القسم الثاني عن العقيدة والإيمان - فکر الإسلامی مواجهة حضاریة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فکر الإسلامی مواجهة حضاریة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



2- كما ان الإمام هو ملاذ الناس لدى هجوم الدواهي عليهم. فكم من مشكلة أحلها بالتوسل إليه، ولكل فرد تجربته الخاصة في ذلك.

3- في الوقت الذي لا نستبعد بل هو كائن فعلا- وجود علاقات سرية بين الامام (ع) وبين مراجع الشيعة من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون بالمباشرة أو بواسطة بعض وكلاء الامام. وهذا هو السر العظيم-.

ما هي مسؤولية الناس تجاه الإمام؟

ماذا يجب على الناس تجاه الإمام؟

هذا السؤال يفرض نفسه على من اعتقد ان الامام شخص ينتخبه الله تعالى، وجواب هذا السؤال لابد ان يأتي من قبل الأئمة أنفسهم بعد الإيمان بهم مجملا- وهناك عدة وظائف مفروضة على الناس بالنسبة إلى الإمام نشير إلى عشر منها، ونذكر الدليل الشرعي القائم عليها.

1- معرفة الإمام بشخصه.

والدليل على ذلك قول ابي عبد الله الصادق عليه السلام، عن رسول الله (ص) انه قال: (من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية) (قال الراوي سألته) قلت: جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه. قال: جاهلية كفر ونفاق وضلال.

2- ان يعتقد بولايتهم.

والحجة على ذلك قول الصادق (ع): ان أول ما يسأل عن العبد يوم القيامة إذا وقف بين يدي الله جل جلاله؛ الصلوات المفروضات وعن الزكاة المفروضة وعن الصيام المفروض وعن ولايتنا أهل البيت فمن أقر بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وأن لم يقر بولايتنا بين يدي الله جل جلاله لم يقبل الله جل وعز شأنه شيئا من أعماله.

3- أن يسلم لهم ولا يرد عملا من أعمالهم.

والبرهان بذلك قول علي بن الحسين (ع): ان دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقاييس الفاسدة، ولا يصاب الا بالتسليم. فمن سلم لنا سلم، ومن اهتدى بنا هدى، ومن دان بالقياس والرأي هلك، ومن وجد في نفسه شيئا مما نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم، وهو لا يعلم.

4- ان يطيعه في كل ما يقول.

قال أبو جعفر الباقر (ع): ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تعالى الطاعة للإمام بعد معرفته. ثم قال: ان الله تعالى يقول (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا).

5- ان يرد أمر المشاكل إليه.

قال الإمام الباقر (ع): فإن لنا علم في شيء فارجعوه إلى الله والى الرسول والى أولي الأمر منكم. وقال: انما كلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة والتسليم لهم فيما ورد عليهم والرد اليهم فيما اختلفوا فيه.

6- ان يتعلم منه الأحكام والعلوم والأخلاق.

قال رسول الله (ص): ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقة منها ناجية والباقون هالكون، والناجون الذين يتمسكون بولايتكم ويقبسون من علمكم ولا يعملون برأيهم فأولئك ما عليهم من سبيل.

7- ان يرجع في تفسير القرآن وتأوليه إليه.

قال الإمام الباقر (ع): قال الله: (وما نعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم) نحن نعلمه..

8- أن يفزع إليه في الدواهي.

قال الإمام الرضا (ع): (الإمام الأمين الرفيق والوالد الرقيق والأخ الشقيق ومفزع العباد من الداهية).

9- ان يعرض على الإمام النصرة متى شاء.

قال الإمام الباقر (ع): فما أمروا ان يطوفوا بها (أي الكعبة)، ثم ينظروا الينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم ويعرضوا علينا نصرتهم.

10- أن يؤمن به وبحقانيته.

قال الإمام الباقر (ع) في تفسير الآية الكريمة (فآمنوا بالله والرسول والنور الذي نزلنا): النور والله الأئمة من آل محمد (ص) إلى يوم القيامة.

هذه هي الوظائف العامة التي تلزمنا تجاه الإمام في كل عصر.. ولكن هناك عدة مسؤوليات ضخمة مفروضة علينا اليوم بصورة خاصة بالنسبة إلى الأئمة (ع) وهي:

1- ان نفهم معارف الأئمة التي هي بحق المعارف الإسلامية؛ نفهمها بعيدا عن التيارات الدخيلة التي تلصصت في المناخ الفكري الإسلامي وهي ثلاثة:

أ- التيار الفلسفي؛ الذي دخل العالم الإسلامي في بداية القرن الثاني ولبس ثوبا إسلاميا في حين ان جوهره أغريقي مادي.

ب- التيار الأجنبي؛ الذي لا يزال يتغلغل في اعماقنا عن طريق الكتب التي تحتوي على سموم بالغة من حيث البناء والإيحاء والاتجاه-.

ج- التيار الجاهلي؛ الذي نبع عن ابتعاد الشيعة عن مصادر الأئمة (ع) فذهبوا إلى ما أوصت اليهم أهواءهم وآراءهم.

والتحامي عن هذه التيارات انما يمكن بالتوجه إلى المنابع الأولية للمعارف الإسلامية وهي الروايات دون ان نستعين في فهمها أو تأويلها إلى كتب مؤلفة بل نعتمد على فهمنا الشخصي لظواهر الأحاديث كما لو كنا نحن المخاطبين بها.

2- ان نكيف حياتنا العملية والفكرية مع توجيهات الأئمة عليهم السلام دون ان ندع حرفا واحدا منها غير مطبق تطبيقا كاملا.

3- ان ننشر معارف الأئمة (عليهم السلام) في الأوساط العامة وبمختلف المستويات، ونضحي في سبيل ذلك بالوقت والمال والجهود.

نسأل الله ان يوفقنا لذلك حتى نحظى بسعادة الدنيا والآخرة، ولله الحمد وصلى الله على المرسلين وعلى محمد وآله الطاهرين.

[1]- كانت هذه بعض خرافات الفلسفة وأساطير مشركي أهل الكتاب، وقد سبقت طائفة منها لدى بيان الفلسفة الإسلامية.

