فکر الإسلامی مواجهة حضاریة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فکر الإسلامی مواجهة حضاریة - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الأول: لقد ذكر القرآن في عدة آيات ان الأنبياء السابقين قد بشروا بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال سبحانه [الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل] (157/ الأعراف).. ولعن الأحبار والقسيسين الذين كتموا الحق بالبشارة صلى الله عليه وآله وسلم فقال: [ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتب أولئك يلعنهم الله] (البقرة/ 159) وقال في سياق الحديث عن رسالة النبي عيسى (ع) انه كان يبشر بنبي يأتي من بعده فلو لم يكن الرسول صادقا في قوله انه قد بشرت به الكتب السماوية السابقة، إذن لكان يكذبه اليهود والنصارى مع انا لا نعهد منهم ذلك أبدا. بل كل ما في الأمر انهم قالوا استكبارا عن الحق- ان الرسول الذي وصف في الكتاب انما يأتي بعد قرن من تاريخ بعثة الرسول وأظهرت الأيام كذبهم؛ طبعا لم يكن ذلك الا من بعضهم اما الآخرون فإنهم آمنوا به اعتمادا على الأوصاف التي اعتقدوا بأنها ظاهرة في الرسول (ص) بالضبط.

والخلاصة: ان الرسول ادعى انه المبشر الموعود في الكتب السابقة وحيث لم ينكر ذلك أحد من معاصريه عرفنا انه كان صادقا في هذه الدعوى.

الثاني: - القدر الموجود بأيدينا من الكتب السماوية تتضمن- على الرغم من كثرة التحريف فيها بأيدي المعاندين للرسالة الجديدة الذين هددت الرسالة مصالحهم الشخصية؛ على الرغم من كل ذلك فإن الكتب السماوية الموجودة لا تزال تحتوي على بشائر كثيرة بنبوة الرسول (ص) وإليك طائفة منها:

1- في انجيل برنابا؛ الفصل الثاني بعد الأربعين: (ولا أحسب نفسي كالذي تتحدثون عنه، ذلك لأني لا أليق أن أحل سير رسول الله الذين تسمونه (مسبأ) الذي خلق قبلي وسيبعث قريبا وسيأتي بكلام الحق والذي ليس لدينه نهاية).

2- (وذلك لأن الله قد وعد إبراهيم ان يبعث من ذريته من يبارك به جميع قبائل الأرض وكما حطمت الأصنام فسوف يحطم ابنك جميع الأصنام).

3- وفي التوراة - السفر الأول، الباب الرابع عشر، الآية 20-: (وفي خصوص اسماعيل أجبت على دعوتك وباركت في نسله ويظهر منه اثني عشر رئيسا وسوف يأتي من قبله شعب عظيم).

4- وفي نفس الفصل ذكر ما نذكر فيما يلي نصه وترجمته: وهمفريتي اتو = (واجعله محظوظا وفيرا)، وهريتي اتو = (وأجعله كثيرا)، بمئد بمئد = (بسبب محمد)، شنم عاسار = (اثني عشر)، نسئيم بوليد = (إماما يولده)، وانتشتيوا لفهي كادول = (وأجعله أمة كبيرة)[60].

5- وفي التوارة السفر الخامس، الباب الثامن، الآية 18-: (وقال لي الرب ما قيل لك حسنا سأبعث لهم نبيا من أخوتهم بني اسماعيل) ولم يدع منهم النبوة أحد سوى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو إذا المقصود بهذا النص.

6- وفي التوراة أيضا السفر الخامس، الباب الثالث والثلاثين، الآية 21-: (وهذه هي البركة التي بارك بها موسى بني إسرائيل قبل وفاته قال: جاء يهوى عن سيناء - وهو الوادي الذي بعث به موسى عليه السلام - وطلع لهم من ساعيد - وهو مبعث عيسى عليه السلام - واستنار من جبل فاران - وهي مكة المكرمة-) .. والواضح انه لم يبعث من جبال مكة الا النبي محمد (ص).

وهناك طائفة كبيرة أخرى من النصوص التبشيرية نتركها للإيجاز.

الثالث: المناظرات؛ وثالث ما نستكشف به البشارات الموجودة في الكتب السابقة ببعث النبي محمد (ص) هو ما ذكرت في المناظرات التي جرت بين علماء المسلمين وبين علماء اليهود والنصارى.. وبما إننا عرفنا من الرواة الناقلين لهذه المناظرات الصدق والضبط بطرق فنية دقيقة فإن هذه المناظرات معتمدة لدينا كما هي معتمدة لدى جميع العقلاء على أصلهم الثابت من الاعتماد على كل ما يفيد ثقة واطمئنانا نفسيا ونحن فيما يلي نستعرض مناظرة واحدة فقط اختصارا للحديث، وهي المناظرة التي جرت بين الإمام الرضا (ع) وبين كبيري علماء اليهود والنصارى.

قال عليه السلام لجاثليق كبير علماء النصارى-: فأقسمت عليك هل نطق الانجيل ان يوحنا قال ان المسيح عليه السلام اخبرني بدين محمد العربي (ص)، وبشرني به انه يكون من بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به؟

قال جاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح (ع) قد بشر بنبوة رجل وبأهل بيته ووصيه ولم يخص متى يكون ذلك ولم يسم لنا القوم فنعرفهم.

قال عليه السلام: فإن جئناك بمن يقرء الانجيل فتلى عليك ذكر محمد وأهل بيته وأمته أتؤمن به؟

قال جاثليق: سديدا (أي نعم بالتأكيد).

قال الرضا (ع): لفسطاس الرومي: كيف حفظك للسفر الثالث من الانجيل؟

قال: ما أحفظني له.

ثم التفت الرضا (ع) إلى رأس الجالوت، وكان عالما يهوديا: ألست تقرأ الانجيل؟

قال راس الجالوت: بلى لعمري.

قال عليه السلام: فخذ على السفر الثالث (فقرأ الإمام فقرات منه) حتى إذا بلغ ذكر النبي (ص) وقف ثم قال: يا نصراني (أي فسطاس) اني أسالك بحق المسيح وأمته أتعلم إني عالم بالإنجيل؟

قال: نعم.

ثم تلا عليه ذكر محمد وأهل بيته وأمته.. ثم: ما تقول يا نصراني؟ هذا قول عيسى بن مريم (ع) فإن كذبت بما ينطق به الإنجيل فقد كذب موسى وعيسى؟

ثم إلتفت الرضا عليه السلام إلى رأس الجالوت اليهودي فقال. يا يهودي أقبل علي أسألك بالعشر الآيات التي انزلت على موسى بن عمران هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد (ص) وأمته: (إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد فليفزع بنوا إسرائيل اليهم إلى ملكهم لتطمئن قلوبهم فإن بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض) أهكذا هو في التوراة مكتوب؟

قال رأس الجالوت: نعم انا لنجده كذلك.

