القسم الثالث عن الإنسان والمجتمع - فکر الإسلامی مواجهة حضاریة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فکر الإسلامی مواجهة حضاریة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الأولى: انها لم تذكر الا الكليات العامة والمشكلة انما هي في تفاصيلها.

الثانية: انها في حين سكتت عن الحكومة المضمونة فيها سعادة الناس لم تحدد الملكية الفردية ولم تبين من سوف يكون المشرع الذي لا يتبع أهواءه ولا يضل بجهالته وكيف نضمن ذلك؟

لوك:

1632 1704

1- الاجتماع:

يعتقد جون لوك ان الحالة الطبيعية للإنسان ليس العداوة والبغضاء والحقد والحسد (كما يزعم بعض الناس) بل ان حالته الأولية تقتضي سيطرة كل فرد على نفسه، ذلك لأن أفراد البشر كلهم أحرار مختارون ومتساوون.. إذا فليس لأحد الا السيطرة على نفسه والسيطرة على ما له ناشئة من حقه هذا.

2- الاقتصاد:

* وبما ان المال من عمل الإنسان فله الحق في التصرف فيه بحريته (الملكية الفردية)، وحق الحياة ناشيء من العمل أيضا كما ان حق التصرف في المال هو الآخر ناشيء من هذا الحق ولكنه مشروط بأمرين:

الأول: ان لا يدع المالك ماله عاطلا.

الثاني: ان لا يحرم الآخرين من حقوقهم ولا يعتدي على ممتلكاتهم.

ولابد أن يحفظ في ذلك، طريق الاعتدال.

3- الأخلاق:

وليس لجون لوك آراء تذكر في الأخلاق.

4- السياسة:

* يعتقد لوك: ان سيطرة الدولة على الشعب ليست الا من جهة التباني والمواضعة؛ يعني ان الناس كانوا أول الأمر- أحرارا وبما ان حرية بعضهم كانت تزاحم حريات الآخرين وتسلب منهم الراحة والأمن، تنازل كل منهم عن بعض حريته في مقابل تنازل الآخرين له عن بعض حرياتهم.

* ومن هنا نشأت السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويقول في كتابه (الحكومة المدنية): ان وظيفة القوة المدنية والسياسية إقرار العدالة إذ ان الإنسان يدخل الحياة ليعيش بحرية وأما الملك (أو أية سلطة سياسية أخرى) فإنه يكسب قوته من الشعب وليس الا وكيلا عنه فإذا استغل الملك تلك القوة التي أعطاها ليحيد عن الصالح العام، فللشعب الحق في الثورة عليه وخلع طاعته عن نفسه.

الملاحظات:

مع ان آراء لوك تحتل الصدارة في الفلسفة الأوروبية، وكانت هي السائدة في القرن الثامن عشر فإنها لا تخلو من نقاط ضعف نشير إلى بعضها:

1- انها ناقصة من جهات شتى.

2- ان النزوع إلى الشر أمر طبيعي في الإنسان بجانب حبه للخير، كما سيأتي الحديث عنه.

3- ان الحكومة لا يمكن ان تكون مواضعة من قبل كل الناس. إذ ان المخالف للحكومة وان كان غير راض فإنه لا يسمح له الخروج على القانون. ولذلك نعرف ان النزعة الفردية التي تبدو ظاهرة في فلسفة لوك تشكل بؤرة في الأخطاء، وسوف يأتي التفصيل في ذلك.

منتسكيو..

* لم يكن منتسكيو يرى الثورة المفاجئة بصالحة للحياة، بل كان يعتقد ان الاصلاح لابد ان يكون بالتدرج. وكان يعتقد بالنسبة إلى:

1- الاجتماع:

* ان الإنسان خلق مدنيا ولابد له من التعايش مع نظرائه في الخلق، ولابد له لكي يسعد في تعايشه هذا من ان يكون حرا مطمئنا، فلا مناص من ان يشرع قانونا في تنظيم العلاقات التي تربط الناس بعضهم ببعض بحيث انه لو عاش قوم بدون قانون ينفذ عليهم لسلبت عنهم الحرية والأمن والطمأنينة.

* فأهم الأشياء للإنسان هو القانون وأحسن القوانين ما يضمن للناس أوسع ما تجيزه المصلحة العامة من الحرية..