[2]- أي هل ان الله شيء محقق له صفات خاصة؟ وكلمة انية مشتقة من حرف أنّ وهو للتحقق، وكلمة مائية مشتقة من لفظة: ما هو؟ وهي سؤال عن صفة الشيء.

[3]- هناك مجموعة ضخمة من الشواهد العلمية الحقيقية والأدلة الفلسفية تؤكد الحقيقة الا ان المجال لا يسع لذكرها لأننا لسنا الآن في معرض بيان هذه الحقيقة بل انما نريد هنا عرض الفكرة الإسلامية عن التوحيد وتفسير عدة ظواهر وجدانية عنها.

[4]- سبق الحديث حول ذلك في ص 140 وما بعدها عند الحديث عن طبيعة الوجود.

[5]- أقوى تلسكوب في العالم يستقر في (مأونت بالومار) في الولايات المتحدة ويشاهد بلايين النجوم.

[6]- وينبغي ان نستفيد من الحقائق التي سوف نبينها انشاء الله عند الحديث عن فوائد الإيمان كما ينبغي ان سنتفيد من نصوص الكتاب والسنة وذلك في أسلوب تذليل النفس البشرية.

[7]- هجم عليه كنصر دخل غفلة ويعني عليه السلام: انهم أثاروهم مفاجئة بالمواعظ.

[8]- مصاحها: بمعنى الصحة والعافية.

[9]- هو الملك الذي وكله الله على النار

[10]- [زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب].

[11]- المستدرك ج2 ص 288.

[12]- ان معطيات هذه المقطوعة تنسجم مع السبب الثالث للإيمان وهو ضعف الشهوات باستبدالها مع رغبات الآخرة. كشوف نعيمها والحذر من حجيمها والزهد عن الدنيا ترقبا للآخرة. والمقطوعة هذه آية في الروعة والعمق حيث لم تغادر واحدة من لفتات النفس الشاردة الا احصتها وجعلت أمامها بينا مسبقا من تطلبات البشر نحو عالم أفضل.

[13]- واليقين هو العقل وينشأ ـ حسب هذه الرائعة ـ من التفطن للحكم التي هي مجموعة عبر تاريخية تهدي الفرد إلى القوانين المحتومة التي تجري على المجتمع الإنساني أوله كآخره وبدئه كمنتهاه.

[14]- ونجد في هذا البند: العلم سببا من أسباب الإيمان وهو يستند على العقل الذي عبر عنه في الحديث بـ(غامض الفهم) وغمر العلم وهو واسع العلم الذي يغمر صاحبه، وزهرة للحكم تعني لباب الأحكام. وأما روضة الحكم فهي حالة الهدوء التي تسبق وترافق التعلم. وهذه الفقرة تشرح أحد شروط العمل بموجبات الإيمان وهو العلم بها.

[15]- والجهاد: هو جانب النضال من العمل والإيمان وهو في جبهتين، جبهة الكفار وجبهة الفساق، غير الملتزمين بالأحكام.

[16]- بحار الأنوار، ج 69، ص 64

[17]- والى ذلك تشير آيات الحمد [الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين ] سورة الحمد.

[18]- بحار الأنوار.. ولسنا بحاجة إلى ذكاء خارق حتى نقارن هذه النيران بالقنابل النووية التي تصنعها يد الإنسان فيزول عبجنا ونعلم انها الجد لا الهزل.

[19]- سنفصل القول في ان الإيمان يسبب التحلي بالفضائل.

[20]- بحار الأنوار، ج 69.

[21]- في الحديث، قال رسول الله (ص): (الا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمن ظلمك، وان تصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء اليك، واعطاء من حرمك وفي التباغض الحالقة، لا أعني حالقة الشعر ولكن حالقة الدين).

[22]- الأول يعني ان يكون هشا بشا كريم النفس. والثاني يعني الا يضيق صدره عند نزول بلاء أو رؤية سيء لا يلائمه.

[23]- في القرآن [.. وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم، لا يمسهم السوء ولا هم يحزون..] (زمر/61).

[24]- في الحديث (إذا كثر الزنا كثر موت الفجأة).

[25]- قال الله سبحانه: [وتبلوهم بالشر والخير فتنة] وقال: [ألم أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون] يعني ان الله يمتحن المؤمنين ببعض المصائب ولكن يرفع درجاتهم ان أحسنوا العمل ويجزيهم خيرا في الدنيا والآخرة.. وفي القرآن (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون).

[26]- قال الله سبحانه: [ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا] والعالم يعاني أكثر شيء من الأمراض الناشئة عن القلق كالأمراض العقلية وضغط الدم وبطالة الكبد وما أشبه مما يجعلنا نعترف بمدى السعادة التي يوفرها الدين للمؤمنين.

[27]- الاحصاءات الدقيقة تبين ان المتدينين ـ ولاسيما رجال الدين ـ من أطول الناس أعمارا. ومن تدبر فيمن يلتزمون بتعاليم الدين كلها عرف انهم قليلا ما يبتلون بالأمراض ولو كانوا في ضنك من العيش وضيق من الحياة.

[28]- قال الله سبحانه وتعالى في صفحة المؤمن: [في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والاصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله] (النور/36).

[29]- يقول الامام علي (ع) في صفة المؤمن: (هم والجنة كمن رآها فهم فيما منعمون وهم والنار كمن دخلها فهم فيها معذبون).

[30]- هذه صفة المؤمنين الذين لا ينفكون يشعرون بعظمة الله فيتعوذون إليه من النار المرة بعد الأخرى ويدفعهم ذلك إلى المزيد من العمل والمزيد من النشاط.

[31]- من الملاحظ في كتابات المؤلفين الجدد ايحاءات كثيرة إلى هذه الفكرة لا نذكرها لانها منتشرة كثيرا.