ان هذه الحادثة التاريخية التي أثبتها كتب الحديث المضبوطة تدل على ان علماء أهل الكتاب لم يكن يمنعهم انكار البشارة بالرسول، حتى في أواسط القرن الثاني من الهجرة والواقع ان علماء بني إسرائيل كانوا يقولون ان البشارة موجودة ولكنها تختص بمن يأتي بعد قرن من بعثة الرسول ولكنه لم يأت.

شهادة الله

لقد تحدى النبي (ص) كل البشر بما لهم من مبادئ وأفكار وبما ينتحلون من شرائع وأديان، تحداهم في أكثر من آية وأكثر من مشهد بأن الله شهيد بيني وبينكم.. قال الله في كتابه العزيز: [قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم] (الأنعام/ 19) [ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب] (الرعد/43)..

ما هي هذه الشهادة وكيف يشهد الله على صدق نبوة محمد (ص)؟ ان الله يشهد من عدة طرق:

1- فمضافا إلى استجابة الدعاء لكل من توسل إلى الله بالنبي وآله (ص) مما يدل على إخلاصهم لله..

2- ومضافا إلى نصرة الله لمن يؤمن بشريعة الرسول ويتمسك بها تماما. مضافا إلى هاتين الشهادتين هناك نوع آخر من الشهادة هي: ان من يؤمن بالله إيمانا حقيقيا يجد نفسه أمام أسلوب جديد للتفكير ومنهج جديد للسلوك وقيم جديدة للأخلاق ثم يجد نفس ذلك الأسلوب والمنهج والقيم موجودة في شريعة الرسول فيعلم انها من عند الله وإليك مثلا لذلك: من عرف الله بقلبه صدقا وعدلا يعرف ان الأشياء تأتي من الله وإلى الله تعود وان خير الأعمال هي التي تقربه إلى الله زلفى وخير الأخلاق ما تطهره من الهوى والغضب، ويشهد على هذه الحقائق وجدان كل من باشر بقلبه حقيقة الإيمان. فإذا وجد في الإسلام وفي شخص الرسول نفس هذا الاتجاه وهذا الأسلوب عرف انه من عند الله تعالى يقينا.. ثم ان من آمن بشريعة الرسول واستشعر قلبه التقوى دنى إلى الله أكثر فأكثر حتى انه يرى الله بنور الإيمان فيعرف ان دعوة الرسول كانت صادقة ويكون مثل الدين بالنسبة إليه مثل من هدى إلى طريق وقيل له انه يبلغ بالفرد إلى بلد معين ثم سلكه فوصل إليه فعلا. فلا تبقى لديه أية ريبة بالنسبة إلى صدق الهادي.

القسم الثاني عن العقيدة والإيمان

البحث الثالث عن:

الولاية

الحاجة إلى الإمام

كيف نعرف الإمام؟

مسؤولية الناس تجاه الإمام

الحاجة إلى الإمام

الولاية لله الإسلام رسالة خالدة لكي تتبين الشرائع التذكرة بالآخرة مرجع الأمة الإمامة ضرورة حضارية

كما لا تكمل الرسالة بدون الرسول (ص) كذلك لا تتم الشريعة بدون إمام. ذلك لأن طبيعة البشر تهوي به إلى أسفل ولا يكفيها وجود شريعة محفوظة في الأسفار، بل لابد من تجسيد تلك الشريعة في إنسان يتمتع بتفوق تشريعي يعطيه صلاحية تطبيق الشريعة على الناس، إذ لابد لكل قانون من مطبق نافذ الكلمة والا عاد القانون حبرا على ورق.

ولقد شاء الله تبارك وتعالى ان يسعد الإنسان في الحياة بدون ان يضطره إلى ذلك فيسلبه كرامته وحريته إذ أنهما أعز على الإنسان حتى من السعادة ذاتها وهكذا كان ينبغي عليه ان يوفر له كل وسائل السعادة حتى إذا شاء أخذ بها، فشرع له الشرائع وعبد له المناهج ثم بعث رسولا يبين له وينذره ويبشره ويدعوه إلى تطبيق ذلك ويشرف على تنفيذه وكان عليه لهذه الناحية ان لا يترك الخلق فوضى دون منفذ للشريعة بعد الرسول (ص) بل كان ينبغي ان يعين لهم أئمة يتمتعون بما يتمتع به الرسول من صلاحيات ويقومون بما يقوم به الرسول من مهمات. كل ذلك إتماما للنعمة وتحقيقا للحكمة وتوفيرا لوسائل السعادة التي هي الهدف النهائي لحياة الإنسان ولكن كما لم يشأ الله ان يكره الناس على الهدى في عهد الرسل إبقاءا لهم على النعمة الكبرى الموهوبة لهم، وهي نعمة الحرية؛ فكذلك لم يشأ ان يجبرهم على اتباع الإمام جبرا. وهكذا أبقى على الإمام الأخير صاحب الزمان (عجله الله فرجه) إتماما لحجته على خلقه وتوفيرا لمنتهى ما يمكنهم ان يبلغوه من سعادة الدنيا والآخرة. غير ان الحكام شردوا الأئمة عليهم السلام وقتلوهم وأزالوهم عن مراتبهم ولم يستفيدوا من علومهم وكفاءاتهم فكان مثل الأئمة بينهم كمثل سراج يطفئه طاغية فلا يستفيد منه الناس.

هذا موجز الحديث عن فلسفة الإمامة عند الشيعة وان من يستوعبها يتمكن من رد الشبهات التي تلوكها ألسنة البسطاء والتي تتلخص في الأمور التالية:

1- يقولون: ألم يكف الناس كتاب الله وفيه علم كل شيء؟

ولكن نقول: إذا فماذا كان السبب في ان يبعث الله أنبياء ان كان يكفي الناس نزول الكتاب في قرطاس؟ ان الحاجة إلى وجود مبلغ للرسالة هي الحاجة إلى وجود منفذ للشريعة وهو الإمام.

2- يقولون: إذا فلماذا لم ينصر الله الأئمة بالغيب؟

نقول: لأنه شاء ان يجعل الدنيا دار بلاء يعمل الناس فيها بحريتهم تماما كما ان كثيرا من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ لم يرد الله جبرا أممهم على اتباعهم!

3- يقولون: فما هي فائدة إمام غائب؟

نقول: مثله مثل طبيب لا يدعوه الناس إلى مرضاهم، الذنب ذنب الحكام الطغاة الذين تسببوا في غيبته. اما الله فقد اتم نعمته باصطفائه الإمام. وان هناك ظهورا ينتظره القدر حيث يعود الإمام (عج) إلى المسرح لكي يطبق أحكام الله جميعا وهي فائدة كبيرة..

ونظرا لأهمية الحديث يجب ان نفصل وجوه الحاجة إلى الإمام ضمن بضعة نقاط، وقبل التفصيل لابد ان نعلم ان الحاجات تنبعث من منطلق واحد هو ان الله خلق في الإنسان الكفاءة التامة لبلوغ أسمى درجات الفلاح في الدنيا والآخرة، وانجاز هذه الكفاءة يتوقف على وجود الحجة الذي يأخذ بيد من يشاء ويبلغه الفلاح المتوخى فلو لم يجعل الله حجة لخلقه إذا لكانت هذه الكفاءة لغوا تعالى الله عنه.