* ويعتقد: ان هناك قوانين طبيعية لابد ان نتعرف عليها ثم نستعمل عقولنا في تعيين الظروف الملائمة لتطبيقها.. ويقول: العدل حسن والظلم قبيح، الحرية خير من العبودية والعلم أفضل من الجهل. ولكن هذه أمور عامة وليست بقوانين، إذ لابد في وضع القوانين من مراعاة الظروف من جهة القومية والمناخ والأخلاق والآداب والرسوم والعقائد والاستعداد الطبيعي لكل بلد.

* فلابد إذا في وضع القوانين من مراعاة الأصول العامة إلى جنب الظروف الخاصة.

2- الاقتصاد:

ويرى منتسكيو في الاقتصاد: انه لابد ان يُعطي كل فرد قدرا من ماله (ضريبة) ليحفظ له سائر أمواله، ولابد ان تراعي الدولة حاجاتها الحقيقية، ولا تضع الضرائب حسب الأهواء..

وعلى الدولة ان تهيء ظروف العلم للشعب كافة..

3- السياسة:

* الحكومات في نظر منتسكيو على ثلاثة أقسام:

2- الحكومة الجمهورية؛ التي تعطي لكل الأمة أو بعضها الحق في السلطة.

2- الحكومة الملكية الدستورية؛ وفيها يحكم البلد الملك بعد ان يستشير من نواب الشعب.

3- الحكومة الملكية غير الدستورية؛ حيث يعمل الملك وفق أهوائه الخاصة.

* في الحكومة الجمهورية؛ ان كانت تتحكم من قبل كل الشعب كانت ديمقراطية وان كانت تدار من قبل بعض الشعب كانت ارستقراطية (حكومة الاشراف).

* على الحكومة وظائف ثلاث:

تشريع النظم (القوة المقننة)، وتطبيقها على الموارد الخاصة (القوة القضائية)، وإجرائها (القوة التنفيذية).

* ولابد ان تنفصل هذه القوى بعضها عن بعض حتى تتمكن من اتقان عملها باخلاص.

* ولابد في الحكومة الجمهورية من ان يكون أفراد الشعب مخلصين لوطنهم والموظفون لمسؤولياتهم، وإلا ساد الفساد الحكم.

* ولابد في الحكومة الارستقراطية ان لا يستغل الأعيان نفوذهم في سبيل مصالحهم الخاصة.

* ولابد للملك ان يتبع القانون.. أما إذا استبد برأيه فالحكومة فاسدة من رأس.

الملاحظات:

لم يجعل منتسكيو ضمانا لعدم تسرب الفساد إلى هذه الحكومات من جهة (شأنها شأن حكومة ارسطو وغيره من الحكماء). ومن جهة ثانية لم يعين ضمانا كافيا لصلاح القوانين المشرعة من قبل هيئة التقنين.. في حين ان علمها بقوانين الطبيعة كلها لا ولن يمكن أبدا، إذ قد اعترف العلم الحديث انه لا يمكن ان يحيط أحد اليوم بكل جوانب الإنسان (انظر كتاب الإنسان ذلك المجهول) وبعد ان يعلم فرضا، فما هو الضمان لعدم انحرافه إلى أهوائه أو اهواء سادته؟ (ومن الواضح ان قوانين الدول اليوم تجري طبقا لاهواء الرؤساء).. وما قلناه في السياسة نقوله في الاقتصاد. إذ ان منتسكيو لم يذكر لنا حدا للضرائب ومن هو الأمين الذي يوكل إليه أمر تعيين قدرها بحيث لا يجحف ولا يعمل بأهوائه الخاصة.

روسو..

(1712 1778)

1- الاجتماع:

يعتقد روسو ان جميع المشاكل ناشئة من اجتماع الناس وان الراحة كل الراحة في الانعزال.

* ولكن اعترافا بالأمر الواقع لابد لنا ان نضع قوانين للتقليل من مفاسد الاجتماع.

2- الأخلاق:

* أساس الفلسفة عند روسو، حب الطبيعة. ويقول: ان القلب لا يخطئ وكل مفسدة تنشأ فهي من جهة ان الإنسان لا يستعمل عقله في الأمور الداخلية (أي في توجيه نفسه).

* ويعتقد ان حرية الإنسان جاءت من جهة انه يملك إلى جانب شهوات نفسه عقلا موجها يستطيع بتوجيهه ان يعرف خيره. والسعادة الحقيقية للإنسان تكمن في عدم الظلم وان يكون برا بالناس وهذا يكفيه في حقل الأخلاق.