[32]- في هاتين الآيتين معالجة شاملة لكافة القضايا الرسالية لابد ان نشير إليها إشارة خاطفة:

أ- ان الناس كانوا يشكون في الأنبياء (ع) وكان مبعث شكهم هو ان الأنبياء ـ عليهم السلام ـ انما هم بشر مثلهم وكيف يمكن ان يبعث الله بشرا رسولا؟

ب- لم ينكر الأنبياء انهم بشر، كما انكر اليهود ذلك في عزير (ع) والنصارى في المسيح (ع) بل قالوا ان نحن الا بشر مثلكم. فلسنا نوابغ أفذاذ، نملك مواهب جمة بها نسئل منكم الطاعة. ولكننا أناس لا نستحق طاعة ولا ولاء لو تجردنا عن الرسالة الموحاة إلينا من الغيب.

ج- بيد انه ليس من العجيب ان يمن الله على من يشاء من عباده بشيء يميزه عن الآخرين إذ ما دمنا عباده فهو الذي يدبر أمورنا كيف يشاء ويختار للرسالة من يشاء. نحن عباده، والعبد لابد ان يكون خاضعا لتدبير مولاه خضوعا تكوينيا شاملا فإذا كان خاضعا هذا الخضوع فليس من المستحيل ان يهب له علما وحكما ويبعثه إلى الناس رسولا مطاعا بإذنه.

د- بيد ان رسالتنا لا تجعلنا فوق مستوى الناس ـ من حيث الذات ـ بل اننا لا نزال خاضعين لله ولذلك ما كان لنا ان نأتيكم بسلطان فيه نوع من السلطة عليكم الا بإذن الله ذلك لأننا وان كنا أنبياء الا اننا لا نملك شيئا من دون الله.

و- وليست لدينا أية قوة ظاهرية نعتمد عليها بل كل ما في الأمر اننا نتوكل على الله وكذلك نقول للناس (وعلى الله فليتوكل المؤمنون). فالمؤمنون انما يتقون بالله ـ سبحانه ـ لا بمالنا من قوة ذاتية.

هذه هي الرسالة في منطق القرآن وهذه هي الشبهة الوحيدة عليها وهذا هو الرد الحاسم. وسنذكر ـ انشاء الله ـ ان هذه الرسالة تنسجم مع العقل وفيها حجة على ذاتها.

[33]- يراجع فصل دور الأنبياء في المعرفة، في فصل معرفة الله.

[34]- أنظر فصل الإيمان بالله من هذه الحلقة.

[35]- في هذه الآية يجعل الله تعالى أحد أسباب البعثة تعليم الحكمة وهي معرفة المصالح العامة التي ينبغي ان تتبع.

[36]- فيما أعلم إلى الآن أكثر من عشرة نظريات حول المنطق وما به يرفع الناس خلافاتهم الفكرية والعملية.

[37]- قال الله سبحانه: [الا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا]. (الجن/27)

2- انظر أفضل.

[39]- على الرغم من ان هذه الرواية تشير إلى بعض فوائد الإيمان فإن فيها نبذة من دواعي ابتعاث الأنبياء عليهم السلام وتتلخص في منع الفساد الناجم عن الظلم الاجتماعي.

[40]- سبق الحديث حول ذلك حيث بحثنا عن دور العقل في توجيه الحسن.

[41]- انظر لمزيد المعرفة، حلقات الفلسفة الإسلامية من هذه السلسلة.

[42]- الامام عليه السلام أشار إلى ثلاثة حقائق تهدي إلى وجوب الرسالة وهي: أولا ان الله أراد للبشر ان يكونوا على أحسن الآداب وهذا أمر وجداني إذ ان الله كامل فلا يحب الا الذي يتصف بالصفات الحسنة، وثانيا ان الطبيعة البشرية لا يمكن ان تبلغ بالإنسان الأدب الرفيع بدون معلم يعلمهم ذلك، وان التعليم لابد له من وسيلة وهي تتحقق في التشريع وهو الأمر والنهي وهذه الحقيقة الثالثة هي التي أشار إليها الإمام (ع).

[43]- راجع فصل المعاد.

[44]- والسبب المعقول لذلك ان أحد الوجوه المذكورة التذكر بالله سبحانه، وما يتذكر بالحق، ولا يتذكر بالله الا من يعتقد به ويديم ذكره كما لا يذكر بالحق الا من يعمل به وغير الأنبياء لا يريدون ان يلزموا أنفسهم بالحجة إذ ما ان يذكروهم بها حتى يطالبهم الناس بالعمل بها يقولون ولهذا فإن أحدا منهم لم يدع ذلك فالفلاسفة لم يقولوا انهم جاؤوا من قبل الله وان كلا منهم يصدق من سبقه ويصدقه من لحقه ولا انهم جاءوا مبشرين ومنذرين. والمصلحون سواء السياسي منهم أو الاجتماعي أو الاقتصادي لم يدعون ان اصلاحهم شامل لجميع مناحي الحياة الفكرية والعملية في دار الدنيا وفي الآخرة بل كانوا بين منكر للحشر والنشر وبين من حصر إصلاحه على ناحية واحدة من الحياة ثم ان أحدا منهم لم يدع انه جاء من عند الله تعالى. وقد سبق انه يجب ان يكون النبي من عند الله.

ولقد أوضحنا ذلك عند بيان الحاجة إلى الرسالة وكيف ان البشر عاجز بذاته عن تحقيقها.

[45]- لقد استدل النبي هود عليه السلام في هذه المقطوعة، التي ينقلها القرآن بحجج بليغة على صدق رسالته وهي بالترتيب كالتالي: (ان لي بينة من ربي) وهي المعجزة التي كانت معه وان الله قد انفعني بالرسالة فرزقني بها السعادة والفلاح. لقد سبق ان الرسالة الإلهية تسعد الإنسان في الدنيا كما تسعده في الآخرة. في باب الإيمان بالله، ثم اني أول عامل بما أقول وفي هذا دليل صدق دعواي إذ ان الكاذب لا يعمل بما يقول واني أريد الاصلاح فلست رجلا استغلاليا واني أجهد نفسي بخوض المعركة بدون ان اعتمد على قوة ظاهرية والفرد الذي يعمل هذا العمل اما مجنون وانتم ترونني رشيدا واما اعتمد على قوة هي اكبر من قوة الأرض وهي قوة الله تعالى الذي عليه توكلت وليس في عملي علامة السفه أو الطيش حتى انسب إلى الكذب والكاذب لا يكذب الا لأنه يقدم مصلحته الخاصة اما انا فإنني رجل منيب قد قتلت هواي واخضعت نفسي لتوجيه عقلي. وتدل هذه الآية على ان الله كان ينصر رسله بطرق غيبية وهي الحجة البالغة على صدقهم.