1- الولاية بالله:

ان الله هو الحاكم المطلق الذي لا يحق لأحد ان يشرع للخلق من دونه في قليل أو كثير. وبما انه أجل من أن يباشر الخلق بالهداية والتشريع فإنه يبعث أنبياء يهدونهم ويبلغونهم رسالاته. وبما ان من الواضح ان المسلمين لم يبلغوا بعهد عهد الرسول (ص) درجة من النضج الفكري والرشد الاجتماعي وأخيرا لم يتقمصوا الشريعة الإسلامية بصورة كاملة لا علما ولا عملا، لما دل على ذلك من اختلافهم الواسع في الأحكام والمعارف الإسلامية لزم ان يكون لهم امام معصوم من بعد الرسول يقوم ببيان الأحكام وشرح المعارف حتى يكتمل نضج طائفة طليعية في الأمة تستمر بها الأمة مدى الدهر محتفظة بالروح الإسلامية الكاملة. هذا من جانب ومن جانب آخر لزم ان يكون لهم من يجري عليهم الأحكام حتى لا تضيع الرسالة في زحمة الأهواء المادية. والحديث التالي يشير إلى هذه الحقيقة إذ يقول الإمام (ع): (فإن قال قائل فلم جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم قيل لعلل كثيرة منها: ان الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يتم الا بان يجعل عليهم فيه أمينا بأخذهم بالوقف عندما أبيح لهم ويمنعهم من التعدي والدخول فيما حضر عليهم لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام.

2- القيادة ضرورة أبدا:

هل الأمة بحاجة إلى قيادة؟ لأن كانت هذه الحقيقة موضوع نقاش حينما قالت طائفة الخوارج بعدم حاجة المجتمع إلى قيادة، أو عندما قالت الفوضوية بذلك. فإنها غير واردة أبدا اليوم، إذ لم يعد هناك أي إنسان يشك في ضرورة القيادة للإنسان، والتاريخ لم يهدنا إلى مثال واحد استغنى فيه المجتمع عن القيادة.. ومن هنا وجب على الإسلام أيضا ان يعين القيادة الصالحة. وبما ان الدين الإسلامي أتم الشرائع كان لابد ان تكون قيادته بمستواه، وهل يتحقق ذلك في غير الإمام المعصوم وهو أعلم أهل عصره وأتقاهم؟ والخلاصة: ان المجتمع بحاجة إلى القيادة، وخير القادة المعصوم العالم المؤيد من قبل الله تعالى. فكان من حكمة الله ورحمته ان يعين للمسلمين هذه القيادة التي تتمثل في الإمام عليه السلام.

الحديث التالي يوضح هذه النقطة: (انا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا الا بقيم ورئيس لما لابد لهم منه في أمر الدين والدنيا فلم يجز حكمة الحكيم ان يترك الخلق فيما يعلم انه لابد لهم منه ولا قوام لهم الا به فيقاتلون به عدوهم ويقيمون به فيئهم ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم).

3- الإسلام رسالة خالدة:

علم الله من خلقه انهم لو تركوا وشأنهم لبدلوا السنن وأظهروا البدع ولم يدعوا للأجيال القادمة فرصة السعادة بالدين المبين فلزم ان يجعل لهم من يحفظ السنة ويمحق البدعة. إذ كان الإسلام رسالة خالدة فكان لابد ان يوفر الله الوسائل الممكنة لبقائها عبر الأجيال نقية صافية.

قال الإمام الرضا عليه السلام: انه لو لم يجعل لهم (أي للخلق) إماما قيما حافظا مستودعا لدرست الملة وذهب الدين وغيرت السنة والأحكام ولزاد فيه المبتدعون ونقص منه الملحدون وشبهوا ذلك على المسلمين لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهواءهم وتشتت أنحاءهم فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول لفسدوا على نحو ما بينا وغيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين.

4- لكي تتبين الشرائع:

هناك طائفة كبيرة من الشرائع والأحكام تبين في الكتاب والسنة، أما الكتاب فبسبب من احتوائه على المتشابهات وعدم وجود تفسير صحيح لها. وأما السنة فلعدم وجود كل ما يحتاج إليه الناس فيها ولبعد الناس عنها وقلة الثقاة وكثرة المحرفين ذوي الميول والأهواء المختلفة كل هذا مضافا إلى كثرة الاشتباه في الموضوعات الخارجية وتطبيق الأحكام العامة عليها ولذا احتاج الناس إلى إمام عالم معصوم لبيان الأحكام وتوضيح المتشابهات قال الإمام (ع): (لم يترك الله الأرض بغير عالم يحتاج الناس إليه ولا يحتاج اليهم.. يعلم الحلال والحرام).

5- التذكرة بالآخرة:

الدنيا قريبة إلى حواس الناس بينما الآخرة بعيدة عنها وأكثر الناس تغرهم الدنيا فينسون ذكر ربهم ويغفلون عن الآخرة.. اذن فلابد لهم من داع يذكرهم بها ذلك لأن الآخرة حق وفي نسيانها الشقاء العظيم!

جاء في الحديث: (ان الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين. ان الامامة رأس الإسلام النامي وفرعه السامي. بالإمام تقام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف. والإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويقيم حدود الله ويذب عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة. عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله).

6- مرجع الأمة:

لابد للناس من مرجع ينتهي إليه كل خلاف.. ذلك ان الناس لا يزالون مختلفين في كل الأمور وهذا الخلاف يؤدي بهم إلى الشقاء الدائم. فلولا ان الله يصطفي من عباده من يحسم لهم الخلاف، فقد كان يقتضي سلب الناس سعادتهم بدوام الخلاف بينهم واقتضى ذلك ان يقضي غرضه الذي خلق لأجله الناس وهو الفلاح، وتعالى الله الحكيم ان يفعل شيئا لغاية محددة ثم لا يوفر الوسائل التي تحققها؛ أعجزا ام جهلا ام ظلما؟ سبحانه!

في السنة: جاء في حوار بين أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) وكان يدعى بهشام، ورجل شامي ويسمع من الإمام نفسه (ع).

قال هشام: فبعد رسول الله من؟

قال الشامي: الكتاب والسنة.

قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا؟

قال الشامي: نعم.

قال هشام: فلم اختلفت أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا؟

قال: فسكت الشامي.

فقال أبو عبد الله (ع) للشامي: مالك لا تتكلم؟

قال الشامي: ان قلت لم نختلف كذبت، وان قلت ان الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف بطلت لأنهما يحتملان الوجه. وان قلت قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذا الكتاب والسنة.. الا ان لي عليه هذه الحجة.

فقال ابو عبد الله (ع): سله تجده مليا[61].

فقال الشامي: يا هذا من أنظر للخلق أربهم ام أنفسهم؟

فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم.

فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟

قال هشام: في وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو الساعة؟

قال الشامي: في وقت رسول الله (ص).

قال هشام: رسول الله (ص).

قال الشامي: والساعة من؟

فقال هشام، (وأشار إلى الإمام الصادق عليه السلام): هذا القاعد الذي يشد إليه الرجال ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أب عن جد.

قال الشامي: فكيف لي ان أعلم ذلك؟

قال هشام: سله عما بدا لك.

قال الشامي: قطعت عذري.

7- الإمامة ضرورة حضارية:

ان أبسط تعريف للإنسان وأشمله: هو ان الإنسان خلق حضاريا. وهذا يعني امتلاكه لمؤهلات الحضارة.. وليست الحضارة سوى القدرة على التحكم في الذات.

ولا ريب في ان كل إنسان يجد أمامه آفاقا واسعة يستطيع الانطلاق فيها إلى أسمى مراتب الضبط الذاتي.. ولو فتشنا التاريخ لوجدنا ان قفزاته التقدمية كانت نتيجة البطولات السامية التي تتمتع بها فئة قليلة من بني آدم، ولم يكن الآخرون الا مجرد اتباع اقتفوا آثار البطولات تلك.. فلولا تلك البطولات إذا لكان يلف التاريخ ظلام كثيف. وأحداث التاريخ تدل على ان أعظم أولئك الرجال هم المؤيدون بالغيب. فلم يشهد التاريخ من استطاع ان يزكي الناس ويربيهم بسيرته المشرقة سوى الأنبياء ومن أتبعهم.

وهكذا كان مقتضى النظام الكوني الذي يتمتع بالدقة المتناهية الا يدع مدبرها الإنسان الذي جعلت فيه مؤهلات التقدم الحضاري يعيش الهمجية دون ان يبعث إليه المزيد من هؤلاء الرجال الافذاذ الذين يعلمون الناس بسيرتهم الشخصية كيف يمكن لهم ان يبلغوا المجد الرفيع وهذا التعليم العملي يدعى في منطق الشريعة بالحجة إذ ان هؤلاء سيكونون دليلا واقعيا على إمكانية التقدم الحضاري.

والخلاصة: لابد للناس ممن يربيهم إلى الضبط الذاتي والأخلاق الحضارية، ولابد ان يتفوق هذا الرجل في هذا علما وعملا ويبلغ في ذلك المنتهى، ولا يكون ذلك الا لمن عصمه الله. فلزم ان يبعث الله من خلقه من يربيهم فبعث الأنبياء في حينه وجعل من بعدهم حججا يمثلونهم وهم الأئمة المعصومون (ع) ويحتج الله يوم القيامة بهم على خلقه. فإن قال أحد منهم لم أتمكن، قال له: كيف استطاع هذا الرجل وهو بشر مثلكم ان يقوم بما هو أهم من هذا؟ إذن فإن وجود نموذج بشري يمثل قمة الحياة الحضارية السامية ضرورة إنسانية لا يمكن ان يتخلف عنها نظام الخلق الدقيق الحكيم!

قال الإمام الصادق (ع):

يا هشام يحتج الله تعالى على خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون اليه؟! (أي لا يمكن ذلك أبدا بل يجب ان يكون الحجة قمة الفضيلة والمعرفة.. ).

الإمام من يعينه؟

الله يعين الإمام أم الناس أنفسهم؟

من الواضح ان الذي يعين لتنفيذ النظام ينبغي ان يكون عالما به مطبقا له وان الذي بعث لكي يربي الإنسان حضاريا وخلقيا يجب ان يكون زكي النفس طاهر القلب وأسمى حضاريا من كل الناس.. وان الذي يصطفى ليكون مرجعا لخلافات البشر في أمور الدين والدنيا يجب ان يتفوق عليهم بالعلم والتقوى لكي لا يختلف فيه بدلا عن ان يختلف إليه. وان الذي يعلم الناس المعارف ويذكرهم بربهم والدارة الآخرة وينشر العدالة بينهم يجب ان يكون أعلم الناس وأتقاهم وأعبدهم وأكثرهم ذكرا لله. وان الذي يقود أمة الإسلام في جمعتهم وجماعتهم وسياستهم الخارجية والداخلية يجب ان يكون أعدل الأمة وأعلمها.

وبصورة موجزة ان الذي يقوم بتغطية حاجات المجتمع المسلم يجب ان يكون بحيث يستطيع ان يسوق الإنسان إلى السعادة التي خلق من أجلها البشر ولا يمكن للبشر أنفسهم ان يصطفوا هكذا إنسان لعدة أسباب:

1- لأنهم لا يستطيعون معرفة هكذا إنسان بل قد يخيل اليهم ان رجلا أعلم واتقى وهو بالتالي أحرى بالإمامة، ثم لا يكون فيه أدنى جدارة.

2- لأنه لو علم لا يتجه لاصطفائه لأن الناس ينظرون إلى الزعماء من زواياهم الخاصة وحسب شهواتهم ومصالحهم فلذلك يختلفون في اخيتارهم له.

وأخيرا.. لأن الأهداف التي يجب ان يحققها الإمام تشترك مع الأهداف التي ينبغي ان يحققها الرسول (ص). وكما ان الرسول (ص) لا يمكن ان يعين من قبل الناس أنفسهم لأنه وسيلة متصلة بين الله والانسان فإن الإمام لا يمكن ان يعين الا من قبل الله أيضا.

وبتعبير آخر: ان الإمام ينبغي ان يكون مؤيدا بالغيب عارفا بالله ودينه معارفه بعيدا عن تأثرات المادة وبعيدا عن ظروفها الضيقة. ولا يؤيد الله من يختاره الناس بل من يصطفيه هو سبحانه وليس للناس الخيرة إذا قضى الله أمرا، ذلك لأنهم عباد مربوبون يجب ان يسلموا بالحاكمية المطلقة لله في كل الشؤون.. والواقع ان من عجب الرأي ما يقوله بعض البسطاء من ان على الإنسان التسليم لله في كل مناحي الحياة سوى القيادة في الوقت الذي تعتبر القيادة أعظم ما يجب اصلاحها. أليست السياسة ان صلحت صلحت الحياة وان فسدت ساد الأرض الفساد والفوضى؟. فلماذا يجب ان نخضع لله في شرائعه كلها ما سوى القيادة؟ ام كيف نعتقد بأن على الله ان ينزل اليهم الدين وليس عليه ان يختار من ينفذه؟

جاء في الكتاب:

(إني جاعلك (أي إبراهيم عليه السلام) للناس إماما. قال: ومن ذريتي؟ قال: لا ينال عهدي الظالمين). وقال: (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض). وقال: (اني جاعل في الأرض خليفة). من هذه الآيات يظهر بوضوح ان الخلافة والإمامة اللذين هما تعبيران عن واقع واحد- ليستا من حق أحد وإنما هي لله وحده لا شريك له.

