام، وعرفت من خلال ما وقع للزهراء عليها السلام أن الحق له وجهة واحدة وباب واحد، وانه في كل الأحوال لا يتعدد، طريق واحد، ومنهج واحد. ولا أرى بعد هذا عن أهل بيت النبوة ومعدن الرحمة ومنزل الوحي ومختلف الملائكة بديلا، فاسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وآلائه العظمى أن يجعلنا من شفعائهم ويحشرنا في زمرتهم، ويجعلنا من وفدهم يوم تشخص فيه القلوب والأبصار.







وأقول أخيرا:







وتبقى الزهراء عليها السلام بمثالها، وبكل تفاصيل حياتها، العلامة التي لا يخطئ من قصد أنوارها، فهي الإنسانة الكاملة التي مثلت الإسلام في أبهى مظاهره والنموذج الصادق الذي يعبر عن تفاصيل العلاقات بين العبد والعبد، وبين المعبود والعبد، وهي وان حرمنا من هديها وكانت إطلالتها على الدنيا كومضة برق، سريعا ما ذهبت مع بركات فيضها، فان اليسير الذي نجا من براثن المحرفين كان كافيا لأن يميط عن عقولنا تشابيه المظلين، ولئن أحجم أكثر حفاظ العصر الأول عن ذكر فضائلها، وشرح مقامها، والإقرار بما حصل لها بعد وفاة أبيها، فإنهم مدفوعين في ذلك بعامل السلط الظالمة التي كانت تحكمهم، والتي كانت ترى في إظهار الحقائق المتعلقة بأهل البيت عليهم السلام كشفا لحقائق تهدد عروشهم، وتعري معادنهم الخبيثة.







لذلك فان الحق لا يمكن أن يغطيه سراب الكذب، ولا الأدلة الواضحة أن تمر أمام عين البصير دون إثبات، ولو أن هذه الأمة المطعونة في دينها ثابت إلى رشدها لتبينت سبيل الرشد من سبيل الغي، ولنزلت عليها من البركات ولأكلت من فوقها ومن تحت أرجلها، وكانت في ذلك كله تحت غطاء الرحمة الإلهية، نسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل ويجعلنا في مستقر من رحمته، ومستودع من علمه، ويكتب لنا في هذه الدنيا بإتباع أوليائه وموالاتهم عشرات الحسنات، انه سميع مجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.













1 - (صحيح) البخاري كتاب المناقب حديث 3353 - كتاب الاستئذان ح5812 - مسلم، باب فضائل الصحابة ح4487 وح4488 - سنن الترمذي، كتاب المناقب ح 3714 / 3808 / 3828 - سنن ابن ماجة، كتاب ما جاء في الجنائز ح 1610 - مسند أحمد بن حنبل كتاب باقي مسند المكثرين ح 11192 / 11332، كتاب باقي مسند الأنصار ح 22240...







2 - البخاري كتاب المناقب حديث 3437 / 3483.







3 - مسلم كتاب الإمارة حديث 3441.







4 - البخاري كتاب المغازي ح 3913 / كتاب الفرائض ح 6230 - مسلم كتاب الجهاد والسير ح 3304.







5 - سنن الترمذي كتاب المناقب ح 3646 -سنن ابن ماجة، المقدمة ح 113 / 1118 مسند أحمد بن حنبل، مسند العشرة ح 606 / 906 / 915 / 1242 مسند بني هاشم ح2903 مسند الكوفيين ح 17749 / 18476 / 18519 / 18497 / 18522 باقي مسند الأنصار ح 21867 / 22028 / 22461 / 22062.







6 - البخاري كتاب المناقب ح 3430 / كتاب المغازي ح4064 - مسلم كتاب فضائل الصحابة ح 4418 / 4419 / 4420 / 4421 - سنن الترمذي كتاب المناقب ح 3658 / 3663 / 3664 - سنن ابن ماجة المقدمة ح 112 - مسند أحمد بن حنبل، مسند العشرة ح 1384 / 1408 / 1423 / 1522 / 1514 / 1428 / 1465 / 1450 / 1427 مسند بني هاشم ح2903 باقي مسند المكثرين ح10842 / 14111 باقي مسند الأنصار ح25834 باقي مسند القبائل ح 26195.







7 - البخاري كتاب المغازي ح 3913.







8 - البخاري كتاب فرض الخمس ح 2862 / 2863 كتاب المناقب ح 3435 كتاب المغازي ح 3729 / 3730 - مسلم كتاب الجهاد والسير ح 3302 / 3304 / 3305 / 3307.







9 - بلاغات النساء لابن طيفور ص23-الاحتجاج ج1ص97 / 107 مسند فاطمة ص557 - بحار الأنوار ج 43 ص 148...







10 - راجع تفسير الميزان للعلامة محمد حسين الطباطبائي سورة الكوثر.







11 - دلائل الإمامة لابن رستم الطبري - البحار ج43 ص253.







12 - راجع كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي.













/ 34