3- السياسة:

وبعد ان اجتمع الناس بعضهم إلى بعض (وان كان في ذلك ضررهم)، فلابد ان تقلل من مفاسد الاجتماع بأمرين:

الأول: التربية.

الثاني: الحكومة، التي يجب ان لا تتجاوز إطار بلد واحد. وبما ان الناس كلهم لا يعرفون تشريع القوانين فلابد من تعيين من يشرع لهم من الخبراء، والناس أحرار من حيث المجموع وان وجب على كل فرد منهم ان يتبع القانون ولا يخرج عليه.

هابر[2]

(1588 1679)

1- الاجتماع:

* يعتقد هابر ان ما يقوله البعض من أن الإنسان مدني بالطبع خطأ فاضح لأن الإنسان بطبعه عدو الإنسان! وقد اثر عنه قوله (الإنسان للإنسان ذئب).

لا يريد الإنسان شيئا الا لنفسه وهو يحارب الآخرين أبدا.

2- الأخلاق:

* وعلى هذا فليس هناك محل للأخلاق في قلب الإنسان بل الأخلاق تابع للمنافع فقط.

3- السياسة:

* وأساس الحكم هو الاستبداد والحكم عن طريق القوة وذلك لأن الناس حيث يحارب بعضهم بعضا لا يستطيعون العيش بسعادة فلابد من تقرير الأمن الذي يعتبر من أهم الضرورات له.

* وتقرير الأمن انما يمكن بأن يتنازل الكل عن حرياتهم ويسلموها بيد رجل واحد يحكمهم بالقوة.. ولا يجوز ان يوضع لهذا الواحد أي قانون ولا يحدد بأي قيد..

نيتشه..

(1844 1900)

1- الاجتماع:

الإنسان جاء إلى الحياة ليتمتع بما فيها وكل ما يهيء له طريق التمتع فهو خير (وافق الحق أو خالفه) وما يقال من تساوي الخلق بعضهم مع بعض خطأ بل الحق ان في الناس سادة وعبيدا، على ان يهيئوا وسائل الراحة للسادة.

إذن فالمجتمع الطبقي في أسوء حالاته هو المجتمع الطبيعي الأمثل عند نيتشه.

2- الاقتصاد:

لابد ان يستثمر القوي الضعفاء بأقل ما يمكن، وأن يحاول كل مكار خداع السيطرة على الآخرين في هذا المجال.

3- الأخلاق:

* والأخلاق من الضعف؛ ان الجزء الأعظم من فطرة الإنسان التعدي والظلم، وان الجزء الأقل هو العقل والعاطفة، والجزء الأعظم هو الذي يجب ان يتبع.

* لابد ان يمارس الإنسان كل نوع من أنواع الإجرام ليعيش في رفاه وسعادة.

4- السياسة:

* وعلى هذا الأساس فالسياسة تقوم على خدمة الأقوياء وسحق الضعفاء وكل ما هناك من الدين والأخلاق فإنما هو وسيلة للسيطرة على المستضعفين.

* حقا ان لم يكن هناك رب، ولم يكن جزاء، ولم يكن العقل أكثر من محصول أعلى للمادة، ولم يكن هناك حق وباطل وخير وشر أبديين (كما يقول الماديون) كان ما رأى نيتشه هو الحق. (وهذا بالفعل هو الذي تراه الدول الكبرى عملا بالنسبة إلى الدول الصغرى).

* وليس ما يفعله فريق من الماديين من التظاهر بالعدالة الاجتماعية والمساواة وإعانة الضعفاء الا خداع ومكر.

ان أرادت البشرية ان تعيش في ظل القيم السامية والعدالة.. الحرية والمساواة .. حفظ حقوق الضعفاء، وان كانت تريد السعادة الحقة فلا بد لها ان تلوذ إلى حمى الدين والمذهب الحق.

ويستخدم الإيمان بالله واليوم الآخر وسيلة لتطبيق هذه المثل والا فليس من المعقول ان ينتظر من القاعدة المادية الا البناء المادي المصلحي، الذي لا يرى الفرد بموجبه الا نفسه فقط.

والواقع: ان الخلق الرفيع والعقيدة بالمذهب الحق توأمان لا ينفصلان وكلاهما من نتائج الوجدان النقي.. أليس كل منا يشعر في واقعه انه يحب العدل والمساواة وينزجر من الظلم والتفاوت؟

أجل حتى هابر ونيتشه- حينما ينزلون من برج خرافاتهم إلى ساحة الواقع لابد لهم من الاعتراف بأن الذي يرحم الضعفاء ويلتزم بالوفاء والصدق والطهارة أفضل من غيره ألف مرة ومرة.