وجاء في السنة:

(ان الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس. فقال عزوجل: (ما فرطنا في الكتاب من شيء). وأنزل في حجة الوداع وهي آخر حجة حجها رسول الله وكان في أواخر أيامه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). فأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض رسول الله (ص) حتى بين لأمته معالم دينه وأوضح لهم سبله وتركهم على قصد الحق وأقام لهم عليا علما وإماما ما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة الا بينه. فمن زعم ان الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عز وجل، ومن رد كتاب الله عز وجل فهو كافر. هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ ان الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من ان يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم فيقيموا إماما باختيارهم. ان الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل (ع) بعد النبوة وانحله مرتبة ثالثة وفضيلة معرفة الله بها فأشار بها فأشار بها ذكره فقال عز وجل: (اني جاعلك للناس إمام. قال الخليل سرورا بها- ومن ذريتي. قال عز وجل -: لا ينال عهدي الظالمين) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة. ثم أكرمه الله عز وجل بأن جعل في ذريته أهل الصفوة والطاهرة. قال عز وجل: [ووهبنا له اسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين]. فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها النبي (ص) فقال الله جل جلاله: [ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين] فكان له خاصة فقلدها النبي (ص) عليا بأمر الله عز وجل على رسم فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم الله العلم والإيمان بقوله عز وجل: [وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث] فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد (ص) فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟ ان الإمامة منزلة الأنبياء وارث الأوصياء. ان الإمامة خلاصة عز وجل وخلاصة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين (ع). ان الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعز المؤمنين. الإمام المطهر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم موسوم بالحلم. الإمام واحد في دهره لا يدانيه أحد، لا يعادله عدل، ولا يوجد له بديل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب بل اختصاص من الله المتفضل الوهاب. فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره؟ هيهات! هيهات! ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب! فأين الاختيار من هذا؟ أظنوا ان ذلك، يوجد في غير آل الرسول عليهم السلام؟ كذبتهم والله- وأنفسهم وضلهم الباطل فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم. راموا إقامة الإمام بعقول بائرة ناقصة.. رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم. والقرآن يناديهم [وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون]. وقال عز وجل [وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم]. وقال عز وجل [ما لكم كيف تحكمون* ام لكم كتاب فيه تدرسون* ان لكم فيه لما تخيرون* أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة. ان لكم لما تحكمون* سلهم ايهم بذلك زعيم* ام لهم شركاء فليأتوا بشركائهم ان كانوا صادقين[62]].

ان الأنبياء والأئمة يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله عز وجل: [ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا]. وقوله عز وجل في طالوت: [ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم]. وقال عز وجل لنبيه [وكان فضل الله عليكم عظيما]. وقال عز وجل في الأئمة من أهل بيته وعترته وذريته: [ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما. فمنهم من آمن ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا]. وان العبد إذا اختياره الله عز وجل لأمور عبيده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاما فلم يعي بعده لجواب ولا يحير فيه عن صواب وهو معصوم مؤيد موفق مسدد قد آمن الخطايا والزلل والعثار، وخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده وشاهده على خلقه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه بهذه الصفة فيقدمونه؟؟ تعدوا وبيت الله الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، فإنهم لا يعلمون. وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ولعنهم، فقال عز وجل [ومن أضل ممن اتباع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين]. وقال عز وجل [فتعسا لهم وأضل أعمالهم]. وقال عز وجل [كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار[63]].

كيف نعرف الإمام؟

كيف نهتدي إلى الإمام الإمامة الإمام المعجزة النص شهادة الله كيف نثبت الإمام شبهات مردودة.

كيف نهتدي إلى الإمام!

بما ان الإمامة بمثابة النبوة، فإن هناك وسائل مشتركة بينهما في التعرف عليهما.. ومن الطبيعي إذا ان يكون العقل هنا كما في الرسالة هو الرائد الوحيد الذي يهدينا إلى الحق.. ولقد سبق منا القول المفصل في آيات النبوة. ولذلك فلا ينبغي هنا الا الإشارة اليها ونوعية تطبيقها على واقع الإمامة بإيجاز كثير!

نعرف الإمام:

1- بالإمامة.

2- بالإمام نفسه.

3- بالمعجزة.

4- بالنص.

5- بشهادة الله.

1- الإمامة:

لقد سبق الحديث عن حاجة الإنسان إلى الإمام هذه المتشابهة تماما مع حاجاتهم إلى الرسول. فلو رأينا من اكتملت في حاجات البشر من هذه الناحية فكان مذكرا بالله، وبما أودع في الإنسان من العقل والمعرفة الفطرية مبينا لما يرضي الرب وما يسخطه، الا على مصالح البشر ومفاسدهم ولديه علم يرفع به كل خلاف بين البشرية ويذكرهم بربهم وبمصيرهم ويعلمهم الفضائل ويربيهم عليها وما ليس لأحد من البشر طريق مؤدي إليه ويهديهم سبيلا إلى وصول ربهم.. وكان يدعي ان ليس له من الأمر شيء بل كل ذلك من الله بسبب الرسول فعند ذلك فقط نعرف انه صادق وبأنه الإمام الحق. وهذا الأمر لم يتحقق الا بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام فقط. فمن أظهر غيرهم فلسفة الإسلام المستوحاة من الكتاب والسنة ودعمها بالحجج والبراهين الوجدانية؟ من أرشد الناس إلى واقع العقل وبين ما يحجبه وكشف عن النفس ما يرديها؟ من غيرهم كان دأبه التذكرة بالله وباليوم الآخرة؟ ثم كان يدعي إمامة الخلق جميعا.. الذي ادعى الخلافة، ابتداءا من أول شخص وانتهاءا إلى آخر خلفاء العثمانيين، لم يدع بأنه قائم بكل ما يرشد العقل إلى لزوم توفره في الامام.. والذي ادعى العلم في الأمة لم يدع الولاية على الرقاب والأموال.. فمن هو جامع العلم والولاية؟ من الذي يقول: سلوني قبل ان تفقدوني؟ ثم يقول: لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله إشارة إلى زحزحة الخلافة عنه- من يقول ذلك غير أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام؟

ان منصب الإمامة بالمعنى الذي سبق لم يدعه أحد غير الأئمة الاثني عشر ولم يسجل التاريخ رجلا كان لديه من مواهبها ما كانت فيهم. ان الإمامة هي: الشهادة الحقة على صدق الأئمة عليهم السلام، ونظرة واحدة إلى أقوالهم وسيرتهم ونظرتهم إلى أنفسهم تدلنا على هذه الحقيقة. (وشرح هذه الحقيقة تستدعي مجلدات ضخمة في جميع فصول الدين علوما وأعمالا- ولعل الله يقيض من بعد ذلك من يقوم بهذه المهمة).