[46]- هذه الآية المباركة نموذج خارجي لواقع دعوة الأنبياء (ع) ذلك لأن شعيبا (ع) أمر قومه بما ينظم جميع نواحي حياتهم فأمرهم أولا بعبادة الله الواحد ثم أمرهم بالعدل الاجتماعي وما يستتبعه من ضبط الميكال والميزان والوفاء بالحقوق والإنتهاء من كل فساد وعدم التآمر على الدولة الحقة لسرقة الحكم ظلما ثم أمرهم بالتذكر والاعتبار وهما توجيهان إلى العقل ثم أمرهم بالصبر وهو تزكية للنفس. هذه هي الخطوط الرئيسية التي سار عليها كل الأنبياء وهي بالذات ما سبق وان قلنا انها وجوه الحاجة إلى الرسالة والرسول.

[47]- سيأتي شرح ذلك فيما يلي من الفصول.

[48]- فيما يلي إشارة إلى أنواع الحاجة إلى الرسالة التي سبق تفصيلها وبيان مقتضب لمدى وفاء الرسالة الإسلامية بها.

[49]- قال الله تعالى: [أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور] (الحج/44).

وفي الحديث: (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة). ومن الممكن ان نجعل تذكرة الإسلام بنور العقل دليلا كافيا على ان الإسلام هو الدين الحق ذلك لأننا نعلم ان أنصار الباطل يحاولون ابعاد الناس عن التعقل لكي يضعونهم في معزل عن التدبر في الكون تدبرا منهجيا عقلانيا لأنه سيقضي على باطلهم بينما يحاول المحقون ان تنشط عقول الناس حتى يبصروا الواقع بأنفسهم.

[50]- قال الله تعالى في صفة الرسول: [هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم أياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين] (الجمعة/2).

[51]- هذه الآيات وان كانت في الظاهر تبيانا للحقيقة فقط ولكنها في الواقع دليل عليها أيضا إذ انها تشرح واقع رسالة الرسول (ص). فهي قد أوحيت على شكل كتاب منزل من عند الله يهدي الناس من الظلمات إلى النور وهو بلاغ ونذير للبشر وتذكر بالله وإثارة لدفائن العقول وتوجيه للفكر وانهاء للخلافات البشرية وتبيان لكل شيء يحتاج إليه الإنسان في الحياة ثم هو هدى للمؤمنين وبشرى للمسلمين بصفة عامة لا طائفة دون أخرى وشعب دون آخر بل لمن اتصف بالإيمان والاسلام من كان وانّي كان. ومن الواضح ان هذه هي الصفات التي يهدينا العقل إلى ضرورة توفرها في الرسالة أية رسالة ولا يمكن ان تتوفر في غيرها. فرسالة الرسول رسالة حقة ما دامت تنطوي على هذه الحقائق جميعا فالآيات شاهدة على صدق الرسالة عن طريق بيان ما توفرت فيها.

[52]- كان النبي (ص) يقول عن الله سبحانه: [يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم]. [قل انزله الذي يعلم السر في السماء والأرض]، [وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى].. هذه هي دعوة الرسول التي هتف بها منذ البداية وهي تدل ـ لا أقل ـ على ان الرسول كان على يقين بما يدعو إليه وما فيه من ضخامة المسؤولية.

[53]- قال الرسول (ص) عن الله: (ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب اليم) تدل هذه الحكمة على ان الرسول كان يعرف بكل تأكيد ان الكذب على الله ظلم عظيم وخطيئة كبيرة جزاءها عذاب أليم.

[54]- سيرة بن هشام، ج1،ص319.

[55]- والى هذا الدليل ترجع الكلمة الشهيرة التي تقول: ان علي بن ابي طالب (ع) من معاجز الرسول. والواقع ان بناء شخصية مثالية كعلي (ع) لدليل واضح على صدق رسالة النبي محمد (ص).

[56]- في هذه الآية تصريح بأن النبي (ص) كان أميا ومن الواضح انه ان لم يكن كذلك لكذبه أعدائه الذين لم يفتروا يراقبون جميع حركاته لعلهم يجدون مهمزا يشنون من خلاله حملات دعائية ضده فلو لم يكن أميا بالفعل لم يكن يصرح بذلك ليعطي مادة نقد دسمة بيد أعدائه وهم قد عاشروه خلال أربعين سنة.

[57]- يعتمد الإنسان في كل شئونه على النقل المتواتر، وهو نقل طائفة كبيرة من الناس يضمن الإنسان معهم عدم الكذب. فمثلا: يثبت الإنسان وجود البلاد البعيدة بالنقل المتواتر كما يثبت وجود الأمم البالية ـ كعاد وثمود ـ بالتواتر. وكذلك ثبت ان للنبي محمدا (ص) معاجز بينات؛ ثبت بالنقل المتواتر حيث لم نر أحدا من المؤرخين المعاصرين للنبي (ص) أية معارضة لها مع انها لو كانت كذبا إذا كان يعارضها طائفة كما أثبتها طائفة لاسيما مع وجود معارضة قوية للرسول (ص) متمثلة في المشركين اليهود والمنافقين الذين لم يؤمنوا بالرسول ولا بصحة معاجزه الا انهم لم يسعهم انكارها بل نسبوا السحر إليه حيث زعموا: ان المعاجز نوع من السحر. والى هذه الحقيقة ترشدنا الرواية التالية:

في الحديث عن الرسول (ص) انه قال لأبي جهل حينما انكر الآيات المنقولة له بطريق متواتر: (يا ابا جهل فإن كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم فكيف تصدق بمآثر آباءك وأجدادك ومساوئ اسلاف اعدائك؟ وكيف تصدق عن الصين والعراق والشام إذا حدثت عنها، وهل المخبرون عن ذلك الا دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات مع سائر ما شاهدها معهم من الجمع الكثيف الذين لا يجتمعون على باطل يتحرضونه الا إذا كان بازائهم من يكذبهم ويخبر بضد أخبارهم).