آراء إشتراكية..

خلال القرن التاسع عشر ظهر في أوروبا بعض من سموا بالحكماء والفلاسفة من دون ان يكون لديهم ما يستحقون به هذه التسمية.. نادوا بالاصلاح عن طريق الاشتراكية ويذكر من بينهم (فورية[3]) (وسن سيمون[4]) و(يرودن[5]).

بيد أن هذه النظريات لم تلق رواجا إذ انها لم تكن الامثاليات تافهة تعيش في عالم الخيال ولا يمكن تطبيقها أبدا.

ويقول الماركسيون: ان ماركس جاء ليؤسس الاشتراكية على مباني علمية وقواعد فلسفية!!

ولكنه طرد من ألمانيا والتجأ إلى بريطانيا وفي عام 1867 نشر كتابه (رأس المال) وأكد بوجه مفصل آرائه التي أبداها في نشرة كان قد نشرها عام (1847) ومن المعروف ان ماركس كان رجلا يهوديا وان أعماله الفكرية.. انما لاقت رواجها بمساعدة صديقه وتلميذه (انجلز)

ماركس

(1818 1883)

* يعتقد ماركس: ان من الضروري على عمال العالم قبل كل شيء ان يتحدوا ليشكلوا جبهة قوية تحارب رأس المال والرأسماليين في العالم ويجب ان ينزع العمال الحكم من الرأسماليين عن طريق العنف الثوري.. ويؤسسوا دولة العمال الأممية.

* تعتقد الماركسية انها لم تتخطى أبدا الأصول العلمية ولذلك فهي أحسن سائر المذاهب الاشتراكية[6] وسمت نفسها الاشتراكية العلمية[7].

* والماركسية اليوم هي الفهم اللينيني لأفكار ماركس.

* كما انها مبنية على المنطق الديالكتيكي (والنظرة المادية) والتي تعتبر روح الاشتراكية العلمية. ولهذا يقول جورج فوليستر أستاذ في جامعة باريس -: (لا يمكن تفكيك الماركسية واللينينية والمادية الديالكتيكية..).

* وأهم المباني العلمية التي تنادي بها الماركسية ثلاثة:

1- التفسير المادي للتاريخ[8].

2- المادية التي تنكر الدين والأخلاق[9].

3- ديالكتيك المجتمع[10].

ولابد لنا ان نشرح هذه القواعد الفكرية لماركس ونذكر عندها النقد الفكري الموجه إليها:

1- المادية:

هي انكار الروح والخالق واليوم الآخر والقيم.. (ولا نعود لننتقد هذه الخرافة بعد ان أشبعنا الكلام حولها في الفلسفة النظرية والعقائد).

2- التفسير المادي للتاريخ:

يقول ماركس: ان علة العلل لكل حوادث التاريخ هو العامل الاقتصادي ولذلك فإن كل اتجاهات البشر تتبع طريقة الانتاج ويستدل ماركس على ذلك بالرغم من انه لم يكن مؤرخا ولا كان عنده علم بالماضي بأن الإنسان تابع لحاجاته. إذ ليس له روح أو قيم أو دين أو وجدان أدبي. فليس هو الا آلة جميلة تحتاج إلى وقود، إذن فهو تابع لمصلحته.

الملاحظات:

ونحن نستطيع ان نرده من طريقين:

1- اثبات ان الإنسان يملك روحا وعقلا وشعورا بالأخلاق والدين وان انبثاق الأديان انما كان لحقانيتها كل ذلك لما سبق في الحديث عن الفلسفة والعقائد.

2- ظواهر كثيرة في التاريخ القديم والجديد.. ونكتفي في ذلك بذكر ثلاثة أمثلة:

أ- في العهد اليوناني نجد ظروفا اجتماعية واحدة انتجت أفكارا متناقضة. مثلا: في القرن السادس قبل الميلاد كان( طالس الملطي) ماديا وكان(فيثاغورس) ميتافيزقيا. وفي القرن الخامس كان (هرقليط) ديالكتيكيا وكان( كينوقانوس) ميتافيزقيا.. وفي كل عهد وفي كل البيئات الأغريقية، كان يوجد المتناقض من الأفكار!