2- الإمام:

والإمام نفسه دليل إمامته لما يتميز من تفوق علمي وخلقي من دون ان يتعلم علومه من أحد، فهو لا يحتاج إلى اكتساب علم في حين يحتاج إليه الناس أجمعون. أرأيت ابن تسع سنين كالإمام الجواد (ع) يجيب على ثلاثين ألف مسألة علمية؟ أم هل سمعت مثل الإمام الصادق (ع) من يعلم تلاميذه كل العلوم ولم يدرس عند أحد شيئا؟ ان العلم لا يأتي الا بالاكتساب أو الوحي والإلهام فإذا علمنا من تاريخ الائمة انهم لم يكتسبوا العلم من أحد أيقنا ان علمهم كان من الله، فهم الأئمة صدقا وعدلا. أما الأخلاق: فإذا عرفنا من أحد الصدق والأمانة والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة والكرم والطهارة. وبكلمة: رأيناه مثلا لكل الفضائل ثم رأيناه أعبد الناس وأتقاهم وأخشى الناس من الله.. كان هذا هو الإمام حقا ذلك لأن حكمة الله تقتضي أمر الناس بطاعة هذا دون غيره.. أيأمر الحكيم العالم باتباع الجاهل، أو يأمر الله الورع باتباع الفاسق وهو يقول: [أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون] ويقول [هل يستوي الأعمى والبصير] ويقول [قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر أولو الألباب]؟

وبما ان التاريخ لم يهدنا إلى أفضل من الأئمة عليهم السلام علما وتقى فإنهم لا غيرهم الصالحون لقيادة الخلق[64].

3- المعجزة:

وأظهر معاجز الائمة عليهم السلام علومهم التي لم يسبقهم فيها أحد من البشر كمعارف الفلسفة الإسلامية والمنطق- والتي ثبتت بالعلم الحديث صدقها. وقد كان الرأي السائد ذلك اليوم بخلافها، كأقوالهم في العوالم الأخرى وفي حجم الأرض وفي بعد الشمس وفي جسم الإنسان وكثير من أمثال ذلك.. فإذا أضفنا إلى ذلك بأنهم لم يكونوا قد تعلموا عند أحد عرفنا ان علومهم من الله بالمباشرة والإلهام أو بالوراثة. وهناك طائفة من المعاجز التي ثبتت بالنقل الصحيح والمتواتر أو اعترف بها أعدائهم.

ومن الواضح؛ ان الحكيم لا يضل الناس بإعطاء الكذاب المعاجز الباهرة التي تغري الناس وتلحد بهم عن الصراط السوي، فعلم انهم أئمة حق لا ريب فيه[65].

4- النص:

والنص ها هنا بمثابة البشارة للرسول والنصوص الشرعية الشاهدة على إمامة المعصومين على ثلاثة:

أ- الآيات القرآنية، وهي كثيرة نذكر منها نبذة يسيرة.

1- (قال: ومن ذريتي. قال: لا ينال عهدي الظالمين).

بنص هذه الآية لا يكون الإمام والخليفة ظالما باجتماع المسلمين ولم يدع أحد العصمة الا الأئمة الطاهرون.

2- [يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا].

حيث ان الآية وردت في المعصومين فقط. ذلك لأن غيرهم قد يأر بخلاف الشرع ووجوب طاعته يعني التناقض في الدين.

3- (بسم الله الرحمن الرحيم: إنا أنزلنا في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر).

على من تنزل الروح (الذي هو جبرائيل أو ملك أعظم منه، في ليلة القدر؟ على ولاة الأمر من ملوك الأمويين أو العباسيين ام على العالم المعصوم من آل محمد (ص)؟

4- (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ان رجس الشيطان ألعن رجس، والمعروف انه لم يدع أحد ارتفاع رجس الشيطان (الذي هو الذنب) عن أحد سوى الشيعة في أهل بيت الرسول (ص)- لم نعتمد في استنباط ولاية الأئمة من الآيات على التفسير ولا على الأحاديث فإن هناك بضع مئات من الآيات صرح مفسرو الفريقين وكما صرحت رواياتهم عن الرسول انها نزلت في أهل البيت (ع) وهي أما تدل على ولايتهم أو تدل على فضائلهم والأول صريح والثاني يدل دلالة ضمنية على ولايتهم، ذلك لأنه لو ثبت أنهم أفضل الخلق بنص الآيات، فهل من المعقول ان يجعل الله عهده في المفضول ويترك الأفضل تعالى الله الحكيم العليم عن ذلك وهو يقول: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).

ب- أحاديث الفضيلة:

طائفة كبيرة من الأحاديث جاءت من الرسول تؤكد ان أهل بيته لهم الفضائل الجمة التي دونها فضائل الآخرين، وهذه النصوص التي تواتر نقلها لدى الفريقين- تدل دلالة ضمنية على أمانة أهل البيت، إذ مع العلم بأن الله حكيم يصطفي الأفضل، لا يبقى مجال للشك في أنه اصطفى أهل البيت لأنهم أفضل من غيرهم بنص الرسول (ص) وتواتر النقل عنه. ونحن إذ نذكر حديثا واحدا من مئات الأحاديث الواردة في هذا الموضوع، نرشد القارئ إلى الكتب المطولة مثل (الغدير) و(الصواعق المحرقة) و(فضائل آل الرسول) و(المراجعات) تأليف كبار الباحثين من الفريقين.

قال ابن أبي الحديد وهو من علماء العامة-: (ونحن نذكر ما استفاض من الروايات عند مناشدته أصحاب الشورى وتعديده فضائله وخصائصه التي بان[66] بها منهم ومن غيرهم، قد روى الناس ذلك فأكثروا، والذي صح عندي انه لم يكن الأمر كلما روى من تلك التعديدات الطويلة. ولكنه قال لهم بعد ان بايع عبد الرحمن والحاضرون عثمان وتلكأ هو (علي عليه السلام) عن البيعة، قال بعد كلام: أنشدكم الله أفيكم أحد آخا رسول الله بينه وبين نفسه حين آخى بين بعض المسلمين وبعض، غيري؟ فقالوا: لا. قال: أفيكم أحد قال له رسول الله (ص) من كنت مولاه فهذا مولاه، غيري؟ فقالوا: لا.. قال: أفيكم أحد قال فيه رسول الله أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي، غيري؟ قالوا: لا.. قال أفيكم من أؤتمن سورة البراءة وقال له رسول الله انه لا يؤدي عني الا أنا ورجل مني، غيري؟ قالوا: لا.. قال: الا تعلمون ان أصحاب رسول الله فروا عنه في مواطن الحرب وفي غير موطن وما فررت قط؟ قالوا: بلى.. قال: ألا تعلمون اني أول الناس إسلاما؟ قالوا: بلى.. قال: فأينا أقرب إلى رسول الله نسبا؟ قالوا: أنت..).

ج- أحاديث الولاية.

وهي التي تدل دلالة صريحة على انهم الائمة المصطفون من قبل الله.. ورغم ان السلطة الزمنية كانت تعارض بشدة نقل هذه الأحاديث فقد تواتر النقل إلينا بطريق الفريقين مما دعانا إلى القطع بصحتها كما نقطع بصحة نقل الخبر عن وجود البلاد النائية والأمم الخالية بالخبر المتواتر.. وإليك جزءا يسيرا منها:

نقل بسند متواتر عن طرق السنة (أنظر الصحاح الست مثلا) عن رسول الله (ص) انه قال:

1- (سيملك بعدي اثني عشر أميرا كلهم من قريش).