وفي حديث احتجاجي بين الامام الرضا (ع) وبين علماء اليهود، قال (ع): فما يمنعك من الاقرار بعيسى بن مريم (ع) وقد كان يحي الموتى ويبرء الأكمه والابرص ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله؟

قال رئيس علماء اليهود المدعو بـ(رأس الجالوت): يقال انه فعل ذلك ولم نشهده.

قال الرضا (ع): أرأيت ما جاء به موسى، أشاهدته؟ أليس انما جاءت به الأخبار المتواترة من ثقات أصحاب موسى عليه السلام أنه فعل ذلك؟

قال (رأس الجالوت): بلى.

قال الرضا (ع): فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى ابن مريم (ع) فتصدقون بموسى ولا تصدقوا بعيسى؟ (فلم يحر جوابا).

فقال (ع): وكذلك أمر محمد وما جاء به وأمر كل نبي بعثه الله.

والواقع ان المعجزة لا تعدو ان تكون كأية حادثة تاريخية أخرى لابد ان نبحث عنها بصورة موضوعية مجردين تماما عن الاستبعاد الذي يكتنف الموضوع لانه بعيد عما باشرناه من السنن الكونية.. بلى؛ لو لم نستطع ان نؤمن فلسفيا بإمكان المعجزة إمكانا عقليا إذا امكننا نبذ الأنباء المتواترة منها وغير المتواترة لأن العقل أمتن ثقة من النقل. بيد انه ثبت لنا فلسفيا امكان بل وضرورة المعجزة فلا يسعنا الا قبول الأخبار الموثوقة بها على صحتها.

[58]- في القرآن آيات كثيرة تدل على ظهور المعاجز على أيدي الأنبياء السابقين وإليك بعضها.. قال الله سبحانه: [ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوّبي معه والطير وألنّا له الحديد* ان أعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا اني بما تعلمون بصير] (سبا/10-11).. وقال: [وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم أعبدوا الله ما لكم من اله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذورها تأكل من أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب اليم] (الأعراف/72).

[59]- قال الله تعالى، وهو يبين بعض آيات الله التي ظهرت على يد الرسول الخارقة:

[سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير] (الأسراء/1). وقال [ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون] (آل عمران/44). وقال [فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها] (التوبة/40).

[60]- هذه العبارة منقولة من التوراة بترجمة بعض المختصين باللغة.

[61]- أي واسع المعرفة.

[62]- ان النص يستشهد ببعض الآيات التي تذكر الإنسان بحقيقة الألوهية الكاملة والسيادة المطلقة التي يختص بها الخالق الرزاق المدبر:

ويقول ما دام الله هو الذي خلق فهو الذي يختار وإذا اختار فليس لأحد ان يرد اختياره ان كان من المؤمنين. وما دام الله يقضي فإن قضائه هو النافذ دون المؤمنين الذين ليس لهم من أمرهم الخيرة. وإذا كان الأمر كله لله وفي ضمنه قيادة الناس فإن أي اقتراح آخر سيكون انكارا لهذه الحقيقة وسببا من أسباب الشرك. وهكذا نفت الآية الأخيرة وجود شركاء لله وتسائلت ايهم يضمن وجود هؤلاء الشركاء؟

[63]- للمزيد من التفاصيل راجع كتاب (الاحتجاج) للشيخ الطبرسي.

[64]- يراجع لمعرفة ذلك كتب التاريخ كلها، بالإضافة إلى أقوال الرسول (ص) الشاهدة على فضائلهم. والرسول كما نعرف لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.

[65]- راجع مجلدات البحار حول الأئمة الاثني عشر (ع).

[66]- أي تفوق بها عليهم.

[67]- وهم؛ الإمام زين العابدين علي بن الحسين، والإمام محمد بن علي الباقر، والإمام جعفر الصادق، والإمام موسى بن جعفر، والإمام علي بن موسى الرضا، والإمام محمد بن علي الجواد، والإمام علي بن محمد الهادي، والإمام الحسن العسكري، والإمام الحجة بن الحسن المهدي صلوات الله عليهم أجمعين.

القسم الثاني عن العقيدة والإيمان

البحث الرابع عن:

الحياة بعد الموت

الدليل على البعث

الجبر والاختيار

القضاء والقدر

الغاية من الخلائق

الدليل على البعث

شبهات وردود أحاديث عن البعث

تدعونا إلى الاعتراف بالبعث بعد الموت نظرة واعية إلى ما يجري حولنا من أحداث في هذه الدنيا الواسعة.

1- هناك طائفة كبيرة يعيشون معنا يحيون ويموتون طيبين أعمالا وقلوبا- لا يبرحون عن إسداء الخدمات الإنسانية إلى بني نوعهم دون أن يريدوا منهم جزاءا أو شكورا.. انهم يعبدون ربهم ويظلون يذكرونه بالعشي والأبكار، ولكن مع ذلك لا يظلون مظلومين مقهورين منكدة عيشتهم طويلة أحزانهم متوالية نكباتهم وويلاتهم، إلى جنب هذه الطائفة أناس يتمتعون بالعدة والثروة والجاه العريض وبعكس ما قد يتصور لا يزالون قاسطين.. هناك بغاة يهتكون الحرمات ويرتكبون الخطيئات، وكثير منهم يموت على ما هو دون ان يلقى جزاءه في الدنيا.

وان كثيرا من أولئك الطيبين يبلغون في مكارمهم القمة، كالأنبياء والصالحين والمتمسكين بالحق وهم الألوف الألوف.

وان كثيرا من هؤلاء المجرمين يهبطون في أعمالهم إلى الحضيض ويقتلون الملايين ويقترفون الاجرام بحق البشرية جمعاء..