ب- الدين الإسلامي جاء في مجتمع بدوي حيث ظهر في مكة المجدبة (ولم يظهر في اليمن الحضاري) وساعد الفقراء، وأكد الملكية الفردية.. فكيف يمكن تفسيره؟ بنزاع الطبقات؟ ان كان جاء دعما للفقراء فكيف أكد الملكية الفردية؟ وان كان في صالح الأغنياء فكيف ساعد الفقراء وساعدوه، وعارض الأثرياء وعارضوه؟ وان كان من نتائج المناخ فكيف جاء في الحجاز البدوي ولم يأت في اليمن أو الشام الحضاريتين؟؟

ج- لماذا تراجع الاتحاد السوفياتي عن الاشتراكية؟ ولماذا اختلف مع الصين؟ ولماذا تقدم بعض الدول في الصناعة فلم يحدث فيه انقلاب اشتراكي وتأخر بعض فحدث فيه؟. ولماذا انقلبت اندونيسيا والمجر وتشيكوسلوفاكيا عن الاشتراكية؟ ولماذا كانت حالة العمال في ألمانيا الغربية أفضل من حالهم في ألمانيا الشرقية؟ كل هذه الظواهر تناقض لدى التدبير- التفسير الجبري والمادي للتاريخ، وهو خلاف كل ما تنبأ به ماركس. والأفضل ان نريح أنفسنا بما قاله الدكتور إقبال في تاريخه (بما ان ماركس لم يكن مؤرخا فإنه لم يستطع ان يكتشف أسباب تقدم الأمم وتأخرها).

3- ديالكتيك المجتمع..

يعتقد ماركس ان ديالكتيك الفكر يأتي بعينه في المجتمع. فالجماعة كالفكر تخضع للقوانين الأربع للديالكتيك بالشرح التالي:

1- أصل التغير والتطور ليس في العالم ثابت-.

بما ان المجتمع البرجوازي لابد ان يتغير فهو ينقلب بالضرورة إلى مجتمع اشتراكي[11].

2- أصل التفاعل (كل شيء يؤثر في كل شيء).

والمجتمع يأتي نتيجة للأوضاع التي سبقته. فالمجتمع الاشتراكي وليد المجتمع البرجوازي، وثورة العمال على رأس المال.

3- أصل التناقض (كل شيء يحمل نقيضه في داخله).

فالرأسمالية تحمل في داخلها قوة مضادة، هي الاشتراكية. ذلك لأنها تتركب من (أصحاب الأموال) وهم يشكلون القوة المشبة و(العمال) وهم القوة المضادة.

ويقول ماركس: ان تقدم العالم ينشأ من تطاحن القوتين؛ قوة الرأسمال وقوة العمال.

ويقول: (ان نزاع الطبقات ليس وليد المجتمعات المعاصرة انما هو نزاع ازلي منذ فجر التاريخ الإنساني وحتى اليوم المعاصر).

بيد ان هذا النزاع القائم اليوم بين طبقتي البرجوازية والعمال سيكون الأخير ذلك لأن الاشتراكية سوف تتغلب على البرجوازية فتزول الطبقات رأسا وبمحوها سيزول منشأ الخلاف والنزاع.

4- التغيير الفجائي؛ (ان التغيير الكمي سوف ينقلب إلى تغيير كيفي كتغيير الماء الحار إلى بخار).

والمجتمع تتفاعل فيه القوى المتعارضة وفجأة تشتعل الحرب. وعن طريق استخدام القوة العنيفة سوف تزول قوى البرجوازية ويستبد العمال بالحكم، (وهذا هو ما يقصد به من الاشتراكية الثورية).

الملاحظات:

هذه الأصول الأربعة لقد سبق وأن نقدنا بعضها في الفلسفة النظرية ولكن تحميلها عمليا على واقع المجتمع خطأة كبيرة لابد من نقدها ذلك:

1- لأن العلم الحديث قد اثبت صفات ثابتة للفرد والمجتمع لم تتغير منذ وجوده وحتى اليوم، ولا يمكن تغييرها أبدا (ما دام يبقى الإنسان إنسانا).. ومن جملة الصفات النفسية للفرد: حب الشر، وحب الخير، العاطفة، الحرية الشخصية..