أترى من كان هؤلاء الأمراء؟ أمية أم بنو العباس؟ وقد كانوا أكثر من اثني عشر.. أم الراشدون ـ كما يعبرون ـ وهم أقل عددا منهم؟ أليس الحديث ينطبق على الأئمة الاثني عشر فقط؟

2- (ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه..)

لقد قال الرسول (ص) هذه الكلمة بعد ان قال للمسلمين: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) فكانت كلمة تشير إلى تلك الولاية وهي صريحة نقلا ومقبولة عقلا ومقطوعة سندا فما بالنا لا نأخذ بها؟

3- قول الرسول (ص): (ستفترق أمتي على ثلاثة وسبعين فرقة فرقة في الجنة، والباقون في النار). وقوله لعلي (ع): (يا علي أنت وشيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي). وقوله: (علي مع الحق والحق مع علي)، أترى من هي الفرقة الناجية وما هي الفرق الهالكة؟ أيعقل ان تكون الفرقة التي مع علي هي الهالكة مع هذا الحديث؟ كلا!

4- روي عن ابن عباس قال: خرجت مع عمر إلى الشام في احدى خرجاته فانفرد يوما يسير على بعيرة، فقال لي: يا بن عباس أشكو اليك ابن عمك (أي الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام) سألته ان يخرج معي فلم يفعل ولا أزال أراه واجدا فما تظن موجدته؟ قلت: يا أمير المؤمنين انك لتعلم قال: أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة. قلت: هو ذلك انه يزعم ان رسول الله أراد الأمر له. قال: يا بن عباس وأراد رسول الله الأمر فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك ان رسول الله أراد أمرا وأراد الله غيره فنفذ أمر الله ولم ينفذ مراد رسول الله أو كلما أراد رسول الله كان أراده الله. كان أراد اسلام عمه ولم يرد الله فلم يسلم. كانت تعتلج في قلب عمر شبهة الجبر أو هكذا هرب من المسؤولية، والا فكيف أراد الله شيئا وأراد الرسول غيره وهو القائل: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) الا ان نقول ان المذبذبين غير مقصرين لأن الله أراد شيئا فكان كما أراد الله..

5- وعن إبراهيم بن محمد الحمويني من علماء العامة مسندا عن سليم بن قيس في حديث طويل ذكر فيه بضع عشرة من فضائل علي (ع) إلى ان قال الإمام (والجمع بين المهاجرين والأنصار شاهدون): ونصبني للناس بغدير خم، ثم خطب فقال: أيها الناس ان الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت ان الناس مكذبي فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني أي ان الله هدده (ص) ان يبلغها والا عذبه وذلك في قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس). - ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثم خطب فقال: يا أيها الناس أتعلمون ان الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله.. قال: قم يا علي، فقمت. فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه). فقام سلمان فقال: يا رسول الله ولاء ماذا؟ فقال: ولاء كولائي من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه! فأنزل الله تعالى ذكره (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). فكبر رسول الله وقال الله أكبر تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي. فقام ابو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله هذه الآيات خاصة في علي؟ قال: بلى فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. قالا: يا رسول الله بينهم لنا. قال: علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن من بعدي، ثم ابنه الحسن ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني الحسين[67] واحدا بعد واحد القرآن معهم وهم مع القرآن لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا علي الحوض..)؟ فقال الحاضرون وهم أكثر من مائتي رجل من الصحابة-: (نعم قد سمعنا ذلك وشهدنا كما قلت سواء).

ان هذا الحديث يشهد على ولاية الأئمة (ع) جميعا كما يشهد على ان الثاني عشر منهم سيبقى إلى يوم القيامة، حيث قال الرسول: وفي أوصيائي إلى يوم القيامة.

وهنا دليل آخر وهو: ان الإمامة كما حددناها سابقا منصب إلهي ليس لأحد الحق في انتحاله من دون أمر الله والشيعة فقط يحددون الإمامة هذا التحديد فهم فقط يعتمدون على النص وليس أحدا من السنة ادعى ان النبي (ص) نص على غير أهل البيت (ع) فهم مجمعون على عدم النص في غير أهل البيت وقد عرفنا بالدليل السابق ان الإمام لابد ان ينتخب من قبل الله.. إذا فلابد من النص فلو فرض اننا لم نعثر على نص موجود فلابد ان نقول انه كان موجودا ولكن السلطات الجائرة حذفته من التاريخ اثباتا لسلطانها الظالم.. وبكلمة موجزة:

من اعتقد ان الإمامة ن الله لا يمكنه الا ان يعتقد ان أهل البيت هم الأئمة إذ لم يدع أحد ان غيرهم قد انتخب من قبل الله.

5- شهادة الله:

والله تبارك- يشهد بصدق الأئمة بنفس الأسلوب الذي يشهد بصدق الأنبياء وهو:

1- بإستجابة الدعاء، إذا توسل الفرد بهم، وبالشفاء بتربة الإمام الحسين مثلا وما شابه.

2- بنصر من آمن بهم وهدايته في الدنيا والآخرة.

3- بشهادة المؤمن على صدق الإمامة عندما يصفو من كل كدر.

4- بالوصول إلى الحقيقة مع سلوك منهج الإمامة ـ يراجع ذلك باب دليل شهادة الله في الحديث عن نبوة محمد (ص).

كيف نثبت الإمام؟

ولابد لنا ان نشير ههنا إلى الحقيقة التي سبق وان أشرنا اليها عندما تحدثنا عن كيفية إثبات وجود الله وهي:

ان المهم في اقناع الناس في القضايا المبدأية تذليل أنفسهم المستكبرة لقبول الحق عن طريق الترهيب والترغيب بما في الدنيا والآخرة من أجر للمحق ومن عذاب للمبطل. والأسلوب القرآني الناجح يستخدم قوة الترهيب بعذاب الله في الآخرة ونقماته في الدنيا أكثر من الترغيب بثواب الله الجزيل في الآخرة والفلاح الدائم في الدنيا. ومن هنا فلابد:

أولا: ان نشرح للذي نبتغي هدايته للحق في الامامة- ان المبطل يلقى جزاءه الرئيسي في الدنيا والآخرة ولا يجني الإنسان من معارضة الحق الا الخزي والويل.. وان الامامة لو كانت على بينة من الله فما يزيد جاحدها غير تخسير لنفسه وان التقليد واتباع الهوى والخوض مع المبطل كيفما يخوض كل ذلك ويل وشر عريض ولابد من دعم هذه الحقيقة بآيات قرآنية وأمثال من الأمم الماضية، كيف خسرت نفسها عندما عارضت الحق.