والله الحكيم الذي نرى آثار حكمته في السماء والأرض لم يخلق شيئا عبثا ولا كان بحاجة إلى اللعب واللهو تعالى عن ذلك.. الله القادر الذي نجد في ذات أنفسنا وفي كل ما هو لنا من أشياء آيات قدرته العظيمة التي لا تحد.. كيف لا يعطي جزاء هؤلاء وهؤلاء؟

أعبثا خلقهم؟ أم خلقهم ليظلم قويهم ضعيفهم بغير سبب؟ أم أراد بذلك ان يؤذي غير المؤذي؟ أم عجز عن ان يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإسائته؟

سبحانه الحكيم الغني ان يخلق الخلق عبثا (ولا حاجة له إلى العبث) وسبحانه أن يعجز عن ان يجازيهم، أو أن يعجز عن خلقهم مرة أخرى وهو الذي أنشأهم أول مرة.

2- كل دلائل الكون تهدينا إلى أن ما فيه قد سخر لنا (أو قد خلق لأجلنا)، كل ما فيه من شمس وقمر ونجوم تعمل ليل نهار- لتبقى الحياة مستمرة. وكل ما فيها مسخر لنا، بما أوتينا من موهبة العقل والقدرة والحرية. وإذا كان كل شيء لنا، فنحن لماذا؟

هل خلقنا لكي نتمتع في الدنيا؟ ومن منا استطاع ان يتمتع بها سعادة وافية؟ أكبيرنا أم صغيرنا؟ سيدنا أم مملوكنا؟ رئيسنا أم مرؤسنا؟ ليس هناك من استطاع ان يستريح بما في الكلمة من معنى، فلماذا إذا خلقنا؟

هناك جوابان على ذلك لا ثالث لهما:

أ- ان الله سبحانه أراد ان يلعب ويعبث فخلقنا ليضحك علينا. وهذا بعيد عن دلائل حكمته التي نراها في الكون، وعما يهدينا إليه العقل من كمال ربنا، انه قدوس ليس فيه نقص.

ب- انه خلقنا لعالم آخر.. وجعل ما في هذه الدنيا من خير دليلا على أفضل منه وأكمل منه يوجد في الآخرة، وما هنا من شر دليلا على أسوأ منه وأطول منه يوجد في الآخرة.. وأذاقنا من هذا حينا ومن هذا حينا، ثم بين لنا عن طريق رسله كيف نتجنب ذلك ونقترب إلى هذا.

وهذا هو التفسير الصحيح لظواهر الكون كلها.

3- وإلى هذا تشير النصوص الشرعية التي سوف نلم بنبذة يسيرة منها والتي تعتبر بذاتها دليلا مستقلا على الحياة الآخرة لما ثبت بالأدلة العقلية ان لنا إلها كاملا وانه بعث رسلا صادقين ونقلوا عنه ان من عمل سوءا جوزي به وانه من صلح عملا اثبت عليه.. علما بأن ورائنا جزاءا وثوابا قال الله في كتابه الكريم:

1- ( وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. أو لم يتفكروا في أنفسهم. ما خلق الله السماوات الأرض وما بينهما الا بالحق وأجل مسمى وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكفارون).

2- (أفحسبتم انما خلقتم عبثا.. وانكم إلينا لا ترجعون). شبهات وردود

أما الشبهات التي أثيرت حول إمكانية البعث فهي كالتالي:

1- إمكانية البعث.

وهذه الشبهة هي من أكبر الشبهات تفاعلا في ضمير المنكرين مع سائر العوامل ولذلك فقد خصص الأنبياء (عليهم السلام) كثيرا من الأدلة لدحض هذه الشبهة وتسفيه القائل بها. وأساس هذه الشبهة هو كيف يحيي الله الموتى بعد ان تحولوا إلى العناصر الأولى.. وتبدلوا إلى أجزاء في الأرض والهواء والماء وكما نقل عنهم الله سبحانه في الكتاب وأوضح الشبهة بلسان عربي مبين حيث قال: [وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم] (يس/78)، ولكن أصل الشبهة نشأ من عدم الإيمان بالله وبقدرته والا فأي عقل لا يهتدي إلى قدرة الله الواسعة؟ ان الذي قدر على خلق الكون وإخراجه من ظلمات العدم إلى نور الوجود قادر على أن يعيده مرة أخرى؛ الاعادة أصعب أم الإبداع؟

وقال الله سبحانه في الرد على هذه الشبهة: [قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم* الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون* أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم* إنما أمره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون] (يس/ 79-82).

بهذه الكلمة الفاصلة مزق القرآن الشبهة القائمة على عدم إمكانية البعث. والواقع ان العقل حينما هدانا إلى ان الله قادر على كل شيء وانه لا حدود لقدارته الواسعة، فمن السفه ان نفكر بعد ذلك انه كيف يعيد الخلق مرة أخرى.

وفي الحوار (الذي كان بين الإمام وبين منكر للمعاد) توضيح وشرح لهذه الحقيقة.

قال الزنديق: الروح بعد خروجها عن قالبها تفنى ام هي باقية؟

قال (ع): باقية إلى وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس ثم أعيدت الاشياء كما بدأها مدبرها وذلك أربعمائة سنة يلبث فيها الخلق وذلك بين النفختين.

قال: فأنى له بالبعث، والبدن قد بلى والأعضاء قد تفرقت، فعضو ببلدة يأكلها سباعها، وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو صار ترابا يبنى به مع الطين حائط؟؟

قال (ع): ان الذي أنشأه من غير شيء وصوره من غير مثال كان سبق إليه قادر على ان يعيده كما بدأه.

قال: أوضح لي ذلك؟؟

قال (ع): ان الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وروح السيء في ضيق وظلمة والبدن يعود ترابا كما منه خلق وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء وأوزانها. وان تراب الروح بمنزلة الذهب في التراب فإذا كان حيث البعث مطرت النشور فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها وتلج الروح فيها فإذا (قد) استوى لا ينكرون نفسه شيئا.