ومن صفات المجتمع التي لا تتغير: تفاعل بعض الأفراد مع بعض (علما بأن اثبات صفة واحدة لا تقبل التغيير يكفي لنسف الفكرة التي تزعم ان كل شيء يتغير).. وإذا ثبتت صفات نفسية لا تتغير في الفرد والمفروض ان المجتمع ليس الا تجمعا للأفراد فإن هذه الصفات تثبت بحجم أضخم للمجتمع

فالمجتمع؛ مركب من أفراد يحبون الخير ويحبون الشر ولهم عقل وهوى[12] وطائفة من هؤلاء الأفراد يغلب فيهم الخير على الشر، وطائفة يغلب الشر فيهم على الخير، فتنقسم الجماعة إلى طائفتين: طائفة تؤيد الخير وأخرى تؤيد الشر وهكذا تقوم الحرب الباردة أو الحارة بينهما.

وهذا الأمر هو الثابت الذي لم يتغير على طول التاريخ وتدل عليه كافة الظواهر التاريخية.

أما ما قاله ماركس من تطور المجتمع من رأسمالية إلى اشتراكية، فهو عين الخطأ الذي لا يذهب إليه من له أدنى معرفة بالتاريخ. ومن حقنا ان نتساءل: هل كانت جهود الحزب الشيوعي، ام حتمية التاريخ هي التي انتجت انقلاب روسيا؟ انهم يعرفون ان جهودهم هي التي أثمرت الانقلاب ليس غير.. ثم نتساءل: لماذا تغيرت الإشتراكية الأولى في الزمن الأول إلى دور العبادة؟ وكيف انقلبت اندونيسيا إلى رأسمالية بعد ان كانت اشتراكية؟ ثم ان ماركس لم يستند إلى دليل فيما قاله.

2- والتفاعل؛ كلمة حق يريد بها ماركس أمرا باطلا، ذلك لأن حتمية الاشتراكية بعد البرجوازية لا دليل عليها. إذن أفكار الناس تؤثر بعضها في بعض ولكن تأثير أفكار الاشتراكيين دون أفكار الرأسماليين لا دليل عليه إطلاقا.

في حين انا نلاحظ بالوجدان ان من كانت له دعاية واسعة وحزب قوي كانت أفكاره هي السائدة في العالم سواء كانت موافقة للإشتراكية ام لا.. ولذلك فإن الحزب الشيوعي يتقدم في أية منطقة تكون دعايته فيها قوية، ولا يتقدم في منطقة تكون فيها الدعاية الرأسمالية هي القوية.

3- أما التناقض الطبقي فليس هناك دليل يبرر تعميمه على المجتمع، ذلك لأن العمال (الطبقة الضعيفة) ان رضيت بشروط العيش (كما هي الحال في أوروبا) فهي لن تعارض الطبقة القوية أبدا. ورضاها وليد تحسين ظروف العمل ومراعاة حقوق العامل. نعم هناك تناقض[13] بين أفراد المجتمع من جهة اختلاف نزعاتهم الفكرية والسياسية، فترى فريقا من العمال ينضمون إلى حزب المحافظين (في بريطانيا مثلا) وفريقا من أصحاب الأعمال يدخلون في حزب العمال..

والتناقض كما سبق ليس الا من جهة ان الناس فريقان أهل حق وأهل باطل.

4- والتغيير الفجائي: باطل من أصله كما بينا ذلك في الفلسفة النظرية، إذ لا يمكن ان يحدث بدون علة خصوصا في المجتمع. إذ من المعلوم ان كل حركة سياسية أو إصلاحية تسبقها جهود جبارة من بعض الأفراد وتساعدها عوامل كثيرة. أما إذا جهل ماركس وأتباعه تلك العوامل فما هو ذنب الواقع؟؟

واذا تبين لنا خطأ القواعد الفكرية لماركس فلابد ان نلقي نظرة خاطفة على جملة من خرافاته تاركين نقدها للقارئ الواعي:

1- الماركسية تحارب على ثلاث جبهات متماسكة: اقتصادية ـ سياسية ـ عقيدية (ايديولوجية) .. وان الجبهة الاقتصادية وان كانت الأصل ولكن لابد من الاهتمام بالآخرين.

2- ان سبب هضم حقوق العمال هو رأس المال، الذي يستثمر الطبقة العاملة ويجعلها في خدمة البرجوازية. والسبب ان صاحب العمل يسرق من العامل للتفاوت بين الأجر والبيع[14].

3- ان المالكية الجماعية هي التي تستطيع ان تنهي خلافات البشر وعداواتها.

4- تحطيم حكومة البرجوازية وتحقيق حكومة العمال[15] ولو بوسيلة الثورة الدموية.