ثانيا: ثم يأتي دور شرح معنى الإمامة، والحاجة إلى الامام عقلا بصورة مفصلة.

ثالثا: بعرض صفات الأئمة (ع) ومآثرهم وكيف ظلموا في سبيل الحق.

رابعا: وأخيرا ببيان النصوص المتفقة بين الفريقين ونسف الشبهات التي تختلج في قلوب بعض البسطاء من العامة والتي يجب ان نشير إليها ههنا ونردها بالحجج الدامغة.

شبهات مردودة..

- لو كان الإمام علي كما تزعمون صاحب الحق الشرعي للخلافة بعد الرسول فلماذا بايع أبا بكر وعمر وعثمان وهو الرجل الشجاع؟

- : السبب نعرفه من خطبة ارتجلها الامام في الكوفة ومن كلمات له أخرى نوجزها فيما يلي:

أ- لأن الإمام لم يجد أنصارا يحارب معهم الأعداء، ولقد صرح مرة بأنه لو كان وجدت أربعين شخصا لدافعت عن حقي.

ب- ان الإمام ع- كان يعلم ان الأمة الإسلامية لم تبلغ النضج الفكري الذي يؤهلها لتصحيح أخطائها بالحرب المسلحة.. فإذا كان الإمام يقاوم أعدائه بالسلاح كان يعرض الأمة لما لا تطيق، فكانت تسبب الردة، ولذلك فقد آثر الإمام الإغماض عن حقه في سبيل الإبقاء على الإسلام حتى يأتي ذلك اليوم الذي ينشر الحق بالتبليغ.

ج- ان بيعة الإمام (ع) لأبي بكر وعمر وعثمان كانت بالإكراه.. حيث كان مهددا بالقتل في كل الحالات. والحديث التالي أكبر شاهد على هذه الحقائق الثلاثة في كتاب سليم بن قيس المعاصر للإمام (ع): قال قائل ولعله أشعب بن قيس- يا بن أبي طالب: ما منعك حين بويع أخو بني تميم بن مرة (أبو بكر) وأخو عدي (عمر) وأخو بني أمية (عثمان) بعدهما ان تضرب بسيفك فإنك لن تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق الا قلت فيها (والله اني أولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله) فما منعك ان تضرب بسيفك دون من ظلمك؟. قال عليه السلام: قد قلت فاستمع الجواب؛ لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهة للقاء ربي فإني أعلم بأن ما عند الله خير لي من الدنيا وما فيها ولكن منعني أمر رسول الله وعهده الي. أخبرني رسول الله ما الأمة بعده تصنع إلى ان قال: قال (ص) ان وجدت أعوانا فإنبذ إليهم وجاهدهم وان لم تجد أعوانا فكف يدك وأحقن دمك.. إلى ان قال: ثم حملت فاطمة وأخذت بيد ابني الحسن والحسين فلم أدع أحدا من أهل بدر وأهل السابقة ومن المهاجرين والأنصار الا ناشدتهم..)

وقال الإمام الصادق (ع) في جواب سؤال وجهه إليه بعض أصحابه قائلا: ما منع أمير المؤمنين (ع) ان يدعو الناس إلى نفسه ويجرد في عدوه سيفه؟ فقال: تخوف ان يرتدوا وان لا يشهدوا ان محمدا رسول الله)

- لو كان الله يريد لعلي الخلافة بعد الرسول فلماذا لم يعلن ذلك في الكتاب المجيد؟

1- أولا يجب ان نعلم ان القرآن لم يكن كتاب دستور للتنظيم بقدر ما هو كتاب تربية وتذكير للبشر ولذلك فهو خال من طائفة كبيرة من الأحكام بينتها السنة.

2- ان في القرآن آيات كثيرة هي كالنص القاطع على خلافة الإمام وعلى أهم نقطة في الخلافة هي أنها لله وليس لأحد ان يتصرف فيها من قبل نفسه وهذا هو المبدأ الأساسي الذي يرتكز عليه أمر الخلافة.

3- لو كان في القرآن نص صريح على خلافة علي إذا لحرفته السلطات التي قامت بجمع وتأليف القرآن.. وكانت سواء عندها آية القرآن وسنة الرسول في امتداد يد الخيانة إليهما.

- ما هو الدليل على وجود الإمام الثاني عشر؟

هناك دليل عقلي وان المحنا إليه- هو لزوم وجود حجة بالغة بين الله وبين الخلق.. ومن المعلوم عدم وجود حجة غير الإمام المنتظر..

وأما الدليل اللفظي، فهي الأحاديث المتواترة التي جاءت على لسان النبي (ص) والأئمة المعصومين.

4- كيف يمكن ان يبقى إنسان له مثل ما للآخرين من قوى وإمكانيات هذه المدة المديدة بأكثر من ألف وثلاثمائة سنة؟

- من المعروف ان عقيدة الشيعة في الإمامة تعتمد على مبدأ المعجزة واذا ثبت ان الله قد يفعل بقدرته اللامحدودة أشياء على غير مجرى السنن الطبيعية، فكل شبهة حول عمر الإمام الطويل تغتدي تافهة ذلك لأن علم الإمام بدون اكتساب أحرى بالشبهة ولكن من يعترف بقدرة الله الواسعة لا صعوبة عنده في ذلك.

4- ما هي المصالح العامة التي نغتنمها من وجود الإمام الحجة عليه السلام وهو مستور غائب عن أبصارنا؟

- هناك عدة مصالح سوف نشير إليها ولكن يجب ان نعرف أولا ان الله تبارك وتعالى قد أتم حجته على الخلق إذ جعل من لدنه حجة وأعطاه كل ما يحتاج إليه الناس من سمات الأمة من وجوه الحاجة إلى الإمام التي سبق الإلمام بها ولكن الناس أبوا الا التواثب عليه لقتله فأغابه الله عن أبصارهم حفاظا عليه. والآن إذا رجع الناس إلى الحق وسلموا أمورهم إلى الإمام صدقا وعدلا يظهر الله إمامهم لهم.

ففي الحديث إذا بلغت عدة الصادقين ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا يظهر الله الإمام الحجة (عج).

ان الله أتم حجته على الخلق ببعث الرسل واصطفاء الحجج لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ولكن الله ليس مسؤولا عن رجوع الناس إليهم أو نكوصهم عنهم. فالله لا يكره الخلق على الهدى وقد فعل ذلك بالنسبة إلى الإمام المنتظر (عج) إذ اصطفاه وجعله حجة حاضرة فإن أرادوا أخذوا به والا فعليهم إجرامهم.. ان الله يوفر للمرضى الطبيب فإن أرادوا تداووا عنده والا فليموتوا!

بعد هذا لنعرف:

1- ان مثل الإمام الحجة (عج) كمثل الشمس وقدراتها السحب حيث لا تمنع عن العالم دفئها وضوءها ومنافعها العديدة. فإن الإمام يؤيد وهو تحت ستار غليظ من الغيبة أنصار الحق أنى كانوا ولنا نحن الشيعة شواهد تاريخية جمة على ذلك.


/ 15