2- أي الأبدان تحشر؟

منذ ان يتكون الجنين والى ان يموت ويعد ـ سبعين عاما مثلا ـ يتبدل جسم الإنسان أكثر من مرة. في كل سبع سنوات تتغير كل خلايا الجسم فإذا اعتقدنا بعودة الأجسام، فأي الأبدان، وأي الخلايا تعود مع الروح؟ كلها فيكون جسم الإنسان أكبر من وضعه الفعلي مرات عند الحشر- أو بعضها؟ وأي بعض؟ أم يحشر الإنسان في جسم جديد؟ في الافتراض الأول عودة كل الخلايا التي أصبحت في يوم ما جزء للإنسان ـ يلزم ان تكون الخلايا الكونية تعذب حينا وتستريح حينا آخر، ذلك لأن المحتمل ان تصبح الخلية الواحدة بجسم كافر ثم تصبح جزء لجسم مسلم فيكون بعض جسم الكافر في الجنة وبعض جسم المسلم في النار، وهذا لا يكون. وبعضهم صاغ الشبهة صياغة أخرى فقال: لو فرضنا ان الطغاة قتلوا مسلما ثم أكلوه ولم يبقوا منه شيئا فماذا سوف يحدث؟ هل يذهب هذا المسلم المأكول إلى الجنة، ومعناه أن يذهب الطغاة إلى الجنة، أو يذهب إلى النار؟ وكيف يعذب الله جسم المسلم وقد أكل ظلما؟ وفي الافتراض الثاني: يلزم ان يعذب أو يتنعم بعض الأبدان دون بعض بغير سبب معقول.

أما الافتراض الثالث فإنه يؤدي إلى ان يعذب أو يتنعم جسم جديد لا علاقة له بالعمل الخاطئ أو الصالح، وكل هذا بعيد عن حكمة الله وعدله.

الجواب:

هناك إجابة إجمالية عن الشبهة هي: ان هناك جامعا مشتركا لدى العقل والعقلاء- بين أطوار كل شخص منذ ان كان جنينا والى ان يموت، جامعا مشتركا يرى العرف بموجبه انه بعينه في كل الأدوار. فهو الجاني الذي يؤخذ بجريمة اقترفها قبل عشر سنوات، وهو المثاب بعمل صالح أسداه قبل عشرين سنة.. فهو هو يرى نفسه كذلك، ويراه الناس كذلك. وبتعبير أولى وأهدى: ان الإنسان الجنين هو الإنسان عند السبعين عند العقل والعقلاء- وان الزيادة والنقصان عندهما بمثابة الهواء الذي يدخل الرئتين ثم يلفظ خارجا. وان الله يعذب أو ينعم نفس هذا الإنسان الجامع المشترك، بعمله ويعيد نفس هذا الجسم الذي لم يتغير منه بزيادة شيء عليه أو بدون زيادة. وهناك خلافا فلسفيا واسعا حول ان الذي يحس بالألم أو بالنعم ما هو؟ الجسم المادي أو النفس أو الروح؟ أو هما معا؟ أو الجسم بالروح أو الروح بالجسم؟ النظريتان الأخيرتان تتفقان في ان أحدهما وسيلة للآخر والجسم في النظرية الأولى هو الذي يحس بالألم، ولكن لسبب وجود الروح فيه كما ان المصباح الكهربائي هو الذي يشع بسبب جريان التيار فيه. كما ان الروح في النظرية الثانية هي التي تشعر بالألم أو بالنعم، ولكنها تتوسل بوسيلة المادة الجسم- لكي تتمكن من هذا الإحساس. وقد ذهب إلى هذه النظرية الأخيرة طائفة كبيرة من الفلاسفة غير انهم لم يكونوا عالمين بالعلوم الحديثة التي أثبتت تأخر الجسم بالألم واللذة لسبب الأعصاب.

والإسلام يقدر ان الجسم والروح كلاهما يلتذان أو يتألمان مستدلا على ذلك بالوجدان. فكل فرد منا يرى ان جسمه هو الذي يتألم ويلتذ بالإضافة إلى روحه الحساسة.. وعلى هذا فلابد ان يجازي الله كلا الجزئين: الروح والجسم معا لأن الاكتفاء بمجازاة أحدهما دون الآخر مخالف لحكمة الله تعالى.. ولهذا فقد أوضحت الأديان إلى جانب العقول ان المعاد لا يقتصر على الأرواح بل ليمثل الأجسام. ولابد ان يكون المعاد نفس الجسم المتألم والمتنعم.

إذا ليس من الصحيح ان نقول ان الله يعذب أو ينعم روح البشر في أجسام جديدة كما قال به بعض من كتب حول المعاد-.

ثم ان الإسلام يقدر حقيقة في أصل الخلق كما يكتشفها العلم الحديث فيقول: ان الله خلق الناس جميعا أولا وبدفعة واحدة من دون ان يخرج بعضهم من أصلاب أو أرحام بعض، خلقهم من الأرض بصورة أجسام صغيرة للغاية عبرت عنها الأحاديث بالذر ولذلك سمي العالم الذي كانت تعيش فيه بعالم الذر ثم أدرجت الأبدان الصغار في أصلاب الآباء وحولها الآباء إلى أرحام الأمهات وجعل كل من شاء في صلب كل من اختار.

وان تلك الأجسام الصغار تنمو في الأرحام بجمع مواد جديدة إلى نفسها تصبح كثيرة من دون ان تتغير من موادها الأصلية شيئا وانما التبدلات التي تحدث في خلايا الجسم فإنها لا تشمل المواد الأصلية وإنما تقتصر على المواد الإضافية التي تعتبر بمنزلة الهواء في الرئة والغداء في المعدة. تكشف لنا عن هذه الحقيقة ظواهر كثيرة من جملتها: بقاء جميع الخواص في الجسم منذ ان كان جنينا إلى ان يموت.. وشعور الإنسان بأن جسمه لم يتبدل رغم علمه ومعرفته بتبدل أجزاءه كلها.