5- تبديل الملكية الفردية إلى جماعية واشتراكية في وسائل الإنتاج وإنهاء الطبقات كلها.. (وأخيرا عدلت الاشتراكية عن هذا إلى تأميم بعض وسائل الإنتاج).

6- تساوي حقوق النساء والرجال في كل الشؤون[16].

7- معاداة العقائد الدينية والخلقية بالدعاية ضدها بكل عنف وإصرار.

[1]- حين نقول المادية لا نقصد بها انها مثل المواد المحسوسة. ولكن تقصد انها مخلوقة ومحدودة وذات كثافة من نوع مختلف عن كثافة ما نراه من المواد.

*- ان كان للفيلسوف رأي في أحد أقسام الفلسفة العملية الأربع أثبتناه.. والا تركنا التعرض لذلك القسم رأسا. وغير خاف على القارئ ان تقسيم آراء الفلاسفة إلى آراء اجتماعية واقتصادية وأخلاقية وسياسية لم يكن بالعملية السهلة نظرا لعدم وجود هذا التقسيم في أقوالهم. بيد ان هذا التقسيم يسهل على القارئ ولاشك فهم النظرية ومقارنتها مع الإسلام.

[2]- هناك حكماء آخرون أمثال اكوست كنت وسبنسر ولكن نظرياتهم تشبه إلى حد كبيرما سبقت من نظريات الفلاسفة السابقين وليس لديهم جديد غير ان كانت يعتقد ان للإنسان عاطفتان: عاطفة (حب الذات) وأخرى (حب الغير) وهذه الأخيرة: هي التي سبب تكوين المجتمع من أسرة فعشيرة فأقوام، كما أنها أصبحت مبدأ الأخلاق كالصدق والتعاون والوفاء.

ويزعم سبنسر ان المجتمعات البشرية قسمان: مجتمع صناعي ومجتمع حربي، والمجتمع الحربي متقدم زمنا على المجتمع الصناعي ويعتقد ان الناس لا يزالون في دور الحرب ولابد لهم من الانتقال إلى دور الصناعة، ويعتقد ان الثورة الاشتراكية انما هي من ظواهر المجتمع الحربي.

[3]- كان يرى لزوم تجمع الناس في كوادر صغيرة (عدد أفرادها 1300 شخصا) ويختار كل فرد منهم ما يناسبه من العمل بحريته الشخصية.

[4]- كان يرى لزوم ابطال الثورات والالتزام بتعيين الدولة العمل للأفراد بمقتضى كفاءاتهم، وتعين لهم مقدار معاشهم.

[5]- كان يعتقد: ان على الناس ان يجتمعوا بحريتهم في مكان ليقسموا بين أنفسهم العمل، ويكون التبادل بالحاجات وليس بالنقد، ولم يكن يرى حاجة إلى الدولة.

[6]- تقول بعض المذاهب الاشتراكية: لابد ان توزع الثروة حسب كفاءة الأفراد. ويقول بعضها: ان المقياس في التوزيع هو حاجة الفرد لا عمله ولا كفاءاته. ويقول آخر: كل بحسب كفاءته (يستخدم) ولكل بحسب عمله (يؤجر).

[7]- يقول ماركس: ان الاشتراكية لابد لها من يوم تطبق فيه، فإن وافقت البرجوازية على ذلك طبقت الاشتراكية سلما وبسرعة وسهولة والا طبقت بطرق حربية صعبة طويلة.

[8]- يقول فوليستر: ان تأسيس منطق الديالكتيك أعطى سلاحا جبارا بيد العامل ليستخدمه ضد المستغلين.

[9]- ويقول: ان المادية كانت بمثابة سلاح قوي في يد الحزب الشيوعي الروسي لم يكونوا يستطيعون دحر البرجوازية بدونها..

[10]- كما ان التفسير المادي للتاريخ يكشف في عقيدة فوليستر عن نوعية التحولات الاجتماعية وينبأ الإنسان بمستقبله في الحياة.

[11]- يقولون ان التغير في العالم قد تناول المجتمع في حالات أربع:

1- الشيوعية الأولى 2- العبودية والاقطاع 3- الملوك والطوائف، 4- الرأسمالية 5- وأخيرا انتهى إلى نهاية الرأسمالية.

[12]- سوف نثبت بإذن الله هذا الواقع عندما نتحدث عن علم النفس والأخلاق الإسلاميين.

[13]- التناقض عند الأوروبيين مطلق التعادي، وليس بمعنى مقابلة الوجود والعدم (كما كان مشهورا عن المنطقيين قديما).