بعد توضيح هذه الحقيقة نقول:

ان الذي يعود من جسم الإنسان هو ذلك البدن الذري الناعم الصغير الذي كان يتألم ويلتذ منذ ان كان جنينا إلى ان مات وقبر. وان هذا البدن لا يعيد من أجزاء بدن آخر الا في وقت محدود ثم يخرج ليعود في التراب أو في الهواء أو في أي مكان آخر، ثم يجمعه الله سبحانه مرة أخرى وقد يخرجه في يوم البعث بإضافة أجزاء جديدة عليه ليكون إنسانا عاديا. وقد لا يفعل هكذا، بل يخرجه بنفس الحجم الأصلي فيكون نوعا من العذاب كما جاء في الأحاديث ان المتكبر يخرج يوم الحشر بصورة الذرة وكيف ينميه الله مرة أخرى؟ هل يتم ذلك ضمن أرحام جديدة مثل ما نماه في هذه الدنيا في أرحام الأمهات؟

تجيب بعض الأحاديث على ذلك بقولها: ان الله يجعل الارض بمنزلة الرحم فيهطل عليها وابل من السماء ويوفر للبدن الذري وسائل التنمية الجديدة فيخرج كالنبات من الأرض إخراجا.. أفليس الله الذي خلق الرحم ووفر فيه وسائل نمو الجنين بقادر على ان يجعل الأرض كذلك؟ ولهذا فإن الإنسان يوم القيامة يكون ابن الأرض وليس ابن امة ولا ابن أبيه، ومن هنا جاء في الآية الكريمة (فيومئذ لا أنساب بينهم).

أحاديث عن البعث..

1- قال الإمام الصادق عليه السلام: إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الأرض أربعين صباحا فاجتمعت الأوصال ونبتت اللحوم.

2- قال الإمام العسكري عليه السلام: (أما الاحياء في الدنيا فتلاقي ماء الرجل بماء المرأة فيحيي الله بذلك من كان من الأصلاب والأرحام حيا. أما في الآخرة فإن الله ينزل بين نفختي الصور بعد ما ينفخ النفخة الأولى من دون سماء الدنيا من البحر المسجور الذي قال الله تعالى (والبحر المسجور) وهي من مني كمني الرجال فيمطر ذلك على الأرض فيلقي الماء المني مع الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون).

هذه الأحاديث التي تكشف النقاب عن حقائق هامة تنتظر الإنسان على أبواب الآخرة يستدعي شرحها إلى بعض التوضيح فنقول.

1- ان الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام وكانت حية شاعرة ثم خلق الأبدان بصورة الذرة ثم أسكنها الأصلاب، فإنتقلت من صلب إلى آخر حتى استقر كل ذر في رحم أمه وأدخل كل بدن ان بلغ أربعة أشهر في الرحم روحه الخاصة به بسبب حكيم وأخرجه إلى الدنيا ثم أماته فانتقلت الروح إلى مكانها معذبة أو منعمة حتى تعاد إليه مرة أخرى.. والفترة التي تمتد بعد الموت إلى حين البعث تعتبر فترة الهجعة والرقدة ذلك لأن الروح في الوقت التي تنفصل عن الجسم تبقى ذات علاقة به، تشبه علاقة الشمس بالأرض، تبعث إليها بالنور من دون ان تدخل فيها.

هنا تنكشف عدة أمور:

1- في ان الأرواح كان لها وجود مستقل وسيبقى لها ذلك بعد انفصالها عن الأبدان ولها أعمال خاصة بها قبل وبعد ورودها في الجسم. وهذا يعني انها محدودة بإمكانها القيام بأعمال مستقلة لقد كانت الفلسفة اليونانية تعتقد ان الروح مجردة عن المادة فهي بالعلم ليس لها مكان ولا زمان ولا أحد ولكن الإسلام سفه هذه الفكرة وبين أن الأرواح مادية[1] تشكل من أجزاء لطيفة وان لها حدودا وأعمالا.. فبالإضافة إلى وجدان كل منا بأن نفسه ليست مطلقة وإنما هي محدودة ضمن المكان والزمان فتكون هنا ولا تكون هناك.. وبالإضافة إلى شعور كل واحد منا بأن نفسه لم تكن ثم كانت بالإضافة إلى هذا الوجدان فإن هناك دليلا واضحا على محدودية الأرواح ومحدودية إمكانياتها العملية بعد إنفصالها عن الجسم. وهو ما كشفت عنه الإتصالات التي جرت بطريق أو بآخر مع الأرواح بأساليب حديثة وسئلت عن إمكانياتها وخصائصها مما علم منها ان كل روح محدودة بحدود خاصة ولها أعمال خاصة منفصلة عن الجسم.

ومن هذا الواقع علم رد شبهة فلسفية حول المعاد تقول: ان الروح تبقى على القول بالمعاد معطلة فلابد لها من الحلول في جسم جديد لكي لا تبقى معطلة.. ورد هذه الشبهة ان الأرواح تتمكن من القيام بأعمال مستقلة فإذا خرجت من الأجسام بدأت نشاطاتها الخاصة ولم تبق معطلة كما يقول صاحب الشبهة.

2- ان الأرواح قد تتذكر من عالمها السابق أشياء. فقد ثبت علميا ان الإنسان قد يعلم كثيرا من الأشياء بدون معلم. مثلا: يذهب إلى مدينة لأول مرة في عمره ثم هو يهتدي إلى أسواقها ومعالمها وشوارعها ويتذكر انه سبق له ان رأى هذه المدينة بكل تأكيد. وأغرب من هذا انه قد يتفق ان يرى الواحد منا رجلا لأول مرة في عمره ويحس بأنه صديق منذ الأزل بما يكن له من حب ومعرفة سابقة. ولا يكون هذا دليلا على انها كانت تعيش في أبدان سابقة ثم انتقلت إلى أبدانها الجديدة كما زعم القائلون بالتناسخ حديثا، وانما هو دليل على وجود مسبق للروح على الجسم.

3- ان حياة الجسم بالروح، وان واقع الموت لا يعني سوى انفصال الروح عن الجسم وهو أشبه شيء بالنوم الذي تنفصل فيه الروح عن الجسم قليلا.. وكما جاء في بعض الأحاديث (ان الموت والنوم اخوان كما ان النشور واليقظة شبيهان) و(كما تنامون تموتون) و(كما تستيقظون تبعثون) وكما تعذب الروح في حالة النوم بالأحلام المزعجة ويتأثر البدن بذلك إيلاما وتنعم بالأحلام الطيبة فتعكس آثارها على الجسم أيضا كذلك يكون بعد الموت..

وهناك عدة شبهات أخرى تعتمد على مباني فلسفية تافهة لا داعي إلى ذكرها بما عليها من ردود.. ذلك لأنها لا تشغل مساحة واسعة من فكر الرجل العصري.

الجبر والاختيار..


/ 15