[14]- يزعم ماركس ان صاحب العمل المسكين لا يساهم في الانتاج، مع ان ماله نفسه سهما فيه ولفكر صاحب العمل سهم آخر، وقد يكون التخطيط أهم من العمل.

[15]- يحسبون ان العمال هم القادة في حين ان القائد للحكومة الاشتراكية هو الحزب وأي فرق بينه وبين أصحاب العمل؟

[16]- نتائج ذلك السيئة تبين في الكتب المفصلة.

القسم الثالث عن الإنسان والمجتمع

البحث الثاني عن:

الإسلام والإنسان والمجتمع

كلمة في البدء

المجتمع الإسلامي

الاقتصاد الإسلامي

الأخلاق الإسلامية

السياسة الإسلامية

كلمة في البدء

ينبغي ان نبدأ الحديث بعرض موجزة لنظرة الإسلام إلى الإنسان والمجتمع ثم تفصيلها تفصيلا.

يعتقد الإسلام:

* ان معرفة واقع البشر وواقع خلقه ومبتدأه ومنتهاه هي التي تخط طريقه في الحياة. والإنسان عند الإسلام مركب من روح وجسم، ولابد من توفير السعادة لهما. ولكن الجسم لابد ان يضمن له السعادة عن طريق توجيه الروح. وفي روح الإنسان طاقتان: طاقة ذاتية هي الجهل وطاقة موهوبة لها هي العقل. وأهم ما في الجهل: هو النفس (حب الذات) وافتقاد العلم. كما ان أفضل معطيات العقل هو: العلم والحكمة (وهي: تمييز الشر عن الخير) وللبشر فوق ذلك: الإرادة التي بها يرجح إحدى الطاقتين (الجهل أو العقل) على الأخرى.

* وان حب الذات يؤدي (ان لم يوجه بالعقل) إلى حب الدنيا وعبادة المادة. ومن حب الدنيا تنشأ الشهوات وهي تسبب الرذائل.

كما ان الحكمة (ان اتبعت) تجعل الفرد يتبع الحق. وباتباع الحق يتحلى الفرد بالفضائل: وهي تتلخص في مراعاة حقوق الآخرين واتباع الحق.

* ولابد ان تسخر كل قوى الحياة في تطبيق الحق. إذ به يتمكن الناس من ان يؤدوا الحقوق، وبسببه يلتزم كل فرد بواجباته تجاه نفسه وتجاه الآخرين.

* حقوق البشر تنشأ من أحد أمرين: العمل والحاجة. فمن عمل استحق الأجر بقدر ما أحسن، ومن احتاج كان له ـ بقدر حاجته ـ الحق على القادرين.

وان البشر خلقوا شعوب وقبائل مختلفة لكي يتعاونوا في سبيل تحقيق سعادتهم. وهي استثمار الطاقات الموجودة في نفسها وفي الآفاق. ذلك لأن الأرض والسماء انما هي مخلوقة للبشر ومسخرة من أجلهم.

* وان اتباع الحق، هو السبيل الوحيد إلى استثمار هذه الطاقات أما الحق فهو مطابقة العمل للواقع المفروض والذي يعين هذا الواقع المفروض هو الله، عن طريق الرسل أو العقل السليم بتذكرة الأنبياء (ع).

* وتعاون الناس في هذا السبيل ينشأ من خضوعهم جميعا لتوجيه عقولهم وتسليمهم لنظام واحد وهو الإسلام وتتمثل قيادته في إنسان تتوفر فيه شروط القيادة، يتعرف عليه الناس بالتجربة الشخصية ومتى فسق أو جهل بطل تمثيله للأمة. وكذلك فيما إذا عجز عن مواجهة المشاكل والأزمات وحلها.

* والناس باتباعهم لإرشادات عقولهم يضمنون لأنفسهم الحريات الأربع وهي: حرية الفكر ـ بالارتفاع عن الخضوع للشهوات أو التعصب والتقليد ـ وحرية السياسة ـ باتباع من يمثل الدين وعدم الاستسلام لأي طاغوت آخر ـ وحرية الاقتصاد ـ فلكل فرد ان يكتسب كما يشاء شريطة ألا يسبب شقاء لنفسه أو شقاء للناس وحرية الشؤون الشخصية ـ بأن يعمل بما شاء وكيف شاء، وضمنها حرية السفر والإقامة ـ.


/ 15